|
علاقة الكرد بداعش - 2/2
محمود عباس
الحوار المتمدن-العدد: 5577 - 2017 / 7 / 10 - 12:38
المحور:
القضية الكردية
المعادلة المحيرة، المذكورة سابقاً، تتوضح من خلال معرفة الهيكلية اللامركزية التي اعتمدتها داعش في تكوينها، الأول: النظام المستمد من بدايات الإسلام، والتي اعتمدتها الخلافتين الهاشمية والأموية، وتوسعت فيها الخلافة العباسية، فكان الولاة يملكون صلاحيات شبه مطلقة، مستقلة عن المركز، وكثيرا ما كانوا يكتفون بدفع الخراج. والثاني الفكر الإرجائي العقدي، الظاهر في نهايات عصر الصحابة، والمتمسك به معظم المراكز الإسلامية في العالم الإسلامي، وخاصة السلفي والراديكالي، والذي انعموا بها على المنظمة بأنهم لم يكفروها، ولا قادتها رغم بشائعهم، لأنهم ينطقون الشهادتين، وهذين السندين فتحتا أبواب الانضمام إليهم من كل أرجاء العالم الإسلامي والعربي. كمنظمة استندت على اللامركزية، ومنذ البداية، وعليها شكلت الفرع السوري وسمتها بجبهة النصرة، وكان من مهماتها احتلال أوسع مساحة من المناطق السورية، وتجنيد أكبر عدد من الناس، والابتعاد قدر الإمكان في محاربة سلطة بشار الأسد بشكل مباشر، وعليه وبعد أن تزايدت نسبة السوريين في هذا الفرع، حدث خلاف بينها وبين المركز في عام 2013م على عدة نقاط، منها مواجهة سلطة بشار الأسد، واختلاف منابع التمويل، وبالتالي الأجندات، فكان لا بد من تغيير التبعية للخلاص من صفة الإمارة، أو القيادة، لذلك أعلن الجولاني ولائه للقاعدة، عندها غير التنظيم استراتيجيته، مركزا بالحفاظ على الاسم، دون التخلي عن الاستقلالية التامة لكل إمارة، ومنطقة، وأعطي لكل واحدة الحرية التامة في علاقاتها الخارجية وتعاملاتها، وطرق إرهابها، إلا أنهم ظلوا يعرفون تحت صفة الاسم الواحد. حينها كان تكتيك مخططيها محصورا بين سوريا والعراق، لذلك، سميت بـ (الدولة الإسلامية في العراق والشام) وقسمت الدولة إلى إمارات لا مركزية: 1- كإمارة الرقة ومنبج وجرابلس والتي تعاملت مع الاستخبارات التركية، وكانت على علاقة متينة مع حزب العدالة والتنمية، وعن طريقهم دخل الألاف من الدواعش إلى سوريا، والملايين من الدولارات، والأجهزة الإلكترونية، والأسلحة، وغيرها، وعلى أطراف كركوك، وجنوبها كانت العلاقة مع إيران متينة، تنفذ أجنداتها، وعن طريقهم تخلت الفرق العراقية الأربع عن أسلحتها الحديثة والمتطورة، وبأمر من المالكي رئيس الوزراء العراقي سابقاً وبطلب من إيران، استولت داعش على 500 مليون دولار من البنك المركزي في الموصل، ليغزوا بعدها على المدن تلو الأخرى، إلى أن بلغوا المدينة النفطية بيجي وتكريت وهناك تمت مجزرة جنود قاعدة سبايكر، وكل ذلك مقابل أجندات الدول الإقليمية وعلى رأسها تركيا وإيران وقطر، وهي ضرب المكتسبات الكردستانية، في جنوب وغربي كردستان، وكانت هذه هي المهمة الرئيسة لهذه الإمارة. 2- وإمارة تدمر ودير الزور المتعاملة مع سلطة بشار الأسد، وبعدها مع روسيا، وهؤلاء مهدوا لهم تهريب معظم آثار تدمر، وأمدوا التنظيم بكميات هائلة من الأموال، بعد أن نهب أغلبيتها تجار الحروب في سلطة بشار الأسد، تحت حجة إخلائها قبل وصول داعش، وسمح لهم بإنتاج النفط وتصديره، دون أن يقصفوها بل وتمت عقد الصفقات مهم والشراء منهم، ومدوهم بالسلاح والأموال، وعليه أعطي لهم فوج الملبية المدرع بدباباتها، واللواء 93 المدرع ومؤخرا أسلحة المعسكر الروسي، وللعلم فلم يكن القصف الروسي على قوافل النفط موجهة لداعش بل لتركيا، ولأردوغان، الذي كان يمرر نفط داعش بالصهاريج التركية، لحجمه، وتهديده، وعزله عن الناتو، واندرجت ضمن عمليتي إسقاط طائرتيهما. 3- وإمارة الموصل والأنبار تتعامل مع القوى الإقليمية السنية من السعودية إلى قطر وسنة العراق، وعن طريق الأخيرين استلموا المليارات والأمواج الهائلة من السيارات الدفع الرباعي التي كانت تأتي من اليابان وعن طريق موانئ قطر والسعودية وتصل الأنبار عن طريق الصحراء السعودية ومن هناك كانت توزع على الإمارات، وقد نفذت الكثير مما كلفوا بها، وهي عمليات القضاء على إقليم كردستان، بدءً من الكرد الإيزيديين، والمسيحيين، إلى التوجه نحو عاصمة الإقليم، والتي فشلت بسبب التدخل الأمريكي، وذلك لتعرض مصالحها لخطر مباشر، لكنهم مع ذلك نجحوا في تكرار فرمانات أسلافهم وخلق الكارثة البشرية رقم 74 في الشرق الأوسط، وهي المجازر الجماعية بحق الكرد الإيزيديين، وإحداث شرخ رهيب بين الشعب الكردي، دينيا وقوميا، ولا يظن بأنها ستلتئم في المنظور القريب بين الكرد الإيزيديين والمسلمين، علما أن المجتمع الكردي في أغلبيته يقدم قوميته على الدين، ولغته الكردية، والتي هي لغة الديانة الإيزيدية، على لغة النص الإلهي (الإسلامية -العربية). 4- وتماشيا مع هيكلية هذه الإمارات هناك مناطق مشابهة باستقلاليتها، تعاملت مع الأطراف حسب متطلبات التنظيم هناك، وهي عديدة، حتى أن بعضها كانت على علاقة مع المعارضة السورية المسلحة، وبعضها حصلت في فترة ما، من داعش على الأموال والسلاح، وتمت اتفاقيات ميدانية بينهم. استمرت داعش تحت هذا الاسم، إلى أن أبدت بعض التنظيمات الخارجية بيعتها وولائها للخلافة، كتنظيم بوكو حرام وأنصار الشريعة في ليبيا، وتنظيمات في أفغانستان، والفليبين، إلى أن بلغت أكثر من 11 تنظيما إرهابيا إسلاميا في العالم، حينها غيرت أسمها، وألغت العراق والشام منها، وأكتفت باسم أكثر شمولية (الدولة الإسلامية) لكنها ظلت محافظة على الكونفدرالية التنظيمية في هيكلية تشكيل الدولة، مع ذلك استمر أغلب الإعلام العالمي في ذكر اسم داعش لدواع سياسية، وعدم الاعتراف بها. ورغم التبعية لكن جميع تلك المنظمات الإرهابية حافظوا على استقلاليتهم التامة في علاقاتهم الخارجية والداخلية وأساليب إرهابهم، وبشائعهم، ولكل إمارة فتاويها، وقضاتها المستقلين عن مركز الخلافة، حدثت استثناءات أحيانا، مثلما تم تعيين أمير لمنظمة أنصار الإسلام في ليبيا من قبل مركز الخلافة، بعد قتل أميرهم الزبيدي الذي كان أيضا عراقياً. أي عمليا فهو تنظيم بعدة أشكال وإمارات وبقوانين وفتاوي مختلفة. وهنا يكمن الخطر القادم، فلا يمكن القول بأنه تم القضاء على داعش لمجرد تحرير الموصل والرقة، وحتى ديرالزور أو غيرها من المدن السورية والعراقية، أو حتى وقتل جميع مسلحيهم في هذه البقعة الجغرافية، لأن التنظيم الذي رسخوه وبهذه الهيكلية، والدعم الفكري غير المباشر من المراكز الإسلامية، تعطي لأية مجموعة قدرة خلق إمارة باسم داعش، وفي أية بقعة من الأرض، تعتمد على مجموعات صغيرة مستقلة، وخلايا نائمة، قد تظهر وبأخطر أنواع الإرهاب، ولا يستبعد أن تدعمهم بعض السلطات، ومنها العروبية وذات التوجه التكفيري الراديكالي تمويلا، ومن المعروف أن منابع المد البشري حيث العالم الإسلامي الراديكالي سيظل مهيأ لتغذيتهم بالناس، ومادامت المراكز الإسلامية التي تنشر الفكر المتشدد دينيا، موجودا ومنتشرا في جميع أصقاع العالم، وتدرس المذاهب السلفية والراديكالية كالوهابية، فستنمو هذه المنظمة أو ما شابهها عند أي ظرف ملائم. إذا فالعالم أمام فكر إرهابي، وثقافة تنتشر ومنذ عقود من الزمن، إن لم يكن قرون، يسندونها وبخلفية فقهية مسنودة إلى النص الإلهي، والأحاديث، حتى ولو كانت معظمها مترددة، وتوجيه التهمة إلى الدول الكبرى غير منطقية، فهم فقط يستفيدون من البنية الحاضرة الموبوءة التي تخلفها الثقافة الدينية الشاذة، والمتراكمة على مر القرون، وهي ذاتها التي تغذيها السلطات العروبية والإسلامية السياسية، فمثل هذه المنظمات ظهرت وبأشكال أبشع وعلى مر تاريخ الخلافات الإسلامية، من عصر الصحابة وحتى اليوم، فحينها لم تكن الدول الغربية موجودة، بل كانت الإمبراطورية هي إسلامية عربية. فالقضاء على داعش وأمثالها يجب أن يتم بنشف منابعهم ثقافيا وفكريا، ودحض فقهاءهم نصا، وتنقية التربة التي ينمون فيها، وتكريس العمل ضمن المجتمع الإسلامي لردع المفاهيم المتطرفة والمنتشرة بشكل واسع في المراكز الإسلامية والمساجد، وعن طريق أئمة وفقهاء ليبراليين، ومنع الأحزاب الإسلامية السياسية من الانتشار. هذه المنظمة، وغيرها من المنظمات الإسلامية التكفيرية العروبية، من أحد أهم القضايا التي يجب أن ينتبه إليها المجتمع الكردي، فمادام هذا التنظيم وغيره يستمدون مخططاتهم من العروبيين أو القوى الإقليمية الإسلامية الأخرى المعادية للكرد، ومن الفكر الإسلامي السياسي المتشدد، الذي يضع كل المنظمات القومية المطالبة بحق تقرير المصير في خانة أعداء الإسلام، باستثناء من ينطقون النص عربيا، فالكرد سيكونون في مقدمة من سيعادونهم، خاصة وأن القوى الإقليمية تغذي مثل هذه الأفكار ضمن المجتمع الإسلامي لتمرير أجنداتهم، فقد فعلها الخميني بعد أن ناصره الكرد في الثورة، مع ذلك حلل الدم الكردي تحت حجة معاداتهم الدولة الإسلامية، وكان هو بذاته يبني الدولة الفارسية الشيعية العنصرية. وفعلتها معظم السلطات التركية، العثمانية أو الكمالية أو الأردوغانية، الذين لهم تاريخ طويل في هذا المجال، ومنها تشكيلهم لحركة المريدين في بداية العشرينات، فقتلوا وخطفوا المئات من سكان منطقة عفرين. وفي التسعينات من القرن الماضي أسست الدولة العميقة التركية أرغنكون حزب الله، اغتالوا عن طريقهم الألاف من الكرد السياسيين تحت حجة محاربة الاشتراكيين العلمانيين، ذاب هذا الحزب، بعد الانتهاء من مهمته. وعليه فالعلاقات الكردية السياسية والدبلوماسية مع الدول الإقليمية يجب ألا تتعدى حيز تبادل المصالح، فلا يمكن الاعتماد على أي منها، ويمكن الاحتفاظ بإخوة الجوار، في حال تم التقدير المماثل. ومهما كانت العوائق والمطبات والانتقادات فالأفضل للكرد محاولة تكوين الذات، والاتفاق على نقاط التقاطع بحيث لا يستند طرف على القوى الإقليمية لتقزيم الكردي الآخر، فهو وبالتأكيد سيلقى نفس المصير عاجلا أم آجلاً، وهنا لا بد من الاعتماد على القوى الكبرى ومحاولة ربط مصالحنا معهم، أي كانت مطالبهم، فنسبة النجاح أعلى، خاصة إذا تم النهوض بالمجتمع الكردي عامة، وعدم ترك مصيره بيد الأحزاب السياسية المحتاجة إلى التوعية أكثر من الجميع، فبهم سيظل مصيرهم بيد المربعات الأمنية للدول الإقليمية، ما داموا على خلاف، وظلوا يقدمون المصالح الحزبية على الكردستانية. وهذا ما فعلته جميع الدول الإقليمية، ليحصلوا على كياناتهم المستقلة، أو حافظوا على سلطاتهم، بدءً من تركيا الكمالية إلى الشاه ومن ثم الخميني إلى آل سعود، وآل صباح وعبد الناصر، والأسدين وصدام وغيرهم. فمن سيوجه أصابع الاتهام نحو الكرد، لأنهم يطمحون إلى حق تقرير مصيرهم بالاستناد على الدول الكبرى، فيجب أن ينقب عن تاريخه أولا، قبل أن يتهم الكرد. فتاريخهم مع الدول الكبرى، ومنظمة داعش وخدماتها المتعددة الأشكال وتسييرها لأجنداتهم خير شاهد. د. محمود عباس الولايات المتحدة الأمريكية [email protected] 5/7/2017م
#محمود_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
علاقة الكرد بداعش 1/2
-
مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً - الجزء السادس
...
-
الكرد بين بوتين وترمب
-
مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً- الجزء الخامس ع
...
-
مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً - الجزء الرابع
...
-
العلاقات الأمريكية الكردية
-
أسطورة كردستان
-
مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً- الجزء الثالث ع
...
-
هل كان للكرد أدباء وفلاسفة قبل الإسلام - الجزء الرابع عشر
-
هل كان للكرد أدباء وفلاسفة قبل الإسلام - حلقة خاصة
-
اللغة الكردية، ومآلات تدريسها في جنوب غربي كردستان اللغة هوي
...
-
ما يحتاج إليه جنوب غربي كردستان- الجزء الثامن والأخير
-
ما يحتاج إليه جنوب غربي كردستان- الجزء السابع
-
بالحضن يا أردوغان
-
ما يحتاج إليه جنوب غربي كردستان - الجزء السادس
-
ما يحتاج إليه جنوب غربي كردستان - الجزء الخامس
-
ما يحتاج إليه جنوب غربي كردستان- الجزء الرابع
-
ما يحتاج إليه جنوب غربي كردستان - الجزء الثالث
-
ما يحتاج إليه جنوب غربي كردستان-الجزء الثاني
-
اللغة الكردية، ومآلات تدريسها في جنوب غربي كردستان-1
المزيد.....
-
الأردن.. مقتل شخص واعتقال 6 في إحباط محاولتي تسلل
-
بورل: أندد بالقرار الذي اعتمده الكنيست الاسرائيلي حول وكالة
...
-
بوريل: اعتقال نتنياهو وغالانت ليس اختياريا
-
قصف الاحتلال يقتل 4 آلاف جنين وألف عينة إخصاب
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
-
إعلام إسرائيلي: مخاوف من أوامر اعتقال أخرى بعد نتنياهو وغالا
...
-
إمكانية اعتقال نتنياهو.. خبير شؤون جرائم حرب لـCNN: أتصور حد
...
-
مخاوف للكيان المحتل من أوامر اعتقال سرية دولية ضد قادته
-
مقررة أممية لحقوق الانسان:ستضغط واشنطن لمنع تنفيذ قرار المحك
...
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|