|
الثقافة العربية والتحديث!
فهد المضحكي
الحوار المتمدن-العدد: 5568 - 2017 / 7 / 1 - 11:26
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
لسنا هنا بصدد الحديث عن الفرق بين الحداثة والتحديث وكل ما يثير التعارض أو التداخل بين المفهومين، وإنما الحديث عن مظاهر التحديث في حياتنا، هذه المظاهر التي تطرق لها بالبحث والدراسة الكثير من الباحثين وفي هذا المجال كتب محمود امين العالم ان مظاهر التحديث هي مجرد ملصقات خارجية غير نابعة من حياتنا نفسها، أو غير متحققة بإرادتنا الواعية. وبشكل واضح يعتقد انها مظاهر تحديثية مشتراة من الغير، وليست ثمرة اختيارنا أو إنتاجنا، وهو تحديث يحتفظ بخارجيته فينا دون ان يمس خصوصيتنا الداخلية العميقة، اللهم الا تغريباً لهذه الخصوصية وطمساً لها، بل ومضاعفة لتخلفنا وعجزنا وتبعيتنا! ولهذا فهي مهدرة مبتذلة، وهي في أغلبها مظاهر وأدوات مستجلبة مشتراة للاستهلاك والاستمتاع لا للانتاج والابداع، وهي مظاهر لا تحرك البنية العقلية أو المجتمعية المتخلفة، بل لعل تكرسها، ولهذا تفضي إلى مزيد من التمزيق في بنية الشخصية العربية بهذه المفارقة الصارخة بين التحديث، الاستهلاكي المظهري والتخلف الانتاجي، بين التحديث الادواتي والتخلف الفكري، بين التحديث البذخي الاستمتاعي والتخلف والابتذال القيمي، بين التحديث في المظهر والقبلية والعشائرية في الجوهر! وهنا فالجانب الأهم هو ان التحديث الحقيقي بحسب رؤية العالم هو تجدد الحياة، وتجدد الانسان، تجدد الرؤية الانسانية واتساعها وتعميقها ومضاعفة القدرة المعرفية والوجدانية الانسانية على امتلاك قوانين الحياة وشروطها وتغييرها وتجديدها لمصلحة الانسان. انها الكشف المجدد المغير دائماً للرؤية وللحياة الانسانية في انحائها المختلفة الادبية والفنية والعلمية والفكرية والاجتماعية والثقافية عامة، فأين هذا التحديث - حتى في أدنى صوره - من واقع حياتنا الراهنة؟ عن هذا السؤال يجيب: كان معنى النهضة وهدفها منذ بدايتها في القرن التاسع عشر هو اللحاق بالغرب وهو نتيجة اندماج وتبعية بلاد العرب للغرب، وكان الغرب الرأسمالي قد اخذ يتسع متطلعاً إلى توحيد العالم كله وتنميطه سياسياً واقتصادياً وثقافياً بحسب رؤيته ومصلحته، في حين كانت هناك ردود فعل سياسية مختلفة فكرية وسياسية، هناك تيار يرفض الاندماج بالعودة إلى تراث الماضي، والديني منه بوجه خاص، وتيار يقبل الاندماج ووجد فيه الطريق الوحيد للتقدم، وتيار ثالث توفيقي بين الاثنين، وتيار رابع مستقل يؤسس استقلاله على ارتباطه بالشعب والتزامه بمصالحه بما يراه في الغرب من قيم لا تهدر لهذا الاستقلال ولا تلغيه بل تنميه. في ظل الاندماج والتبعية للغرب كان التحديث يكرس ذلك وليس التحديث الذي يؤكد الذات ويحمي الخصوصية وينمي القدرة على الانتاج والابداع.. بمعنى انه تحديث مفروض سطحي لا يمس جوهر البنية الاقتصادية والاجتماعية، كان التحديث يكرس التبعية لا الاستقلال لخدمة الرأسمالية العالمية على حساب الخصوصية التنموية الاستقلالية العربية، يغلب عليه الطابع التقني على الطابع الانساني والطابع المظهري النفعي على الطابع المجتمعي الحضاري! ومع ذلك يعتبر انه من التعسف ان ننسب استمرار هذه التبعية التحديثية إلى الأثر الخارجي وحده، أي التدخل الرأسمالي الاستعماري الغربي وحده، فلاشك ان قوى اجتماعية طبقية داخلية كانت ولاتزال مسؤولة ومتواطئة وذات مصلحة مستمرة في استمرار هذه التبعية واستشرائها!! وفي ظل هذه الوضعية كانت ثمة محاولات للتخلص من هذه التبعية مع الاستفادة والاستعانة بكل ما انجزه الغرب الحضاري من ابداعات وابتكارات علمية اقتصادية وفكرية وتكنولوجية، والامثلة على ذلك (مصر وبلاد الشام والجزائر والسودان واليمن) الا ان ثورات شعوب هذه الدول لم توقف السيطرة التابعة لمصلحة قوى الاستغلال والتخلف الداخلي، والقوى الرأسمالية العالمية وربيبتها الصهيونية، هذا ما اسهم في استشراء هذه السيطرة بوسائل السلطات الداخلية التي تقمع الحريات الديمقراطية وحقوق الانسان وتمنع المشاركة في اتخاذ القرار! الحصيلة التي يبينها العالم هي: لقد انعكس هذا الوضع على الثقافة العربية، فمع كل مظاهر التحديث التقني التابع قامت كذلك ثقافة يغلب عليها هذا الطابع التقني التابع، انها ثقافة السلطة التي تضخها عن طريق وسائل الاتصال الجماهيري. وما تُشيعه من قيم وافكار واذواق تكرس بها توجهاتها السياسية ومصالحها الاقتصادية وهكذا كما يبين العالم اقيمت واتسعت سوق للثقافة والمثقفين، اصبحت فيها الثقافة سلعة للتبرير والتحذير والتضليل والتغريب والاستهلاك والاذعان! وفي مقابل ذلك تتفجر توجهات ثقافية معارضة تتسم بالرفض المطلق للتحديث خاصة وللغرب عامة، وتتمثل هذه الثقافة في الاتجاهات الماضوية الدينية المتزمتة التي تجد في الماضي الاجابة الوحيدة الصحيحة لكل اسئلة الحاضر اي الرفض المطلق للحاضر والتبعية المطلقة للماضي، وهي بهذا لا تقدم بديلاً موضوعياً للتحديث التابع. ومن هنا يتحدث العالم عن النزاع بين الأنظمة العربية وبين بعض الحركات الدينية الاصولية معتبراً أن اساس الصراع سياسي على السلطة، فليس ثمة خلاف بينهما حول النظام الاقتصادي السائد. ويتحدث ايضاً عن بعض الاجتهادات المستنيرة نسبياً ذات تفتح موضوعي على حقائق العصر يسود بعض هذه الحركات الدينية، في حين تحدث وبإسهاب عن رؤى تحديثية أخرى مختلفة جذرياً من اجل تحقيق تحديث اجتماعي حضاري.
#فهد_المضحكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حديث حول الدّيْن العام
-
الولايات المتحدة واستراتيجية القوة!
-
القيمة المضافة وتباين الآراء!
-
أحداث مؤلمة!
-
في ذكرى اغتيال المفكر مهدي عامل
-
الوضع المالي.. التحدى الأكبر!
-
الإمارات الدولة النموذجية في استطلاع الرأي
-
حديث حول المواطنة!
-
نزيهة الدليمي.. حياة مليئة بالكفاح ونكران الذات!
-
الأزمات المالية وصندوق النقد الدولي!
-
الإسلام السياسي والديمقراطية
-
واقع المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الدول العربية!
-
«الطريق» رؤية تقدمية في الأوقات الصعبة
-
السيد ياسين
-
شمائل النور
-
السياسة الامريكية.. ونفط الشرق الأوسط!
-
الحروب والمجاعة والموت الجماعي!
-
عن حقوق المرأة!
-
لماذا التصعيد الأمريكي في بحر الصين الجنوبي؟
-
عن البيئة الملائمة للديمقراطية
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|