شهدت لباز عاصمة بوليفيا انتفاضة شعبية ضد الاجراءات الاقتصادية التي اتخذتها حكومة الرئيس غونزالو سنشيس دي لوزادا. وكانت هذه الاجراءات نتيجة لاتفاق بين الرئيس وبين صندوق النقد الدولي حول ضرورة خفض العجز في الميزانية من 8,5% الى 5% من الناتج القومي الاجمالي الذي لا يتعدى الثمانية مليارات دولار. وكان لب النزاع الذي ادى لاندلاع الاشتباكات في شوارع العاصمة القرار بتقليص 12% من اجور مليون عامل.
وكان الرئيس الحالي قد تولى منصب الرئاسة في الاعوام 1993 -1997، وقام بخصخصة مجالات اقتصادية مهمة من بينها مناجم النحاس، مما ادى لفصل عشرات آلاف عمال المناجم الذين يشكلون العمود الفقري للطبقة العاملة في البلاد. هذه السياسة التي طبقت حسب تعليمات صندوق النقد الدولي وصلت، كما في بقية دول امريكا اللاتينية، الى نهايتها الكارثية. فقد اصبحت بوليفيا بفعلها دولة فقيرة يعيش 80% من سكانها تحت خط الفقر.
لهذا الحدث عبرة مهمة جدا لانه حدث في دولة لها تاريخ يدرّس في كليات الاقتصاد في امريكا والعالم. وقصة هذا البلد مرتبطة بشخصية الرئيس الحالي الملقب "غوني" وبالخبير الاقتصادي الاهم في العالم، البروفسور جفري زاكس، مدير معهد الاقتصاد في جامعة هارفارد الامريكية.
عن هذه القصة العجيبة التي اصبحت نموذجا يحتذي به خبراء الاقتصاد النيوليبرالي، كتب الخبير الاقتصادي دانئيل يرغين في كتابه "The Commanding Heights" (1998). بداية القصة كانت عام 1985 عندما وصل التضخم المالي في بوليفيا الى نسبة 24 الف بالمئة! في تلك الفترة كان غوني وزيرا للتخطيط، وتم اللقاء بينه وبين البروفيسور زاكس الذي قدم لبوليفيا للمشاركة في يوم دراسي حول موضوع التضخم المالي الذي تجاوز مداه.
في اللقاء اقترح البروفيسور زاكس لغوني اشفاء الاقتصاد من خلال "العلاج بالصدمة"، وذلك بتطبيق سياسة ضريبية صارمة تعتمد على الغاء الجمارك وتحرير الاقتصاد واطلاق العنان للاستثمار الحر، والتقليص الحاد في الميزانية على حساب القطاع العام. النتيجة كانت سريعة جدا، فقد انخفض التضخم من 24000% عام 1985 الى 9% فقط عام 1987. واصبحت بوليفيا درسا ونموذجا لفاعلية سياسة زاكس الاقتصادية، واصبحت وصفة ثابتة طبقت بحذافيرها في دول اوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
اليوم يواجه "غوني" اكبر معارضة شعبية بعد ان تبينت الناس ان الاقتصاد يخدم الشركات الكبرى التي استولت على موارد الماء والكهرباء والمناجم وآبار النفط، في حين ازداد الشعب فقرا وبطالة.
لقد ادى النموذج الاقتصادي الامريكي الى كوارث في شتى انحاء العالم، ووصل الآن لاول دولة سلمت اقتصادها ونفسها للامريكان. ان من يريد ان يفهم المعارضة الشديدة لامريكا في العالم والاسباب الحقيقية للحرب القادمة على العراق، لا بد ان يتعلم الدرس من بوليفيا وهو ان الرأسمالية لا تعمل لصالح العمال والشعوب بل لصالح قلة قليلة من المنتفعين.
*****************
الصبار