أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد بن زكري - السلفية .. أيديولوجيا التشرنق في الماضي التعيس















المزيد.....



السلفية .. أيديولوجيا التشرنق في الماضي التعيس


محمد بن زكري

الحوار المتمدن-العدد: 5561 - 2017 / 6 / 24 - 01:00
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تقوم السلفية على الإيمان بمطلقيّة وثبات منظومة الفكر التراثي الماضويّة ، العائدة في أصولها الفكرية الاعتقادية إلى القرن الأول الهجري ، بمعزل عن سياقاتها التاريخية ، وبمعزل عن واقع تغير الأزمنة و اختلاف الأمكنة ، و دون تمييز أو مراجعة نقدية لما يتصل منها بظروف الزمان و المكان ، من امتداد تأثير حمولات الإرث الحضاري و الذاكرة التاريخية للجماعات و الشعوب ؛ فالسلفي هو شخص منتزع من ذاته ، يعيش بيولوجيا في الحاضر المتعين ، بعقلية الماضي البعيد ، تستغرقه قطيعة تامة مع تحولات الواقع ، المتدفق تجاوزا للراهن ؛ منطويا على إيمانية غيبية استعلائية ، تفترض في نفسها الاحتواء على يقينيّة الحقيقة و نهائيّة المعرفة و اكتمال العقل و خلاصة تطور حركة التاريخ . و السلفيّ يرى فيما أجمع عليه السلف ، الامتلاء الكليّ و الكمال المطلق ، و هو كمال تحقق في الماضي (المجيد) مرة واحدة و إلى الأبد . ويرى في معطيات الماضي ، من المعتقداتِ ميثيةِ الجذور ، و التراث التديّني و التمذهبي ، حقائقَ أزليةً أبدية ثابتة ، غير قابلة للمراجعة والنقض .
لكن ما الذي يدفع بالإنسان العادي إلى الاعتصام بالماضي ، مُوَليّا ظهره للحاضر ؛ سواء في حركة استسلام يائس ، تعبر عن نفسها في الانكفاء على الذات ، و الانسحاب إلى الظل ، و الزهد ، و الدروشة ، تحت لسع سياط الشعور بالذنب و التخويف من العذاب و عقاب الشوي في النار ، تماهيا مع النصوص الدينية ، التي تزين (للفقراء) الانصراف عن طلب نعيم الدنيا (الزائل) ، و التعلق الخرافيّ بطلب مُتع (الحياة) الآخرة ، التي لا تزول ! أم في شكل تمثّل عقَديّ لتراث و نصوص الكراهية و التكفير ، مع جنوح حاد إلى العنف (الجهادي) التعويضي ، الموجه ضد الآخر المختلف : الكافر .. المرتد ، استهدافا له بالإلغاء المعنوي أو المادي ، اقتداء بسيرة السلف (الصالح) ؟
تُمِدنا المتابعة الاستقرائية للأحداث المغطاة إعلاميا بالخبر و الصورة ، و الموثقة مِهنيا بتقارير الصحافة الاستقصائية و تقارير المنظمات الحقوقية ، حول ممارسات التنظيمات السلفية الجهادية ، كتنظيم الدولة الإسلامية في العراق و سوريا ، بنفس الاستنتاجات و المؤشرات التي نستمدها من رصد و تحليل الأحداث اليومية لممارسات الجماعات السلفية - بمختلف أسمائها الحركية و رؤاها الفكرانية - المنتظمة في التشكيلات شبه العسكرية (الميليشيات) بليبيا ، لتتقاطع المحصلة في التحليل الأخير ، مع النتائج التي خلصت إليها بحوث علم الاجتماع و دراسات علم النفس الاجتماعي ؛ مِن أنّ ظاهرة المد السلفي ، هي في أحد أبرز أسسها ، انعكاس لاختلال يعصف ببنية المجتمع ، فيؤدي إلى انفصال الإنسان عن النظام الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي و الثقافي ، كما يرى إيرِك فروم (1) ، ذلك أن إنسان اليوم يعيش غريبا عن عمله ، و سواء كان عاملا أو موظفا أو مديرا لشركة ، فهو مغرّب عن ذاته ، يركع أمام أصنام من منتجات يده ، فاقدا للسيطرة على مصيره ، في مجتمع استهلاكي قوامه أناس جبناء خائفون .
و مع شعور الإنسان بالاغتراب الذاتي إزاء أوضاع اجتماعية ، لم تكن يوما بالنسبة إليه ، أسوأ مما هي كائنة عليه ، نتيجة لما يسميه ماركس اغتراب العمل ، كشكل من أشكال الاغتراب ، حينما ينفصل الإنسان عن ناتج عمله في اقتصاد السوق ، فلا يسيطر عليه فقط إنسان آخر ، و إنما أيضا قوى أخرى غير إنسانية ، هي مجموعة القوانين التي تحكم راس المال و السوق (2) ، على نحو يؤدي إلى إسهام ناتج عمل الإنسان في قهره ، داخل أطر العلاقة غير المتوازنة و غير المتكافئة ، بين رب العمل و المستخدَمين الأُجَراء - أي بين الأعلى و الأدنى - في الترتيب الهرمي لمجتمع النظام الراسمالي ، بما هو مجتمع طبقي اضطهادي و استبدادي ، و لا عقلاني في منطقه الداخلي ، فيما يسميه هربرت ماركوز الطابع العقلاني للّاعقلانية (3) ، حيث يتمثل جانب من لاعقلانية المجتمع الراسمالي المتقدم صناعيا ، في تمويه انقسامه الطبقي ، بالترويج لثقافة الاستهلاك ، كأن يقتني العامل - بكل حرية - نفس الموبايل الذي يقتنيه رب العمل ، و ذلك بواسطة تزييف الحاجات ، و من ثم تلبية تلك الحاجات الزائفة ، في سياق الوظيفة الاضطهادية لمجتمع الوفرة ، الذي تغدو فيه الحريةُ المنظمة أداةَ سيطرة و استعباد ، كحرية المنافسة في أسعار مقررة سلفا ، و حرية صحافة تمارس الرقابة الذاتية .. المحكومة بهوى المموِّل ، و حرية الاختيار بين نفس أنواع السلع و المنتجات ، مختلفة العلامات التجارية ، المخصصة للاستهلاك ؛ وصولا إلى إحكام السيطرة على جماهير المستهلكين - و هم في أغلبيتهم مستخدَمون أجراء - باستنزاف مداخيلهم المحدودة و التحكم بحياتهم ، و استعبادهم أيديولوجيا بوهم الحرية (الليبرالية) ، حيث إن عبودية اليوم - وفقا لماركوز- لا تتحدد فقط بالكدح و الطاعة ، بل أيضا بتشيُّءِ الإنسان ، و بما تصنعه المنتجات من وعي زائف لا يعي زيفه ، فقدرة الإنسان على اختيار سادته ، لا تلغي وجود السادة و العبيد ، اللهم إلا أن يجوز للعبد ، أن يتوهم أنه حر ، لمجرد أنه حصل على الحرية في اختيار سادته !
على أن العلاقات الاضطهادية في المجتمع الراسمالي (الصناعي) المتقدم ، لابد من أن تؤدي إلى تبلور وعيٍ متقدم لدى الطبقة العاملة ، هو بطبيعة تكوّنه وعي ثوري - رغم كل محاولات تزييف الوعي - ينتج عنه ظهور و تنامي حركات نضالية ، لتجاوز أوضاع القهر الطبقي الذي تتعرض له الطبقة العمالية ، فتنطلق حملات احتجاجية مناهضة للاستغلال الراسمالي ، كأنْ يُشن إضراب عام ، يوقف عمليات الإنتاج في المصانع ، و يشل الحياة في جسد النظام ، إلى أن تتحقق للعمال و المعطلين عن العمل مطالبهم المُحقّة . و مِن قبيل ذلك ما جرى سنة 2011 بأميركا ، بتنظيم حركة (احتلوا وول ستريت /Occupy Wall Street movement ) ، احتجاجا ضد البطالة ، و اعتراضا على خطط دعم القطاع الخاص على حساب المواطن العادي ، حتى إن المرشحيْن للانتخابات الرئاسية هيرمان كير و نيت غينغريش ، وصفا الحركة بأنها " صراع طبقي " ، حيث بدأت في نيويورك ، و امتدت منها إلى باقي الولايات و المدن ، و من شعاراتها : " العامل المشترك الذي يجمع بيننا ، هو أننا نمثل 99 % ، ولن نتسامح مع جشع وفساد الـ 1 % " ، و انتقلت من أميركا لتشمل 25 دولة راسمالية حول العالم ، ما اضطر إدارة باراك أوباما إلى فضها بالقوة الغاشمة و اعتقال المئات من شباب الحركة ، مع تعهد بالعمل على معالجة الأوضاع المعيشية المتردية للأغلبية الشعبية .
أما في المجتمع المتخلف ، حيث تسود القيم السلفية كأيديولوجيا شمولية ماورائية ، تستمد قوتها التأثيرية على عقول العامة ، من الانتساب إلى الذات الإلهية (العليّ القدير) ، يأخذ اغتراب الذات الإنسانية أشد أشكاله لاعقلانية ، في علاقة الاضطهاد و الاستبداد التوتاليتاري (الكُليّ) ، من خلال هيمنة أقلية اجتماعية - بما اكتسبته من امتيازات طبقية - على الثروة و السلطة ، معزَّزة بالمقدس ، تفرض على الأغلبية وضعيةً دونية ، تنتزع الإنسان المقهور من إنسانيته ، و تحيله إلى كائن آليّ (روبوتيّ) ، مستلب اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا و نفسيا ؛ فإن الإنسان المقهور يجد نفسه أسير مأزق وجودي ؛ مجرّدا من القدرة على الفعل ، فاقدا للاعتبار و القيمة ، منزوع الشعور بالكرامة ، مفرَّغا من الأهداف و التطلعات ، مشوش الذهن و مشتت التفكير ، منفصلا عن الواقع ، يسيطر عليه القلق ، تتفاعل فيه - كما وصّف د. مصطفي حجازي - عُقد النقص و العار و اضطراب الديمومة (4) ؛ يقف عاجزا مسلوب الإرادة إزاء عُنف اعتباطية الطبيعة و غوائلها ، و في مواجهة عُنف المتسلط ، يتهدده اختلال التوازن الداخلي بالضياع . و هنا تقدم له السلفية طوق النجاة ، بما هي إرث تاريخي تراكمي ، من العقائد الدينية و الأعراف و التقاليد ، المطبوعة في الذاكرة الجمعية للمجتمع المتخلف (المحافظ) ، الذي تشكل السلفية نظامه القيميّ و بنيته المعرفية و الثقافية .
فمع تراكم الشعور بالإحباط ، و انكماش مساحة الأمل حتى بلوغها نقطة اليأس ، و انسداد أفق الحياة ، و الارتهان للاستلابات ؛ فإنه بدلا من التصدي لما يطرحه الواقع من تهديدات ، و التطلع نضاليّا إلى المستقبل ، لا يجد الإنسان المقهور و المستلب دينيا ، من خيار متاح أمامه في المجتمع المتخلف المحافظ ، غير اللجوء إلى ملاذ الماضي الإيماني ، متمثلا في الأصولية العقائدية (السلفية) ، في محاولة يائسة لاستعادة توازنه الداخلي و رأب صدعه النفسي ، ملتمسا راحة البال و العزاء ، في التمسك التعويضي - التمذهبي - بالمفاهيم السلفية لفهم النصوص الدينية ، على نحو ما أشار إليه إيرِك هوفّر ، مِن أنّ بعض هؤلاء الذين يُرعبهم فراغُ نفوسهم ، و يُقلقهم انعدامُ غاياتهم ، يجدون في الدين خير ملجأ و ميدانٍ لسدّ ذلك الفراغ ، و القضاء على ذلك الضياع (5) ، ذوبانا لهوية الفرد في هوية الجماعة ، حيث إن الإنسان المقهور ، يجد في السلفية تعويضا عن بؤس الحاضر ، من خلال التماهي مع أمجاد الماضي ؛ الذي يتم إخفاء مساوئه الكثيرة ، و تضخيم حسناته القليلة ، و إضفاء طابع من القداسة على رموزه ، و تظهيره أسطوريّاً في أزهى الصور .
إن المجتمع المتخلف ، هو بطبيعة بنيته العلائقية و السوسيوثقافية ، مجتمع سلفيّ ماضويّ . و لذا فإن نكوص الإنسان المقهور إلى الماضي ، و العيش في ملاذه ، تماهيا مع المنظومة الفكرية السلفية السائدة ، بمختلف أنساقها المعرفية المغلقة (معتقدات ، أعراف ، تقاليد .. إلخ) ، ما هو إلا وسيلة للخروج من المأزق الوجودي و استعادة الاتزان الداخلي و اكتساب الاعتبار الذاتي ، حيث يشكل الفعل النكوصي أواليةً دفاعية ، تعكس الشعور بالدونية ، إلى شعور تعويضي بالامتياز و الاستعلاء . على نحو ما عبر عنه مصطفي حجازي ، بقوله : " التمسك بالتقاليد ، و احترام الأعراف ، و مراعاة العادات ، يُعاش كمصدر للاعتبار الذاتي ، نظرا لما يتضمنه من قبول اجتماعي ، . إن الإنسان المقهور ، الذي لا شرف له ، يتخذ من تَمثُّل التقاليد و الأعراف مصدرا للشرف و الاعتبار ، يتخذ من قدرته على مراعاة الأعراف السائدة ، مصدرا للكبرياء و الرضا عن الذات " .
و بقدر ما تكون الاستلابات موغلة في اللاعقلانية و شديدة الوطأة على النفس ، يكون التمسك بالسلفية مفْرطا في اللاعقلانية و شديد الانفعالية ؛ حيث يأخذ شكلين رئيسين من الآليات (الميكانيزمات) الدفاعية : أحدهما الرضوخ ، الذي تعززه يقينية غيبية ، تلغي العقل بما لا يقبل مجرد إعادة التفكير ، كالخنوع للاستبداد ، قبولا بالمكتوب و نزولا عند (إرادة) القضاء و القدر ، و التسليم بالأمر الواقع المفروض من الخارج ، على أنه مشيئة الله ، و الاتكالية ، و الصبر .. الذي هو (مفتاح الفرَج) ، و القناعة ..التي هي (كنز لا يفنى) ، و الزهد في متع الحياة - التي هي نصيب المتسلط - تعلقا خرافيا بنعيم ما بعد الموت ، و استجداء السماء بالأدعية ، و ما إلى ذلك من أشكال الهروب في أوهام ميتافيزياء التعزية ، على نحو ما نلاحظه في تشبع الضمير الجمعي لملايين (الرعايا) الليبيين ، بثقافة (الله غالب) .
و يبدو ذلك جليا - على سبيل المثال - في الموقف الانكفائي من أزمة نضوب السيولة النقدية ، و تراجع قيمة العملة المحلية ، و انهيار القدرة الشرائية للأغلبية (المسحوقة) من محدودي الدخل ، و التهام التضخم لمدخرات الناس ؛ فإنهم يجوعون و تُنتهك حقوقهم و كراماتهم و أعراضهم ، و لا يخرجون في تظاهرة من بضعة آلاف - في مدينة يربو عدد سكانها عن مليونيْ نسمة ، من كل الأطياف و الأنحاء الليبية - لمجرد الاحتجاج سلميا ضد سياسات الإفقار و التجويع و الإذلال ! مكتفين باجترار مقولات و أمثال و أدعية الاستسلام و الرضوخ ، أو المحاولة البائسة للتماهي في النمط الاستهلاكي للطبقة المسيطرة ، أو تصريف العدوانية المكبوتة ، في صورة عنفٍ لفظيّ بدائيّ ، يعبر عن نفسه في الدعاء الساذج على المتسلط ؛ من قبيل : " حسبنا الله و نعم الوكيل فيكم ، اللهم لا نسألك رد القضاء و لكن نسألك اللطف فيه ، لك الله يا ليبيا ، الفلوس وسخ دنيا ، وين بيهربو من ربي يوم القيامة ، صيّورهم تحت الوطا زيّْهم زيّْنا ، الله ياخذ فيهم الحق ، يلقوه و يتلقوه في صحتهم ، انشالّا فَ الداء و الدواء .. إلخ . و في كتب التراث نجد الكثير جدا من الشواهد السلفية التي تصب في هذا الاتجاه ، من قبيل ما نقله الإمام أبو حامد الغزالي (6) عن النبي في أفضلية الجوع : " جاهدوا أنفسكم بالجوع ، فإن الأجر في ذلك كأجر المجاهد في سبيل الله ، و إنه ليس مِن عملٍ أحبُّ إلى الله من جوع و عطش " ، و قوله في أفضلية الزهد : " إنْ أردتَ أن يحبك الله ، فازهد في الدنيا يحبك الله " ، و نقرأ في كتب التراث عشرات النصوص (المقدسة) ، التي تزيّن الاتكالية ، و تؤكد فاعلية سلاح الدعاء ، كقول النبي : " اتّقِ دعوة المظلوم ، فإنه ليس بينها - أو بينه - و بين الله حجاب " . (رواه البخاري و مسلم) .
على أنه نظرا لأن السلفية هي حالة نكوص جمعي إلى ماضي (السلف الصالح) ، فإن الأواليات الدفاعية الرضوخية ، التي تتجه بالإنسان المغلوب على أمره ، إلى قمع رغباته .. لعدم قدرته على تحقيقها ، و الاختباء في ملاذ الماضي .. لعجزه عن مواجهة تحديات الحاضر ، و الهروب من مواجهة الواقع إلى الاعتصام بالغيب ، بما هي فكرة الاعتصام بالغيب أدلجة للتمركز الخُوافي حول الذات المهزومة داخليا . و ذلك من خلال استبطان الدونية إزاء المتسلط ، أو الاستكانة القدرية ، أو استيهام التماثل مع ذوي الامتيازات ، أو تفريغ العدوانية بالدعاء على الظالم المستبد ؛ لا تكفي وحدها لاستعادة التوازن الداخلي و الاعتبار الذاتي ، و اكتساب الأهمية و الشعور بالثقة ، و الخلاص من القلق الوجودي . فلا تلبث العدوانية الكامنة و المتراكمة ، أن تنفجر عنفا يتوجه إلى إلغاء الآخر ، بدعوى الدفاع عن الهوية ، التي يضفي عليها التعصب الديني طابع القداسة .
و هنا يبرز الشكل البديل - العُنفي - إلى الواجهة كاستجابة أوالية دفاعية ، في هيئة علاقة دمجية إيمانية ، يتماهى بها المؤمن ، فكريا و حركيا ، مع الجماعة السلفية (الجهادية) أو المنظومة الاجتماعية المتمترسة وراء الشريعة ، منطويا على إيمان أعمى منغلق ضد أي حوار عقلاني أو مراجعة فكرية ، مفترضا أن معارفه المستمدة من تراثه الديني ، هي خلاصة الحكمة الكونية و الحقيقة الكلية غير القابلة للنقض ، استئناسا بما أجمع عليه السلف ، و استقواءً على الآخر - العدو الافتراضي - بنصرة الحركة السلفية و تأييد المجتمع المحافظ المتزمت دينيا ، ذلك أن التعصب الديني ، يحوّل الدين إلى أيديولوجيا نافية للآخر المختلف ، بحيث يصبح القتل ممارسة دينية ، ينتفي معها أي شعور إنساني ، و تسود حالة من العدوانية الجماعية (الداعشية) ؛ لا ترى - في زمن بحوث و تطبيقات الخلايا الجذعية - أيَّ جُرمٍ في ضرب الرقاب ، و بتر الأطراف ، و الجَلد ، و الصلب ، و إنزال أفظع العقوبات التعزيرية ، التي تبلغ أقصى درجة من البشاعة السادية ، تصل إلى إلغاء الحق في الحياة حداً ، رجما حتى الموت ! .
و كما يجد المتحول إلى السلفية في إيمانه الغيبي تعويضا عن الشعور بالخواء و اللاجدوى ، و يجد في اندماجه بالمجموعة السلفية تعويضا عن الشعور بالضعف و العجز ؛ تجد فيه الحركة السلفية كائنا بشريا مستلب الوعي ، مفرّغا من ذاته ، كارها لوجوده ، و مؤمنا مستعدا للتضحية بنفسه ، انتصارا لقضيتها - التي صارت قضيته - المقدسة ، في عالم يرونه فاسدا ، لا قيمة للحياة فيه ، دون تغيير جذري يلتزم بمعاييرهم المعرفية الدينية ؛ في انفجار هستيري للعدوانية و مشاعر الحقد و الكراهية ، التي تصور الآخر المختلف رمزا للشر و مصدرا لتهديد الهوية ، ضمن ثنائية دار الإسلام و دار الحرب ، أو فسطاط الإيمان و فسطاط الكفر . و رغم أن رحى حروبها تدور أساسا في مجتمعات لم تكن دائما إلا مسلمة منذ أربعة عشر قرنا ! فإنها لا تستثني أحدا ، خارج دائرتها الإيمانية ، من الشيطنة و التكفير و الاستهداف بالإلغاء ؛ ذلك أن السلفية تتجاوز بنظرتها الشمولية الاستبدادية ما هو ديني إلى كل ما هو دنيوي ، و أنّ الإيمان الديني لديها يأخذ طابعا أيديولوجيا ، نافيا للآخر و غير مقرٍّ له بالحق في الاختلاف ، و منغلقا في بنيته المعرفية على يقينية إطلاقية ، بما يُحوّل الإيمان إلى مشروع لإعادة صياغة العالم وفقا لرؤيتها العقائدية .. طوعا أو كرها ، حيث تصبح ممارسة العنف باسم الله قيمة إيمانية مطلقة عليا ، يتراجع معها أيُّ إقرارٍ - و بالتالي أيُّ احتجاج - بالقيم الإنسانية المشتركة بين البشر .
و في هذا التوجه العنفي لإلغاء الآخر ، تعمد السلفية إلى تبرير توجهها الماضوي ، و تعزيز قضية حركتها النكوصية المتسربلة بجلباب الإيمان الديني ، باستحضار كل صور التحقق التاريخي للإسلام ، في الغزوات الجهادية و حروب (الفتح) و التوسع الامبراطوري للدولة الإسلامية ، خلال النصف الثاني من القرن السابع و النصف الأول من القرن الثامن للميلاد ، كما دُوّنت أحداثها بأدق التفاصيل التي تختلط فيها الحقيقة بالخيال ، في روايات تراثية تحتفي أشد الاحتفاء بالعدوانية الفجة ، المبررة بالمقدس ، التي تقع في أساس حروب الفتح ، و تمجد غزو و احتلال أوطان الشعوب و الأمم المختلفة .. باسم الله ، و تشرعن ممارسة أقصى درجات العنف ، إيغالا في القتل و السبي و النهب ؛ بدعوى إنقاذ البشر - طوعا أو كرها - من الكفر ، و إخراجهم (عُنوةً) من الظلمات إلى النور !
كما يبرز الطابع السلفي للعنف ، في العودة أربعة عشر قرنا إلى الوراء ، لاستدعاء أسماء كبار القادة الغزاة الفاتحين ، و إضفاء طابع من القداسة التصنيمية على شخوصهم المندثرة ، للاقتداء بأفعالهم و سِيَرهم المؤسطرة ، في القرن الواحد و العشرين . و ذلك في انتقائية مؤدلجة ، تُبرز نموذج عقبة بن نافع ، و تخفي نموذج الحجاج بن يوسف الثقفي ، رغم أنه لا فرق يُذكر بين النموذجين ، و مع أن الأخير كان له أكبر الأثر في تثبيت أركان الدولة الإسلامية . و تبلغ السلفية أقصى درجات قوتها الإقناعية في المحاججة بصحة خياراتها و صوابية منطقها ، بالتمترس وراء عشرات النصوص المقدسة - من الكتاب و السنة - المؤسِّسة للعنف ، في التأصيل له دينيا ، نازعةً عن تلك النصوص صفتها التاريخانية و ظرفيتها الزمكانية ، بحجة صلاحيتها لكل زمان و مكان . و ذلك هو ما يفسر الظهور القوي لتنظيم الدولة الإسلامية ، و سرعة تمدده ، و انتشاره الواسع ، و المَدد المتجدد له من المقاتلين الأشداء الانغماسيين و الانتحاريين . و هو ما يفسر تلك المشاهد الصادمة ، من صور الممارسات العنفية التي سجلتها عدسات التصوير ، لأعضاء التنظيم (السلفي) الإرهابي ؛ في ضرب الرقاب ، و حز الرؤوس ، و سبي النساء ، و اغتصاب الأطفال الإناث ، و فرض عقائدهم الإيمانية على الإيزيديين و المسيحيين في العراق .. بضميرٍ مرتاح ! اقتداءً بسيرة (السلف الصالح) . و ذلك - أيضا - هو ما يفسر الرعب الشديد ، الذي ينتاب أغلب المؤمنين العاديين ، لا فرق يُذكر بين الأمي منهم و حامل درجة الدكتوراه ، عندما يتم إخضاع النص التراثي للعقل النقدي ، فليس من الوارد لديهم إعادة النظر فيما استقر عليه التراث من جمود و خرافية ، أو إجراء قراءة عقلانية في النص المقدس ، بل قبول محض و تسليم مطلق ، خوفا من خسارة التراث السلفي في مواجهة العقل العلميّ ، فالعلم بمنطقه الجدلي المتجاوِز ، ينفي ما يُدّعَى للنص من احتواء الحقيقة النهائية المطلقة و الانتفاء عن النقد و المفارَقة للتاريخ .
ويقوم الفكر السلفي عموما على أولية النص ، الثابت في ظاهره المفهومي ، الجامد في ماضويته الزمكانية ، ومن ثم سحبه على الحاضر وفرضه على المستقبل ، اقتداء بمن يطلق عليهم السلف الصالح (الذي تثبت وقائع التاريخ أنه لم يكن صالحا أبدا) ، ثم تيمنا بسيرة التابعين ، الذين كانوا في أغلبهم من (الموالي) ، والذين كانوا يُظهرون التمسك الشديد بما انتهى إلى علمهم ، مما أجمع عليه السابقون من (الصحابة العرب) ، حتى يكتسبوا لأنفسهم الأهمية والاعتبار ، في إطار الدولة الشمولية القائمة على الإمامة (السلطة الدينية) القرشية ، فكانوا بذلك - كما لا زال أحفادهم - ملكيين أكثر من الملك . وبانتهاء عهد التابعين - مع انتهاء الربع الأول من القرن الثاني الهجري - كانت السلفية قد استقرت على الإتِّباع والأخذ بالمأثور عن السلف ، ونبذ استقلالية التفكير و الاحتكام إلى العقل ، خاصة مع تقاطع المصالح بين رجل الدين (الفقيه ، المفتي) ، و رجل السياسة (الحاكم ، وليّ الأمر) ، تحت غطاء الدين ، بما تقدمه السلفية من تبرير غيبي للأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية الظالمة ، في علاقات (التمايز الطبقي) ، و الأوضاع السياسية الاستبدادية ، في ثنائية (المتسلط / المقهور) .
و يحرص المستبد المتسلط - وليّ الأمر، ذو الحظوة - المهيمن على السلطة و الثروة ، على تشجيع الانكفاء إلى ملاذ السلفية ، نظرا لما ترسخه السلفية في عقول العوام ، من نمط تفكير غيبي ، يلغي الشعور بالغبن ، و يحُول دون مقاومة الجور ، بل و يجعل من الإنسان المستلب دينيّاً .. عدوا لدودا لنفسه ، يتبنى دونيته إزاء تفوق المتسلط ، في سياق منظومة الأيديولوجيا السلفية ، التي تشرعن امتيازات المتسلط (الحاكم ، الغني) ، و تؤكد حقه فيما ناله - دون سائر الآخرين - من الجاه و النفوذ و المال ، بإرجاع الأمر كله إلى مشيئة الله ، و ليس إلى سياسات الاستبداد و الفساد ؛ حيث يقوم الفكر السلفي بمهمة التأسيس لطاعة وليّ الأمر ، برّاً كان أم فاجراً ! فالانقسام الطبقي إلى مترفين و جياع ، هو بالمنظور السلفي تدبير إلهي بتقسيم الأرزاق بين الناس ، و ليس خللا اجتماعيا ناجما عن قوانين السوق ، التي أطلقها نظام الحكم ، بلا ضوابط . و الخروج عن طاعة وليّ الأمر ، هو خروج عن طاعة الله ، كما وثقته شبكة البيّنة السلفية في هذا الرابط : http://bayenahsalaf.com/vb/showthread.php?t=11090 ، من أدلة حرمة الخروج على الحاكم الظالم و الفاسق . و بالرغم من اللاعقلانية الفجة - جملة و تفصيلا - في هذا الطرح السلفي . و بالرغم مما يحمله من طبيعة تاريخية (اقتصادية ، اجتماعية ، سياسية) لا تليق بكرامة الإنسان في القرن الواحد و العشرين ؛ فإنه ليس أيسر على الفقيه و الحاكم من إقناع المؤمنين بتبنيه عقائديا ، ليتحولوا من ثم إلى كتلة من التعصب الأعمى ، مستعدة للفتك بكل من يتعرض لهذا الزيف بالانتقاد .
ويعتبر الإمام مالك أهم من أسس للسلفية بكتابه الموطأ ، فقد كان هذا الفقيه يتخذ مجلسه بالمسجد النبوي في المدينة ، ليفتي في أمور الدين بما يرسخ سلطة الاستبداد الأموي ، بمرجعية مئات الأحاديث الموضوعة (كحديث السفرجلات في فضل معاوية) ، و قد ذاع صيت مالك في المدينة ، رغم وجود من هم أعلم و أفقه منه ، كأستاذه ربيعة الرأي ، ذلك أن خلفاء بني أمية ، قدّموا مالكا و أغدقوا عليه الأموال ، نظرا لِما وجدوا فيه من مرونة و قابلية للاستخدام ، فكان لهم منه ما أرادوه من توظيف الدين في السياسة ، بما يوافق هوى الحاكم المستبد ، و يوطئ له رقاب الرعية على طاعة وليّ الأمر " اسمع و أطع و إن أخذ مالك و ضرب ظهرك " ، و يشرعن سلاح التكفير ، لتصفية الخصوم السياسيين ، و تبرير غزو أوطان الآخرين (الكفار) و سفك دمائهم (جهاد) ، و هتك أعراضهم (سبي النساء) ، و نهب أرزاقهم و أموالهم و أملاكهم (غنائم و جزية و خراج) ، و ترسيخ أركان سلطة الخلافة الأموية .. باسم الدين ! . و قد أحاط مالك نفسه بهالة من الطقوسية ، لإلقاء الرهبة في روع الناس ، و أشاع عن نفسه أن أمه حملت به ثلاث - و قيل أربع - سنوات ، فكُلّما جاءها المخاض ، كان يرفض النزول ، حتى جاءه الملائكة ، و أمروه بالنزول إلى الدنيا ، كي يُفقِّه الناس في أمور دينهم ! (7) ، حتى إن مالكا تجاوز الإفتاء للأحياء ، إلى إفتاء الأموات من علماء المسلمين ، الذين يأتونه في المنام طلبا للعلم ! .
و في مجتمع المدينة ، المتمايز اجتماعيا إلى سادة و موالٍ و عبيد ، و الغارق في الانحلال بما غمره من سيل الجواري سبايا حروب الفتح ؛ ظل (الإمام) مالك يفتي انتقائيا في الدين ، فيؤصل في الفقه للاتباعية و النقل ، و يؤصل في التشريع لتطويع عامة الناس و صياغة ضمائرهم على الرضا بدونية أوضاعهم ، و يوطد أمر الحكم لبني أمية ، قائلا بلزوم طاعة ولاة الأمر الأمويين ، إلى أن زالت دولتهم . و بزوال الخلافة الأموية ، نقل مالك ولاءه للعلويين ، فبايع النفس الزكية على السمع و الطاعة ، غير أن العباسيين سرعان ما قضوا على ثورة محمد النفس الزكية ، و بسطوا سيطرتهم على الحجاز . و كأسلافهم الأمويين ، أدرك الخلفاء العباسيون ، منذ البدء ، أهمية اصطناع الفقهاء - فضلا عن أهمية إعمال السيف في الرقاب - لإخضاع (الرعية) ، و تأميم الضمير الجمعي لجمهور المسلمين ، و توجيه الرأي العام (إجماع الأمة) لتبني قيم التخلف و الرضوخ و الخنوع ، كالصبر على ظلم السلطان و جوره ، و حرمة الخروج على ولي الأمر ، و القناعة و الرضا بالقسمة و النصيب ، و تجنب الجدال في الدين ، حتى يستتب الأمر للحكام (الفاسقين الفجرة) . و تشاء الظروف أن تخدم مالكا ، فلا يقبل الإمام أبو حنيفة أن يمالئ أبا جعفر المنصور - ثاني خلفاء بني العباس - أو أن يعمل له ، فيكون مصيره السجن و الاغتيال بالسم ، و يكون من الطبيعي أن تتجه أنظار الخلافة العباسية إلى (الإمام) مالك .
فعندما أتى أبو جعفر المنصور الحجاز ، قادما من مقر الخلافة في بغداد ، تأكيدا لبسط السيادة العباسية على كل أطراف الإمبراطورية الإسلامية ، ظن الإمام مالك أنه هالك لا محالة ، جرّاء ما كان يفتي به لتعزيز سلطة الأمويين ؛ غير أن أبا جعفر كان من الدهاء بحيث استقبل مالكا بالترحاب ، وأجلسه - في روايةٍ - على ركبته اليمنى ، في إشارة إلى شموله بالرضا و الرعاية (أو كما روى أبوقتيبة ، نقلا عن مالك نفسه : " فلما دنوتُ منه رحّب بي وقرّب ، ثمّ قال : ها هنا إليّ ، فأوميتُ للجلوس ، فقال : ها هنا ، فلم يزل يُدنيني حتّى أجلسني إليه ، ولصقتْ ركبتي بركبتَيْه " ..) ، وطلب منه الاستمرار على طريقته في الإفتاء ، لكن لصالح السلطة العباسية الجديدة ، وتوجه إلى مالك بقوله : نريد منك أن تكتب لنا كتابا ، نوطئ الناس عليه بالسيف . و في صيغة أخرى من الرواية : يُحملون عليه ، و نضرب عليه هاماتهم بالسيف ، ونقطع طي ظهورهم بالسياط . و في صيغة ثالثة : والله لئن بقيتُ ، لأكتُبنّ قولك كما تُكتب المصاحف ، و لأبعثنّ به إلى الآفاق ، فلأحمِلهنّم عليه .. إلخ ما تورده كتب التراث عن لقاء مالك بالمنصور ، و سبب تأليف و تسمية كتاب الموطأ . وهكذا كان كتاب (الموطأ) ، بمختلف نسخه ، المدونة عن إملاء مالك . وهو كتاب يجمع بين رواية الحديث و الفقه ، اعتمد الأخذ بالنص القرآني في دلالته الجامدة و الأحاديث المتضاربة المنسوبة للنبي ، مع استبعاد العقل و القياس و التأويل . و لعل الصواب لا يجانب المرء ، عندما يطابق بين كتاب (الأمير) في الفقه السياسي ، الذي أعده ميكيافيلي لاسترضاء لورينزو الثاني من آل مديتشي ، و كتاب الموطأ الذي أعده مالك لاسترضاء أبي جعفر المنصور من بني العباس ؛ فيما يتصل بالحكم والعلاقة بين الحاكم والرعية ، وتلك هي إحدى أهم مرتكزات الفكر السلفي الإسلامي : شرعنة الاستبداد السلطوي .
و كنتيجة لمناهج التعليم الرسمي (التلقينية) ، و التكييف الاجتماعي التقليدي ، والصياغة السلفية للعقول و الضمائر ؛ لا زال الإمام مالك قابعا في اللاوعي الجمعي لملايين المسلمين (بالوراثة) ، ذلك أنّ الأغلبية .. حتى و إن لم يكونوا متدينين ، هم في تكوينهم المعرفي ، و في أعماق نفوسهم ، و في ذاكرتهم التاريخية ، مسكونون بالتعصب للموروث الثقافي السلفي ، الذي نشئوا و تربوا عليه ، فما أن يواجه أحدهم فكرا مغايرا لنمط أحاديته الثقافية ، حتى تستيقظ الخلية الإرهابية النائمة فيه ، و يتحول إلى كتلة من العنف الحاقد ، الذي يضغط عليه من الداخل ، فيندفع لتفريغه على الخارج ، في أشكال شتى من الإرهاب الفكري ، و لا يلزمه سوى أن يحمل السيف و يهوي به على الآخر ليزيحه من أمامه ، مستعينا بالتكبير و الدعاء بأن ينصره الله على الكافرين و يورثه نساءهم و أموالهم . و ذلك هو جانب من الحقيقة المرعبة للسلفية ، بشقيها : الدعوي (الإرهاب الكامن) ، و الجهادي (الإرهاب النشط) .
وكما نظّر (الإمام) مالك في موطاه للاتباعية و الجمود العقائدي ، وكما فعل مثله أحمد بن حنبل في المسند ، و الشافعي في الأم ؛ فقد تبعهم شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ، الذي يعتبر المرجع الرئيس للسلفية و التكفيريين ، في التمسك بالنص الجامد .. نقلا عن السلف ، و رفض إعمال العقل في فهم النص أو التعاطي عقلانيا مع التراث ، بما يتوافق مع معطيات الواقع المتجدد . وهكذا نجد أن السلفية في منطلقاتها العقيدية ، تفصل بين الفكر والواقع ، ونجد السلفي يرى الكمال المطلق في الماضي ، ولا يرى في الانعتاق من قيود الجمود العقائدي والخروج عن مقولات السلف ، سوى انحراف أو زندقة أو إلحاد أو شعوبية ، فالفكر السلفي قد استقر على رؤية أن الوجود الإسلامي الحقيقي ، هو فيما أجمعت عليه (الأمة) ، وأن خلاص الفرد لا يتحقق إلا بالذوبان في الجماعة - بما هي رعية - التي لا تجمع على باطل ، والباطل هو حرية التفكير و الاجتهاد بالرأي والاختلاف عما استقر عليه السلف ، والباطل عندهم هو التجديد ؛ فكل جديد - بنظر السلفية - هو بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ..
----------------
الإحالات :
1) إريك فروم : الإنسان المستلب وآفاق الحرية . ترجمة حميد لشهب
2) ريتشارد شاخت : الاغتراب . ترجمة كامل يوسف حسين
3) هربرت ماركوز : الإنسان ذو البعد الواحد . ترجمة جورج طرابيشي
4) مصطفى حجازي : التخلف الاجتماعي / مدخل إلى سيكولوجية الانسان المقهور
5) Eric Hoffer : The True Believer المؤمن الحقيقي : إيرِك هوفّر (توجد له ترجمة عربية أنجزها غازي القصيبي ، بعنوان : المؤمن الصادق)
6) الإمام أبو حامد الغزالي : مختصر إحياء علوم الدين
7) وفيات الأعيان جـ 4 : ابن خلكان / حلية الأولياء جـ 6 : الأصبهاني / إبن قتيبة : الإمامة و السياسة



#محمد_بن_زكري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فاضت كؤوسُها فكفّ الشرِّ أو الطوفان
- ليبيا تغرق في البحر الميت
- لماذا و إلى أين حربهم التاريخية على المرأة ؟
- هوغو تشافيز و أضاليل الليبراليين الجدد
- انتهت اللعبة ، فلماذا لا يرحلون ؟!
- هوامش على الأحداث الليبية
- قد تكون المرأة أشد ذكورية
- الحج إلى (إله الشمس) في عرفة
- الصيام عن كل ما هو جميل و نبيل
- الصيام عبادة عابرة للديانات
- هل نسيتم - وين الناتو ؟ - يا ثوار الناتو ؟!
- إبن رشد (Averroes) و ولّادة وإيزابيلا
- البروتستانت الإنجليز و (البروتستانت) الأعراب
- المؤتمر الداعشي العام يصدر قانون حد الرجم
- الكبار لا يموتون إلا واقفين (تحية لهوغو تشافيز في ذكرى رحيله ...
- المرأة بين المقدّس و المدنّس
- الصهيونية العربية تشيطن حزب الله
- يا عبد الله استرني يا عبد الله انكحني
- يا عبد الله استرني يا عبد الله انكحني !
- أميركا ليست جادة في الحرب على الإرهاب .. لماذا ؟


المزيد.....




- وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور ...
- بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
- ” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس ...
- قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل ...
- نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب ...
- اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو ...
- الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
- صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
- بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021 ...
- كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد بن زكري - السلفية .. أيديولوجيا التشرنق في الماضي التعيس