|
الأخلاق ..... تأريخ مسروق !!
لينا صلاح الدين
كاتبة
(Lena Saladin)
الحوار المتمدن-العدد: 5581 - 2017 / 7 / 14 - 02:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الأخلاق .... كلمة أول من قام بإبتكارها وتأسيس قواعدها في تأريخ الوجود البشري لم يكن دينا،ولا نبيا، ولا وحيا من السماء، بل كانوا هم الفراعنة الذين أسسوا المبادىء الأخلاقية ومارسوها من غير أن يقرنوها بالآلهة، خاصة وأن آلهة الفراعنة لم تكن ترتبط لديهم بما هو روحاني، بل كانت آلهتهم ترمز إلى الخصوبة والحرب والزراعة والصيد وغيرها من الأمور المادية البحتة. لذلك فقد مارسوا الأخلاق التطبيقية كضرورة للبقاء وليس خوفا من سخط الآلهة. لكنهم لم يمنحوها مسمى، حتى أتى الفيلسوف هيراقليطس الذي أطلق على تلكم الممارسات كلمة أخلاق ، ومن بعده فيثاغورس، وتبعتهما فلسفات يونانية أخرى جسدت الأخلاق وطورتها من كونها مفهوم إلى علم، فأصبح علم الأخلاق أو ما كان يعرف بالإكسيولوجية المتمثلة في الحق والجمال والخير، وأنشئت مدارس أخلاقية لتعليمها في أثينا. أي بإختصار ان الأخلاق هي مفهوم فلسفي بحت. لكن الكارثة التي حلت بالبشرية لاحقا كانت تتمثل في ظهور الأديان السماوية فيما بعد وتبنيها لكلمة الأخلاق، على الرغم من أن الأديان السابقة للأديان السماوية كان هدفها الأساسي هو هدف توحيدي ، فلم تقحم نفسها في التفاصيل الأخلاقية بشكل أساسي. لكن بعد ظهور الأديان السماوية إنفصلت الأخلاق عن أصلها الفلسفي البحت إلى أصل ديني جديد. فأضحت مفهوما ما عاد يقترن بالحق والجمال والخير، بل بات يقترن بالعقاب الآخروي، وما عاد يقترن بالجوهر الداخلي اللاحسي، بل أصبح شرذمة من رجال الدين يقرنوها باللبس والمظهر السطحي، وما عادت ممارستها ضرورة للبقاء، بل ضرورة لإرضاء الآلهة، ففقدت بذلك الأخلاق رونقها. لقد تحولت الأخلاق في قضية المرأة مع الزمن من كونها قيمة ميتافيزيقية إلى قطعة قماش. و تناسى المتدين بأن الرجل الفرعوني الذي أسس السلوكيات الأخلاقية هو نفسه الذي كان يعبد سشات و ماعت وإزيس، وتناسى بأن الرجل اليوناني الذي إبتدع كلمة أخلاق، هو نفسه الرجل الذي كان يعبد أرتميس، أثينا، أفروديت، ديميتريوس، هيرا، جايا وجميعهن آلهات إناث، آلهات (سافرات) كان يعبدهن الرجل الفرعوني واليوناني، ولكن هذا الرجل عندما كان يمجدهن لم يكن يمجدهن لأجسادهن، بل لما تمثلنه من قيمة ، على سبيل المثال ...... سشات إلهة المعرفة والكتابة ، ماعت إلهة العدالة ، أثينا إلهه الحكمة، أفروديت إلهة الجمال، جايا أم الكون بأكمله والتي عرفت بالأم الكبرى .. وهكذا يشهد التاريخ أن كلمة أخلاق ظهرت في وقت كانت فيه المرأة عند الرجل الفرعوني و اليوناني اللذين إبتدعا الأخلاق هي تمثيل لما هو معنوي و لاحسي كذلك ، وليس كما الأديان التي حرفت الأصل وصنعت منها جسدا ناقص العقل !!!! الدين ليس سوى قوانين تفترض بأنها تنظم حياة البشر، خاصة وأن المناطق التي ظهرت فيها الأديان كانت مناطق يعمها الجهل خاصة بما هو فلسفي، فلم يكونوا ملمين بالتطورات التي شهدتها الأخلاق ، لذلك أعتبرت الأديان ضرورة في ذلك الوقت بالنسبة لهم. ولكن لن يتماشى مع المنطق أن نطلق على الفرد الملتزم بالدين كلمة خلوق، لأنه لا يتبع الأخلاق بتعريفها الفلسفي وإنما يتبع أوامر إلهية ، و الأخلاق ليست قوانين ولا أوامر إلهية بل مجموعة من القيم . أما الفرق بين الأخلاق والأمر الإلهي، يتجسد في أن حادثة مثل حادثة أكل آدم للتفاح، تعد مخالفة للأمر الإلهي، ولكن لا يوجد أي مبدأ أخلاقي يمكن أن ينقض ما فعله آدم. وهذا يجسد الإختلاف بين الغيبيات وبين الأخلاق التطبيقية. الأخلاق لا تعنى فعل الصواب من أجل الحصول على رضا إله ما، وإنما تعنى فعل الصواب من أجل أنه الصواب، فالأخلاق الحقيقية تعنى أن تجعل من فعل الصواب غاية في حد ذاته وليس وسيلة لإرضاء قوى كونية ستعاقبنا إذا لم نفعل ذلك. وإذا كان كل إحسانك للآخرين هو فقط من أجل أن تنال ثواب الإله، إذن فلتدرك تماما أنك على المعايير الفلسفية والنفسية تعد بشرا أنانيا . إن الإنسان الخلوق إذا فقد دينه فهذا لا يعني بالضرورة أن يفقد أخلاقه، بإعتبار أن الأخلاق تمثل لديه غاية في حد ذاتها. إنما إذا فقد المتدين دينه فإنه سيفقد أخلاقه تبعا لذلك بسبب أن نشأته الدينية لم تسمح له بإنشاء مرجعية أخلاقية مستقلة، وهذا من جانب براغماتيكي يعطينا تفسيرا للتقهقر الأخلاقي الذي نشهده في الدول المتدينة في مقابل الدول التي رفضت تلويث الحقائق التأريخية والفلسفية فأبقت على الأخلاق بإستقلاليتها التي يشهد عليها التأريخ.
#لينا_صلاح_الدين (هاشتاغ)
Lena_Saladin#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحكومة الدولية وسقطة آينشتاين
-
العلمانية ... ضرورة أخلاقية، لا سياسية !
المزيد.....
-
الكنائس المصرية تصدر بيانا بعد حديث السيسي عن تهجير الفلسطين
...
-
وصول المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وغادي موزيس إلى خان ي
...
-
سرايا القدس تبث فيديو للأسيرة أربيل يهود قبيل إطلاق سراحها
-
سرايا القدس تنشر مشاهد للأسيرين -جادي موزيس- و-أربيل يهود- ق
...
-
قائد الثورة الاسلامية يزور مرقد الإمام الخميني (ره)
-
خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز
...
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد
...
-
البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|