|
أي تحالفات لبناء الدولة الديمقراطية؟
محمد بولامي
الحوار المتمدن-العدد: 5554 - 2017 / 6 / 17 - 11:33
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
التحالف هو اتفاق بين طرفين أو أكثر على تحقيق أهداف محددة. والتحالفات أنواع، تحالفات حزبية قد تكون قبل الانتخابات أو بعدها، وقد تكون بين مجموعات برلمانية لتشكيل تكتل برلماني، وقد تكون تحالفات حكومية، كما قد تكون اختيارية أو إكراهية، كما قد تكون صريحة أو ضمنية، وقد تعقد لفترة قصيرة، أو لفترة متوسطة المدى او طويلة. كما قد تتخذ التحالفات شكلا دفاعيا أو هجوميا تبعا لكل مرحلة تاريخية والظرفية السياسية التي ولدت في أحضانها تلك التحالفات.
ويلعب النظام السياسي ونظام الاقتراع دورا جوهريا في تشكل التحالفات. والتحالف ليس وحدة اندماجية بين الأطراف المتحالفة، بل مجرد تعاقد قد يكون شفوي او مكتوب ، يحتفظ كل طرف بشخصيته الحزبية وهياكله وتنظيمه، ويجري تدبير ما هو مشترك بين المتحالفين، ويقتضي تدبير المشترك إيجاد التوافقات والحلول الوسطى، اي تخلي كل طرف عن جزء من هويته او برنامجه او ايديولوجيته.
وتختلف التحالفات تبعا لقوة الأطراف المتحالفة، فعندما تكون متساوية يلقى المشترك نوعا من الرضا الى حد منا، وعندما تكون قوة الأطراف مختلة، تختل موازين القوى بين أطرافه، فيفرض القوي سلطته على الطرف الضعيف. ويقبل الضعيف بهكذا وضع لحماية وجوده واستمراره.
والتحالفات الناجحة هي التحالفات التي تكون الأطراف فيها تمتح من نفس الأيديولوجية ، فتتفق على برنامج حد ادني ، قد يكون انتخابيا ، او نضاليا لتعديل موازين القوى، او انتزاع مقاعد انتخابية، او تشكيل حكومة، او خوض معركة من المعارك النضالية التي يتطلبها الظرف التاريخي.
وقد عرف المغرب منذ استقلاله مجموعة من التحالفات، واتخذت أسماء متعددة: جبهة، كتلة ، تحالف …الخ واولى هذه التحالفات هي التي تمت بعد حصول المغرب على استقلاله السياسي بين: أحزاب الأحرار المستقلين والحركة الشعبية والشورى والاستقلال وحمل اسم” جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية” الفديك بقياد احمد رضا اكديرة بتدخل مباشر من الملك الراحل الحسن الثاني حسب واتربوري لمواجة حزبي الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية وإضعافهما .وقد تأسست في 20 مارس 1963 ، عشية الانتخابات التشريعية ، وهذا التحالف هو وليد سيرورة طويلة ، حيث تكتلت فيه القوى الرجعية والمعادية لدمقرطة البلاد واستقلالها الاقتصادي.
والتحالف الأهم هو عندما تم تأسيس “الكتلة الديمقراطية” بتاريخ 17 ماي1992 من طرف حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للوات الشعبية والاتحاد الوطني للقوات الشعبية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي وحزب التقدم والاشتراكي، وقد جاء هذا التأسيس تتويجا لمسار يمتد الى سنة 1986 ، حيث بدأ عمل تنسيقي بين النواب البرلمانيين للأحزاب الأربعة المتواجدة بالبرلمان لينتقل الى تنسيق نقابي بين الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين وخوض معارك مشتركة ابرزها اضراب 14 دجنبر 1990 ، واتخذ التحالف شكل تعاقد على برنامج للاصلاحات السياسية والدستورية وصيغ هذا التعاقد في مذكرة للاصلاحات المذكورة. وانتزع مجموعة من المكاسب الحقوقية ودستور جديد، وقانون انتخابي جديد ( مدونة الانتخابات)ولوائح انتخابية جديدة وأغلبية برلمانية. غير أن هذا التحالف سيتعرض لأولى أزماته عندما لم تتمكن أطرافه الأربعة بعد انسحاب عيدالله ابراهيم منه، من الاتفاق على موقف موحد من دستور 1996 ، حيث قاطعت منظمة العمل الديمقراطي الشعبي الاستفتاء الدستوري ، وتعرضت لانتقام بشع من طرف النظام بشقها وتأسيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي وتوقيف جريدة أنوال .مع تشكيل حكومة “التناوب التوافقي” سيعرف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بدوره مجموعة من الهزات حيث سيضطر معارضوا التناوب إلى الانسحاب من الحزب، كما ستنفصل عنه دراعه النقابي “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل” ، وانتقل هذا التحالف من خمسة أحزاب إلى ثلاثة ، ثم تحول إلى تحالف حكومي بانضمام أحزاب إدارية إلى صفوفه فاصبح 7 احزاب.
وإذا كانت الكتلة الديمقراطية قد تأسست على قاعدة قواسم مشتركة بين الأحزاب المكونة لها تمثلت في مذكرة الاصلاحات الدستورية والسياسية، فان التحالف الحكومي الذي كانت الكتلة الديمقراطية قاعدته شكل نشازا ، وساعد على تشويش الرؤيا، ووضع علامات استفهام كبرى على مصداقية خطاب السياسي ومصداقية أحزاب رفعت شعار دمقرطة البلاد. لقد ضم التحالف الحكومي خليط من الأحزاب لا تجمع بينها سوى اقتسام الغنيمة الحكومية . وككل تحالف اضطرت أحزاب الكتلة الديمقراطية تقديم تنازلات في مجال دمقرطة البلاد، حيث قبل رئيس الحكومة بوجود ادريس البصري وزيرا للداخلية بعد أن رفضه امحمد بوستة سنة 1993 ( في التناوب المجهض) ، كما قبل بوجود وزراء سيادة ( على وزارات العدل والخارجية والأوقاف والشؤون الإسلامية والدفاع)، ولم يساعد التحالف الحكومي على دمقرطة العملية الانتخابية وضمان شفافيتها ،كما لم يساعد على محاربة الفساد وعدم الإفلات من العقاب، وإعادة النظر في النظام الضريبي في اتجاه عدالة ضريبية، واستمر في خوصصة مؤسسات القطاع العام ، وساعد على تسمين أقلية قليلة من البورجوازيين الكبار.
في مواجهة الكتلة الديمقراطية تشكلت تحالفات يمينية أخرى بإيعاز من الملك الراحل ورعاية وزير الداخلية ادريس البصري، حيث تشكل “الوفاق” بقيادة الاتحاد الدستوري، وتحالف أحزاب “الوسط ” ضم حزبي الأحرار والحركة الوطنية الشعبية. لقد عبد تحالف أحزاب الكتلة الديمقراطية مع أحزاب الإدارة الطريق لولادة تحالف حكومي جديد بقيادة حزب العدالة والتنمية ذي التوجهات الاخوانية برئاسة ع.الاله بنكيران مع حزب التقدم والاشتراكية ذي التوجهات “الشيوعية”، والتحق به حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في النسخة الثانية بقيادة سعد الدين العثماني . ويعكس هذا التحالف الحكومي تحولات عميقة في توجهات الحزبين “التقدميين”.لقد تم التطبيع مع الاستبداد المخزني بقبول تشكيل الحكومة مع أحزاب الإدارة، ومع ادريس البصري، وكانت النتيجة هي التراجع عن تحقيق الإصلاحات السياسية والدستورية ودخول المغرب غرفة الانتظار الديمقراطي. مع حكومة بنكيران تم ضرب صندوق المقاصة وتحرير سوق المحروقات وتشريع قانون جديد للتقاعد اكثر قسوة واستغلالا لقوة عمل المأجورين والمأجورات، وقدمت للطبقة البورجوازية هدايا كثيرة في مجال الضرائب والاستثمار، كما تم تقديم تنازلات كبيرة للفاسدين ومهربي الأموال نحو الخارج.
كل التحالفات الحكومية التي تشكلت منذ حكومة التناوب التوافقي، افتقدت للبعد الديمقراطي، وفقدت فيها الأحزاب الديمقراطية والتقدمية لونها الاشتراكي وتقدميتها، وفرض عليها تقديم تنازلات كبرى كانت لصالح الرأسمال وقوى الفساد والمخزن. وبدل ان تخطو البلاد خطوات نحو الديمقراطية ، توقف قطار الدمقرطة في محطة الانطلاق.
وعوض الاستفادة من تجربة الكتلة الديمقراطية وتجربة التحالفات الحكومية، اختار النهج الديمقراطي عقد تحالف غير معلن مع جماعة العدل والإحسان المعادية لحقوق الإنسان والحالمة بإقامة الخلافة على المنهاج النبوي .ولا يجمع بين الحليفين ايديولوجية او برنامج ، باستثناء موقفهما من طبيعة النظام، ومقاطعتهما للانتخابات. وككل تحالف بين قوتين غير متكافئتين، يفرض الطرف القوي قوته على الطرف الضعيف ، والضعيف يبحث عن حماية مفترضة من حليفه القوي، هذه هي طبيعة التحالفات، وسلوك المتحالفين.
واذا كان لكل تحالف أرباح وخسائر، فالخاسر الأكبر في هكذا تحالفات هو الديمقراطية والفكر الديمقراطي والقوى الديمقراطية ، وفصل الدين عن الدولة وحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونيا. تحالفات من هذا النوع تقوي الفكر المحافظ والرجعي. ولا تساعد على فرز حقيقي بين القوى المحافظة والقوى التقدمية. التعايش مع فكر رجعي ومتخلف والقبول بممارسات تعود إلى عصور الظلام يعوق انعتاق المواطنين البسطاء ، ولا يساعد على تحقيق النهضة العلمية والفكرية المنشودة. لقد عرفت ايران والسودان تحالفات من هذا النوع، تحالف الديمقراطيين والشيوعيين مع رجال الدين لإسقاط الاستبداد، فكان مصير الديمقراطيين في ايران هو الذيح على يد أنصار الخميني ، ونفس المصير لقيه الشيوعيون والديمقراطيون والمصلحون الدينيون في السودان على يد أنصار الديكتاتور جعفرالنميري، والديمقراطي لا يلدغ من الجحر مرتين.
ما يجمع الحليفين هو عدائهما للاستبداد المخزني ، والمنطق الذي يحركهما هو “عدو عدوي صديقي” بغض النظر عن ايديولوجيته وبرنامجه ، ولا يختلف في العمق عن المنطق الذي دفع أحزاب الكتلة إلى التحالف مع أحزاب الإدارة ومع عتاة المخزن.اعتقد اليوسفي أن بإمكانه تحقيق إصلاحات اقتصادية بقبوله التحالف مع الكائنات الإدارية وعتاة المخزن ، لكنه فشل . والاستقواء باستبداد ديني لمواجهة الاستبداد المخزني منطق غير سليم، فالتجربة التاريخية الايرانية والسودانية علمتنا ان الاستبداد هو الاستبداد ولا فرق بينهما، وهما وجهان لعملة واحدة.
في أمريكا اللاثتينية ظهر لاهوت التحرير وتحالف مع القوى الديمقراطية ، ولعب هذا التحالف دورا رائدا في إسقاط الأنظمة الديكتاتورية، لقد رفض توجهات الكنيسة الكاثوليكية الموالية للانظمة الديكتاتورية، وتبنى مبدأ المساواة أمام الرب بين جميع البشر كمبدأ عام وقيم التسامح ومقاومة الظلم باعتبارها قيما دينية وانسانية. لاهوت التحرير شكل رافدا من روافد انهار النضال الديمقراطي بامريكا اللاثينية، كما شكلت الحركة الحقوقية ، والمقاومة السلمية…الخ روافد وجداول اخرى. ولا تشكل العدل والإحسان لاهوتا للتحرير ببلادنا، وما تطمح إليه هو تغيير استبداد مخزني باستبداد ديني عنوانه دولة الخلافة على المنهاج النبوي، ولذلك لا يمكن للديمقراطيين الحقيقيين التحالف معها. والتحالف معها نشاز. وعندما تتبنى الديمقراطية وحقوق الإنسان يصبح التحالف معها ممكنا. وتبقى التحالفات بين القوى الديمقراطية التي تجمع بينها قواسم مشتركة في الايديولوجية والبرنامج وطبيعة النظام وحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونيا هي الكفيلة بتجاوز ما عرفته بلادنا من تحالفات هجينة ، وما تسببت فيه من كوارث وانعكاسات سلبية على الوعي وعلى الممارسة، وانتهت بجعل الأحزاب التقدمية رهينة لدى قوى الفساد والقوى المعادية لحقوق الإنسان.
#محمد_بولامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صوفيا ملك// لنبدأ بإعطاء القيمة والوزن للأفعال وليس للأقوال
...
-
الليبراليون في كندا يحددون خليفة لترودو في حال استقالته
-
الشيوعي العراقي: نحو تعزيز حركة السلم والتضامن
-
كلمة الرفيق جمال براجع الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي ال
...
-
الفصائل الفلسطينية تخوض اشتباكات ضارية من مسافة صفر وسط مخيم
...
-
الجيش اللبناني: تسلمنا مواقع عسكرية من الفصائل الفلسطينية
-
مباشر: حزب النهج الديمقراطي العمالي يخلد ذكرى شهداء الشعب ال
...
-
مظلوم عبدي لفرانس24: -لسنا امتدادا لحزب العمال الكردستاني وم
...
-
لبنان يسارع للكشف عن مصير المفقودين والمخفيين قسرا في سوريا
...
-
متضامنون مع «نقابة العاملين بأندية هيئة قناة السويس» وحق الت
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|