مولود مدي
(Mouloud Meddi)
الحوار المتمدن-العدد: 5565 - 2017 / 6 / 28 - 01:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
التأويل في القرأن يعني التطبيق, أي النصوص القرأنية عندما يتم تأويلها, فهي لغرض تطبيقها و تنفيذ الأمر الربّاني, لكن المشكلة أن التأويل عند فقهاء أغلبية المذاهب الاسلامية كالسنّة و التشيع و الصوفية هم أنهم جعل النصوص القرأنية في خدمة أرائهم الفقهية و مهاجمة مخالفيهم في الفكر, و المشكلة الثانية هو خلط الفقهاء بين طريقة تأويل أيات التشريع و بين الأيات التي تصوّر للانسان عالم الغيب, فالله لم يتحدث عن غيب الأخرة بطريقة مفصّلة في القرأن لادراكه أن العقل البشري هو عقل أسير للواقع الذي يعيش فيه ولا يمكن لخياله أن يخرج منه, فلكي يبسّط الله لعباده فهم هذا العالم لجأ الى المجاز, فأنتج هذا الخلط خرّافات و خزعبلات في غاية الاساءة لله مثل " التجسيم " و الخوض في شكل عرش الله و هل هو فوق الماء أو فوق الرمل, و ابتدعوا أكاذيب نسبوها للرسول, مثل الحديث الموجود في صحيح البخاري و الذي يقول أن الله سيضع قدمه فوق النار و ستقول له قط قط قط.
ان التأويل الحقيقي لا يعترف بالخلافات السياسية, و انما يأخذ بعين الاعتبار, الظروف الزمانية و المكانية التي يعيش فيها الانسان, لكن عندما نعرض تأويلات أكبر المذاهب الاسلامية نجد أن ديدنها كان هو تغليب أرائها وفقط, فالمذهب السنّي القائم على الاحاديث المنسوبة الى الرسول, قام بتأويل النصوص القرأنية لكي توافق الاحاديث التي يزعمون أنها تعود للرسول, و هذا ما جعل الامام السنّي الاوزاعي يقول أن " السنّة قاضية على الكتاب ", يعني أنه بهذا يجعل تأويل القرأن يخضع الى الروايات و فقط فليس هناك قياس و لا اجتهاد و لا غيره, كما يخالف المبدأ القرأني الذي يقول أن القرأن لا يتم تأويله الا بالقرأن و مخالفة للأيات القرأنية التي تؤكد على اكتمال القرأن, فالقول بأن القرأن يجب تأويله بالروايات المنسوبة للرسول يعني اتهام ضمني بأن الله أنزل على عباده نصوصا لا يستطيعون فهمها, و هذا تسليم بأن كتاب الله هو كتاب غامض مشفّر يحتاج الى " ديكربت " بأحاديث " البخاري " و " مسلم " و " سنن أبي داود " و غيرها من المصنّفات, كما أن هذا القول تسبب في مشكلة خطيرة و هي التعدي على حق من حقوق الله تعالى و هي التشريع, فنصوص الحلال و الحرام في القرأن تتميز بالقطعية و الوضوح و النهي عن الجدال فيها, امّا ما لم يحرّمه الله فهو قطعا من الحلال المباح, لكن معيار اخضاع النصوص القرأنية الى الاحاديث نتج عنه اضافة مصطلحات " المكروه " و " المندوب " الى التشريع, فذهب فقهاء الدين السنّي الى تحريم الحلال المباح في تعدّي واضح على حقوق الله تعالى حتى أكثروا من التحريم لكثرة الروايات, و بما أن حتى مصطلح " السنّة " هو من أكثر المصطلحات الفقهية غموضا, لم يتّفق دين السنّة و الجماعة على السنّة التي يقصدونها هل هي سنّة النبي وحده أم سنّة فقهاء أم سنّة صحابة ؟, فخلطوا أفعال النبي بأفعال الصحابة, وأضافوا للدين الاسلامي تشريعات ما أنزل بها الله من سلطان, مثل قتل المرتد, فلو يسأل المسلم لماذا عقوبة المرتد هي القتل ؟ سنجيب أن هذه العقوبة ما هي الا قياس فاسد من طرف دين السنّة و الجماعة على ما فعله أبو بكر بالقبائل التي رفضت بيعته فتمّ اتهامها بالردة و من ثم قتال أهلها, فقالوا أن عقوبة المرتد هي القتل, و هناك من أضاف الى " سنّة النبي " " سنّة الفقهاء " فعندما أفتى الحنابلة بأن تارك الصلاة كافر و جب قتله, أصبحت هذه الفتوى جزء لا يتجزأ من اركان الاسلام, لذا الدين السنّي لم يسبق له و أن قام بتأويل القرأن الكريم, و انما قام بتطويع هذه النصوص لتصبح موافقة للروايات, مثلما فعلوا من أجل تصديق الحديث المذكور في " البخاري " الذي يحكي خرّافة سحر الرسول, فقالوا بما أن القرأن أورد قصّة سحر النبي موسى فما المانع من تكذيب " البخاري " ؟.
أما الدين الشيعي الأرضي فقام بنفس الأمر, فكهنة هذا الدين يجعلون أغلبية النصوص القرأنية في مدح علي بن أبي طالب, فجعلوا صفة أل البيت المذكورة في القرأن مقتصرة فقط على ذرية علي فقط " انما يريد الله ليذهب عنكم الرجز أهل البيت و يطهركم تطهيرا ", لكن هذه الآية في الحقيقة تتحدث عن نساء النبي و لا علاقة لعلي بن أبي طالب و لا أهل بيته بهذه الأية, و عموما المصطلح القرأني " أل البيت " يعني " الزوجة " أي يمكن لهذا المصطلح أن يشير الى زوجات النبي أو زوجة النبي ابراهيم عليه السلام, أو حتى امرأة العزيز في مصر, لكن على العموم الشيعة لا يقومون بتأويل النصوص القرأنية الا للتأكيد على عصمة الامام علي المزعومة و اختراع الأحاديث التي تؤيّدها, و التي تلعن " أبو بكر " و " عمر بن الخطّاب " و غيرهم, و هم في الأخير لا يختلفون في هذا الأمر عن الدين السنّي, فالكل يكذب لينصر طائفته.
ان تأويل دين السنّة و الجماعة و الشيعة هو تأويل بعيد عن مقاصد الشريعة, تم تحويل نصوص العقوبات في القرأن الى نصوص سلطوية ووسيلة للتحكم في رقاب الناس, فمن المفروض أن تكون العقوبة وسيلة للاصلاح و اعادة ادماج المذنب في مجتمعه و ليس جعله عالة عليه, فما يسمّيه الفقهاء " الحدود " ليس عبارة عن سلطة قضائية كما يدّعون, لأن النصوص القرأنية تخاطب الأمة الاسلامية و لا تخاطب الدولة, و الأمة ليست هي السلطة, و الأمة هي التي تبحث عن كيفية تطبيق نصوص العقوبات دون معارضتها للفطرة الانسانية مع مراعاة الغاية المقصودة منه و هي الاصلاح و ليس التشفّي و الانتقام.
أراء فقهاء أديان المسلمين الأرضية حول النصوص القرأنية لا يمكن اعتبارها تأويلا بتاتا, فالمذاهب الاسلامية هي نتاج انقسام سياسي بين الصحابة في السقيفة, ثم أسس المسلمون أحزابا و فرقا سياسية بغرض الدفاع عن مرشّحيهم في الخلافة, ثم تحولت هذه الفرق السياسية الى تيّارات دينية تقوم ب " ليّ اعناق النصوص القرأنية " لكي توافق توجّهاتها السياسية و نصرة أراءها, لذا التأويل الحقيقي للقرأن يجب أن تكون الغاية منه معرفة الحق و اصابته, ثم العمل به بعيدا عن التعّصب الحزبي و الأدلجة, و ليس الدفاع عن اراء فقهية و مواقع سياسية.
المسلمين توّقفوا عن واجبهم في تأويل النصوص القرأنية و تدبّرها فور نضوج المذاهب الاسلامية التي تحوّلت الى أديان أرضية موازية لدين الاسلام بحيث جعلت تأويلاتها القرأنية هي نهاية المطاف, و جعلت الكفر هي الخروج عن أراء هذه الأديان الأرضية, و لهذا السبب طغى على المشهد الديني الاسلامي الحالي, التمذهب الوهّابي الناتج عن التعصب الحنبلي السلفي ذي النظرة المتحجّرة الحرفية للنص القرأني بعيدا عن معانيها العميقة و التمذهب الشيعي الذي صمد بقوّة بسبب تجربته الطويلة مع العنف و الاضطهاد, لكن هذا لا ينفي وجود أراء اسلامية راقية و متطورة قياسا بظروفها لكن النفوذ الذي تمتّع به الدين السنّي الأرضي في العصر العبّاسي الثاني لدى السلطة هو ما أدى الى تغييب هذه الأراء, حقّا تنطبق مقولة الفيلسوف البريطاني " دافيد هيوم " على هؤلاء الكهنة و التي تقول " عندما يقف العقل ضد الانسان يسارع الانسان للوقوف ضد العقل ", فالقرأن لم يأتي لكي يخدم مصالح هؤلاء الفقهاء, وادركوا ان اعمال العقول في هذه النصوص سيكون اصلا سببا في زوال سلطانهم على عقول المسلمين, لقد اتّهموا المعتزلة باتباع الأهواء في تفسيرهم للقرأن و هذا من الغباء و الجهل بحقيقة الانسان و خلط بين العقل و الأهواء, فالاهواء بمعناها الفلسفي هي الاستجابة لموقف من المواقف كالالحاح في معرفة نتيجة صديقك في الجامعة ان رسب أو نجح, أما العقل فهو استجابة لموقف كلّي لذا الفرق بين العقل و الاهواء هو فرق في الدرجة لذا هم لا يعلمون أننا نفكّر لأننا بحاجة الى التفكير في عالم كثير المزالق و ليس استجابة لأهوائنا , لكن المؤسف أن هذه التأويلات المتعسّفة للقرأن تحوّلت الى دين تحمل لافتة الاسلام, نقول أنها تأويلات متعسّفة لأنها تأويلات تخالف الواقع, ولذلك ظهرت مشكلة في تطبيق النص, فالمشكلة ليست في النصوص اذن و انما فيمن أفرغها من معانيها, و هذا لأن المسلمون لم يعرفوا أن الفكر الديني المتمثل في الآراء الفقهية للبشر هو في الأخير أراء غير مقدّسة تقبل الأخذ و الرّد و ليست هي الدين لذلك كان عليهم نقد تأويلات الفقهاء للنصوص و معرفة ان أصابت مقاصد الشريعة أم لا, لكن الشيوخ جعلوا لأراء معلّميهم قدسية هائلة لا تقبل النقد و المناقشة.
ان مصطلحات " أهل العلم " و " فهم السلف " و " قال الجمهور " ما هي الا بضاعة مهترئة لا تخدع الا جاهلا بأصول دينه و الذي قبل بالعبودية الفكرية للأخر الذي يمكن أن يكون أكثر غباءا منه, لذا في الأخير الحقيقة التي لا مفرّ منها هي أن " الشافعي " و " مالك " و " ابن حنبل " و " ابن تيمية " و " باقر الصدر " و جميع فقهاء المسلمين من جميع المذاهب, لا يملكون شيئا يوم القيامة الا ما قدّمت أيديهم, هم بشر مثل سائر البشر و ليس أنصاف الهة يمتازون بقدرات عقلية خارقة تجعلهم الأشخاص المختصين دون الأخرين بإعمال عقولهم في النصوص و الاجتهاد فيها, لذلك الله سيحاسبهم يوم القيامة على قدم المساواة مع جميع البشر, وحينها لن تغني عنهم شيئا ألقاب " شيخ الاسلام " و " حجّة الاسلام " و " أعجوبة الزمان " و " محدّث العصر ", التي هي من ابداع من ولد و ترعرع في ظلال العبودية ورقص على ايقاع أغلالها.
#مولود_مدي (هاشتاغ)
Mouloud_Meddi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟