أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء الدين الظاهر - حسن العلوي في « خطى » نحو الوراء















المزيد.....


حسن العلوي في « خطى » نحو الوراء


علاء الدين الظاهر
استاذ رياضيات

(Alaaddin Al-dhahir)


الحوار المتمدن-العدد: 5569 - 2017 / 7 / 2 - 21:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يمتلك حسن العلوي قلما رائعا وشخصية محبوبة وهو شاهد وراوي للكثير من الاحداث لكن المتتبع لمقابلاته المتلفزة بعد سقوط النظام البعثي الصدّامي يجلب انتباهه الى تحول إن لم يكن ارتدادا في طروحات حسن العلوي. في احدى المرّات كال بالمديح على صدام لأن خاله الضابط « المعروف » خيرالله طلفاح الذي شارك في حركة مايس 1941 بينما لا دور يذكر لطلفاح في تلك الحركة حيث كان برتبة ملازم وآمرا لبطرية مدفعية مقاومة الطائرات لم تطلق قذيفة واحدة اثناء القتال مع البريطانيين، وهو خريج الدورة 17 القصيرة للاكاديمية العسكرية وهي دورة خاصة دخلها بدون مؤهلات تذكر فضلا عن فظاظة طلفاح وانعدام ثقافته.
ظهر حسن العلوي اخيرا على برنامج « خطى » على الفضائية العراقية وهو برنامج يتميز مقدّمه بالطيبة لكنه يفتقد الى المعرفة وحتى الذكاء والفطنة التي يجب ان يمتلكها من يحاور في مواضيع تأريخية جدلية ومهمة في تأريخ العراق فضلا عن ان مقدّم البرنامج لا يقوم بالتحضير للبرنامج ويبدو جاهلا بالاحداث والتواريخ. والاسوأ من كل هذا وذاك انه يحاول طرح اسئلته لتتناسب مع وجهة نظر دينية إن لم تكن مذهبية معينة.
سمّى حسن العلوي انقلاب 8 شباط الدموي 1963 بالثورة وأدعى ان قوى شعبية قامت بها وهي انقلاب عسكري كان عدد المشاركين فيه من الضباط لا يزيد على 29 استولوا فيه على بعض الوحدات الرئيسية في يوم جمعة ولو ذهب عبدالكريم قاسم الى معسكر الرشيد وقاد لواء المشاة التاسع العشر لأنتهى الانقلاب خلال نصف ساعة والكلام لعبدالكريم فرحان وهو احد المشاركين في الانقلاب. اما القوى الشعبية فيه فلم تتجاوز بضعة عشرات من الارهابيين المسلحين الذين قطعوا الجسور وبعض الطرقات والذين تشكل منهم ما يعرف بالحرس القومي. مقاومة الانقلاب كانت شعبية وإستمرت لعدة ايام وهو الانقلاب الوحيد في العراق الذي قاومه الشعب وعارضه ولم يكن هناك من يؤيده خارج حزب البعث الصغير والتيار القومي الصغير والمشتت على عدة احزاب وتيارات.
من دموية هذا الانقلاب ان البعثيين قتلوا المحامي توفيق منير ورموا جثته من سطح منزله من دون اي ذنب سوى كونه شيوعيا ونائبا لنقيب المحامين. كانت محكمة الشعب قد وكْلته للدفاع عن المشاركين في محاولة اغتيال عبدالكريم قاسم في رأس القرية ولم يكن لهؤلاء محامي دفاع. اضيف هنا كملحق ما نشره طالب حامد قاسم عن اعتقاله واعتقال شقيقه ووالده والذي يثبت بدون ادنى شك داعشية انقلابيي 1963.
اضاف حسن العلوي قائلا ان عبدالكريم قاسم لم يكن نزيها لوحده وإن عبدالسلام عارف كان نزيها ايضا. المشكلة في مثل هذا الادعاء هي الانتقاص من نزاهة عبدالكريم قاسم وتصويرها بإنها كانت امرا عاديا. نعم، العقيد الركن عبدالسلام عارف لم يسرق اموال الدولة لكنه منح نفسه رتبة المشير وهي رتبة لم يكن ليحصل عليها تحت اي ظرف وهي رتبة كانت تعلو رتبته بخمس رتب واستلم راتبها وراتب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس قيادة الثورة وكل مخصصات هذه المناصب على عكس عبدالكريم قاسم الذي بقي يستلم راتبه كضابط من دون اي مخصصات وهو راتب وزّعه على الفقراء والمحتاجين. ونعم امتلك عبدالسلام عارف في رأس القرية لكنه شيّد على نفقة الدولة الى جانبه مبنى كبيرا لحماية عائلته بينما كان يقيم هو في القصر الجمهوري ثم اشترى سكنا فارها (كما اتذكر من آل الذكير) في كرادة مريم وراجت الاشاعات في حينها بأنه استخدم منصبه ليشتريه بسعر زهيد. كلنا نعلم ان عبدالكريم قاسم سكن في بيت مؤجر. لا وجه للمقارنة بين نزاهة الشخصين.
ادخل عبدالسلام عارف الى السياسة العراقية العشائرية والولاء العشائري وما لحق بذلك من محاباة ومحسوبيات وهذا لم يحصل قط في عهد عبدالكريم قاسم. نزاهة عبدالكريم قاسم مثالية وليس هناك نزاهة مثيلة لها سوى نزاهة خوزيه موخيكا رئيس الاوروغواي من 2010 حتى 2015.
اضاف حسن العلوي بأنه التقى بإبراهيم عبدالرحمن داود في السعودية والذي قال له بأنه لم يندم على « قيادته لثورة 17 تموز » وبأن سبب انقلابه كان وجود 500 شبكة تجسسية في العراق في عهد عبدالرحمن عارف. واضاف قصة منير روفا الذي هرب بطائرة ميغ 21 الى اسرائيل.
ذكر المقدم الركن إبراهيم عبدالرحمن داود هذه الامور بعد سقوط نظام صدام عام 2003 في مقابلة مع صحيفة الحياة اللندنية ونشرت الحياة ردي على ادعاءاته في حينها. العقل المدبر لذلك الانقلاب هو رفيقه المقدم الركن عبدالرزاق سعيد نايف ولكن وللانصاف لم يكن الانقلاب لينجح لولا دور آمر لواء الحرس الجمهوري إبراهيم عبدالرحمن داود. اتصل هذان الضابطان بعدة ضباط قادة متقاعدين مثل رجب عبدالمجيد واسماعيل علي لإشراكهم في الانقلاب لكن هؤلاء رفضوا شروطهما. عندها قاما بالاتصال بحردان التكريتي (عن طريق ضابط احتياط اعرف اسمه) كي يصبح رئيسا للجمهورية لكن بسبب عقود الاسلحة والعتاد والحياة الشخصية لم يرغب حردان التكريتي بهذا المنصب وفضّل قيادة القوة الجوية ورئاسة الاركان (ولاحقا الدفاع مع الاحتفاظ بقيادة القوة الجوية). اقترح حردان التكريتي اشراك « الشايب »، اي احمد حسن البكر وهذا جلب معه حزب البعث، ووافق على شروط نايف ــ داود وبقية القصة معروفة.
لم تكن هناك 500 شبكة تجسسية في عهد عبدالرحمن عارف وليس بالامكان نفي وجود بضعة شبكات تجسسية لأنه لم يتم الامساك بها. مصدر قصة الـ 500 شبكة تجسسية هو قائمة حصل عليها إبراهيم عبدالرحمن داود بعد ان اصبح وزيرا للدفاع بعد انقلاب 17 تموز، اي انه لم يكن يعرف بوجود هذه الشبكات قبل الانقلاب ليبرر انقلابه على عبدالرحمن عارف. اخذ إبراهيم عبدالرحمن داود هذه القائمة وسلّمها الى احمد حسن البكر ليظهر له ان طاهر يحي التكريتي كان يتستر على الجواسيس. بعد اقصاء إبراهيم عبدالرحمن داود وعبدالرزاق سعيد نايف قام انقلابيو 30 تموز بمحاكمة وإعدام بعض المدنيين ممن وردت اسمائهم في تلك القائمة بتهمة التجسس.
قصة تلك القائمة تعود الى طيار عراقي مدني في الخطوط الجوية العراقية كان يقامر اثناء وجوده في لندن وكانت عليه ديون كبيرة بسبب ذلك. جندته الموساد وطلبت منه بعض الخرائط لبغداد ثم اعطته قائمة بأسماء مئة وعشرين شخص قالت له انهم عملائها ويمكنه الاتصال بهم عند الحاجة. قدم هذا الطيار القائمة الى الاستخبارات العسكرية مدعيا انه ضميره صحى. اُرسلت القائمة الى وزير الدفاع شاكر محمود شكري وهو قام بعرضها على رئيس الوزراء طاهر يحي. استغرب الاثنان من ان كل من وردت اسمه في القائمة لا علاقة له بالجيش وإنما كانوا اطباء ومهندسين ومحامين ومن تجار الشورجة. قرر بعدها طاهر يحي مراقبة بعضهم وكان شبه متأكد ان اسرائيل ارسلت القائمة للإرباك والتمويه وان الطيار المدني لم يكن سوى اداة لتحقيق ارباك في السوق اذا تم اعتقال تجار وتم اعتقال اطباء ومهندسين. بعد انقلاب 30 تموز لم يكن لأحمد حسن البكر اي اشكال في هذه الامور بل ان صدام نفسه قال ان تلك الاعدامات كانت لإثارة الرعب في من يفكر بالتآمر على البعث.
تم تجنيد منير روفا في الولايات المتحدة وكان هو بمثابة الخط الثاني للعملية. الخط الاول كان طيارا من الموصل التحق بدورة تدريبية ايضا في الولايات المتحدة لكنه تردد بعد عودته الى العراق ثم رفض القيام بتلك الخيانة. عندها ارسلت الموساد عشيقته الاميركية الى بغداد وعندما تأكدت من رفضه قامت بقتله وتركت العراق. لم تكن السلطات العراقية في حينها تستطيع فهم سبب تلك الجريمة إلا بعد هروب منير روفا. في خلال كل تلك الفترة كان رفيق إبراهيم عبدالرحمن داود في انقلاب 17 تموز عبدالرزاق سعيد نايف معاونا لمدير الاستخبارات العسكرية ويتحمل على الاقل مسؤولية التقصير في اداء واجبه. للاسف ردد حسن العلوي اكاذيب إبراهيم عبدالرحمن داود.
اختلق إبراهيم عبدالرحمن داود اسبابا بعد لعبدالرحمن عارف خيانته وليس قبلها وبعد تسبيبه في كارثة وطنية كبرى عاني ويعاني منها العراق منذ 1968.
ــــــ ملحق ــــ طالب حامد قاسم ــــ
يوميات سجين صغير في دهاليز البعث 1963
المهندس طالب حامد قاسم ابن شقيق الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم
في يوم الجمعة المصادف 8/2/1963 كنت مع عائلتي في دارنا الواقعة في كرادة مريم باستثناء شقيقاي عبد الله وعلي حيث كانا في زيارة أحد أقاربنا في بغداد في ذلك اليوم المشؤوم وقع الانقلاب العسكري في الثامن من شباط الأسود وعند عصر ذلك اليوم غادرت العائلة المنزل الى منزل أخر يعود لأقاربنا وبقيت أنا وشقيقي المرحوم عدنان في الدار حتى صباح اليوم التالي أي يوم السبت 9/2/1963 وعند حوالي التاسعة صباحا جاء الى دارنا مجموعة من أفراد الحرس القومي وأغلبهم من سكنة منطقتنا (كرادة مريم) وكنا نعرفهم تمام المعرفة وأذكر منهم بالاسم مجيد الحمداني وحسن عبود الأسود وآخرين غيرهم حيث ألقوا القبض علينا أنا وشقيقي عدنان فتطاولوا علينا وأسمعونا انواع السب والشتائم الذي لا مبرر له وإنما ينم على سوء أخلاقهم المتدنية وحقدهم الدفين . بعد ذلك أركبونا سيارة شقيقي عدنان الخاصة وكانت من نوع (فورد فالكون) ستيشن بيضاء اللون موديل 1960 بعد أن استولوا عليها واقتادونا بعد ذلك الى حيث منطقة سكناهم وكانت قريبة جدا من دارنا التي دخلوها وعاثوا فيها تخريبا حيث كانوا يطلقون الرصاص من أسلحتهم نوع بور سعيد على كل شئ في الدار من أثاث وأبواب خشبية والنوافذ الزجاجية ومصابيح الإنارة وأوصلونا الى حيث يريدون فتجمع حول السيارة أناس آخرين ممن نعرفهم جيدا لأننا جاورناهم في هذه المحلة لمدة خمسة عشر عام حيث كانت جدتي (رحمها الله) تمد لهم يد العون والمساعدة دوما سواء أكانت مساعدة مالية أو عينية وأذكر من الأشخاص اللذين تجمعوا حولنا في السيارة طالب الحمداني وشقيقاه كاظم وجعفر وحميد الحمداني وأيضا عمر الحمداني وبعد أن أسمعونا انواع الشتم والكلام البذئ تقدم أحد هؤلاء المتواجدين هناك وأدخل رأسه من السيارة وبصق بوجهي لأن السب والشتم لم يشفي غليل قلبه المريض فانتابنا العجب أنا وشقيقي مما يصدر من هؤلاء نحونا وتناسيهم الزاد والملح والجيرة لسنين طوال ومساعدة جدتي ووالدي رحمهما الله لهم باستمرار وأنا لا أريد أن أذكر اسم الذي بصق بوجهي لأن تربيتي العائلية تمنعني من ذكر اسمه الصريح .
بعد أن تشاوروا بعيدا عن مسامعنا قرروا الذهاب بنا الى مقر الحرس القومي في محلة المأمون فأخذونا بسيارة شقيقي عدنان من قبل مجموعة من الحرس القومي وعددهم ثلاثة بإمرة مجيد الحمداني وأثنان اخران كانا يصوبان فوهات أسلحتهم نحو رؤؤسنا طيلة مكوثنا في السيارة بعد أن وصلنا الى مقر الحرس في المأمون ادخلونا في غرفة واقعة في الطابق الثاني من المقر وكانت الساعة تشير الى الثانية عشر ونصف ظهرا من يوم السبت المصادف 9/2/1963 ، وعند الواحدة والنصف ظهرا جاء أحد الأشخاص إلينا وقال أن عمكم ويقصد الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم (رحمه الله) قد أعدم في دار الإذاعة في الصالحية وبعد مضي ثمان ساعات على تواجدنا في مقر الحرس في المأمون تم ترحيلنا مع نفس الأفراد اللذين جاءوا بنا الى معسكر الوشاش وكان وقتها المطر ينهمر بغزارة والظلام دامس وعند وصولنا الى المعسكر طلبوا من مسؤول المعسكر استلامنا فسمعت أحد الضباط ويقول لماذا لا تربطوهم الى جذوع النخيل وتعدموهم فرد عليه ضابط أخر أعتقد انه أعلى رتبة قائلا لا توقعونا في مشاكل ان الأمور لم تحسم بعد ولم تتضح . ورفض ضباط المعسكر استلامنا وقالوا لأفراد الحرس القومي أذهبوا بهم الى دار الإذاعة العراقية في الصالحية حيث مقر مجلس قيادة الانقلابيين و بعد أن اقتادونا الى هناك ووصولنا الى دار الإذاعة العراقية أدخلونا من الباب الرئيسي ومن ثم ممر طويل يؤدي الى الباب الداخلية وأثناء تواجدنا في هذا الممر المملوء بالأشخاص انهالوا علي ضربا بالأيدي وأخماص البنادق وركلا بالأرجل حيث سقطت على الأرض فكنت أزحف وأحبوا على الأرض لكي أصل الى الباب الداخلية وعند وصولي لها حيث كانت تبعد حوالي خمسة وعشرون مترا عن الباب الرئيسية وصلت وأنا مضرج بالدماء في وجهي ورأسي ويداي ، وبعدها أدخلوني وشقيقي عدنان معي الى صالة الأخوة وهي نفس الصالة التي أعدم فيها الشهيد الزعيم ورفاقه الشهداء وأجلسونا على كرسيين أنا وشقيقي عدنان وكان الغرض من جلوسنا هو إعدامنا وهذان الكرسيان جلس عليهما الشهيد الزعيم والشهيد المهداوي كما أخبرنا احد الضباط المتواجدين قبل تنفيذ الاعدام بنا بوقت قصير دخل أحد الضباط من الرتب العالية وكان أخي عدنان يعرفه فنادى عليه باسمه وكان هذا الضابط هو العميد [رتبته كانت مقدم ركن وليس عميد] صبحي عبد الحميد أحد المشاركين الرئيسين في الانقلاب شباط الأسود فأمر فورا إيقاف تنفيذ الإعدام ووبخ الحاضرين قائلا لا ناقة ولا جمل لهذين الشقيقين في خصامنا مع عمهم الزعيم حيث ان عدنان كان يعمل مع والده بالتجارة وهذا الأخر يقصدني تلميذ مدرسة ثانوية وعمره لا يتجاوز السبعة عشر عاما فما تأثيرهم علينا نحن الانقلابين ثم ألتفت إلينا قائلا الى أين تريدون أن ابعثكم فكان جواب شقيقي المرحوم عدنان نود الذهاب الى البيت وكان جوابي الرفض وقلت لشقيقي إذا ذهبنا الى البيت فأن الحرس القومي المتواجدين في دارنا سوف يقتلوننا فاقتنع العميد [رتبته كانت مقدم ركن وليس عميد] صبحي بجوابي وقال سوف أرسلكم الى سرية الهندسة العسكرية في معسكر الرشيد فاستدعى أحد الضباط وكان برتبة ملازم اول وقال له أذهب بهما الى سرية الهندسة لغرض تسليمهم مع جلب مستند استلام من امر السرية وأنا سأتصل لاحقا بمقر السرية فأركبونا بسيارة عسكرية من نوع واز بصحبة الملازم الأول مع سائق وخرجنا من دار الإذاعة باتجاه جسر الجمهورية فقطعنا المسافة بينهما بوقت طويل لكثرة أفراد الحرس القومي وسياراتهم في هذا الطريق وبعد عبورنا جسر الجمهورية وسيرنا في شارع السعدون ثم وصولنا الى ساحة الجندي المجهول أمرنا مجموعة من الحرس القومي المتواجدين في ساحة الجندي المجهول بالتوقف ولكن الملازم لم يلتزم بأمر التوقف فأطلق الرصاص أفراد الحرس القومي فوق رؤوسنا لغرض الإخافة واستمر لفترة قصيرة فأمر الملازم السائق بالتوقف وترجل من السيارة وهو يصيح بمجموعة الحرس القومي أني مرسل من قبل العميد [رتبته كانت مقدم ركن وليس عميد] صبحي عبد الحميد لإيصال هذين الشخصين الى سرية الهندسة في معسكر الرشيد عندئذ أعتذر رئيس مجموعة الحرس القومي من الملازم فواصلنا السير الى معسكر الرشيد وكان لا يزال الجو ماطرا ووصلنا الى المعسكر وكانت الأرض موحلة ومملوءة بالطين فرأيت مجموعة من الأشخاص واقفين بشكل ثلاثة طوابير طويلة تحت المطر المنهمر وجميعهم معتقلون من قبل الحرس القومي فاجتازهم الملازم الأول وأوصلنا الى الداخل حيث مقر السرية وكان في داخل المقر مجموعة من الضباط فأخبرهم الملازم بأن هذين الشخصين هما أبناء شقيق الزعيم الأكبر حامد قاسم وهم مرسلون من قبل العميد [رتبته كانت مقدم ركن وليس عميد] صبحي عبد الحميد المتواجد مع الانقلابين في دار الإذاعة بعد استلامنا أدخلوا شقيقي في غرفة وأنا في غرفة أخرى وعندما دخلت الغرفة رأيت أرضها طينية رطبة من جراء المطر وفيها ما يقارب ثلاثون شخصا وكنت متعبا ومرهقا بشدة فتكلم معي أحد المعتقلين وكان كبير السن وقال تعال أبني ثم استلقيت على الأرض الطينية ووضعت رأسي في حجره واستسلمت لنوم عميق لم افيق منه حتى أيقظني المعتقلون وذلك لأستدعائي من قبل الضباط المتواجدين في السرية وهم المسؤولين عن المعتقلين بعد وصولي الى غرفة الضباط ودخولي لها وجدت شقيقي عدنان أمامي في الغرفة وقد أستدعي قبلي وكانت الساعة السابعة صباحا والبرد قارص جدا وكنت أرتدي فقط الفانيلة الداخلية وسروال ورأيت في الغرفة ضابط برتبة مقدم [رتبته كانت رائد وليس مقدم] بشرته تميل الى الاحمرار وقد علمت في ما بعد أن هذا المقدم هو حازم الملقب بالأحمر وهو آمر معتقل رقم 1 وكان قاسي القلب ظالم ترتاح نفسه بإيذاء المعتقلين ويعذبهم بأي وسيلة تعجبه وكان يحمل بيده عصا عندما كان يكلمني فضربني بها ضربة شديدة على صدري ألمتني كثيرا ثم قال لي ولشقيقي سآخذكم في هذه السيارة وكانت سيارة عسكرية نوع واز وأجلسنا في مؤخرة السيارة وركب هو في الأمام جنب السائق وتحركت السيارة الى حيث لا نعلم ثم أردف قائلا سأذهب بكم الى النادي الأولمبي في الاعظمية لكي تعدمون هناك وكان النادي الأولمبي مسلخا أتخذه الحرس القومي مكانا لتعذيب من يعتقلوه ثم إعدامه حيث اعدم ابن عمتي الاعب الدولي طارق محمد صالح فقلت له أن الأمر عائد لك أذهب بنا حيث شئت ولكن أتضح فيما بعد أنه يذهب بنا الى السجن رقم واحد الذي يقع في الجانب الأخر من معسكر الرشيد قرب مدرسة المظليين وعند وصولنا الى السجن وضعنا أنا وشقيقي عدنان في غرفة واحدة وكانت الغرفة مليئة بالمعتقلين وأذكر منهم المرحوم الدكتور عبد الجبار عبد الله رئيس جامعة بغداد في عهد الشهيد الزعيم والطيار العسكري خالد ساره والمرحوم العميد الركن سلمان الحصان والمرحوم المقدم عدنان محي الدين الخيال والمرحوم محمد بحر العلوم وغيرهم من الضباط وكان من بين هؤلاء المعتقلين المتواجدين في الغرفة ثلاثة وثلاثون معتقل يرتدون الملابس العسكرية وواحد يرتدي الملابس المدنية وهم مكبلون من الأيدي والأرجل وهم مفترشون الأرض وفيما بعد عرفت أن هؤلاء المكبلون الربعة والثلاثون هم الذين قاوموا الانقلابيين العسكريين في معسكر بعقوبة وجاؤا بهم لهذا المعتقل لأجل إعدامهم ، وبعد تواجدي في هذه الغرفة لمدة ثلاثة أيام اقتيد هؤلاء المعتقلين المكبلون الى ساحة المعتقل وتم ربطهم على جذوع الأشجار في حديقة المعتقل وإعدامهم وأجبروا جميع المعتقلين في السجن بالوقوف قرب النوافذ ومشاهدة عملية الإعدام بهؤلاء الشهداء رحمهم الله وكان المنظر رهيبا ومأساويا عندما ترى مجموعة من البشر يمزق أجسادهم الرصاص . وفي اليوم التالي لعملية الإعدام وعند الصباح نادى أحد حرس السجن على الدكتور عبد الجبار عبد الله ولما أقترب أدخل الحارس يده من النافذة وصفع الدكتور على وجهه صفعة قوية فأنتفض المرحوم العميد سلمان الحصان وصرخ بوجه الحارس لماذا تصفع هذا الرجل الذي قرأ من الكتب العلمية بقدر وزنك او اكثر وبعد مضي حوالي ساعة أستدعي العميد من قبل إدارة السجن وعاد بعد حوالي أربع ساعات وقد غطت وجهه الدماء بعد أن ضرب بقسوة ، وكانت أيضا غرفة صغيرة مجاورة لغرفتنا أعتقل بها والدي رحمه الله حامد قاسم وكانت هذه الغرف الصغيرة تتخذ كسجن إنفرادي وفي أحدى الليالي وبعد أن أنتصف الليل سمعنا احد الحراس ينادي على والدي وقام بفتح قفل باب الغرفة ولم أعرف الى اين أخذوا والدي وعند الفجر أعيد والدي الى سجنه الإنفرادي . مكثت في هذه الغرفة مع شقيقي لمدة أسبوعين وبعدها تم نقلنا الى مكان أخر عبارة عن قواويش مستطيلة ولكنها ضيقة وكانت مرقمة والقاووش الذي وضعت فيه كان رقمه واحد فتم وضعنا في هذا القاووش وكان عددنا حوالي سبعين معتقلا لذلك وضعنا كان صعبا ومزري وكان بعضنا يقف وبعضنا الأخر يجلس ثم العكس وفي احد الايام استدعوا شقيقي عدنان واخذوه الى خارج الغرفة وارجعوه مساء والدم يغطي وجهه والكدمات في كافة انحاء جسمه ، تم وضع والدي المرحوم بغرفة أنفرادية بجانب القاووش وكان البعض من حراس القاووش يتعاطفون معي ومع شقيقي فيسمحون لي ولأخي رؤية والدي أن سنحت لهم الفرصة المواتية. ومن الأوضاع المزرية العالقة في ذهني وهي وضع صفيحة معدنية (تنكة) في داخل القاووش لكي يقضي المعتقلون حاجتهم بها وكان يوجد بالممر أربع دورات مياه صحية يخرجوننا لها صباحا بزمن عشرون دقيقة لكافة السجناء والذي يتأخر في المرافق يسكب عليه الماء البارد من الأعلى . وبعد مضي شهرين على تواجدنا في هذا القاووش وفي صباح أحد الأيام وعند الساعة السادسة تم استدعائي وأخرجوني الى ساحة المعتقل فرأيت شاحنة عسكرية نوع زيل متوقفة في الساحة وبها سبعة أشخاص من المعتقلين ويحرسونهم أربعة من أفراد الانضباط العسكري فأركبوني في الشاحنة فكنا ثمانية بحراسة أربعة من الانضباط العسكري ولم يسبق لي التعرف على هؤلاء السبعة وكانت السماء ممطرة اتجهت بنا الشاحنة الى مدرسة المظليين ثم أنزلونا ووقفنا بشكل طابور في حديقة المدرسة والمطر منهمر فوق رؤوسنا وكان تسلسلي الرابع في الطابور هؤلاء السبعة الذين معي كانوا من أهل الموصل وكنا ندخل الواحد بعد الآخر الى غرفة فيها ثلاثة ضباط من منتسبي مدرسة المظليين فينهالون على المعتقل الواقف أمامهم بالضرب المبرح وعلى مختلف مناطق الجسم والرأس ثم ينادون بعد ذلك على اثنان من الجنود لأجل اقتياد المعتقل بعد الضرب الى غرفة التحقيق ولما وقفت أمام الضباط الثلاثة قالوا لي أنت صغير السن لماذا أنت مع هؤلاء المعتقلين فقال أحدهم مالنا وله ثم تم ضربي ولكن ليس بشدة وبعد ذلك أدخلت الى غرفة التحقيق وكانت الهيئة التحقيقية مؤلفة من ثلاث أشخاص وكان سؤالهم الأول لي عندما كنت تذهب بسفرطاس الطعام الى عمك في وزارة الدفاع ماذا كنت تسمع من حديث يدور بين الزعيم والضباط الآخرين المتواجدين وكان جوابي لم أكن اسمع أي حديث يدور لأنهم لا يتكلمون امامي . والسؤال الثاني عندما كان يزوركم الزعيم ما نوع الحديث الذي يدور بينه وبين والدك أو افراد أسرتك وعن ماذا كانوا يتكلمون فكان جوابي أن الأحاديث التي كانت تدور أحاديث عائلية فقط . وبعد الانتهاء من التحقيق معي تم أخذ طبع أصابعي ثم أرجعوني الى سجني وعلمت في اليوم الثاني أن السبعة الذين ركبت الشاحنة معهم قد تم إعدامهم (رحمهم الله ) . بعد مرور أربعة أشهر على تواجدي في سجن رقم واحد بمعسكر الرشيد وفي أحد الأيام صباحا طلبوا من كافة المعتقلين الخروج الى ساحة السجن الكبرى الترابية ثم طلبوا منا خلع ملابسنا كلها حتى الداخلية منها وبعد خلعنا الملابس وطرحها أرضا شوهد القمل يدب على الأرض من ملابسنا ثم قاموا بحلاقة شعرنا المتواجد في الرأس والجسم من كل معتقل وبعد الانتهاء من الحلاقة طلبوا منا ونحن عراة التوجه الى خيام عسكرية نصبت على مسافة من مكان تواجدنا بعد جهز كل معتقل بليفة وصابونة وكانت هذه الخيام عبارة عن حمامات عسكرية يتوفر فيها الماء الحار والبارد بعد استحمامنا وزعت علينا ملابس جديدة (ملابس داخلية وبيجاما ) وبعد ارتداءنا الملابس الجديدة وزعنا على غرف المعتقل مكثت في سجن رقم واحد لغاية يوم الثامن والعشرون من شهر حزيران عام 1963 وقبل ظهر هذا اليوم تم ترحيلي مع والدي وعدد من مالكي ومحرري الصحف العراقية في عهد الزعيم رحمه الله وأذكر منهم محمد البريفكاني وفائق بطي الى سجن الموقف العام في باب المعظم . وضعت انا ووالدي في القلعة الخامسة في هذا المعتقل ، وكان من ضمن المعتقلين معنا المرحوم المقدم محمود الجلبي عضو محكمة العسكرية العليا الخاصة التي كانت برئاسة الشهيد فاضل المهداوي بعد مرور أيام على تواجدنا في المعتقل سمح بمقابلة المعتقلين عوائلهم داخل المعتقل فطلبت من والدتي ان تجلب جميع كتبي المدرسية لكي أواظب على القراءة لكوني تلميذ في الصف الخامس ثانوي الفرع العلمي وعند حلول شهر أيلول عام 1963 سمح للمعتقلين من التلاميذ بالامتحان الخارجي مع المكملين فامتحنت امتحانين فقط ثم حرمت من تكملة الامتحانات بعد منعي من قبل أحد افراد الحرس القومي الذين اعرفهم تمام المعرفة لأنه جارنا لسنين عديدة في منطقة كرادة مريم وأستمر أعتقالي لغاية تموز عام 1964 عندما اطلق سراحي . ولكن المرحوم والدي بقي معتقلا بعد خروجي ولمدة سنة كاملة وتهمته الكبرى أنه الشقيق الأكبر للشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم . وبعد خروجي من المعتقل قدمت على الامتحان الخارجي ونجحت وبذلك أنهيت الدراسة الثانوية فحمدت الله على ذلك وأنا الآن مهندس كهرباء متقاعد.



#علاء_الدين_الظاهر (هاشتاغ)       Alaaddin_Al-dhahir#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين عالمين: التنظيم والفوضى على رابطين على اليوتيوب
- دواعش 1963 ومذكراتهم ولماذا يجب محاكمتهم
- فرحة بعض الشيوعيين العراقين وبعض اليساريين العرب بفوز ترمب، ...


المزيد.....




- رصد طائرات مسيرة مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية أمريكية في بري ...
- جوزيب بوريل يحذر بأن لبنان -بات على شفير الانهيار-
- مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في ...
- لحظة هروب الجنود والمسافرين من محطة قطارات في تل أبيب إثر هج ...
- لحظة إصابة مبنى في بيتاح تكفا شرق تل أبيب بصاروخ قادم من لبن ...
- قلق غربي بعد قرار إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة
- كيف تؤثر القهوة على أمعائك؟
- أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن ...
- شاهد.. أطول وأقصر امرأتين في العالم تجتمعان في لندن بضيافة - ...
- -عملية شنيعة-.. نتانياهو يعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي في ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء الدين الظاهر - حسن العلوي في « خطى » نحو الوراء