|
إعتذار صليبي من قلعة الإسلام
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1451 - 2006 / 2 / 4 - 10:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في حمأة ردود الفعل العربية والإسلامية ، الأخيرة ، على ما نشرته صحيفة دانمركية من رسوم كاريكاتورية " مسيئة " للرسول محمد ؛ إذا بوسائل الإعلام السورية ، الرسمية ، تدخل على خط المزاودة ،الإيمانية .. متأخرة على كل حال . ففي الأيام الثلاثة ، المنصرمة ، شغلتنا وسائل الإعلام تلك ، المؤبدة ، بنقل بيانات لوزارة الخارجية السورية وما يسمى ، كاريكاتورياً ، ب " مجلس الشعب " وغيرهما من الجهات المسؤولة / اللامسؤولة ، التشريعية / غير الشرعية ! وآخر ما تفتقت عنه عبقرية ماكنة الإعلام البعثية ، إياها ، هو ظهور مانشيت في الشريط الإخباري للفضائية الرسمية ، يقول : " إعتذار دانمركي من سورية " .. يا للهول ! وما أن تحوّل الريمونت كونترول إلى فضائية عربية ، اخرى ، حتى تحصل على نعمة الخبر اليقين : " وزارة الخارجية الدانمركية تجتمع بواحد وسبعين سفيراً من الدول الإسلامية .. الخ " . أي أنّ سورية ، بحسب وسائل إعلامها ، البائسة ، تختصر هذه الدول الإسلامية جميعاً ، ويُمهرُ ختم الإعتذار الدانمركي بإسمها ؛ الإسمُ المحوّط بسلامات النبيّ وآله !
عطفاً على المانشيت الإخباري ، السوري ، تابعتْ عيونُ المشاهد ، حتى عشِيتْ ، إيرادَ إسم الرسول بصفة " العربي " ؛ وكأنما نبيّ المسلمين ، أجمعين ، أضحى نسبهُ محصوراً بالأمة العربية الواحدة ، ذات الرسالة الخالدة ؟؟ ؛ الرسول القائل في حديث مثبت ، مدعوم بأمثلة مماثلة من وحي القرآن : " لا فرق بين عربيّ وأعجميّ إلا بالتقوى " . وكان من أطرف ما صدر من تعليقات لمحللي النظام البعثي ، المنحل في قيمه وممارساته ، هو ما قرأناه في جريدة جرائد ( إيلاف ) ، من مقالة السفير رياض نعسان آغا . يصرّ سفيرنا ، في مقالته ، على نظرية المؤامرة الصهيونية ، متباهياً بتمسكه ب " حقيقة " أنّ هذه الرسوم ظهرتْ رداً على إنتصار ( حماس ) في الإنتخابات الفلسطينية ، الأخيرة . وقد فات سعادة السفير السوري ، حقيقة أبسط ؛ وهي أنّ تلك الرسوم الكاريكاتورية ، منشورة منذ عدة أشهر في صحافة الدانمرك !
المسألة إذاً ، ليست في أن رسام الصحيفة الدانمركية أسعده حظ " التنبؤ " بفوز حركة المقاومة الفلسطينية ؛ بل لأنّ هذه الأخيرة ، بحسب جميع التحليلات عربياً ودولياً ، قد إكتسحت الشارع الفلسطيني لسبب وحيد : هو فساد السلطة الوطنية ؛ الفسادُ نفسه ، المستشري في كل ركن وكل زاوية من هيكل النظام السوري ؛ مع فارق بسيط بين الحالتيْن : أنه في فلسطين ولم تبلغ مرحلة الإستقلال بعد ، أجريت إنتخابات حرة ، مراقبة دولياً ؛ بينما في دولة البعث ، الأبدية ، المحكومة بالحزب الواحد والطائفة المختارة والعائلة المقدسة ، فلا فسحة من أمل للتعبير الشعبي ، ديمقراطياً ، في أية إنتخابات برلمانية أو بلدية أو رئاسية أو ضرابسخنية !
دولة البعث ، العلماني ، ما عادت في موقفها اليائس ، المحاصر إقليمياً ودولياً على خلفية إغتيال الحريري ، لتعرف موطئاً لقدميها ، الرخوتيْن . فهي مرة تتباهى أمام الأوروبيين بعلمانيتها المزعومة ، وتسامحها الدينيّ ، المسرحيّ كما تجلى في إستقبال بابا الفاتيكان الراحل ؛ ومرة اخرى ، تراها دولة الإيمان الزرقاوي وفتاوى إستباحة النفوس الإنسانية ، المتطرفة . خبرُ السياسة المتخبطة تلك ، كان مبتدؤه في تسلم رجل الطائفة ، الراحل الأسد ، مقاليد السلطة بإنقلاب عسكريّ ، أبيض ؛ الإنقلاب الذي ما لبث أن أحالته ممارساته القمعية إلى الأسود ، كحلكة الليل المقيم على الوطن السوري . منذئذٍ ، وحتى لحظتنا الراهنة ، أضحى الكيد للإسلام وأهله _ وهم للعلم غالبية سكان سورية _ سياسة مبرمجة على الصعيد الداخلي ؛ السياسة المتوجة بعقد الثمانينات ، الدموي ، المُدَشن بإكتساح المدن السنيّة الكبيرة ؛ بدءً باللاذقية ؛ مسقط رأس العائلة الحاكمة نفسها ، و بحكم عقلية ثأر طائفية ، متخلفة ، غاية في الحقد والإنتقام ، مروراً بمواصلتها في حلب وجسر الشغور وإدلب وغيرها ، لتكون خاتمة مصبها في حماة ؛ المدينة الشهيدة . وحتى في دمشق العاصمة ، شهدت المدينة لأول مرة في تاريخها ، نزول قطعات من الفتيات المسلحات بالمفاهيم الطائفية المشحونة غلاً وحقداً ، لتعرية النساء من أغطية رؤوسهن مع إهانات وبذاءات ، إلى حدّ أن الرئيس البائد ، إضطر منعاً لردة فعل أهلية جامحة ، أن يعتذر بنفسه في خطاب متلفز ، موعزاً لنفس القطعات النسائية المشحونة ، بالعودة في اليوم التالي إلى شوارع المدينة وبيد كل واحدة منهن زهرة بيضاء ! قبل ذلك ، وتوافقاً مع العقلية الثأرية نفسها ، إمتدت يد الغدر ، السورية البعثية ، إلى لبنان ، مشعلة فيه أتون حرب أهلية مدمرة ، بهدف تقويض نظامه الديمقراطي البرلماني ، المبنيّ على إتفاق مكوناته المختلفة ؛ حرب مدمرة ، هدفَ فيه نظام الأسد إلى الحيلولة دون إنتقال المثال اللبناني إلى سورية ، المحكومة بالديكتاتورية الطائفية ، السافرة .
ومع الوريث الإبن ، دخلتْ اللعبة الطائفية نفسها ، المبنية على عقلية الثأر والإنتقام ، في مرحلة جديدة ، خطيرة ؛ وهي حصر جميع المناصب الرئيسة في الجيش والأمن بأبناء الطائفة المحظوظة . علاوة على " علوَنة " مرافق الدولة جميعاً ، إلى حدّ أن مجالات الفنون ، جميعاً ، إختصرتْ منذ تسلم " رئيسنا الشاب " في لون طائفيّ واحد ؛ اللون المنسحب إلى البرامج التلفزيونية ، الدينية ، التي إستقدموا لها مشايخ من الطائفة الشيعية ، عراقيين ولبنانيين ، بإفتراض خلو سورية من علماء دين ، سنة ! في نفس الوقت الذي تفعل الأجهزة الأمنية السورية كل ما بإمكاناتها ، الجهنمية ، لتخريب العملية السياسية العراقية ، مرسلة أدوات الموت ، اليومي ، إلى مناطق الشيعة المدنيين ، تحديداً ، بهدف إشعال حرب أهلية ، تخرب تلك العملية السياسية ، التوافقية ، بما يحول دون العراق وجعله مثلاً للديمقراطية والحرية ، إثر سقوط الشقيق البعثي ، الصدامي . إنّ هبة الإيمان ، الطارئة ، اللافحة دهاقنة النظام السوري ، لهي الطرافة بعينها ، والحق يقال . ولا نبالغ ، والحالة هكذا ، إذا ما إفترضنا أنّ هذا النظام في حرصه المفاجيْ على الإسلام ونبيه ، قد لا يقبل " إعتذار " دولة الدانمرك . وغير مستبعد ، أيضاً ، أن يبشرنا الرئيس ، البشار المؤمن ، بفتوى تهدر دم رسام الكاريكاتور " المسيء " ، مع جائزة قدرها بضعة ملايين من الدولارات ؛ جائزة مالية ، تدفع للقاتل المأجور ، على الغالب ، من كيس مال مؤمني طهران أو من أرصدة آل العوجة ، المتدروشين ، المرهونة في البنوك السورية .
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التحوّلات الكردية : أقلية وأكثرية
-
الإجتماعيات الكرديّة : تقاليدٌ وتجديد
-
الإجتماعيات الكردية : طِباعٌ وأعراف
-
الإجتماعيات الكردية : فقهٌ وتصوّف
-
القصبات الكردية (2 / 2)
-
الإجتماعيات الكردية : عامّة وأعيان
-
رؤيا رامبو
-
الميلاد والموت
-
القصبات الكردية
-
المهاجر الكردية الأولى
-
كي لا ينام الدم
-
سنوات النهضة الكردية: مدرسة الشام
-
المصادر الاسطورية لملحمة ياشار کمال ..جبل آ?ري
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|