ما من احد من الادباء الذين مروا بمقهى حسن عجمي ببغداد لم يعرف ( ابو داوود ) ذلك الرجل المسن ، المختفي خلف شاربيه الملتويين على فمه . لقد اقضى ابو داوود اكثر من نصف عمره كعامل مقهى ، ولكنه من طراز خاص حيث كان صديقاً وأباً لكل الادباء الذين يرتادون المقهى ، وبما ان اغلب الادباء وخاصة الشباب منهم يحتسون الشاي بكثرة فقد كان ابو داوود رحمه الله يغظ الطرف عن اغلبهم اثناء الدفع . ذلك انه يعرف جيداً الظروف المادية السيئة التي يعيشونها ، وخاصة في ايام الحصار منذ عام 1991 وحتى قبل رحيله بايام ، وقد كان اغلب الادباء عندما تتوفر لديهم بعض المبالغ يبعثون بها كتحية خاصة له ولمواقفه النبيلة . وقد ارسلنا العديد له عندما كنا في العاصمة الأردنية عمّان على الرغم من الظروف الصعبة التي عشناها ، وما كان منه الا ان يرسل لنا العديد من التحايا والسلامات ، الرجل مات في شيخوخته من دون ان يعرف احد غير ان احدا من الادباءكان قد ذهب الى مقهى حسن عجمي قبل ايام قلائل ليعطيه مبلغاً ما كمساعدة ، وقد تفاجأ بان المقهى يديرها عامل اخر ، وعندما سأل صاحب المقهى ذلك الرجل المقرف في تعامله وغير محبوب من قبل رواد المقهى ، فرد على الاديب قائلاً بان ابو داوود قد مات منذ اكثر من شهرين ! ! ! فوا أسفاه عليك يا ابو داوود رحلت دون ان يعلم علي السوداني ، ومحمد النصار ، ونصيف الناصري ، ووسام هاشم ، وستار كاووش ، وعلي منشد ، ومحمد مظلوم ، والعديد من الادباء الشباب الذين هم يكنّون اليك كل الود والاحترام . رحلت يا ابا داوود وما زال العراق تحت حكم الطاغية الاحمق ، رحلت يا ابا داوود ونحن قد تلاقفتنا المنافي وازداد الحنين الى الوطن ! والى الذكريات في حسن عجمي وشارع الرشيد واتحاد الادباء وليالي الصفا وشارع المتنبي وجسر الشهداء وشارع ابي نؤاس وكل بقعة من مدينتنا الخالدة بغداد والتي هي مقيدة منذ اكثر من ثلاثين عام بقيود العفالقة العفنين ، والذين اقتربت ساعتهم .
ابا داوود القلوب معك ايها الاب الكبير .
" هائج انت كالبحر
وفي صدرك يغلي الحنين
واقف
مثل قبر
ينتظر زائريه
ايها الملقى على
نهر الجنون
سوف ناتي الريح
كي تقلك الى قبرك
قبرك الواسع مثل ليلي. "
من مجموعة ضباب الاضرحة: هادي الحسيني
دار الواح : اسبانيا 2000