وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 5571 - 2017 / 7 / 4 - 18:27
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
احداث تم تزويرها من تاريخ العراق الحديث
( ان لنا من الانفة والكبرياءالمقدار الكبير الذي يابى علينا ان نمد ايدينا لطلب الحسنة من الدول الاجنبية )نوري السعيد
(لقد شعر الدكتور صالح البصام عندما التقى بنوري السعيد بعد هروبه من قصره فجر يوم 14 تموز 1958 بان هذا الرجل سيلاقي مصيرا تراجيديا مؤلما ويقول :
( كنت استطيع ان ارى هذا المصير المؤلم يطل من خلال عينيه الرماديتين المؤرقتين بشكل حاد). وكتب ريكفاير في كتابه (حكام حكموا بلدانهم ): ( ان نوري السعيد يشعر اي صحفي يقترب منه انه سيموت ميتة بشعة وسيعيد الناس تقييمهم لما قدمه لهم فيما بعد ,وسيشعرون بالخسارة والعار مما ارتكبوه في حقه ) (الدكتور صالح البصام : مذكرات واسرار هروب نوري السعيد – ط1 – 2003 – دار الانتشار العربي – بيروت – لبنان .
ويكمل ريكفاير ( واعتقد ان تلك النبؤات قد تحققت جميعا ).لقد اعجب الكثيرون بالمنجزات التي تحققت في عهد نوري السعيد مثل مشاريع الري والسدود حيث قال نوري السعيد انها تحققت بفضل اموال العراقيين الخاصة من دون اللجوء الى طلب المساعدة من الدول الاجنبية , وكان ينعت من يطلب المساعدة من الدول الاجنبية بانه ( متسول ).اتمنى ان يعود نوري السعيد الى الحياة ليشاهد حجم التسول العراقي من صندوق النقد الدولي .لقد كان نوري السعيد يكرر مقولته التالية (ان لنا من الانفة والكبرياء المقدار الكبير الذي يابى علينا ان نمد ايدينا لطلب الحسنة من الدول الاجنبية ).
قارن الدكتور البصام بين انجازات العهد الملكي والعهد الجمهوري فيما يخص وضع الزراعة حيث تمت انجازات باهرة في ظل العهد الملكي . لكن اي عمل كبير ستصاحبه الاخطاء الكبيرة ايضا .في الفترة التي سبقت انقلاب 14 تموز 1958 كثر عدد الفلاحين الفقراء الذين لايمتلكون ارضا لزراعتها ,ولم تتوفر لهم ظروف السكن الصالح , وخصوصا الذين هاجروا من الريف الى المدن الكبرى مثل بغداد والموصل والبصرة .
وشكلوا احزمة الفقر والبؤس والعشوائيات .كانت الاتهامات توجه الى النظام الملكي والحكومات التي يتراسها نوري السعيد بكونها تناصر كبار ملاكي الاراضي الزراعية , وانها تعطي افضل الاراضي الزراعية التي استصلحتها الحكومة لهؤلاء الملاك وتحرم الفلاحين منها . وقد اجاب نوري السعيد عن هذه الامور في احدى جلسات البرلمان بقوله ( ان الظروف كانت تكرهه على ذلك وليس له الخيار في الامر , متعللا بان الفلاحين لايريدون الاقامة والعمل على هذه الارض ويفضلون الهجرة من الريف الى المدينة ليقيموا في المدن للحصول على اجور عمل مرتفعة وظروف حياة افضل .لذلك سعت الحكومة الى استرجاع الاموال التي بذلتها على هذه الاراضي من خلال الانتاج الواسع لهذه الارض ,ولا يتم ذلك الا بشراء كميات كبيرة من البذور والاسمدة والالات الزراعية .
وكل هذه المتطلبات لايمكن لفقراء الفلاحين من تلبيتها فصارت الحكومة العراقية مجبرة لتقديم هذه الاراضي الى كبار الملاكين .ولان نوري السعيد كان واقعيا ولا يهمه اطلاق الشعارات الرنانة الكاذبة فقد خضع لهذا الواقع مع علمه ان مشكلة الفلاحين الفقراء في المدن العراقية الكبرى بدات تتفاقم وعلى الحكومة توفير الحلول الواقعية حيث كان البؤس والفقر والجوع والمرض ينتشر بين عائلات المهاجرين الذين بنوا بيوتهم من الطين والتبن ( اللبن )ومن القصب .
هذه الظواهر اعطت المبررات فيما بعد لاعمال الفوضى والعنف والسرقة والقتل والسحل واشعال النيران من قبل الغوغاء والتي صاحبت المظاهرات والانقلاب العسكري في 14 تموز 1958 .هؤلاء المهمشون من الفقراء كانوا بؤرة صالحة لاعمال العنف لانهم لايخشون ان يفقدوا شيئا .ان نوري السعيد لم يعمل شيئا لمعالجة اسباب هذه الظاهرة .
وعندما كان الصحفيون الاجانب والعرب يسالونه عن الاستياء الشعبي ضده , كان يقهقه ضاحكا في ثقة مبالغة بالنفس .وكان يجيب من يتخوفون قيام انقلاب عسكري عليه بانهم سيتعبون وانه على حذر .ويقول بانه خير الرماة وان الجيش معه والشرطة في قبضة يده واكثرية مجلس النواب تؤيده والملك يثق به .
يكمل الدكتور صالح البصام قائلا ( للاسف نوري السعيد والى ايام سبقت الانقلاب في 14 تموز 1958 كان ضحية لثقته الزائدة بالتدابير التي اتخذت لحماية النظام وحسن نيته في الرجال الذين اعتمدهم كقادة للجيش , وان حسن النية الزائد لديه قد ادى بهذا الرجل الى الموت انتحارا وبالبلاد الى ان تفقد اربعة عقود من تطورها وعدة اجيال من الناس الذين راحوا ضحايا لحروب داخلية وخارجية وانقلابات عسكرية واحداث دموية حدثت في العراق منذ الانقلاب في سنة 1958 وحتى اليوم . وللاسف ان نوري السعيد كان مخطئا في حساباته لدرء الكارثة القادمة على البلاد, المتمثلة بما قام به الجيش صبيحة الانقلاب وذهب هو ايضا ضحية لهذه الكارثة مع ابرز قادة النظام الملكي , وعلى راسهم الملك الشاب فيصل الثاني والامير عبد الاله خال الملك ومربيه , وممن شاركوا في الدفاع عن العهد الملكي وافراد عائلة الملك فيصل الثاني يرحمهم الله جميعا ).
لقد كان نوري السعيد بغدادي الثقافة والصفات . يلبس السدارة البغدادية ويميل الى الغناء الشعبي البغدادي والمقام العراقي . ويحب الاكلات العراقية ويستخدم اصابعه بدلا من الملعقة والشوكة .وكان نزيها لم يترك اموالا في بنوك العراق ولا في المصارف الدولية .وكان يتكلم العربية والتركية والانكليزية والفرنسية والالمانية , ولم يكن يملك سوى منزله .
يشير الدكتور صالح البصام الى ان اقطاب الحكم الملكي اهملوا تغيير اساليب الحكم التي كانت صالحة لمطلع القرن العشرين , لكنها لم تعد تصلح للنصف الثاني من القرن العشرين .تم اهمال الجيش والذي اصطف جزء كبير منه مع عملية التخريب التي تعرضت لها البلاد تحت شعار قبر النطام الملكي البائد .ان الجيش العراقي في بداية تاسيسه كان يختلف عن الجيش في السنوات اللاحقة من حيث الانحدار الطبقي والاجتماعي .لقد شجعت ادارة الجيش السيئة قبول فئات من الشباب المنحدرين من المدن ذات الاصول المختلطة , او من القرى المتخلفة ورفضت قبول ابناء العشائر العراقية ومنعت دخولهم الى الكلية العسكرية .
لقد كانت التوجيهات العسكرية لاتهدف الى بناء الروح الوطنية .لقد منعت الادارة العسكرية قبول ابناء الشيعة في الجيش العراقي وتم رفض طلباتهم بشتى الحجج .وقد استمرت الانظمة الانقلابية الجمهورية على نفس السياسة مما ادى الى تفكيك العراق وتدميره وايصال الامور الى مانحن عليه اليوم .لقد سار قادة الجيش على النمط العثماني والمشبع بالروح الطائفية ..).
في الختام يقول الدكتور البصام مايلي (لقد فكرت بالعلاقة الخفية التي ربطت الانكليز والانقلابيين في العراق يوم دعوت السفير البريطاني وزوجته قبل الاحداث بعشرة ايام . كانت زوجة السفير ومستر فول يتحدثون عن ضرورة تغيير الوجوه التي صارت هرمة بالنسبة للشعب العراقي , من افراد النظام الملكي ).
ولقد اعلن قادة الانقلاب ان انقلابهم لن يمس الاتفاقات والمصالح البريطانية .وسبق ان كتبت في مقال سابق لي نقلا عن كتاب ( عراق نوري السعيد )ان السفير البريطاني نقل مكان اقامته قبل الانقلاب من السفارة البريطانية الى فندق بغداد وان المراسلات بينه وبين الخرجية البريطانية يوم 14 تموز 1958لاتشير الى احداث غير اعتيادية .وكتب الصحفي والاعلامي شامل عبدالقادر في مجلته ( اوراق من ذاكرة العراق )العدد ة61 الصادر بتاريخ 15 ايار 2017 بان السفير البريطاني في بغداد نفى بشدة المعلومات التي قدمها المقدم محمد شيخ الطيف ضابط استخبارات الحرس الملكي للامير عبد الاله بخصوص تنظيم الضباط الاحرار مع قائمة باسماء الضباط وعلى راسهم عبد الكريم قاسم .
يقول شامل عبد القادر في ص 42 من المجلة (ان السفير البريطاني نفى صحة هذه المعلومات مباشرة وبدون تدقيق لها علما ان هذه المعلومة تعتبر في غاية الاهمية والخطورة وقام باسلوب دبلوماسي باقناع الامير عبد الاله بان هذه اشاعات شيوعية الغرض منها النيل من الضباط القوميين وتصفيتهم لكي يصفى لهم الجو ).
لقد تم انقلاب 14 تموز باشرف المخابرات البريطانية وبموافقة ضمنية امريكية .لقد طلب السفير البريطاني مايكل رايت من الدكتورصالح البصام زيارة بيته بعد ان جلب انتباهه وهو يمر بزورق صغير في نهر دجلة وطلب شرب الشاي مع الدكتور البصام .تم اللقاء يوم 4 تموز 1958 وكان من بين المدعوين نوري السعيد وهو جار الدكتور البصام وعدد من الوزراء امثال الحاج عبد الهادي الجلبي ورشدي الجلبي والدكتور فاضل الجمالي واخرين .
وقد حضر مايكل رايت وزوجته الليدي رايت والملحق الشرقي المستر فول .لقد كان المستر فول يحدث الجالسين على طاولته على ضرورة تغيير حكام العراق لفسح المجال للمثقفين من الشباب العراقي لادارة بلادهم منددا بالوجوه العراقية الحاكمة الذين لايتجاوز عددهم اصابع اليد الواحدة وقد احتكروا السلطة واخذوا يتبادلون الحكم فيما بينهم .
وقد خشي الدكتور البصام ان يصل صوت الضيوف الى مسامع نوري السعيد الذي كان يجلس الى طاولة مجاورة .لذلك انتقل الدكتور البصام الى طاولة الليدي رايت زوجة السفير البريطاني وزاد اندهاش الدكتور البصام عندماعلم ان هذه المجموعة تتحدث عن ضرورة تغيير الوجوه القديمة من الحكام وافساح المجال للشباب المثقف وتسليمهم الحكم بشكل سلمي .
هذه الحفلة حدثت قبل انقلاب 14 تموز بعشرة ايام .في اليوم التالي لوقوع الانقلاب كان احد اصدقاء الدكتور البصام يسير قرب جامع مرجان فشاهد المستر فول يركب دراجة هوائية قرب جامع مرجان فقال السيد فول للسيد عبد الجبار الجلبي بالفارسية ( هلا خوب شد )اي الان صار احسن .ويقول ان ماحدث كان جيدا لولا سفك الدماء , اي ان السفارة البريطانية والمخابرات البريطانية كانتا على علم بالانقلاب وتفاصيله ووقت وقوعه .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟