أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي الذيب - عزيزي الله – مواطن مجهول 15















المزيد.....

عزيزي الله – مواطن مجهول 15


سامي الذيب
(Sami Aldeeb)


الحوار المتمدن-العدد: 5552 - 2017 / 6 / 15 - 03:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


سلسلة مقالات من كتاب: عزيزي الله: رحلتي من الإيمان الى الشك - مواطن مجهول، 52 صفحة
يمكن الحصول على النسخة الورقية من موقع أمازون https://goo.gl/W619cB
كما يمكن تحميل النسخة المجانية من موقعي http://wp.me/p1gLKx-hSc
.
الصلاة
---------
عزيزي الله،
لم أترك صلاة من صلواتك الخمس يوما واحدا في حياتي منذ صغري بل كنت مداوما عليها سفرا وحضرا أؤديها في أوقاتها ولا أتململ من ركوعها وسجودها .. قد يحصلُ أن أنام عن إحداها لكني أبادر الى قضائها فور تذكرها ونادرا ما يحدث ذلك. لم أكن أجد صعوبة في الإلتزام بمواقيتها وأدائها جماعة في بيتك، وما أكثر بيوتك في بلدي، لكن مع الكِبر وتقدم العمر أصبحت أصليها في بيتي منفردا. لا أظنك تعرف الكِبر والتقدم في السن يا رب لأنك لم تجربه من قبل فأنت كما أنت وهكذا كنت .. على أية حال، قيل لنا أنها تساعد في ترتيب الوقت .. ألم يسمع من قال ذلك بشيء اسمه الساعة تحفظ الوقت بدقة أكثر من مواعيد الأذان. وقيل أنها تساهم في تقسيم الأعمال وضبط المشاوير بأوقات محددة عن طريق ربطها بأوقات الصلوات، يمكنني القول نفسه بالنسبة لأشياء أخرى كثيرة في يومي كالإستيقاظ صباحا والمغادرة للعمل والذهاب الى نادي في أوقات معينة. وقيل أنها تعلّم الإنضباط لكن من ينظر الى رجالك وهم يقفون حول بيوتك لعرف أنهم أبعد ما يكونوا عن ذلك، وقيل لنا أنها رياضة روحية وما هي برياضة بل إن برنامجا في نادي صحي أتردد عليه مرة واحدة في اليوم وليس خمس مرات هو أفضل منها وأنفع للبدن. لكن الروحانية فيها هي بيت القصيد، كيف لا وهي وسيلة المناجاة بيننا وبينك .. هي العهد الذي بين أتباعك وبين غيرهم، هي عمود دينهم وهي ما يبقي أحدهم متعلقا به. يعلّق عليها رجالك طموحهم وآمالهم ويُعلون من شأنها فوق أي شعيرة أخرى لأنها هي ما يشدّ الناس دوما تجاهك ويربطهم بحبل مودتك ويبقيهم في محراب طاعتك بشكل يومي ومتكرر لا سيما وأنها تُؤدّى في العلن كي يزداد التصاق الناس بدينك حين يرون أنفسهم يقومون بها، يراقبون بعضهم البعض نيابة عنك ليشهدوا المتخلف منهم ويأخذوا على يد المتهاون بها ويغلقوا المتاجر من أجلها ويسوقوا الناس اليها، بل ويوشكوا أن يشعلوا النار في بيوت من لم يحضر اليها … فعلا العهد الذي بيننا هو الصلاة.

قيل عن الصلاة إنها وقت مستقطع يصفو فيها القلب ويهدأ فيها الجسم وتحلّق فيها النفس في رحابك .. هي من أعلى أنواع العبادة درجة وأقربها لك لأن بها تواصل مباشر معك يا رب كما أنها تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر كما يزعم رجالك. لكن ما بال هذا التواصل الذي هيّأ صاحبه ليكون نقيا تقيا صافي السريرة ما يكاد يخرج من بيتك حتى يتغير وينقلب على عقبيه .. أين تلك الروحانية والمعاني الأخلاقية، أهي آنية لحظية في وقت أدائها ببيتك أم متعدّية لأوقات اليوم كله؟ ما بال ذاك الشعور الإنساني بالأخوّة والمساواة بين المصلين ينتهي عند باب بيتك حين يهمّون بالخروج ويلتقون خارجا، ما بال ذلك الإلتزام بموعد الحضور وتوقيته يتيه في أول موعد خارج بيتك .. ما بال ذلك الإنضباط في الصفوف والجلوس أمام محرابك يتدهور حين يهمّ المصلين بالخروج ويستخرجوا نعالهم المتناثرة عند بابك .. بل ما بال نفس أولئك المصلين حين يؤدون نفس الصلاة في دولة الكفر تتغير أخلاقهم هناك حين يغادرون بيتك بشكل مغاير لما هم عليه في دولتك؟ هل يختلف تأثير الصلاة بحسب المكان الذي تُصلى فيه، كيف يا رب يختلف تأثيرها في دولتك عن تلك التي في دولة لا تؤمن بكتابك .. ألا تأمرهم بنفس المعاني وتمدهم بنفس الوصايا؟ هل الأنظمة والتشريعات التي تصنعها المجتمعات الواعية على ضوء التجربة والدليل هي التي تصنع سلوك الناس وتضبطه أفضل من ضبط الدعاء والصلوات؟

أهميتها تنبع من كونها العبادة الوحيدة، هي والدعاء، التي تربط الإنسان بك يا رب بطريقة مباشرة ويظهر فيها ضعف الإنسان وتذلله لك في ركوعه وحين سجوده، يُمرّغ راسه في الأرض مظهرا الخضوع والخنوع في أقصى مراسم الذل والهوان طالبا رضاك عنه حتى ولو لم يقترف شيئا يستوجب الرضا، سائلا عفوك حتى ولو كان طفلا صغيرا، كيف لا وهي مخ العبادة. هي ليست كالزكاة أو الصوم أو الحج فتلك طقوس يستشعر بها مؤديها تفاصيل الدين ومتطلباته ويمكنه أداؤها دون أن يقترب منك يا رب. كما أن ليس فيها مظاهر الخنوع والضعف بل ربما تحمل من مشاعر القوة والسطوة حين تعطي من مالك للآخرين أو تمشي وتتحرك لتطوف ببيتك أو تتوقف عن الأكل لتتغلب على رغباتك. لكن الدعاء في الصلاة إنما هو إظهار مشاعر الضعف والهوان وليس أي هوان، بل هو هوان مصطنع يتباكى فيه أتباعك ليفوزوا برضاك عنهم. أتقبل يا رب أن يتباكى أحد من أجلك؟.. ما الذي تشعر به وأنت ترى تلك الجموع وقد خرّت رؤوسها للأرض رافعة مؤخراتها وهي تظهر هوانها وضعفها من أجلك؟ أتقبل أن يتملقونك وكأنهم ماسحي الجوخ من أجل كسب رضاك والفوز بنعيمك الذي وعدتهم به؟ أم أن الغاية تبرر الوسيلة عندهم وعندك؟

أصبحت الصلاة عادة كغيرها من العادات المكتسبة لدرجة أنه لا يمكن أن يخطر ببالي أن أتساهل فيها فضلا عن أن أتركها بالمرة. أعرف من إذا تأخر عنها أصابه القلق والوسواس حتى يؤديها وربما وهو ذاهب الى أحد الملاهي الليلية متأبطا ذراع صديقته .. يبتهج أتباعك حين يسمعون بذلك ظنا منهم أن فلانا ما زال يحمل داخله شعلة الإيمان التي لم تنطفئ بينما الذي لم ينطفئ إنما هو النشاط الآلي الذي تعوّد عليه مرارا وتكرارا لا سيما إذا صاحبه التخويف والتقريع في صغره حتى أصبح كالمريض بالوسواس القهري الذي لا يستطيع الفكاك منه. أظن أحيانا أن من يقرر التوقف عن الصلاة بعد أن تخطى مرحلة الشباب يحتاج الى دواء أو جلسات علاجية كي يتقبل وضعه الجديد. أعرف من قد ربّاه أهله عليها مثل غيره من قرناءه وعنّفوه إذا قصّر في أدائها وكبر وأصبح اليوم بعد أن خرج من الصندوق الذي أسره فيه مجتمعه لا يؤمن بدين ومع ذلك هو يداوم عليها وكأنه لا يستطيع الفكاك منها .. كل الذي تغير أنه أصبح يؤديها جملة، مرة واحدة في اليوم يسردها بدلا من مفرقة على خمس أوقات .. لم يستطع أن يتخلص من إدمانه الذي نشّأه أهله عليه. لكني استطعت يا رب .. استطعت الفكاك منها وأنا في خريف عمري، استطعت الفكاك منها وأنا الذي كنت أظن أنه لن يأتي ذاك اليوم الذي أتوقف فيه عن الوقوف بين يديك لأركع لك وأسجد نحوك إلا إذا فقدت حياتي أو عقلي وهاأنذا اليوم قد توقفت وما توقفت حياتي ولا فقدت شيئا من عقلي .. أعرف أن أتباعك سيقولون بل فقدت، لكن دعك عنهم فأنا أخبرُ بنفسي منهم.

لم ألاحظ أي تغيير وأنا الذي كنت أظن أن عقدة الذنب التي زرعها من حولي في عقلي الباطن منذ الصغر ستطاردني لكني لم أحس شيئا من ذلك .. ربما لأنني كنت قد استويت وأصبحت جاهزا لأن أتخلى عن دين أتباعك بعد أن تيقّنت أن الإنسان يولد فيه ولا يختاره، يرثه ويورّثه، وبعد أن عايشت مساوئه وشروره وأزمة هويته التي لا يمكن أن تنسجم مع ظروف زمننا الحاضر فضلا عن مستقبلنا القادم وأخيرا بعد أن عرفت عن نظرية التطور ما لم أعرفه من قبل. بعد هذا كله، كان التوقف عن أداء الصلاة وتركها بالكلية أمرا هيّنا سهلا، بل وطبيعيا ومتوقعا، لا يختلف في ذلك عن من قرر التوقف عن أداء التمارين في النادي الصحي، تعود شابا في الثاني وحكيما في الأول. بعد التوقف عن أدائها أصبحت أقرب للإنسان الحر الكامل وأدنى للفرد المستقل الذي يمتلك مصير نفسه وقرارها ومستقبلها .. أقرر كيف ومتى ومن أريد مناجاته أو الحديث بصمت معه، لينتهي عهد الإستحواذ على العقول والتسلط على النفوس. تخلصت فيها من الخوف المتجذر والذي زرعه أتباعك من عصور الجهل والظلام وانعتقتُ من مشاعر الضعف والهوان وعُقد الذنوب والمعاصي لأعود إنسانا سويا معافى أنظر للآخرين من المصابين بفيروس الدين بشفقة .. فعلا، العهد الذي بيننا هو الصلاة.
.
وإلى مقال قادم من كتاب: عزيزي الله: رحلتي من الإيمان الى الشك - مواطن مجهول
.
ادعموا حملة "الترشيح لنبي جديد"
https://goo.gl/X1GQUa
وحملة "انشاء جائزة نوبل للغباء"
https://goo.gl/lv4OqO
.
النبي د. سامي الذيب
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية للقرآن بالتسلسل التاريخي: https://goo.gl/72ya61
كتبي الاخرى بعدة لغات في http://goo.gl/cE1LSC
يمكنكم التبرع لدعم ابحاثي https://www.paypal.me/aldeeb



#سامي_الذيب (هاشتاغ)       Sami_Aldeeb#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عزيزي الله – مواطن مجهول 14
- عزيزي الله – مواطن مجهول 13
- عزيزي الله – مواطن مجهول 12
- عزيزي الله – مواطن مجهول 11
- اتعظوا: سوريا حصدت ما زرعت
- عزيزي الله – مواطن مجهول 10
- الحمار وصيام رمضان
- عزيزي الله – مواطن مجهول 9
- مقابلة من صحفي مصري
- علاج مرضى الإرهاب الإسلامي في الغرب
- عزيزي الله – مواطن مجهول 8
- عزيزي الله – مواطن مجهول 7
- عزيزي الله – مواطن مجهول 6
- عزيزي الله – مواطن مجهول 5
- عزيزي الله – مواطن مجهول 4
- عزيزي الله – مواطن مجهول 3
- من ماذا كان يعيش محمد؟
- عزيزي الله – مواطن مجهول 2
- الدور الهدام لسورة الفاتحة 15
- الدور الهدام لسورة الفاتحة 14


المزيد.....




- هكذا أعادت المقاومة الإسلامية الوحش الصهيوني الى حظيرته
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة-إيفن مناحم-بصلية ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تعلن استهداف مستوطنة كتسرين بصلية ...
- المواجهات الطائفية تتجدد في شمال غربي باكستان بعد انهيار اله ...
- الإمارات تشكر دولة ساعدتها على توقيف -قتلة الحاخام اليهودي- ...
- أحمد التوفيق: وزير الأوقاف المغربي يثير الجدل بتصريح حول الإ ...
- -حباد- حركة يهودية نشأت بروسيا البيضاء وتحولت إلى حركة عالمي ...
- شاهد.. جنود إسرائيليون يسخرون من تقاليد مسيحية داخل كنيسة بل ...
- -المغرب بلد علماني-.. تصريح لوزير الشؤون الإسلامية يثير جدلا ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف حيفا ومحيطها برشقة صاروخي ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي الذيب - عزيزي الله – مواطن مجهول 15