|
الخطاب الدينى والحياه
رفعت عوض الله
الحوار المتمدن-العدد: 5575 - 2017 / 7 / 8 - 02:04
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الخطاب الديني والحياة قانون الوجود والحياة هو التغير المستمر . قديما عبر الفيلسوف اليوناني هيراقليطس عن هذا المعني فقال : "انك لا تستطيع ان تنزل النهر الواحد مرتين ،لأن مياها جديدة تغمرك باستمرار" ليس هناك ثبات ، الثابت الوحيد هو قانون التغير . واذا كان الدين ثابت في مبادئه وقيمه ورسالته ، إلا ان البشر فهموا الدين من خلال عصورهم ،وثقافتهم ، المفاهيم التي سادت وراجت في تاريخ الإنسان . من هنا وأن كان الدين ثابتا إلا ان فهمنا له وتطبيقنا لاوامره ونواهيه جاء دائما متغيرا نسبيا يختلف من عصر لعصر . وهكذا اختلف فهم الاوروبيين للمسيحية في العصور الوسطي عن فهمهم لها في العصر الحديث . في العصور الوسطي كان البابا نائب او ممثل المسيح علي الارض ، يحلل ويحرم . وكانت الكنيسة هي الجهة الوحيدة المنوط بها تفسير وشرح الكتاب المقدس ، وكان الكهنة بمثابة وسطاء بين الله والناس . وكانت الكنيسة تحكم بهرطقة كل من لا يتبع تعليمها ،وتقرر حرمانه . هذا الفهم هو وليد ظروف البشر الحضارية في العصور الوسطي التي فيها سادت الدوجما القاطعة والرافضة لأي إختلاف . في ذلك العصر لم يكن لمفهوم الحرية معني او قيمة ، وكانت سلطة الملوك والاباطرة مطلقة مستبدة كذلك كانت سلطة البابا في الكنيسة . لذا كان من الطبيعي والمنطقي أن يفهم مسيحيو العصور الوسطي المسيحية علي ذلك النحو . تغير ذلك الفهم تغيرا كبيرا في العصر الحديث ، وخصوصا بعد الحركة الاصلاحية التي اسسها الراهب الكاثوليكي الالماني مارتن لوثر والذي ذهب إلي ان الكتاب المقدس ليس بحاجة لسلطة تحدد معانيه ولكنه خاضع للفحص الحر . ما ذهب إليه مارتن لوثر كان نتيجة مباشرة لروح العصر الحديث الذي يؤمن بالعقل الإنساني ودوره الفاعل في الحياة ، وانه لا وصاية علي عقول البشر . والمبدأ الثاني الذي قدمه ذلك المصلح العظيم هو "التبرير بالإيمان وليس بالاعمال " . هنا التركيز علي الروح الفردية وعلي الحياة الباطنية والاخلاق ، وهي بدورها إنعكاس لنزعة العصر الحديث في الفردية والإتساق والصدق في ما يكنه القلب وما يقدمه الإنسان من طقوس وشعائر . وهكذا قدم المسيحيون فهما جديدا للمسيحية نابع من ظروف العصر وعاكس لتوجهاته وروحه العامة . نعم ان القرآن كما الكتاب المقدس ثابت وبه رسالة ثابتة وهدف يرمي إليه ،ولكن المسلمين لم يفهموا القرآن إلا من خلال ظروفهم الحضارية التي عاشوا فيها ، بل إن الخلاف والإختلاف بين السنة والشيعة إنما هو في جوهره إختلاف تاريخي وسياسي وحضاري ساهمت الظروف التاريحية والصراع السياسي في بلورته وتشكيله . الإشكالية التي تواجهها المجتمعات الإسلامية تتبلور في أن تلك المجتمعات تحاول بصورة قوية او ضعيفة أن تعيش العصر ، وتأخذ آلياته وتطبق مفاهيمه وادواته . فلا يمكن ان نعيش في عصرنا هذا بآليات وادوات تنتمي إلي ما قبل العصر الحديث ، فسواء شئنا ام أبينا سوف نعيش عصرنا بصورة من الصور . لذا نري التكنولوجيا والحديث عن الحرية وحقوق الانسان وبنية الدولة حتي ولو كان شكليا ووجود السلطات من تشريعية وتنفيذية وقضائية بها . أذن نحن نعيش بصورة من الصور ولو كانت بقدر ضئيل ما يموج به عصرنا ، الإشكالية تكمن في الفجوة او الهوة بتعبير ادق بين حياتنا العصرية ،والفهم الذي نعتمد عليه ونطبقه للإسلام . مؤسساتنا الدينية تقوم بتعليم إسلام العصور الوسطي الذي كان متوافقا ومناسبا للناس في ذلك الزمن . الإسلام وقتذاك عكس الروح الحضارية السائدة . ففي ذلك العصر لم يكن للحرية الفردية معني . لم يكن هناك فهم لحقوق الإنسان . كان المسلمون كما المسيحيون لا يقبلون بالاختلاف ، فكان المختلف كافرا ومشركا . لذا تجد كتب الفقه القديمة تنطوي علي ما يسمي بفقه معاملة غير المسلمين والذي نصت قواعده علي انهم كفار ومشركون واهل ذمة لا يتساوو بالمسلمين ، وانه واجب علي المسلمين حاكما ورعية التضييق عليهم وإحتقارهم وحرمانهم من بناء كنائسهم ، واذا حدث عدوان عليه فلا حماية لهم ولاحقوق لهم . كما تري عزيزي القارئ هذا فهم للإسلام ماضوي لا يمت لعصرنا بصلة ، ولكنه هو الرائج في المؤسسات الدينية "الازهر "وهو مادة الخطابة في المساجد والزوايا والفضائيات والكتب وحلقات الدرس الديني . وهو الايدولوجيا التي يعتمدها كل تيارات الإسلام السياسي . فهناك تناقض بين عصرنا وحياتنا وما نقدمه من خطاب ديني . لذا تجد الناس تعيش ازدواجية بين ما نحياه من حضارة وبين ما نتلقاه من وعظ وإرشاد ديني . في المدرسة والجامعة والمصنع والإدارات الحكومية يعيش الفرد اجواء الدولة والمواطنة ، والمساواة امام القانون والتنافس القائم علي معيار الكفاءة ، وفي المسجد يتعلم المؤمن المصلي الكفر بالوطن وعدم معني المواطنة ، وانه لا مساواة بين المسلم وغير المسلم . فكان المسجد يهدم الدولة والوطن ويقضي علي المساواة بين الناس ، وينفر من الاخر المختلف في العقيدة . وهذا يفتح الطريق واسعا امام التطرف والتكفير والقتل بإسم الجهاد في الإسلام . اذن نحن بحاجة ماسة لتقديم إسلام متناغم مع العصر مقر بحرية الفرد وحقوق الإنسان ، قابلا للتعدد والإختلاف وليس مكفرا للاخر ، منطويا علي فهم للمواطنة ، محترما للقانون ، داعيا لله بالحكمة والموعظة الحسنة .
#رفعت_عوض_الله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حتى لا ننسى فرج فوده
-
آلهه تمشى على الارض
-
هذا الازهرى
-
اعتذار زائف
-
الدين والالحاد والتطور
-
براءة الازهر
-
المقدمه والنتيجه
-
الاصلاح الدينى بين الغرب والشرق
-
الارهاب والعلمانيه
-
هكذا تكلموا عن الارهاب
-
داعش تطهر امارة سيناء الاسلاميه من المسيحيين المشركين
-
السيسى فى الكاتدرائيه فى ليلة عيد الميلاد
-
الدوله المصريه ضالعه فى صنع الرهاب
-
قضية مجدى مكين
-
السيسي والاقباط
-
استدعاء رئيس الطائفه المسيحيه الى قصر الاتحاديه
-
الزرع و الحصاد
-
الدولة المصرية ومواطنيها المسيحيين
-
عمدة لندن الجديد، مسلم أم علماني؟
-
مقتل جوليو رجيني والروح الشرقيه
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|