محمود الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 5551 - 2017 / 6 / 14 - 13:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مازال المهتمين بالشأن الخليجي علي قدر من المعرفة الواقعية التي تؤهلهم عقلياً لإدانة قطر في قضايا الإرهاب الدولي , وعلي ذات القدر من تلك المعرفة تتيقن إدانة السعودية تاريخانياً في قضايا الإرهاب الدولي , حال تواجدها علي مسرح الدول المعترف بها من جانب الأمم المتحدة قبل دولة قطر المصنوعة جغرافياً بإرادة سياسية / عسكرية إستعمارية لها أهداف تتغياها من وجودها ومن وجود بعض دول الخليج , وليس هناك من شك في أن الدولتان لهما دور بارع في هذا المضمار الذي أشعل المنطقة العربية بلهيب الإرهاب وجرائم التطرف والعنف الدموي والصراعات العسكرية بين الأنظمة الحاكمة والجماعات الدينية المناوئة لها وبين المجتمع المضعوف الممروض المفقور عمداً وسوء قصداً من أنظمة الحكم , وهذا هو الحادث في مصر وسوريا وليبيا والعراق واليمن , وبالفعل دول ماتم تسميته والتعارف عليه مصطلحياً بالربيع العربي , ولكن الغريب في تداول قضية الدولة القطرية أن يتم إتهامها بتمويل الإرهاب من دول هي ذاتها الواقعة تحت سلطان هذه الأزمة المصيبة والمعضلة المهلكة للجميع , فحينما يتم تدبر الأمر بالعاطفة ستجد أن دول الخليج العربي علي قلب رجل واحد في حب إمرأة واحدة يعشقونها , حتي وإن جلبت هذه المرأة الإفلاس الكامل والخراب الدائم , وصفات هذه المرأة متمثلة في التطرف والعنف والإرهاب , ولكن حينما يتم تدبر الأمر بالعقل فتجد الكراهية لهذه المرأة المجرمة بادية للعيان , فالكل بلا إستثناء يدين ويشجب ويستنكر التطرف والعنف والإرهاب , ولكنه يكذب علي قلبه وعقله معاً وتتبدي آثار المصيبة حينما يعمل محرك العاطفة القلبية مع محرك العقل ليتم تحريكهما في مسارين مختلفين يؤديان في حركتيهما إلي الجنون المطبق , لأن أحدهما يضغط علي مزود سرعة للإنطلاق للأمام بالقاطرة الإرهابية الرهيبة , والآخر يضغط علي مقود الفرامل لأنه يريد تحريكها للخلف بسرعة رهيبة , وكل له وجهته ومبتغاه الإرهابي الخسيس !
وليس غريباً علي من ارتضوا لأنفسهم ومواطنيهم أن يفكروا بعقلية ماقبل القبيلة أو ماقبل الدولة علي أقرب توصيف , لتتم إدارة الخلافات بعقلية قصائد الهجاء والسب واللعن , وهذه لغة كانت مشهورة في مرحلة تاريخانية تنسب إلي ماقبل الدولة حيث الغلبة لقوة الساعد والجسد , والغلبة والتفاخر بالعدد للقبيلة في مواجهة الغير من القبائل الأخري , ولكن حينما يكون أبناء القبيلة الواحدة ممن ينتسبون إلي معتقد ديني واحد ومذهب ديني واحد , يجمعهما علي مسطرة ماتم تسميته بمسطرة أهل السنة والجماعة المصنوعة علي مسطرة محمد بن عبدالوهاب مؤسس التطرف والعنف والإرهاب بخلفيات دينية , والإثنان يمارسان نفس النهج الديني في مفاهيم الدعوة والجهاد والإمتثال لخطي السلفية الدعوية أو السلفية الجهادية أو علي أبسط العروض علي منوال جماعة الإخوان المسلمين التي رعتها السعودية فترات طويلة من الزمن منذ أزمة الإخوان مع جمال عبد الناصر في مصر والهجرات المتوالية لأعضاء الجماعة / التنظيم أو التنظيم / الجماعة , وفتحت لهم أبوابها وآوتهم ووفرت لهم سبل الحياة الكريمة وفرص العمل الملائمة , أيام كان هناك خلاف سعودي مصري مع عبدالناصر , بأسباب راجعها أزمة اليمن مع مملكة آل سعود , ومناصرة جمال عبدالناصر لهم في مواجهة المملكة لدرجة إرسال الجيش المصري لليمن في تلك الحقبة التاريخانية الفائتة في مواجهة مملكة آل سعود , والأن وبعد أن إنضم السيسي لركب مملكة آل سعود ضد اليمن , وأرسل كذلك نفس الجيش المصري إلي مملكة آل سعود للحرب والقتال ضد اليمن الشقيق حسب مفردات قادة العروبة ورواد نواديها , مع فارق القصد والغاية في الجيشين والزمنين , ووقفت المملكة بجانب السيسي ضد الإخوان ومعها دولة الإمارات العربية , ووقف الإخوان ضد السيسي والسعودية والإمارات , وتحولت قطر إلي ماكانت تقوم به مملكة آل سعود لصالح الإخوان , ولذلك وكأن الإخوان المسلمين جماعة ظهرت وتبدي إرهابها مؤخراً لدي مملكة آل سعود , مما يضطر مفتي السعودية إلي توجيه فتواه لهم , ويبرر بأن حصار قطر أمر شرعي مؤيد بكتاب الله وسنة رسوله , ومطابق للشرع الإسلامي , ولكن لايفوت مفتي السعودية أن يلفت الإنتباه إلي محمد بن عبدالوهاب , فيقول عنه وعن دعوته :" إن هناك حملة لتشويه صورة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، مؤكداً أن دعوته "كانت دعوة إصلاحية للتطهير من البدع والشرك، وكانت دعوة خير، ومن يحاول تشويهها ونشر المغالطات حولها فهو كاذب".
وهذا الكلام الذي جري علي لسان مفتي السعودية دفاعاً عن بن عبدالوهاب صاحب ومؤسس الدعوات السلفية الوهابية التي تبدأ في الغالب دعوية وتنتهي جهادية إرهابية , مما يؤكد علي أن مملكة آل سعود مناصرة لأفكار مؤسس التطرف والعنف والإرهاب , وهذا الكلام له مايضاهيه بالمقابلة برأي مفتي مملكة آل سعود في وصفه للأزهر وشيوخه والمصريين , حينما أفتي حال مقابلة شيخ الأزهر ببابا الفاتيكان , وقرر قائلاً :" إن لقاء شيخ الأزهر بـ بابا الفاتيكان يعتبر انتهاكاً للعالم الاسلامي والحضارة الاسلامية، مبينا أن الأزهر لا يمثل الإسلام الحقيقي من شيء وتصرفات زعماؤه خيانة للمسلمين.
وقال كذلك :" إن خطة بناء الأزهر خطة نصرانية يهودية تهدف إلى تدمير هوية الاسلام الحقيقي وتغييرها إلى القراءات الضالة والباطلة، ويستند إلي نص قرآني مبرراً فتواه ضد مصر والأزهر وشيوخه , قائلاً : كما قال الله عز وجل في كتابه الشريف حسب ما يستند مفتي مملكة آل سعود إلي النص القرآني : "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير"
واختتم كلامه بأن الأزهر والمصريين فشلوا على مر التاريخ أمام الصعوبات والمنعطفات الخطيرة.
وإذا كان الأمر كذلك , وعلي ماجري علي لسان مفتي السعودية الذي يتجرأ علي الجميع بأسانيد دينية شرعية مصنوعة حسب مايري هواه ومايري النظام السعودي الحاكم, إلا أنه لماذا صمت عن عمد ولم يستطع أن ينبث ببنت فتوي أو ولد فتيا ضد زياره ترامب وزوجته وإبنته وزوج إبنته يهودي الديانة , المحرم علي أهل الجزيرة تواجد فيها دينان حسب فتاوي بن عبدالوهاب ورجال الدين السعودي , ولم يتحدث عن مصافحتهم للملك والأمراء بحرارة وحميمية , وكأن زوجة ترامب وإبنته مرتديتان أغطية الرأس والخمارات المغطية للصدر وعورات الجسد , مع أن مصافحة الرجال للنساء من المرمات حسب معتقد بن عبدالوهاب الذي يعتقد به الملك والأمراء والمفتي ورجال الدين , به , ولم يتحدث عن الهدايا التي زادت عن 100 مليون دولار لجمعية زوجة ترامب الخيرية , والهدايا التي قاربت مليار دولار في العلن لترامب وحده , أما ماتم في السر فيعلمه عالم الأسرار وحده , ولم يتحدث عماقارب 500 مليار دولار قيمة صفقات أسلحة للملكة لن تفيدها في شيء بجانب مالديها من ترسانات اسلحة مخزنة لم يتم إستخدامها بعضها إلا ضد الشعب اليمني , فلماذا الصمت هنا والحديث هناك ؟!َ
أليس لأن هذا صار علي غير هوي المملكة والإمارات وتم التصعيد ضد قطر بإيعاز يراه بعض المحللين للشأن العربي الذي تحول إلي شأن شرق أوسطي بقوة الجيوش والسلاح والعولمة العسكرية والإقتصادية , ليؤدي المفتي السعودي فتوي دينية مؤداها العودة بمفهوم الدولة إلي مفهوم ماقبل القبيلة , ويستند مبرراً فتواه الدينية إلي الإسلام قرآناً وسنة , وكأن مملكة آل سعود تلتزم وتطبق الإسلام ضد قطر , وكأن قطر خارجة عليه , وكان من الواجب ديناً , علي أمريكا ومصر والكويت والإمارات ومن قبلهم جميعاً تل أبيب , أن ترد قطر إلي الإسلام رداً جميلاً حرصاً علي وحدة الإسلام وسلامة المسلمين ووحدة كيانهم بعد أن دفعت السعودية الجزية للولايات المتحدة الأمريكية ممثلة في الهدايا وقيمة صفقات السلاح الخيالية , وإلا فعلي مملكة آل سعود أن تقاتلها أمريكا أو تعتنق المذهب الديني المسيحي الذي يعتنقه ترامب وزوجته أو معتقد زوج إحدي بناته !
وأخيراً : ليس هناك فرق في أداء الرسالة الموجهة من النظام السياسي الحاكم لأي شعب عربي , بين رجال الفن مجازاً ورجال الدين معاذاً , ليكون مفتي السعودية لايختلف عن شعبان عبدالرحيم , وكلاهما يقول بلسان السلطة : " أيه "!!
فهل من فارق حضاري بين النظام الحاكم لمملكة آل سعود , وبين النظام الحاكم في مصر , وبالطبع قطر ليست خارج المساق ولا السياق فجميعهم تعيش عقولهم في مرحلة ماقبل القبيلة , وليس ماقبل الدولة , ولكنهم يعيشوا في غيبوبة ماقبل تاريخانية , ولن يفيقوا إلا حينما تشرق شمس الخراب !
#محمود_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟