أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمود كرم - العقل الحديث وتجلّيات الوعيّ















المزيد.....

العقل الحديث وتجلّيات الوعيّ


محمود كرم

الحوار المتمدن-العدد: 5578 - 2017 / 7 / 11 - 02:08
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ربما لا شيءَ هناك ، سوى ما يستحقُّ أنْ يكونَ شعوراً عميقاً بِالوعيّ . هذا الشعور وما يرافقهُ من متعة التفلسفِ وإدراك الذات ، وشهوة المعرفة وفتنة الخَلق ولذة الاجتراح . هوَ كلّ ما من شأنهِ أنْ يضعنا في مخاض التخلّقات الباهرة والمبدعة والمضيئة والشاخصة ، وليسَ سوى الوعيّ هذا ، يدفعنا نحو اكتشاف حقيقة كونِنا إنّنا لا نزال على قيد الاستخدام الفعليّ لِعقولنا ..

وأنْ تكونَ في وعيكَ هذا ، يقظاً ، متنوّراً ، ملهماً ، مُدركاً ، متسائلاً ، فذلكَ يعني إنّكَ تملكُ أنْ تمنحَ ما تحيا فيه ، وما تحيا من أجلهِ أيضاً ، معناه الحرّ والمتفرّد والخلاّق . والإنسان لا يستطيع أنْ يدركَ الوعيّ بِذاته ، أو أنْ يدركَ الوعيّ بِالشيء نفسه ، إلاّ بعد أنْ يقطع شوطاً طويلاً في معرفة عقله ، أو بمعنىً أشمل ، أنْ يفهم عقله . أنْ يعرف عميقاً أنّه في حاجةٍ إلى عقله ، وفي حاجةٍ إلى استخدامهِ ، والطريق إلى عقله ، يبدأ من هنا ، من نقطة معرفتهِ بهذه الحاجة ، وحاجتهُ إلى هذه الحاجة ، تضعهُ في مخاض الفهم ، الفهم الذي يحرّره من الخوف . فثمة خوف يتربّص بالإنسان دائماً ، إنّه الخوف من فهم عقله ، لأنّه أصبح يرى أنْ مزاولةِ واقعه وحياته بمنأى عن العقل ، أكثر سلامةً له ، وتريحه من مواجهة تساؤلاته وشكوكه وقلقه وتوجّساته ..

ولأنّ الوعيّ مشروطٌ بمعرفة الإنسان لِعقلهِ وضرورة استخدامه ، ومشروطٌ كذلك بِإدراكهِ لِذاته الحرَّة ولِتعالقاتهِ المثمرة مع الحياة والفكر والتجارب ، كانَ أنْ اكتشف إنسانُ الوعيّ هذا ، السببَ وراء حاجته العميقة للمعرفة . المعرفة التي تمنحهُ مسافةً في التفكير والتفكّر ، وشساعة في الفهم والتّفهّم ، ووضوحاً في البصيرة والتّبصَّر ، وعمقاً في الإبداع والتغيير . وانطلاقاً من هذا الأمر ، أخذَ هذا الإنسان يستوعبُ أهمّية الوعيّ بالذات ، أفقاً ملهماً وطريقاً منيراً في تحسَّسِ منابع المعرفة ، وفهم العقل ، واستيعاب تعالقاته مع الأفكار والتّصورات والتجارب والتّغيرات . وقد منحه كلّ ذلك ارتكازاً جوهريّاً على منهج العاقليّة في فهم وجودهِ وذاتهِ وتفتّحاته المعرفيّة ، وفي خلق فلسفته الخاصَّة التي تهبهُ إدراكاً بحقيقةِ وعيه وحرّيّتهِ الفكريّة وعقله الحرّ ، ولذلك أستطيع القول ، بأنّ منتهى البؤس أنْ يجهل الإنسان عقله ، ويجهل أيضاً جهل عقله ، ويمضي بعد ذلك واثقاً من جهلهِ هذا ، ومعتقداً بِقداستهِ ، ومتيقّناً في الوقتِ ذاته ، من جدوى جهله بِجهل عقله ..

وأولئكَ الذين يستخدمونَ عقولهم ، ماهرون جداً في حراسةِ ما لديهم من فكر الحريّة ، وماهرونَ في حماية ما يتمتّعون به من سلامة التفكير ، وفي رعاية ما يتوفّر فيهم من شغف المعرفة ، لأنّهم يعونَ جيّداً ما معنى أنْ يكون الإنسان مستحوذاً على كلّ ذلك من رصيد الوعيّ والفهم ، يرعاهُ بالتفرّد والنضج والاستقلاليّة . إنّه زادهُ الذي يعينهُ على فهم عقله ، وفهم ذاته والوعيّ بها . لأنّه يدركُ عميقاً عمق تجربته الذاتيّة هذه ، إنَّ ما يحتفظُ به من تلك الأرصدة العقليّة ، تمنعه من الوقوع في هشاشة اليقين والتراجع والاطمئنان البائس ، وتبعدهُ عن الانسياق خلف الشائع من سذاجة الأفكار وضحالة التفسيرات ..

ولذلك كان أنْ أصبح إنسان الوعيّ ، هو إنسان العقل الحاضر . إنّه حضور العقل الحديث ، يحضرُ في كلّ تطوّرٍ وإنجاز ، وفي كلّ فتحٍ معرفيّ وفلسفيّ وعلميّ خلاّق . كونه حضوراً شاخصاً بالوعيّ والفرادة والحداثة والتفكّر والتبصَّر والتحديق والتأمّل . وفي حضورهِ هذا يتجلّى حضوراً ساطعاً ، لا يتخلّفُ عن يومه ، ويتقدَّم في عصرهِ ، ولا يتراجع عن ما وجد نفسهُ فيه ، من تطوّرٍ واكتشاف وتسارع وتسابق وتجدَّد . وانطلاقاً من ذلك كان أنْ اتّصفَ الإنسان الحديث هذا ، بِإنسان الذات الواعية ، والفاعلة ، لأنّها الذاتُ التي تتعالقُ كثيفاً مع مجهوداتها الفكريّة الخاصَّة في انشغالات الاجتراح والتأويل والكشف والتحليل والرصد والخَلق . وتأسيساً على ذلك ، نجد أنّ إنسان الوعيّ هذا ، قد انتصر على كافّة أشكال المؤسسات المجتمعيّة التقليديّة ، لأنّه يمتلكُ رؤيته الخاصَّة وتفكيره المستقل وإرادته التفكيريّة ، وقدرته على استدعاء معرفيّاته وأدواته النقديّة وأسلوبه المغاير ، مدفوعاً بنزعته الثقافيّة والتفكيريّة ، وباشتهاءه المعرفيّ ، وبِتوقه الشديد للجديد والمغاير والعميق . وكلّ ذلك جعله قادراً على مواجهة كلّ أساليب الأدلجة والوصاية والهيمنة ، وقادراً في الوقت ذاته على مواجهة كلّ تلك الثقافات القائمة على فكر التحيّز والطاعة والتبعيّة والتعصَّب والغيب والجهالة ..

وما يجعل الوعيّ الإنسانيّ ، جديراً بِصناعة المعرفة ، هوَ استحضاره الخلاّق ، للمبدأ الذي يتأسَّس على حضور الحقيقة في تجلّيات الوعيّ التفكيريّ والنّقدي . تلكَ الحقيقة التي تتمثّلُ في استنهاض العقل لمواجهة الجهل ، وفي تدريب العقل على ممارسة التفكير والنقد والمساءلة ، وهي الحقيقة ذاتها التي تمارس تعالقاتها المعرفيّة مع تجربتها الفكريّة والنّقديّة ، بِالرصد والتخلّقِ والمتابعة . فالتجربة في عقل الحقيقة ، ذاكرةٌ مفعمة بالتساؤلات والاستنطاقات والتوجّسات والاجتراحات والترصَّدات ، والتعثّرات أيضاً . والتجربة في وعيّ العقل ، عملية تفكّريّة واعية تحديداً ، لأنّها تتقصَّد استجلاء نور الفهم والبصيرة في تعالقاتها المنطقيّة مع الأفكار والأنساق المعرفية ..

والإنسان في وعيّ الحداثة الفكريّة ، ممسوسٌ بالحريّة والذاتيّة والعاقليّة ، ولذلك كانَ أنْ دافع دائماً عن وجوده وكيانه هذا ، كائناً يتخلّقُ في فلسفة ظهوره وانكشافهِ وانفتاحهِ . إنّه وعيهُ الذي يُظهرهُ مفكّراً وناقداً ومتسائلاً ، وهو وعيهُ أيضاً ، الذي يكشفه أمام نفسه منسجماً ومتصالحاً وصادقاً وواضحاً ، وهو وعيهُ الذي يدركُ من خلالهِ أهمّية أنْ يكونَ منفتحاً ، وشغوفاً بِتبنّي فلسفة الانفتاح . وفي جانب عاقليّتهِ يسعى دائماً في تفتّحاتهِ الفكريّة ، أنْ يكونَ مسكوناً بالوعيّ والاختيار والحريّة ، وفي إدراكه العميق لِذاتيّتهِ يتجلّى متوافقاً مع ذاتهِ الناطقة والحرَّة والمفكّرة ..

والإنسان في تجلّيات وعيه ، يتميّزُ عن غيره ، بأنّه كائنٌ يتكلّم بالمعاني عن المعاني كياناً في لغةٍ حيَّة ، إنّه لا يستطع إلاّ أنْ يكونَ متكلّماً في لغة المعاني . يتكلّمُ لأنّه يدركُ أنّ الوعيّ في لغتهِ لا يعني سوى ذلك الاستجلاء المعرفيّ الخلاّق للمعاني الحرَّة ، ويتكلّم لأنّه في جوهر ما يتكلّمُ به وفيه ، يكونُ شاخصاً أمامَ ذاته في ذاتيّتهِ ، وأمامَ المعاني في معانيه الحرَّة والملهمة ، وأمامَ الأشياء في تفسيراته ومسمّياته عنها . وفي استنطاق المعاني يحضر إنسان الوعيّ ، معنىً شاخصأ في فرادتهِ وفي حريّتهِ وفي تخلّقاته وفي تعالقاتهِ . إنّه بذلك ، وفي كلّ ذلك يتفوّقُ على غيرهِ ، من حيث كونهِ ، يملكُ تساؤلاً ونطقاً وتفسيراً وخَلقاً ، وقدرةً على خلقِ لغتهِ وأسلوبه ومعاني كلامه ، يبعثهُ ذلك وجوداً وتمكّناً ، ويستجليه حضوراً وظهوراً وتخلّقاً وإبداعاً ..

وإنسان الوعيّ التفكيريّ ، عبر ارتكازهِ على العاقليّة والحريّة ، أساساً وجوهراً ، كانَ أنْ منح العقل ذاتاً خاصَّة ، أيّ بمعنىً آخر ، جعل من العقل ذاتاً ، ومن الذاتِ عقلاً . أيّ إنّ العقل هنا استفرد بمزايا الذاتيّة ، من حيث إنّه اكتسبَ في الوقتِ نفسه ، صفاتها الحرَّة والمفكّرة والواعية ، وكانَ أن تجلّى حضوراً بكيانه المستقلّ ، والذاتُ هيَ الأخرى تشكّلتْ في مخاض العقل ، واكتسبتْ منه مهارة التفكير والنقد والسؤال . وكانا أنْ اندمجا في كيانٍ واحد ، اتّسمَ بالتعالق الخلاّق والتّضافر الملهم ، ولذلك تميّز هذا الإنسان بِكونهِ ، الإنسانُ الناظر والشاهد والحاضر والظاهر والمبين ، والخطّاء والمخطيء والمتعلّم ، والناقد والفاهم والمستفهم ، والمتكلّم والناطق والمستنطق ، والسائل والمتسائل ، والمفكّر والمتفكّر والعارف والباصر والمتبصّر ، والباحث والكاشف والمستكشف ..

والأمر الجوهريّ في إنسان الوعيّ ، يتحقّقُ كياناً ووجوداً وتمثّلاً ومعنىً ، في فِكر الحضور ، إنّه يحضر في هذا الحضور الجهور ، ذاتاً وتحقيقاً وإنجازاً وتعالقاً ورأياً ، وفي حضورهِ الحاضر هذا ، حضور الوعيّ والبصيرة والفرادة . وقد تجسَّد هذا الحضور ، سطوعاً وإرادةً وبياناً وفكراً في وعيّ العقل الإنسانيّ ، وهوَ الوعيّ الذي تأسَّس عبر فلسفةٍ تقوم على مركزيّة الإنسان . بمعنى أنْ يتجلّى الكائن والكينونة في الإنسان ، أنْ يتجلّى في مقام الذات والعقل والفكرة والخلق والإبداع والتفلسف . ولذلك كانَ أنْ أدركَ هذا الإنسان عقله ، أيّ امتلك جوهر الفهم لعقلهِ ، الفهم الباعثُ على الوعيّ بجدوى التساؤل الفلسفيّ ، وهوَ التساؤل الذي يضعهُ حضوراً وتحقيقاً في مخاض التجربة الذاتيّة ، مُدركاً لِحقيقة تجاذباتهِ وتداخلاته وتعالقاته الفكريّة والتفكيريّة ، مع توجّساته وتساؤلاته وأفكاره واستنطاقاته ومعرفياته وشكوكه واجتراحاته وانشغالاته ..



#محمود_كرم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في حريّة المعنى ومعنى الحريّة
- الجمال ... ثراءٌ في فلسفة الخَلق
- تجربة الحقيقة ... تجلّياتٌ في ممارسة الخَلق
- فلسفة الذات الخلاّقة
- عن العقل البائِس
- التجربة وحْيُكَ المقدّس
- هذيانات أنيقة
- المحرّمات الثقافية في العقليّة الجماعية
- الإنسان كائنٌ هويّاتيّ
- في أن تخرجَ من قيودك
- في أن تكون الحياة رهنُ يديك
- كلام في الخمسين
- الإنسان يصنع مستقبله
- الذات الحرة في بناءاتها ورؤاها المتمايزة ..
- ذاكرة الإنسان المعرفية .. تجلياتٌ في الإبداع والتجديد
- في فلسفة المشاعر الإنسانية
- الشغف .. أكثر حالات الإنسان تألقاً وتفرداً
- الإنسان التعبيري .. إنسان النزعة الخلاقة
- حرية التفكير طريق التمرد المعرفي
- فلسفة الحضور في الوعي التنويري


المزيد.....




- وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق ...
- جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
- فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم ...
- رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
- وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل ...
- برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية ...
- الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في ...
- الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر ...
- سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمود كرم - العقل الحديث وتجلّيات الوعيّ