|
تأملات تسبق الانتصار
جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي
(Jassim Al-saffar)
الحوار المتمدن-العدد: 5570 - 2017 / 7 / 3 - 00:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا ادري هل ستجد هذه المقالة طريقها الى النشر ويطلع عليها القارئ قبل تحقيق النصر الكامل على بقايا داعش في الموصل ام بعد حين من اعلان النصر، ولكنها تأملات تسبق النصر وتستوحي افكارها من هواجس وتخمينات لما سيكون عليه الحال بعد الانتصار. مازلت متيقنا ان الموقف الصحيح اليوم هو دعم كل عناصر النصر والشد من ازر كل القوى والامكانيات التي تساهم في القتال ضد داعش دون اي مبالات بالتهديدات التي قد تنهض كالنار في الهشيم مستفيدة من واقع جديد كان لبعض هذه القوى يد طولى في صناعته، فتتبدد الفرحة وتحبس الامال في نفس الخندق المظلم الذي سعت للخروج منه. لم يكن ليتردد المثقف الروسي سنوات الحرب العالمية الثانية، عن اداء واجبه الوطني الذي فرض عليه انئذ المساهمة بابداعاته الفكرية والادبية والفنية والموسيقية في حرب دارت رحاها من اجل تحرير الوطن ومن اجل القضاء على وحوش الاستبداد والقهر المتمثلة بالنازية والفاشية. ولم تمنع عن ذلك هواجس الخوف من ان تلبيتهم لنداء الضمير من شأنه تعزيز اسس دولة الاستبداد والرعب المتمثلة بالستالينية التي كانت تقود تلك الحرب الوطنية العظمى. الستالينية ونظامها الشمولي، باسم الوطن ودفاعا عن الاشتراكية بنمطها الذي اسست الستالينية له، كانت تتصدى لقوى الاحتلال الالماني النازي بنظامه الشمولي وعقيدته الاستعلائية الاستبدادية. ولم يكن غريبا انه في معرض تصديه للاحتلال، كان النظام الستاليني يشحذ همم الانسان الروسي ويشجعه على الابداع في كافة مجالات الحياة من اجل دحر فكر وسلوك ومبادئ العدو وتعرية مثالبه والحط من قيمه وتسفيه عقيدته. وكانت النتيجة ان الستالينية، من دون ان تدري، كانت تقوض اسباب وجودها واسس النظام الشمولي القمعي الذي كانت تقوم عليه، فما ان انتهت الحرب العالمية الثانية بهزيمة النازية الا وبدأت الستالينية بلفظ اخر انفاسها، ليتم تشييعها في شباط 1956 على نقالة قرارات المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي. ولكي يفهمني القارئ، بصورة صحيحة، فانا لا اتحدث عن التجربة البلشفية لبناء الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي بل عن الستالينية كنظام حكم شمولي استبدادي. وللانصاف، فان الدور البطولي المعنوي الذي لعبه ستالين في مسار قيادته للحرب، وخاصة موقفه من اسر ابنه من قبل الالمان ورفضه مغادرة موسكو حتى بعد ان وصلت الحرب الى ضواحيها ودوره في معارك الصمود في ستالينغراد ولينينغراد. كان لها اثرها البالغ في تعزيز رمزية ستالين سنوات الحرب العالمية الثانية وموقعه كقائد اعلى للقوات السوفيتية وجعلت منه واحد من عناصر القوة التي بها تمت صناعة النصر. الحرب هي الحرب، وهي لا تقتصر فقط على ميدان المواجهة العسكرية، وتستخدم فيها جميع الوسائل من اجل اضعاف العدو وتقويض الاسس الفكرية والعقائدية والسياسية التي يقوم عليها. وهي بالتالي حرب على الاخر وعلى الذات في نفس الوقت. فانت ان فضحت وشهرت بوسائل القمع والترويع والغاء الاخر التي يعتمدها داعش فانك بالتالي تضطر لتبرئة نفسك مما قد يجعلك تتهم بانك شبيه بعدوك في هذه الوسيلة او تلك. أما الاساس المبدئي والعقائدي الذي قامت عليه شريعة العنف والموت التي استند واسس لها عدوك فانها لا يمكن ان تصلح لتكون نفس الاساس الذي ترتكز عليها شريعتك بعد ان قاتلت وضحيت من اجل دحرها والقضاء عليها. وهذا لا يعني اطلاقا ان سماء التغيير صافية. فهناك من سيكتفي بفوارق بسيطة وغير جوهرية تميزه عن عدوه اللدود (داعش) ليعلن نفسه بعد النصر بديلا ومنقذا. ومن بين هذه القوى فصائل قارعت الاستبداد والدكتاتورية سنوات حكم النظام السابق ولكن نضالها ضد النظام السابق وحربها اليوم على الاستبداد الدموي الداعشي لم يكن ليحصنها من جوهر "المرض" المتمثل في عدوى الاستبداد والقهر، لا بل، قد يجعلها تزايد على الاخرين في خطاب التسلط والهيمنة. في (مائة عام من العزلة) يكتب غابريل غارسيا ماركيز " ما يقلقني انك لشدة كرهك العسكريين، ولطول ما حاربتهم، ولكثرة ما فكرت بهم، أصبحت تشبههم. وليس هنالك مثل اعلى يستحق كل هذه السفالة"، الا ان الامل ليس في تغير بذور الشر او في تمييز بذور الخير عن بذور الشر، بل بتغيير التربة لتصبح غير صالحة الا لانبات بذور الخير. وهذا لن يتحقق الا بالانخراط في معركة التحرر الفكري والعقائدي من قوى التسلط والاستبداد ايا كانت راياتها. وبالعودة الى مثالنا عن الستالينية، تجدر الاشارة الى ان ستالين لم يتغير ولم يتغير انصاره واعمدة نظامه، من امثال زعيم مخابراته بيريه، بعد تحقيق النصر، ولكن الواقع السوفيتي الجديد الذي خلقته الحرب تغير ولم يعد بالامكان ادارته بنفس السبل والوسائل القديمة التي ادير بها الاتحاد السوفيتي قبل الحرب. ونحن كذلك قد تغيرنا واصبح نشازا، في عراق بعد تحرير الموصل، تكفير اي مواطن على اساس ديانته او مذهبه او معتقده وفقدت المراهنة على الكراهية والتخندق الطائفي كل ارصدتها، واصبحت مفاهيم المجتمع المدني ودولة المواطنة هي الاعلى والاكثر قبولا.
#جاسم_ألصفار (هاشتاغ)
Jassim_Al-saffar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانفصاليون وخدعة الاستقواء بالفكر الاشتراكي
-
خاطرتان قصيرتان في موضوع وحدة اليسار العراقي
-
تركيا، الى اين؟
-
كوريا الشمالية أمام خيارات التصعيد ام التهدئة؟
-
الرؤيا العدمية والرؤيا الواقعية في الحدث السوري
-
لمسار التغيير روافد
-
رأي في شعار -مقاطعة الانتخابات-
-
وقائع احداث جامعة واسط
-
حكومة وعشائر ومافيات
-
عواقب التغيير
-
كوبا بعد فيديل كاسترو
-
اشتراطات نجاح التغيير في السياسة الامريكية
-
بداية معركة الحسم في حلب
-
تكهنات في متغيرات العلاقة الامريكية الاوربية
-
الديمقراطية بين جدلية المضمون والاليات
-
انتصار للديمقراطية ام الانعطاف نحو الاستبداد
-
موضوعتان وافتراض واحد
-
الوعي والثورة
-
الوعي والثورة (الجزء الثاني)
-
دواعي الانسحاب الروسي الجزئي من سوريا
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|