|
المعارضة السورية ومزاد الإعلانات
منذر خدام
الحوار المتمدن-العدد: 1450 - 2006 / 2 / 3 - 10:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من إعلان دير الزور إلى إعلان دمشق " للتغيير الوطني " إلى إعلان البلازا " الوطن في خطر " وإلى أحدثها إعلان "مسودة مقترحة لإطلاق حوار من أجل قيام تيار وطني ديمقراطي اجتماعي"، الذي لا يزال قيد الحوار والإنضاج على نار "هادئة"، دون أن نتجاهل أو نقلل من أهمية ما أصبح يعرف بإعلان حمص، أو إعلان حلب، وحتى إعلان اللاذقية..الخ، سلسلة من المساعي تقوم بها المعارضة السورية، بل وبعض أطياف النظام لبلورة رؤية للتغيير الوطني الديمقراطي في سورية. إن ما يحصل الآن في سورية هو أشبه بالمزاد، كل يزيد على الآخر، والمطلوب منطق مختلف. وبغض النظر عن الغمز واللمز من هذا الطرف تجاه الطرف الأخر، أو من هذا التجمع من القوى والشخصيات الوطنية، تجاه التجمع الآخر، وهي من أمراض العمل السياسي عموما في سورية، ومن أمراض المعارضة بصورة خاصة، فإن جميع هذه الإعلانات تدور حول مسائل محورية ثلاث نطرحها بصيغة أسئلة: أ- ما هو الموقف من الخارج، ومشاريعه تجاه المنطقة، وتجاه سورية ؟ وما هي مسؤولية هذا الخارج عن تردي أوضاع المنطقة. ب- ما هو الموقف من الاستبداد ونظامه السياسي؟ وما هي مسؤوليته عما وصلت إليه البلاد والعباد؟. ت- ما هو نوع التغيير المنشود؟ وما هي حوامله الاجتماعية؟ ففي أحدث هذه الإعلانات، أعني المسودة المقترحة " لإطلاق حوار من أجل قيام تيار وطني ديمقراطي اجتماعي" يحاول مطلقوه " بعض القوى والهيئات المجتمعية والأفراد"، أن يتمايزوا عن غيرهم، بأنهم يسعون إلى تشكيل "تيار" يتجاوز في استمراره حدود التغيير إلى ما بعده، أي إلى مرحلة بناء البديل الوطني الديمقراطي المنشود. ولا ينسى بالطبع أصحاب المسودة من وصف حوارهم بأنه حوار " مسؤول" وفي ذلك غمزة واضحة من أصحاب الإعلانات الأخرى. مع ذلك يمكن تجاوز هذه المسائل "الصغيرة"، لقناعتنا بان الأعمال ليست بالنيات، بل بما هي فعل متحقق، وإن قيمتها الحقيقية ليس بما يقوله أصحابها عنها، بل بما تؤسسه وتراكمه في الواقع من وقائع في الاتجاه الذي يخدم مصالح سورية وشعبها. أقول يمكن تجاوز هذه "الصغائر" للدخول في الجوهر، أي في ما يريد النص أن يقوله، أو يقوّله إياه أصحابه. تبدأ المسودة " المقترحة " بفقرة تشخص فيها طبيعة الوضع الذي تواجهه سورية فتصفه بأنه مقلق " نتيجة الضغوط والتهديدات المتزايدة من طرف الإدارة الأمريكية..". هنا الأخطار واضحة حسب نص المسودة بكونها تحمل طورا جديداً " من التبعية والتفكك والتزرر غير مسبوقة من قبل"، وواضحة أيضا الجهة التي تسعى إلى ذلك وهي "الإدارة الأمريكية". وباعتبار أن أصحاب المسودة" معنيون بالوطن وببنائه دولة ديمقراطية حديثة، وبمواجهة المشروع الإمبريالي ..." فإن تأسيس هذا التيار ضروري "للدفاع عن الوطن" ولحماية "وحدته.."، ولذلك من الطبيعي والحال هكذا أن تكون المهمة الأولى أمام هذا التيار هي " مواجهة المشروع الإمبريالي الأمريكي.." عبر استنهاض "القطاعات العريضة في المجتمع للمقاومة على أسس وطنية". ولا ينسى أصحاب الإعلان أن يوسعوا من دائرة صراعهم بحيث تشمل " القوى المهادنة والمتكيفة" وكذلك " الليبرالية الجديدة" وضد " العولمة " و" اتفاقات الشراكة الأورومتوسطية" غير المتكافئة، والمفروضة من موقع " التبعية". من الواضح من نص المسودة أن علامة التشديد تقع على الخارج( على الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الرأسماليات الأوربية، والإمبريالية والصهيونية)، أما مسؤولية الاستبداد وأنظمته السياسية، تحتاج إلى بعض التأويل، لكي يتم وضعها في المرتبة الثانية. ففي الفقرة الثانية من المسودة، نقرأ " تواجه سورية، في الوقت ذاته، احتباسا داخلياً خانقاً، واحتقانا اجتماعيا خطيراً، صنعتهما سلسلة طويلة من سياسات العسف وتفتيت الحراك السياسي....". هنا الفاعل مجهول( بالمناسبة خلت المسودة من كلمة الاستبداد، والنظام السياسي القائم)، بل حتى عندما طالبت الوثيقة بضرورة التركيز" على المطالب الديمقراطية" فذلك من اجل تفعيل " الصراع مع الهجمة الإمبريالية الأمريكية، والتحضير المعنوي والمادي لذلك.."، مما جعل الوثيقة تعتبر أن تحقيق الانفراج الديمقراطي مجرد "خطوة مهمة" لكن ليس لذاتها، بل من أجل " تحضير القوى للمواجهة وتحقيق التطور" . يتفق هذا التشخيص مع ما ورد في " مشروع الوثيقة الوطنية " الصادرة عن اجتماع البلازا " بعنوان " الوطن في خطر"، مع الاختلاف في الشحنة الانفعالية الشعاراتية التي ميزت وثيقة البلازا. ففي مقدمة الوثيقة، وبعد تجاوز الخطاب الاستنهاضوي التعبوي في الفقرة الأولى، نقرأ " تتصاعد الحملة الأمريكية – الصهيوينة ضد سورية "، ومن ثم تستعرض الوثيقة سلسلة المؤشرات على هذا التصاعد من خلال ذكرها لمحطاته، ولا تنسى أن تذكر من بينها صدور " إعلان دمشق" كمحطة من هذه المحطات( حذفت هذه المحطة لا حقا من الصياغة النهائية).، لتصل إلى بلورة ما يمكن اعتباره المهمة الأولى والتي جاءت على الشكل التالي: " تحشيد أكبر ما يمكن من جماهير شعبنا... عبر قيام جبهة شعبية وطنية عريضة للمجابهة والمقاومة .... لأن مواجهة الغزاة الجدد قادمة.." هنا أيضا يتم وضع علامة التشديد على العامل الخارجي" الأمريكي الصهيوني"، في حين يغيب عن " مشروع الوثيقة الوطنية"، أية إشارة إلى مسؤولية الاستبداد والنظام السياسي القائم عن تردي الأوضاع في البلد، بل تشخص الأوضاع الداخلية بحيادية لافتة. بدوره إعلان دمشق " للتغيير الوطني الديمقراطي"، وإذ يتفق مع الإعلانيين السابقين في أن سورية تتعرض اليوم "لأخطار لم تشهدها من قبل"، لكنه يرى السبب في " السياسات التي سلكها النظام". لقد أدى احتكار السلطة "لكل شيء" في البلاد، حسب البيان، إلى تأسيس نظام " تسلطي شمولي... وإلى انعدام السياسة في المجتمع، وخروج الناس من دائرة الاهتمام بالشأن العام، مما أورث البلاد هذا الحجم من الدمار...". تغيب عن الإعلان بصورة لافتة أية إشارة إلى دور الخارج الإمبريالي( الأمريكي والصهيوني) فيما وصلت إليه البلاد، سواء من خلال دعمه للأنظمة الاستبدادية في المنطقة، كما اعترف بذلك الرئيس الأمريكي، أو من خلال دعم إسرائيل اللامحدود، وتجاهل الحقوق العربية والفلسطينية، مما ترك أثرا سلبيا لدى الناس ضد الخارج عموما، استفادت منه الأنظمة المستبدة، في توجيه اهتماماتها نحو هذا الخارج. ويبدو لي أن احد الانتقادات الرئيسة لإعلان دمشق انصبت هنا، على تجاهل دور الخارج فيما تعانيه شعوبنا العربية من مشكلات، مما دفع لجنته المؤقتة لأن تصدر تصحيحا لذلك، تبين فيه بلا لبس موقفها من بعض المسائل التي انتقد بسببها إعلان دمشق، ومنها بالطبع الموقف من الخارج. إذا فيما يتعلق بالسؤالين الإشكاليين الأول، والثاني، من الواضح أن ثمة اختلاف جوهري، بين من يرى المشكلة أساسا في الخارج، وبين من يراها في الداخل. والصحيح أن المشكلة هي في الداخل والخارج في آن. غير أن الخارج وهو يتدخل في شؤوننا الداخلية، فإنه أولا يتدخل عبر الحوامل الداخلية بصورة رئيسية، وثانيا فهو يتدخل في ضوء رؤيته لمصالحه. السؤال الآن هو ماذا فعلنا نحن للدفاع عن مصالحنا؟ ومن يحول دون القيام بذلك بفعالية وجدوى؟ ولا شك لدي بأن أي بحث جدي عن أجوبة للسؤالين السابقين، لا بد أن يكتشف السبب في عجز شعبنا والشعوب العربية عموما عن الدفاع عن مصالحها هو في الحوامل الداخلية التي امتطاها الخارج فكانت أدواته، ويقف في مقدمتها الأنظمة الاستبدادية، وسلطاتها التي حكمت البلاد خلال العقود الماضية. وبدون تغيير هذه الأنظمة المستبدة الشمولية، إلى أنظمة ديمقراطية مشبعة بالحرية والمسؤولية وسيادة القانون، لا يمكن مواجه الخارج ومشاريعه، التي تتعارض مع مشاريعنا ومصالحنا وطموحاتنا الوطنية والقومية. أما فيما يتعلق بالسؤال الثالث، أعني الموقف من نوع التغيير المطلوب، ومن حوامله الاجتماعية، فإن الإعلانات الرئيسة الثلاث التي أشرنا إليها تبدو أقل اختلافا. ففي المجال الديمقراطي تكاد المواقف في الإعلانات الثلاث وفي غيرها من الإعلانات الأخرى متطابقة، وهذه شيء مهم و جوهري. فهي جميعها تدعو إلى بناء نظام ديمقراطي تعددي، وإجراء تحول عميق من نمط الدولة المنية إلى نمط الدولة الديمقراطية، وترفض المشاريع التغييرية المحمولة من الخارج، وتتفق أيضا في رؤيتها إلى طريقة تحقيق ذلك عبر الانتقال السلمي المتدرج والآمن..الخ. وباعتبار أن إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، يتناول مرحلة التغيير، ولا يمتد إلى ما بعدها، فقد جاء أكثر سياسة، في حين أن إعلان "الوطن في خطر، والمسودة المقترحة "لإطلاق حوار من أجل تيار وطني ديمقراطي اجتماعي"، وبحكم طبيعة القوى الواقفة خلفها، فقد جاءت أكثر أيديولوجية. وبعد بقي سؤال جوهري هو في عهدة جميع القوى الوطنية الديمقراطية في سورية، يمكن أن يؤسس جوابه منطقا مختلفاً في التعامل مع قضايا الوطن ومصالح شعبه، ويخدم أكثر قضية التغيير الوطني الديمقراطي المنشود، وهو: متى تتخلى هذه القوى عن شلليتها، وعن منطق الإقصاء، وتجلس مع بعضها للنظر في مشروع موحد للتغيير الوطني الديمقراطي في سورية؟ من غير المفهوم كيف تتسابق بعض قوى المعارضة السورية للاجتماع في الخارج، ولا تستطيع أن تلتقي في الداخل؟!!. إنني أدعو إلى تشكيل لجنة تنسيق بين جميع إطراف المعارضة السورية في الداخل، وخصوصا بين تكتلاتها الثلاث، صاحبة الإعلانات الثلاث، من أجل الشروع في حوار رصين وجدي، لتوحيد رؤاها ومواقفها وسلوكها، ففي ذلك خدمة كبيرة لسورية ولمصالح شعبها.
#منذر_خدام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بمثابة مشروع برنامج سياسي
-
سورية تودع عاما صعبا وتستقبل عاما أصعباً
-
عبد الحليم خدام: الفضيحة غير المتوقعة للنظام السوري
-
سورية للجميع: هل الجميع فعلا لسورية؟
-
الاصلاح في سورية- ضروراته ومعيقاته
-
مساهمة في إعادة صياغة إعلان دمشق
-
الخطر الذي يواجه سورية قادم من أين؟
-
تقرير ميلتس: بوابة عبور خطرة جداً
-
سورية إلى أين؟
-
إعلان دمشق والمسؤولية الكبيرة
-
ما أفسدة دهر الاستبداد هل يصلحه عطاره الجديد؟!
-
في سبيل حوار رصين وهادئ
-
أدوات قديمة لا تصنع جديدا
-
نحو حزب بلا تاريخ- مرة اخرى
-
محددات السياسة الامريكية في الوطن العربي
-
وأخيرا عقد البعث مؤتمره
-
السوريون يكسرون القاعدة الذهبية لنظامهم
-
في سبيل مشروع وطني ديمقراطي لإنقاذ سورية
-
نحو حزب سياسي منفتح على المستقبل
-
مساهمة في نقد العقلية البعثية
المزيد.....
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|