حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 5548 - 2017 / 6 / 11 - 17:34
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الشعور والخبرة الانفعالية_ جوهر الانسان وحقيقته؟!
"مشاعرك وعواطفك واعتقادك, جزء صغير هامشي وسطحي من شخصيتك"....
* * *
العبارة الاشكالية أعلاه, تمثل خلاصة التحليل النفسي والماركسية, مع الفكر الشرقي القديم_ بوذية الزن على وجه الخصوص, وهي مشتركة مع علوم الانسان الحديثة ومع فلسفة العلم والفيزياء المعاصرة أكثر.
اللاشعور_ مفهوم فلسفي سابق على فرويد بعدة قرون.
ويكفي فكر سبينوزا كمثال_ وخصوصا عبارته الشهيرة " إن ما يقوله بولس عن بطرس, يخبرنا عن بولس أكثر مما يخبرنا عن بطرس", للتدليل على أن عملية اكتشاف الخبرات الانفعالية_ المجهولة غالبا من قبل الشخصية نفسها_ حدثت بشكل تاريخي, وتدرجي, وبطيئ, وتراكمي....نظريا وتجريبيا معا بالتزامن.
وما تزال فنون _ وخبرة التركيز والتأمل واليوغا_ ذروة الابداع الانساني المشترك خصوصا.
* * *
لكن الشعور الحاضر والحالي, المباشر الآن_ هنا, يمثل محور المشكلة الانسانية, وليس أحد أعراضها أو تعبيراتها فقط.
وأعتقد أن محاولات إنكاره, أو التقليل من أهميته بدورها أحد أعراض المرض العقلي والنفسي والاجتماعي, أو أنها إنحراف عن الحالة الانسانية السوية والصحية على أقل تقدير.
الشعور, مدفوعا من خلال الحالة الانفعالية المتكاملة للشخصية وبالتضافر مع تأثيرات البيئة وعناصرها المختلفة_ ينتج السلوك والحياة الشخصية بشكل نظري وعملي معا, وبالتزامن.
لا يمكن للانسان أن يقف ضد مشاعره, ويبقى في الوقت نفسه, محافظا على سلامته العقلية أو الجسدية. وما أريد توضيحه في هذا العرض, ان الشعور هو واجهة الشخصية أو قمة جبل الجليد, بينما الحالة الانفعالية المتكاملة والتي تتضمن الخبرات والأحاسيس الشعورية واللاشعورية معا, هي مضاعفات ما تدركه الشخصية وما تشعر به.... والمشكلة الحقيقية_ تكمن في الوصول إلى طرق وممارسات وحلول أو عادات إيجابية, لتقوية الشعور وتوسيعه وتعميقه (مع الوعي والارادة) في الفعل والسلوك الانساني_ وذلك على حساب الدوافع والقوى اللاشعورية وغير الواعية التي تساهم بدرجات متضخمة في صناعة القرار والفعل, وهي مصدر ثابت للانحرافات والتعصب.
* * *
الاختلاف بين مشكلة الفرد_ وبين مشكلة الانسان, مصدر آخر للانحرافات والمبالغات وسبب إضافي للعنف والتعصب والانغلاق.
وعلى سبيل المثال....الموت مشكلة الفرد المركزية, بينما لا يشكل المةت قضية هامة للانسان, بل العكس غالبا. كثيرا ما يحبذ الفرد الحرب والصراع, ويفضل الحل بالقوة وبسرعة على مختلف الحلول العقلية والمنطقية, وعلى الصفقات المتوازنة والمعتدلة, في الحياة اليومية والثقافية _السياسية خصوصا.
الشعور مشكلة الفرد, وليست مشكلة الانسان.
الحرب ( او المعرفة) مشكلة الانسان, وليست مشكلة الفرد.
....
المشاعر والعواطف مركز دائم للاهتمام والانشتغال الفردي والذاتي, وهي ليست مهمة فعليا للمجتمع أو للشركاء والأصحاب والأهل,...وهم يعتبرون أن المصلحة الفردية (للآخر) تتناقض مع السعادة والراحة ( المباشرة منها على الأقل_ ولا ينتبهون لهذا التناقض), بالنسبة لسواهم ( الأبناء, أو الأزواج, وغيرهم)_ هذه المغالطة الذاتية _العقلية تفسرها النرجسية بدقة ووضوح.
المعرفة لا تشكل الهاجس أو الهم المحوري للفرد_ حتى بالنسبة للعلماء والفلاسفة, ولبقية الفئات الاجتماعية....ذلك يفسر حالات التعصب وانفجار الغيظ النرجسي البارز, بعد ظهور الاختلاافت والخلافات الطبيعية ليس فقط في المصالح الحقيقية_ بل وحتى مجرد الاختلاف في التفسير يشعل الحروب الايديولوجية والفكرية (وذلك حدث ويتكرر, في مختل فالأوساط والحركات الفكرية والثقافية والعلمية_ عبر التاريخ الانساني كله).
* * *
سؤال السعادة والشقاء " هل كان احد ليختار الشقاء!"....
العلاقة بين اللذة والفرح والسعادة, في مقابل , العلاقة بين الألم والمعاناة والشقاء...تمثل الموضوع المشترك والرئيسي بين الدين والفسفة والعلم. وقد ناقشتها بشكل موسع خلال بحث (السعاة), وهنا عودة للعلاقة خصوصا بين الفرح والسعادة_ التشابه والاختلاف, وبين الألم والشقاء من جانب آخر. أو عبر منظور _ربما _كان أوسع وأوضح من المعالجة السابقة....هذا ما أسعى إليه
....
العلاقة بين الشعور وبين الحالة الانفعالية المتكاملة للشخصية, بما في ذلك الجوانب اللاشعورية وغير الواعية_ تلخصها وتجملها في الموقف الديني (الكلاسيكي) فكرة الخلاص أو الهدى...من خلال الفصل بين حياة الدنيا هنا_ الآن, وبين الحياة الأخرى هناك_ غدا (بعد الموت)...الفصل التام بين عالم الغيب وبين عالم الشهادة (أو الحاضر).
تقدمت الدراسات والأبحاث الفلسفية خطوة, في التقريب بين عالمين أو شكلين من الحياة ( الحياة المادية والجسدية, والحياة العقلية والروحية), خاصة من خلال التجربة الصوفية التي خبرتها الأديان المختلفة, معها حدث التطور والانتقال في التركيز والاهتمام من الفكر والكلام والقول إلى مستوى جديد نوعيا_ في الفعل والممارسة والخبرة.
تتمثل المساهمة الفلسفية المركزية في قضية السعادة, من خلال ربط السعادة بالحكمة والوعي بالاضافة إلى ارتباطها المباشر والثابت باللذة والراحة.
بالتوازي مع ربط الشقاء بالحماقة والجهل_ ومع فصل الرابط القديم والسطحي بين الألم والشقاء, او التقليل من اهميته مع الاعتراف المتزايد بواقعية الألم ( وبفائدته) كما ذهبت بعض المدارس والاجتهادات المعروفة, وفي مختلف الثقافات.
العلم يرث الدين والفسفة _ كما يرث الفرد الانسان.
* * *
مع بداية هذا القرن عاد الاهتمام مجددا,...إلى الفرد, وإلى اليوم, وإلى الشعور.
ويتزايد الاهتمام والتركيز على الحاضر...الآن_هنا. مع توضيح مستويين للوجود, الوجود بالقوة وهو بالدرجة الثانية من الأهمية, والوجود_ مع الموجود بالغعل وهو الأهم_ الذي يلايفقد اهميته مع مرور الزمن.
كلنا نعرف شعور اللذة والألم, وتشاركنا بقية الكائنات الحية الشعور بصورته الأولية والبدائية.
الاقدام إلى اللذة وموضوعات الحب, مع السعي والنشاط.
مقابل الاحجام عن الألم وموضوعات الخوف والكراهية, مع السلبية والتجنب.
المشكلة المركبة والموروثة من الدين والفسفة والعلوم الانسانية المختلفة, التي استمرت طوال القرن العشرين يمكن تلخيصها, بتعذر الفصل بين موضوعات الحب والخير والجمال_ مع حدودها, وبين موضوعات الخوف والشر والقبح_ وحدودها ايضا... بالتزامن, مع تعذر الفصل بين الجوانب والحوادث والخبرات والدوافع والحلول ( المركبة والمتراكبة)_ التي قد تنتهي....إلى الفرح والسرور وزيادة الثقة أو العكس, مع الألم والأحزان والندم ( من بيننا اليوم يصف الحرب النظيفة أو المقدسة...)
...
وتبقى كلمات كيف ولماذا....تدور بيننا وحولنا من جيل لآخر
* * *
كيف يمكن التمييز الموضوعي والدقيق, بين خطوة أو حل أو عادة أو فكرة أو فعل ( جيد_ة), وبين نقيضها (السيئ_ة)؟!
معيار ثلاثي متكامل, بسيط ودقيق استخلصته من خلال أبحاث هذه السلسة وأخص بالذكر والفضل باشلار وإريك فروم ومترجميهم المحترمين جميعا....
التوجه الصحيح والمناسب الثابت, هو ما يجعل اليوم أفضل من الأمس, ويجعل الغد هو الأكمل.
يضاف عامل مساعد على التوضيح وزيادة الموثوقية, إمكانية استعادة الوضع السابق... في الخطوات أو الحلول التي تتوافق وتنسجم مع القيم الانسانية والأخلاق الرفيعة والمشتركة, يسهل دوما استعادة وضع سابق ( لناحية التقدير الذاتي وراحة البال).
ويضاف عامل ثالث يتعلق بدرجة السهولة والصعوبة, حيث الخطوات أو العادات أو الحلول الجيدة صعبة في البداية وسهلة في النهاية_ على العكس تماما من نقائضها السيئة والسلبية أو الخاطئة, فهي سهلة البداية وممتعة غالبا, لكن يتعذر التوقف عنها أو تجاوز آثارها ونتائجها مستقبلا.
....
بالاضافة إلى البعد الزمني في نظام التوجيه والتوجه_ التركيز على الماضي, يتضمن حزمة الحلول تحت الوسط دوما, بالمقابل, التركيز على الغد والمستقبل, يتضمن حزمة الحلول الجيدة والابداعية_ ويبقى الحاضر هو المعيار المتجدد والثابت الوحيد.
* * *
هامش وغضافة
نظام القيم تراتبي, خلاصة قوانين السلطة ونظام الحكم, نموذجه علاقة (حاكم_ محكوم)...حيث الحقوق للحاكم وعائلته وبطانته والواجبات على المحكوم وأهله وجيرانه.
منظومة الأخلاق مساواة, خلاصة قوانين الدولة والمجتمع, نموذجها علاقة ( مواطن_ مؤسسة)...حيث الحقوق والواجيات متكافئة ومتوازنة.
....
يمكن التمييز وبسهولة, ووضوح, بين اربعة أنواع_ وليس مستويات فقط_ للشعور, يختبرها كل فرد خلال حياته مرارا وتكرار
الحالة الاعتيادية (انشغال البال)...معظم الناس_ وكنت منهم حتى الخمسين_ يعتقدون أنها الحالة و الوضع الطبيعي للانسان_ ويجهلون حالة (راحة البال).
درجتان تحت مستوى (راحة البال _ انشغال البال)
1_ بداية الشعور بفقدان الأنا_ او بداية التخدير ( ب_ف).
2_ نهاية الشعور بفقدان الأنا_ أو تخدير العقل والوعي والشعور بالكامل ( ن_ف)
بالمقابل_ درجتان على الأقل فوق مستوى ( راحة البال_انشغال البال)
3_بداية الشعور بالأنا, والادراك الذاتي المتيقظ_ أو بداية الانتباه ( ب_ج)
4_ ذروة الشعور بالادراك الذاتي ( التقدير الذاتي المناسب, خصوصا بعد تعلم مخارة جديدة ( ن_ج)
.....
ليس الشعور الموضعي والمحدود ( والمشروط مسبقا) هو الأهم.
لا شك بأهمية الشعور في جميع الأحول.
لكن, ما يعقب الشعور, أو اليوم التالي_ غدا....هو الأهم.
وهنا يتحدد الغد خلال 24 ساعة كمستوى أول, وسنة كمستوى ثاني, من 5_إلى 10 سنوات مستوى ثالث, ...وحتى نهاية العمر كمستوى رابع. وأخير....بعد الموت_ يتحدد مستوى الذكاء الروحي الذي عاش فيه ومن خلاله هذا الاسنان _ الفرد ( أنت وأنا)....أو بوذا أو ماركس أو فرويد
أو سلمى أو عفراء أو خديجة
أنت بوذا
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟