|
خواطِر من روبار العمادية
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 5582 - 2017 / 7 / 16 - 02:12
المحور:
المجتمع المدني
لي دارٌ في الروبار في منتصف المسافة بين العمادية وسولاف ، وحيث ان العوائِل التي كانتْ تشغلهُ منذ حوالي السنتَين ، عادتْ قبل بضعة أسابيع إلى أطلال ما تبقى من ديارها في بعشيقة وبحزاني ، فلقد قررتُ أن اُرّمِم داري " قدر المُستطاع "، وأن أقضي الصيفية هناك ، هرباً من قيض دهوك . أما لماذا قدر المُستطاع بين قوسين ، فلسببَين : الأول محدودية الإمكانية المادية المُتوفِرة ، والثاني والأهَم .. صحيح أن الدار داري وحلالي وعصارة شقايَ وكّدي وعملي لسنين طويلة ، إلا أنها ( مرهونة ) منذ أعوام لأحد البنوك بسبب قَرضٍ مُتأخِر التسديد ، لم أستلمهُ أنا وليسَ لي فيهِ ناقةٌ ولا جمل ولا حتى مِعزة ! ... المُهم رغم إنغماسي بالترميم ، فأن هنالك هاجسٌ يهمس في اُذني أحياناً : ... ماذا دهاكَ يارجُل ، تَصْرُفُ القليل الذي معك ، لكي تُكمِل الحماقة القديمة بموافقتك على الرهن ؟ ... ورُبما غداُ يتم حجز الدار وتجلسُ على " الرنكات " ! . ................... على أية حال ... إكتشفتُ تدريجياً فوائِد جّمة لهذهِ الخطوة الثورية في الهجرة الى الروبار! ... فوجدتُ عند زاويةٍ مُعتِمة في أعماقي ، ان هروبي ليسَ فقط من حَر حُزيران وتموز اللاهب ، فقط .. بل من رتابة ومَلَل الحياة اليومية . إكتشفتُ أنني بحاجةٍ مّاسة إلى الإنفراد مع نفسي للتباحث معها في أمورٍ عديدة . كانتْ العائلة تأتي أحياناً ، لكنهم يعودون عصراً إلى دهوك ، فأبقى وحدي .. صحيحٌ أنني أتشاجرُ مع نفسي غالباً ، لكن هنالك لحظات صفاء ووئام وتصالُح مع الذات .. تلك اللحظات بِعَينها هي التي تدفعني للإنزواء في تلك البقعة . ...................... طبعاً أخذتُ معي كُل الأسلحة التي أحتاجها : اللابتوب / الفاست لنك / أدوات الشحن " شَحن الأجهزة الألكترونية وليس الشحن الطائِفي " / المصابيح القابلة للشحن / مجموعة كُتُب . كُل ذلك تحسُبا للإنقطاع المتوقع للكهرباء الوطنية ، وعلى إعتبار أنه ليس عندي إشتراك في الكهرباء اللاوطنية أي المولدات الأهلية ، لأن داري في الروبار بعيدة عن مُجمع كانيا مالا . ولأنني بلا سّيارة ، ولياقتي البدنية بعد تكرُشي ، لا تسمح بالذهاب مَشياً وصعوداً الى العمادية أو سولاف رغم ان المسافة قصيرة ، فأنني إسترجعتُ خبراتي السابقة في الطبخ ، فأصبحتُ أقلي البيض صباحاً وأطبخ الرُز ظُهراً ، وأتقبلهُ بِكُل عّلاته مُرغَما ، فليسَ هنالكَ مَنْ اُعاتبه .. أمّا مساءاً فأن العَم توما يُسّليني " وللقراء الأعزاء من حَسني النِية ، فأن توما هو ماركة عَرَق لبناني ! " ، فأكرعُ قَدَحاً مُستمِعاً إلى اُم كلثوم أو أغنية كاتيوشا السوفييتية ، وأحيانا يدعوني الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم ، إلى شُرب قدحٍ ثانٍ مع " إحنه مين وهُمّه مين " . ..................... يبدأ يومي قبل الخامسة فجراً .. مع تباشير ظهور الخَيط الأبيض .. ويالهُ من مَنظَرٍ خّلاب ، فقلعة العمادية تطلُ علي من ذاك الإرتفاع الشاهِق .. وزقزقة العصافير وتغريد البلابل وخرير الماء النازل من سولاف ، يزيد اللوحة بهجة وألَقاً .. هنا لستُ بحاجةٍ إلى أغاني فيروز ولا كلبهار ، فصباحات صَيف روبار العمادية ، مليئةٌ بموسيقى الطيور والهواء المُنعِش النظيف .. ومع كوب القهوة ، يكفي ان تجلس بصمت لتستمع إلى الطبيعة وتستمتع بعبقريتها . ولن يكتمل جمال الفجر ، إلا بعد مرور إبن المرحوم صبري ، وهو يرعى قطيعه من الأغنام يتقدمهم كلبٌ ضخم . حتى ال " تيري " أي القِط البّري المتوحش ، المنتشر في الروبار والذي أراهُ فجراً وهو يخرج من البستان المُقابِل ويسير في الشارع ليتوارى في بستانٍ آخَر .. حتى هذا ، لا يُعّكِر مزاجي ، لا سّيما وأنهم قالوا لي ، بأن القط المتوحِش ، لا يكون خَطِراً إذا كان منفرداً ، لكن إحْذَر منهُ إذا كان قطيعاً ، والحمد لله ، فلحد الآن ، لم أشاهدهُ إلا وحيداً ! . ساعات عديدة أعمل فيها في تنظيف هذا المكان أو ذاك وجمع الأنقاض ووضعها في أكياس كبيرة ، أو صبغ السياج الحديدي ، وكذلك الإشراف على عمل الكهربائي والبّراد ... إلخ . بذلك أسترجعُ بعض ذكريات الشباب ، عندما كُنتُ أعمل إدارِيا ومُشرِفاً في مشاريع عديدة عملتُ فيها . من الفوائِد الكبيرة التي جنَيتها في الفترة التي قضيتها في الروبار مُؤخَراً ، فُقداني لثمانية كيلوغرامات من وزني ، فإضافةً إلى حركتي المُستمرة وقيامي ببعض الأعمال اليدوية ، فأنني أتناول يومياً " شوربة الشوفان " التي اُحّضِرها بنفسي ، من الشوفان والدارسين والفلفل الأسود وكذلك أشربُ " الحلبةَ " . إقتنعتُ ان الشوفان والحلبة ، يُساعِدان فعلاً في تخفيف الوزن . ................. كتبتُ مقالاً أنتقِدُ فيهِ الكثير من سلبيات الإدارة ومظاهِر الفساد الشنيعة ، وكنتُ على وشك إرسالهِ للنشر على النت في موقع الحوار المتمدن ومن ثم الفيسبوك ، لكن الإنترنيت كان ضعيفاً ، فلم أفلَح . ففتحتُ التلفزيون لأتابع الاخبار : ... إلقاء القبض على شاعرٍ وإحتجازه لعدة ساعات عند جهةٍ مجهولة ، وتهديده بأنهُ إذا إستمَرَ في " طولة لسانه " فأنهم سوف يقصّونه لهُ ! . سارعتُ إلى اللابتوب ، وقُمتُ بإعادة قراءة ماكتبْته ، وإكتشفتُ أن إسلوبي حاد ومُستَفِز ، فشطبتُ بعض الفقرات وعّدلتُ البعض الآخر . ثم عدتُ لمتابعة الأخبار .. ياللهول : لقاءٌ مع صحفي شاب في المستشفى ، وهو مُثّخنٌ بالجراح وساقه مكسورة وساعده مثقوب ورأسهُ ملفوف وعينه مُتورِمة ... يقول أن جماعة بملابس سوداء وقاماتٍ فارعة حاملين عصي غليظة ، إعتدوا عليهِ في وضح النهار .. ولولا ان الناس تجمعتْ بكُثرة ، لكانوا خطفوه أو حتى قتلوه ! . رجعتُ إلى مقالي .. وأعدتُ قراءته مُجَدَدا ، وحَسَناً فعلت ، حيث إكتشفتُ الكثير من الأشياء " الخَطِرة " ، فبادرتُ إلى الحَك والشطب وإزالة كُل كلمةٍ قَدْ يُشتَمُ منها رائِحة غير مرغوبة ! . حمدتُ الله على ان النت كان ضعيفاً ولم أرسل المقال بشكلهِ الأول . ................. خلال ستة أسابيع في الروبار ، تغيرتْ إنطباعاتي القديمة ، حول " تعميم " فكرة كَسَل شباب العمادية .. فمن خلال مراقبتي اليومية ، وجدتُ الكثير من الشباب العامِل في مِهنٍ مُختلفة ، أو في البساتين او الدكاكين والورش ... يعملون من الصباح الباكِر حتى العصر ... بل ويمتاز معظمهم بالطيبة والكَرم أيضاً . صحيحٌ هنالك بالمُقابِل ، العديد من " التبابِل " غير المُنتجين ، من الطُفيليين العائشين على الهامِش ... لكن أمثال هؤلاء ليسوا ذي قيمةٍ حقيقية . ................ منذ ثلاثة أشهُر أنتظرُ دَوري لِمُقابلة الحصول على فيزا لألمانيا ... لكن الدَور لم يأتِ بعدُ . والغريب أنني بعد إستقراري في الروبار ، لم أعُد مُتحّمِساً كثيراً ، للسَفَر ... ليسَ من باب ( إدعائي بأنني لا أريد العنب ولا أشتهيه ... لأنهُ حامِض ، بينما في الواقِع أنني لا أصلُ إليهِ ! ) .. فصّدقوني ان العنب و " التيشَمبي " على بُعدِ أمتارٍ مِنّي .
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- شيائِكة -
-
عن الموصل ، ثانية
-
فوضى اليوم ... فوضى الغَد
-
في إنتظار - العيدية -
-
- دَولة كردستان -
-
ألَنْ ديلون .. وإسماعيل ياس
-
بُقَعٌ سوداء
-
بعوضة
-
رشيد ... سيرةٌ غريبة لشخصٍ إستثنائي
-
على هامِش مُؤتَمَرَي أربيل : حقوق الإنسان والدفاع عن أتباع ا
...
-
دخول الشوال مع الدُب
-
شخصِيةٌ غير نَمَطِية
-
يحدثُ أحياناً ...- جُزءٌ من مشروع رِواية -
-
قولوا لا .. لأردوغان
-
أعِدَكُمْ ... أعِدَكُمْ
-
- شاه كَرَمْ -
-
شاحِنةُ خرفان
-
حِكاية شُرطيٍ ظريف
-
إقترابات إيزيدية
-
دَعوات الحجّية اُم حمودي
المزيد.....
-
ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ
...
-
أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق
...
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال
...
-
البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن
...
-
اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
-
البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا
...
-
جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا
...
-
عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س
...
-
حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|