|
رد الاعتبار لفلسطين كقضية تحرر وطني
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 5552 - 2017 / 6 / 15 - 21:08
المحور:
القضية الفلسطينية
منذ مائة عام حيث بدأ العالم يسمع عن القضية الفلسطينية ،والقضية تندرج في سياق التحرر الوطني كقضية شعب مُهَدد بوجوده الوطني ويخضع للاحتلال الصهيوني ويناضل من أجل الاستقلال والحرية . هذه الصفة هي جعلت الأمم المتحدة تعترف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وتعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا حتى في ظل مطالبة الفلسطينيين بالحد الأعلى تحرير كل فلسطين وعودة اللاجئين – وهي التي جعلت غالبية شعوب العالم وخصوصا العربية والإسلامية تدعم الشعب الفلسطيني وتنظر وتتعامل مع الإنسان الفلسطيني والشعب الفلسطيني كتجسيد حي للحرية والرجولة والكرامة ،وكان الفلسطيني يحظى بالترحاب والاحترام أينما حل وارتحل ،كما كانت حركات التحرر الوطني وجماعات المعارضة الثورية من كل بقاع الأرض تحج لقواعد الثورة الفلسطينية في لبنان وسوريا للتدرب على السلاح والاستفادة من التجربة الثورية الفلسطينية . ما ساعد على رسم هذه الصورة للفلسطيني آنذاك ،هو عدالة القضية الفلسطينية ومقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال بكل أشكال المقاومة داخل فلسطين المحتلة وخارجها ،ووجود قيادة وطنية موحدة تحظى بتقدير الشعب وتحافظ على استقلالية القرار الوطني الفلسطيني وعدم زج القضية في مشاكل ومحاور المنطقة ، يضاف لذلك أن الشعب الفلسطيني معطاء ومبدع في كافة المجالات وإن طلب شيئا كان يطلب الدعم السياسي والسلاح فقط ،أو المال من أجل السلاح ودعم صموده داخل وطنه . بالرغم من الانهيارات الكبرى لمعسكر حلفاء الشعب الفلسطيني ،انهيار النظام الإقليمي العربي والمشروع القومي منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد 1979 ثم حرب الخليج الثانية ،وانهيار الحليف الدولي - المعسكر الاشتراكي - بداية التسعينيات ،بالرغم من كل ذلك لم يستسلم الشعب الفلسطيني ولم يخضع لا للإغراءات المالية والحياة الاقتصادية المريحة التي يتيحها له الاحتلال الإسرائيلي ولا لمشاريع التسوية السياسية ،حتى مع قبول منظمة التحرير التعامل مع فكر ومشاريع التسوية أستمر الشعب في مقاومته للاحتلال بما هو ممكن ومتاح من أدوات المقاومة كما استمرت القيادة في التمسك باستقلالية القرار الوطني إلى حد كبير ،كما استمرت الشعوب والدول العربية والإسلامية تكن كل احترام للشعب الفلسطيني . كانت أحداث العقد الأخير الأكثر قسوة وسوءا على الشعب الفلسطيني ،ففلسطينيا حدث الانقسام وتداعياته الخطيرة من حيث إضعافه للسلطة الوطنية والمؤسسة الرسمية ،ومن حيث إضعافه لخيار المقاومة المسلحة ،وعلى المستوى العربي والدولي تغيرت التحالفات وشبكة المصالح وموازين القوى ،خصوصا ما بعد اندلاع فوضى ما يسمى الربيع العربي ،حيث كانت فلسطين أكبر ضحاياه وإسرائيل أكثر المستفيدين منه . كانت قمة الرياض 21 مايو منعطفا خطيرا في سيرورة الأحداث من حيث إعادة ترتيب وتوصيف الأمور برؤية جديدة .ففيها كانت التحالفات الجديدة ما بين إدارة ترامب والدول السُنية والتي عنوانها محاربة الإرهاب ومواجهة الخطر الإيراني ،وتصنيف الرئيس الأمريكي ترامب وبعض الانظمة الخليجية حركة حماس كحركة إرهابية ،وبالتالي الخلط ما بين المقاومة المشروعة للاحتلال الإسرائيلي وعنف الجماعات الإسلاموية الأخرى وهو الأمر الذي شجع إسرائيل على اعتبار الأسرى والشهداء إرهابيين وخصم رواتبهم من مستحقات السلطة ،والطلب من هذه الاخيرة القيام بإجراءات شبيهة ،في الوقت الذي تتزايد بوادر تقارب بين عديد من الأنظمة العربية وإسرائيل . كان الضرر الأكبر على القضية الفلسطينية بسبب كل هذه المتغيرات هو تداخل القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني ضد الاحتلال مع ملفات المنطقة المغايرة في منطلقاتها وأهداف الفاعلين فيها وخصوصا بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة وصيرورتها حكومة وسلطة موالية لجماعة الإخوان المسلمين ،وتراجع مركزية القضية الفلسطينية لتصبح مجرد مشكلة ضمن مشاكل شرق أوسطية أكثر أهمية من وجهة نظر الفاعلين السياسيين الدوليين ، أيضا الخلط بين المقاومة المشروعة للشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي من جانب و عنف الجماعات المتطرفة من جانب آخر . كل ذلك أساء أيضا لصورة فلسطين و الفلسطينيين عند العالم لأن "الحكم على الشيء فرع عن تصوره " كما قال العلماء . وسط هذه الاختلاطات والالتباسات تصبح المهمة الرئيسية للكل الوطني أن يتم إعادة القضية الفلسطينية إلى أصولها الأولى كحركة تحرر وطني ،وإعادة الوجه المُشرق للشعب الفلسطيني كشعب يناضل من أجل الحرية وليس من أجل الراتب والمساعدات المالية ،ووقف الخلط ما بين القضية الفلسطينية ومشاكل المنطقة التي في غالبيتها تدور حول المصالح الغربية وصراع نفوذ بين دول الجوار ،والصراع على السلطة والثروة ،حتى وإن بررت بعض الدول والجماعات سلوكياتها بتبريرات دينية أو إنسانية . المطلوب اليوم من حركة حماس سرعة تدارك الأمر بإعادة النظر بالعلاقات والتحالفات الخارجية وأن تتفهم خطورة المرحلة ،ونتمنى عليها بدلا من الاستمرار بالمكابرة والبحث عن منقذ خارجي ليحمي سلطتها ودولتها في القطاع أن تمد يدها لمنظمة التحرير وشريكها الوطني لإعادة بناء المشروع الوطني من أجل المصلحة الوطنية العامة ،حتى وإن أدى ذلك للتخلي عن سلطتها في قطاع غزة لأن الوطن أهم من السلطة.قد تجد حماس من يساعدها في الاستمرار كسلطة حاكمة في غزة بل وتحويل غزة لدولة حتى إسرائيل قد ستساعدها في ذلك ،ولكنها ستخسر الشعب الفلسطيني وستخسر ذاتها كحركة مقاومة . في مقابل ذلك على السلطة الوطنية اتخاذ خطوات عملية تُقنع وتُطمئن الشعب الفلسطيني وخصوصا أهالي قطاع غزة بأنها جادة وقادرة على إعادة توحيد غزة والضفة في إطار سلطة وحكومة وحدة وطنية ،وبأن الشعب الفلسطيني ما زال يعيش مرحلة التحرر الوطني ما دامت إسرائيل ترفض الالتزام بما عليها من استحقاقات بمقتضى الاتفاقات الموقعة وبمقتضى قرارات الشرعية الدولية ،وأن الاعتراف بفلسطين دولة مراقب في الأمم المتحدة واعتراف غالبية دول العالم بالدولة لن يغير كثيرا لأنها ما زالت دولة تحت الاحتلال ،أيضا على القيادة الفلسطينية أن تنأى بنفسها عن التحالفات الجديدة في المنطقة وأن تعيد النظر بنهجها ووقف مراهناتها على الإدارة الامريكية الجديدة التي هي أسوء من سابقاتها ،مع عدم الانخراط في أية تسوية جديدة لإنهاء الصراع الآن لأن أية تسوية في ظل الظروف الراهنة ستكون أسوء من تسوية أوسلو .
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العرب يدينون أنفسهم ويبرئون واشنطن والغرب
-
(الربيع الخليجي) وانقلاب السحر على الساحر
-
حركة حماس أمام أختبار صعب
-
قمة الرياض ومنزلق وصف حماس وإيران بالإرهاب
-
ترامب يحصد ما زرعه أوباما
-
مخاض الانتقال من الانقسام إلى الانفصال
-
حركة حماس ومشروع (غزة أولا)
-
وثيقة حماس : خطوة إيجابية تحتاج لإثبات جدارة وطنية
-
أسرانا أشرافُنا وتاج على رؤوسنا
-
المثقفون والمبدعون لا يتقاعدون
-
ما زال في الإمكان تدارك الأمر
-
الرواتب كاداة لتصفية حالة التحرر الوطني وتكريس الانقسام
-
قرارات قمة عمان تخفي اكثر مما تُفصح
-
مثقفون بدون ثقافة : مثقفو الشتائم والإحباط
-
لقاء ما بعد الصدمة بين ترامب وابو مازن
-
الهروب نحو الحل الإقليمي لن يحل المشكلة
-
في خفايا العلاقات المصرية الفلسطينية
-
الدولة الفلسطينية ليست منة أو منحة من أحد
-
تهافت مقولة عبقرية اليهود والغرب وتخلف العرب
-
تصفية حالة التحرر الوطني قبل إنهاء الاحتلال
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|