|
رهان الثورة الظافرة على ضوء أفكار تروتسكي!
محمد مسافير
الحوار المتمدن-العدد: 5547 - 2017 / 6 / 10 - 10:07
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
(كتبت هذا المقال فيما أذكر نهاية شهر فبراير من سنة 2011، أي بعد أقل من شهرين على سقوط بن علي، لكني لم أنشره، وحين أقوم بنشره اليوم، فهذا لا يعني البثة أني أوافق على أغلب ما جاء فيه، إنما أنشره حتى لا يضيع الجهد الذي بذل فيه، وأظنه سيفيد كثيرا من يريد اكتشاف نظرية الثورة الدائمة كما طرحها تروتسكي، إنه يعرض استراتيجية للتغيير كما نظَّر لها أحد قياديي البلاشفة، وربما بطريقة عرضها في هذا المقال، إسقاط جاف على التجربة التونسية، ومهما تكن الأحكام والآراء، إلا أني أظن أن له قيمة تاريخية على الأقل!) ------------------------------ ليست الثورة الدائمة نبوءة، بقدر ما هي برنامج عمل الثوريين، استراتيجية وبوصلة ترسم معالم التكتيكات الصحيحة التي ينبغي اتخاذها عند كل منعطف تاريخي مفاجئ، لذلك فعلى كل ثوري الآن، معرفة الأسباب الحقيقة لما يجري، وأن يحدد موقعه بدقة وسط الأحداث، قصد انتهاج الطريق القويم، والرهان مطروح على عاتق الحزب الشيوعي، حزب الطبقة العاملة، وكل خطوة تخطوها الحركة الفعلية إلى الأمام لأهم من دزينة من البرامج، فالثورة لا تؤمن بالكلمات، لأنها مختبر البرامج، إنها تختبر كل شيء، والأهم أنها تختبره بالدماء. لسنا هنا بصدد مزايدات، ولا بصدد انحياز أعمى لمنهاج أخرق، لكنه في الحقيقة إيمان لا يتزعزع بغد الحرية والشيوعية، وأن السبيل الأوحد والأقصر إليها تلخصه الثورة الدائمة، طريقها مليئة بالأشواك والسكاكين، تبغي صبرا وصرامة جادتان، لن يحتملها الانتهازيون أو أشباه الشيوعيين، وحتما سترمي بهم إلى قارعة الطريق، وأن غيرها من البرامج المطروحة حاليا استسلامية في منتصف الطريق، وتفتح الأبواب لثورات مضادة، ستعود بالحركة العمالية عقودا إلى الخلف،. منعطف تاريخي حاد تعيشه تونس، لذا على الحزب الشيوعي أخد الحيطة والحذر حتى لا يرتمي إلى الهاوية، فالمرحلة تستدعي استنفار بل استنزاف كامل الجهود، يجب أن يتردد صوتكم في كل أقسام البلاد وكل اللقاءات الجماهيرية، يجب الانغراس الحاد في أوساط الطبقة العاملة وكسبها، والتوجه بصورة نقدية عند كل مرحلة جديدة، وإطلاق الشعارات التي تدعم اتجاه العمال نحو سياسة مستقلة، وتعمق الطابع الطبقي لهذه السياسة وتزيل الأوهام الإصلاحية وتمهد للاستيلاء الطبقة العمالية على السلطة. لم يلعب الحزب الشيوعي دورا ملحوظا في الثورة التونسية، نعلم جيدا مدى ضعف الأحزاب الشيوعية في بلدان شمال إفريقيا، أكيد أن الثورة جاءت عفوية ولم تكن بقيادة أي حزب، لكن العفوية التي شكلت مصدر قوة الحركة في البداية ستصير في المستقبل مصدر ضعفها، رغم أنه منذ مستهل الحركة العفوية بالذات، ينبغي التقدم بأوسع برنامج وأحد تكتيك للنضال، وليس في صالح الشيوعيين اليوم الغرق في لجة المفاهيم البالية، حتى لا تتجاوزها الجماهير، ولن نتحدث بعد هذا عن سوء فهم أو تقدير أو خطأ في البرنامج، بقدر ما سنكون مجبرين على محاسبة النوايا، فلا يجب أن نستغرب إذا استخدم العمال راية الجمهوريين، فقط لأنهم لم يجدوا من يرفع رايتهم عاليا بما فيه الكفاية. قلنا على أن الحزب الشيوعي لا يزال أقلية في الوقت الحاضر، ومستوى قوته تظهر في ضعف تأثيره على مجرى الثورة، ليست هذه حجة ضد التنظيم الحزبي، بل ضد ضعفه، فالحزب الحقيقي لا يجب أن ينجرف مع التيار، أو يمشي خلف ذيل الأحداث، كان الحزب البلشفي أقلية ضئيلة خلال الثورة الأولى كما اعترف لينين بذاته، لكن الحزب، بقيادة لينين، استوعب المنعرج واحتوى عفوية الحركة، بالتوجه إلى العمال، وكان الشعار المؤطر للمرحلة بالنسبة للينين والبلاشفة هو "إما الآن أو أبدا"، حقا كان هذا سببا حتميا لمسار الثورة: صرامة الحزب وسلامة البرنامج. ليس الحزب الشيوعي التونسي في ظروف أسوء بكثير مما كان عليه الحزب البلشفي، المرحلة تستدعي واجبات استثنائية، حيث أن الأوراق كلها في صالح الشيوعيين التونسيين، فحرارة الجو السياسي يجب أن يستفيد منها الحزب أحسن استفادة، لذا يجب على الشيوعيين أن لا يكلوا أو يملوا من الشرح للشغيلة أنهم في النضال ضد كل أشكال الثورة المضادة سيكونون في مقدمة الصفوف. مسار الإصلاحات بتونس يمشي بخطى جد بطيئة، ويضيء الطريق لعمل الشيوعيين، لذا فواجب الثوريين اليوم هو النقد الدؤوب للحكومة المؤقتة التي يسيطر عليها بالأساس أعضاء الحزب البائد، فلن يستقيم الآن أي برنامج عمل ما دامت تونس لم تتخلص بعد من مخلفات نظام الاستبداد، الذي داس على كرامة الشعب التونسي ونهل من عرق كادحيه حد التخمة. البروليتاريا هي الطبقة الثورية حتى النهاية، هكذا نظر لها ماركس وأكدتها تجارب الثورات السابقة، إما بشكلها الظافر كما رسمتها الطبقة العمالية الروسية، أو بشكلها الدرامي على غرار الثورة الصينية والاسبانية... لذا نؤكد ونركز أنظارنا على ضرورة استثارة هذا المارد الشعبي، بالتغلغل في القاعدة لجرف تخاذل القيادة واستبدالها بقيادة سليمة تنسجم والخط البرنامجي الذي ندأب في شرحه. تحتم الضرورة الثورية الجارية اليوم أكثر من أي وقت مضى، ضرورة أمتن تعاون مع كافة القوى التقدمية، دون الذوبان داخل برامجها، لذا يجب أن تكون راية الشيوعية بارزة، وتكتيكات الجبهة يجب أن تسير ما أمكن باتجاهها، باستمالتها وفضح انتهازية واستسلامية القوى المعرقلة، كما يفرض المنعطف التاريخي أشد تمايز عن كافة الأطياف اليمينية الرجعية وعدم الدخول معها في أي خطوات عملية، أو أن نهدر الوقت معها في مناقشة مسائل استراتيجية، إن الجدال مع هؤلاء كمناقشة الأعمى في مسألة الألوان.. سيجبر الحزب الشيوعي التونسي اليوم على دفع ضريبة كسله واستهتاره لعقود بشكل جد باهظ، فلا يصح لحزب ثوري أن يمطر الجماهير بالبرامج والنصائح دون اكتساب الثقة، ولن يكتسبها إلا بالعمل الدؤوب وروح المبادرة والنهوض بالجماهير من الأسفل، ومحاولة كسبهم، وإعادة بناء منظمة العمال بعد هدم البنى الفاسدة، وذلك بالضربات المتتالية للقيادات المساومة، وتوجيه كل استياء شعبي ضد البرجوازيين والملاكين العقاريين والجنرالات والإمبرياليين الأجانب.
الجمعية التأسيسية:
أعلنت أغلب الأحزاب اليسارية التونسية، إضافة إلى حزب النهضة الرجعي، تشبثها بالجمعية التأسيسية، ورفعتها إلى سقف المطالب، كان هذا سببا أساسيا يجبرنا على طرح المسألة بشكل أكثر وضوحا. ما موقفنا من الجمعية التأسيسية؟ وهل هي هدف قابل للركود أو سبيل إلى الديمقراطية الحقة؟ وهل العبور عبر هذا النفق أمر ضروري على كل سيرورة ثورية؟ ربما تكفي الإجابة عن هذه التساؤلات حتى ترتسم لنا الصورة بكل معالمها. أكيد، وهذا ما أتبثه التاريخ، أنها لا توجد مرحلة وسطية راكدة بين السلطة البرجوازية والسلطة العمالية، فإما هذه أو تلك، لا تسعنا الفرصة بطبيعة الحال للغوص في وحل التفاصيل، لكن سبب إثارة هذه النقطة وحدها بإمكانه أن يحدد موقف الشيوعيين في التعامل مع الجمعية التأسيسية، فالأحزاب البرجوازية التي ستلتحق بالجمعية التأسيسية، هذا إن قُيض لهذه الجمعية أن تكون، لن تفعل ذلك إلا قصد التحضير لثورة مضادة تحبط بها كل ما استجمعته تضحيات الشعب التونسي من مكتسبات، لا نستبق هنا الأفراح والحفلات على أنغام موسيقى الجنازات، لكن الأدوار الرجعية التي لعبتها هذه الأحزاب كشفت تخاذلها منذ أيام كارل ماركس، إذ يستحيل معها تحقيق ما أقدمت عليه البرجوازية الفرنسية في القرن 18، إن وضعها بعد أن استوعبت تعطش الشعوب للحرية، جعلها تقترب من الملكيين الأكثر بشاعة، وجعلها تخاف حركة الجماهير، إن كل استحواذ للبرجوازية على السلطة سيقدم القيم الإنسانية قربانا على طبق من الجنون السياسي. لم تقم الجمعية الـتأسيسية بعد، لذا يكمن دور الحزب الشيوعي في إدراجها في برنامجه النضالي، احتمال قيام الجمعية التأسيسية رهين باستمرارية المرحلة الثورية ومدى تفعيل الحزب الشيوعي فيها، لذا يجب ربطه بمسألة التحرر القومي الفعلي (الاستقلال الاقتصادي والسياسي عن الامبريالية الخارجية) والمسألة الزراعية التي تكتسي أهمية استثنائية في جميع البلدان المتخلفة. يجب تسليح وعي الجماهير بهذا البرنامج الديمقراطي، وأن نضع نصب أعيننا دائما الهدف الشيوعي، وكل خطوة نقوم بها يجب أن تكون في هذا الاتجاه. احتمال قيام الجمعية التأسيسية وارد، والمشاركة فيها ضرورية وحاسمة للحزب الشيوعي، فقد أثبتت الثورة الروسية أن المشاركة في البرلمان البرجوازي الديمقراطي لا يضر البروليتاريا الثورية في شيء، لكن على عكس ذلك، تسهل إمكانية إقناع الجماهير من داخلها عن مدى وجوب حلها، والمشاركة فيها هي أدنى مراحل انحلال البرلمانية البرجوازية. فهي تسهل تسديد الضربات للبرجوازية من أعلى ومن أسفل، لأن المشاركة البرلمانية لا بد أن توازيه دعاية لا تكل في صفوف الجماهير العمالية بالخصوص. يفهم من هذا، أن الماركسيين الثوريين لا يرفضون البرنامج الديمقراطي، لكن يؤكدون أن على البروليتاريا بنفسها أن تتخطاه عبر النضال، فتسليح البروليتاريا بوعي ثوري متجدد سيجعلها تصطدم بالديمقراطية الشكلية المجسدة في الجمعية التأسيسية، فتقوم بالإطاحة بالديمقراطية البرجوازية ككل، ولا تجد غير برنامج الشيوعيين، لأن أقصى طرق البرامج الديمقراطية الأخرى تنتهي عند هذه النقطة، فيأخذ الحزب الشيوعي بيد البروليتاريا إلى السلطة. الحكومة المؤقتة الحالية هي حكومة برجوازيين ينتظرون عودة الجماهير الشعبية إلى النوم، حتى ينتقموا منها شر انتقام، لذا فلا يمكن لجمعية تأسيسية حقيقية أن تنعقد إلا في ظل حكومة ثورية، هذا أمر مؤكد كما تحتوي البذرة النبتة، وهذه الحكومة الثورية لن تكون إلا نتاج انتفاضة مسلحة ناجحة يقوم بها العمال والجنود والفلاحون. رغم كل هذا، لا تزال خطة العمل يشوبها الغموض في العديد من الجوانب، ولن يستقيم الفهم هنا، إلا إذا وضحنا العلاقة بين الجمعية التأسيسية وسوفيتات العمال.
سوفيتات العمال: لقد نضجت الشروط الموضوعية للثورة، لكن لم تنضج بعد البروليتاريا وطليعتها، في البداية التحقت الطبقة العاملة بالشارع بعد أن لبت نداء المعطلين وشرائح من البرجوازية الصغيرة، فمطالب هؤلاء تهم العمال أيضا، مما أفقد، مرحليا، الدور القيادي للطبقة العاملة، ومهمة الحزب الشيوعي هي إعادة هذه القيادة للبروليتاريا، ومادام العمال في الخلف، وهذا ما لا يجب أن ينكره أي شيوعي، فإن أفق الثورة التونسية سيبقى محدودا ومحصورا في الطابع البرجوازي للثورة، والذي لن يتحقق إلا بصورة ممسوخة جدا ستهدر فيه الطبقة العاملة وديانا من الدماء، وسترجع القهقرى عقودا من الزمن. لا يجب على الحزب الشيوعي انتظار قيام الجمعية التأسيسية، بل عليه أن يبادر بالبناء التحتي، بناء منظمات عمالية أكثر ديمقراطية بديلة عن الديمقراطية البرجوازية الخرقاء، لذا يجب التقدم عند كل إضراب عمالي محلي ببرامج تصعيدية تبني لأسس الديمقراطية العمالية... إنا نعلم جيدا أن الطبقة العمالية الروسية لن ترضى بشعار الرقابة العمالية التي تؤسس لازدواجية السلطة داخل المصانع، بل ستتجاوزها إلى الاستيلاء عليها وفرضت سلطتها، لكن شعار الرقابة العمالية لا زال يحتفظ براهنيته خاصة في بلدان لم تشهد فيها الطبقة العاملة بعد أي تنظيمات ذاتية متقدمة عن النقابات، شعار الرقابة العمالية لا بد أن يرافقه شعار السلم المتحرك للأجور، هذه مطالب انتقالية معلومة الوجهة، إذ يستحيل على البرجوازية الاستجابة لها، وهنا سيتراكم وعي العمال، وستعيد نظرها في الكثير من الأمور. كي تحتل البروليتاريا قيادة النضال الشعبي، لابد لها أن تلف حولها كافة الشرائح الاجتماعية، وأن تستفيد من الطاقة الثورية لكل منها، يجب على الطبقة العاملة أن تحمل على عاتقها النضال من أجل الإصلاح الزراعي الجدري، قصد أن يناضل الفلاحون تحت راية البروليتاريا، فالفلاحون والبرجوازية الصغيرة المدنية توجد في حالة ضعف اقتصادي وثقافي، لكن قوتها السياسية تكمن في عددها، وإذ تستميل هذه الطبقة الشعارات الديمقراطية، فعلى الطبقة العاملة أن تدفع بها إلى أبعد حد. لا تستطيع النقابات استقطاب عدد كبير من العمال، فيبقى عدد عمال النقابات محدودا، لذا يجب المبادرة إلى خلق تنظيمات عمالية أكثر اتساعا وأكثر ديمقراطية بديلة عن النقابات، وقد أفرزت أغلب التجارب الثورية لجان الإضراب، وهي أشكال تنظيمية متقدمة، تمكن العمال من انتخاب أعضائها بشكل أكثر ديمقراطية كما تستطيع محاسبتهم أو عزلهم عند كل خطوة، والطبقة العاملة التونسية في الوقت الراهن في أمس الحاجة إلى هكذا تنظيمات، تقطع بها مع الماضي الاستبدادي والبيروقراطي للنقابات. إن الحزب الشيوعي ملزم بالدفاع والمبادرة إلى خلق لجان الإضراب عند كل حركة احتجاجية عمالية متقدمة نوعا ما، وهي أولى خطوات النضال من أجل البناء لهبة ثورية جارفة تبطل مفعول السياسات البرجوازية الماضية نحو احتواء الوضع قبل أن ينفجر من جديد. تنتشر في أغلب البلدان الرأسمالية ظاهرة التسريح الجماعي للعمال نتيجة إفلاس شركة أو مصنع، وهذه وجهة أخرى يجب على الحزب الشيوعي أن يوليها اهتماما زائدا، ففي الغالب تنبع منها شرارات نضالية متجذرة وتائهة تبحث عن مرشد يوجهها، هنا يكمن دور الدعاة المتمرسين، ينبغي على ثلة من الدعاة التوجه إلى العمال المضربين بالشرح المستفيض لأسباب الأشياء وأصل الداء على نحو يساهم في الرفع من وعي العمال، وإعطائهم أدوات عمل، ففي الغالب ترافق هذه الإضرابات احتلالات للمصانع، بل يجب أن تذهب في هذا الاتجاه، وأن لا يكل الحزب الشيوعي في إقناع الطبقة العاملة في ضرورة الاستيلاء على المصنع وفرض إدارة ذاتية من قبل العمال بواسطة لجان المصانع، طبعا لن تنجح أي تجربة معزولة في منشأة وحيدة، لدى وجب إثارة التضامن من طرف عمال باقي المصانع، في أفق أن تعيد نفس التجربة. ننطلق هنا من خطوط متفرقة لنصل إلى هدف واحد، لذا يجب إسقاط التناقض في أذهان مسيئي الفهم، ننطلق من تكتيكات مختلفة حسب أوضاع العمال داخل كل مؤسسة على حدة، لنصل إلى سلطة جامعة لكافة العمال بل وحتى الفلاحين وكافة المقهورين، نتخذ من شعار الرقابة العمالية تكتيكا لاستثارة العمال ودفعهم إلى خطوات غير معهودة لديهم، وعند كل إضراب متقدم نحرص على خلق لجان إضراب تضمن ديمقراطية أكثر للعمال وتجذبهم بذلك إلى النضال، وفي حالة إفلاس المصنع ويكون العمال عرضة للتشريد، نقول لهم "من حقكم أن تعيشوا وتعملوا أحرارا وبدون أرباب عمل"، فيرتفعوا بذلك إلى سدة الحكم، ولو داخل مصنع وحيد. يشكل كاسرو الإضرابات والشرطة الخاصة عقبة أمام تنامي وتجدر الإضرابات العمالية، أما فرق المضربين فهي الخلايا الأساسية لجيش البروليتاريا، فالميليشيات العمالية هي الضمان الجدي والوحيد لحصانة المنظمات والاجتماعات العمالية، وهذه مهمة أخرى تلقى على عاتق حزب الطبقة العاملة الحقيقي، يجب تنظيم فرق للمضربين تؤسس لجيش البروليتاريا وتدربها على استعمال السلاح، وتنظيم فصائل دفاع ذاتي بالأحياء والمدن والمناطق، ترصدا لكل ثورة مضادة تعصف بكل ما بنته السيرورة الثورية، فما تأتي به الزوابع قد تذهب به الرياح. كل هذه الخطوات يمكنها أن تكتمل وعلى أحسن وجه، في ظل رفع مطلب الجمعية التأسيسية وقبل الإعلان عنها، لكن بهذه التطورات لا يجب أن نتخلى بعد عن هذا الشعار الديمقراطي، وإن تم الإعلان عنها، فلا تزال في منتهى الصلاحية لأن تلعب دورها التحريضي والتهييجي للجماهير الشعبية عموما، لأنه يتطلب الانتصار على البرلمانية ألا ننكرها بشكل عقيم، والتخلي عن هكذا وسائل نضال، يجعل كل توجيه سياسي صائب صعب، ويحشر الحزب في مأزق. فمن منبر الجمعية التأسيسية يمكن أن يفضح الحزب الشيوعي بلا رحمة كذب برلمانية البرجوازية وزيفها والأوهام الدستورية للبرجوازية الصغيرة وسيطالب بالتوسيع الشامل للحقوق الانتخابية. قلنا سالفا أن الحزب الشيوعي يجب أن يخوض العمل البنائي لتنظيمات جديدة أكثر ديمقراطية دون انتظار قيام الجمعية التأسيسية، وأحد هذه التنظيمات الأساسية التي يجب أن يمشي نحوها برنامج الحزب الشيوعي هي سوفيتات العمال، أو مجالس العمال، فالسوفيتات هي أدوات انتفاضة قبل أن تكون أدوات سلطة، ويمكن أن تقوم حتى قبل الإعلان عن الجمعية التأسيسية، وبهذا تنعدم ضرورة هذه الجمعية حتى قبل أن ترى النور، ولو قيض لها الظهور بعد الإعلان عن الجمعية التأسيسية، فعبرها سيكتشفون زيف الديمقراطية البرجوازية وشكليتها، وسيؤسسون لفهم جديد للديمقراطية، فالسوفيتات تعطي تعبيرا تنظيميا لقوة التطور الثوري الجاذبة نحو المركز، وهي أدوات النضال الثوري المعلن الذي سيفضي حتما إلى الانتفاضة والظفر بالسلطة، وأكيد أنه في حالة لم يرتقي نضالها في مرحلة معينة إلى مستوى ثورة ظافرة، فإنها ستتلاشى، فليس بإمكانها أن تصبح مؤسسات عادية للدولة البرجوازية، أما إذا دمرت قبل أن تقوم بعلة خلقها، فلن تذهب التجربة هباء، إذ ستكون الجماهير الكادحة قد نالت مكسبا هاما في الدراية بالسوفييتات والتمرس عليها. من واجب الحزب الشيوعي تشجيع قيام السوفييتات عند كل إضراب محلي يتخذ طبيعة سياسية، وتشجيع قيام سوفييتات لنواب العمال في الأرياف، وهي الشكل الوحيد الممكن للحكومة الثورية، وتكمن مهمتها في الوضوح التام مع الجماهير، وأن نوضح لها أخطاء خطتها بصبر ومثابة وانتظام، على نحو مكيف على الخصوص للحاجات العملية لهذه الجماهير. على الحزب الشيوعي ملاحظة الوقائع بدقة وسبر معناها، وأن يقيس في كل مرحلة مدى ارتفاع منسوب الوعي السياسي لدى الجماهير، ومدى ميلهم إلى المزيد من التجدر، فالحالة النفسية للجماهير في حالة جد متدبدبة عند كل انهزام أو انتصار، إن الحزب الشيوعي ملزم بنقل مركز الثقل في البرنامج الزراعي إلى سوفييتات نواب الأجراء الزراعيين، يجب مصادرة جميع أراضي الملاكين العقاريين وتأميمها، ووضع الأراضي تحت تصرف السوفيتات المحلية لنواب الأجراء الزراعيين والفلاحين. يجب على السوفييتات أن تعالج مكاسب الإضرابات، وأن تعيل العاطلين عن العمل، وأن تتصل بالجنود لمنع الاصطدامات الدموية والاتصال بالريف لضمان تحالف العمال والفلاحين الفقراء، إن خلق السوفيتات يعني صعود سلطة جديدة على ظهر أخرى آفلة، لذا يجب شرح ذلك للعمال، وتأكيد ضرورة تحقيق ثورة اجتماعية وجعل موازين القوى السياسي تميل لصالح الجماهير الكادحة، وذلك بواسطة التنظيم والتثقيف الصبور والتحريض المستمر حول فكرة التغيير والثورة. تكمن قوة السوفيتات في دفاعها وحملها لعبئ مطالب كافة الشرائح المسحوقة، لذا عليها أن تضم إلى برنامجها حق التنظيم النقابي للجنود، فهم ليسوا أدوات مجردة من كل قيمة إنسانية، بل الجندي أخ ورفيق للعامل والفلاح، ومن حق ضباط الصف انتخاب ضباطهم بشكل ديمقراطي، بهذا يسهل ويسرع عمل السوفيتات من انشقاق الجيش ويضمن له السير خلف إرادة العمال، فتدعوا السوفيتات، تحث تأثير الحزب الشيوعي، الجيش النظامي للوقوف إلى جانب الجماهير، والدفاع عن مطالبها في الحرية والمساواة وتوفير نظام يكفل العدالة ويلغي الفوارق الطبقية. تقوم السوفيتات بحساب خطاها وتحَسبها، وتقوم عند كل مرحلة بتقييم أخطائها في جموعات عامة للجماهير، فتعلن في الوقت المناسب ضرورة جعل وسائل الإنتاج بيد العمال والمنتجين، وتعمل على تجريد الطبقات المستغلة من أدواتها السياسية والاقتصادية، فتبدأ بنزع ملكية بعض الفروع الصناعية التي تكوّن أهم الفروع بالنسبة للوجود القومي، وكي تذهب الأمور بشكل سليم، تقوم بمصادرة الأبناك والتروستات ودمجها في مصرف وطني موحد، وتدويل نظام التسليف على نحو يساهم في إعطاء قروض رخيصة للحرفيين والمزارعين وصغار التجار. ستهلك الجمعية التأسيسية، هذا إن ظهرت، وسيرفع الحزب الثوري شعار "حكومة العمال والفلاحين"، بعد أن يفك الفلاحون كافة ارتباطاتهم بالأحزاب البرجوازية، ويكونوا أكثر موالاة للحزب الشيوعي والطبقة العاملة، هنا سيلعب الحزب الشيوعي دور حرس الثورة، ويرص صفوف الجيش الأحمر النابع من الجنود والفلاحين والعمال، تحسبا لأي ثورة مضادة أو تدخل أجنبي، فترتفع راية الشيوعية من داخل الدولة السوفياتية التونسية، وتحمل مشعل الثورة العالمية. هذا البرنامج ليس حلم يقظة جامح، فالشروط الموضوعية للثورة البروليتاريا في تونس ناضجة إلى أبعد الحدود، الأزمة هنا هي أزمة قيادة، فالتسلسل المدرج للمهام المطروحة جد منطقي، تحتاج فقط لحزب مخلص للطبقة العاملة يضعها على عاتقه ويحمل بها البروليتاريا إلى بر الأمان، حزب يحمي الثورة ويمنعها من التراجع أو الانحراف، فبعد هذا لن نتحدث عن مسألة صحة برنامج أو خطئه، بقدر ما نتحدث عن القدرة أو العجز عن العمل، نؤمن بأن الثورة لا تتخذ دائما نفس المسار، لكن التاريخ والاستفادة من دروسه له حقه، تسعة أعشار السياسة الماركسية نبعت من خلال الممارسة العملية، أيام برومير لويس بونابرت، وخلال كمونة باريس، مرورا بالثورة الروسية الأولى والثانية، ولنا في الثورات الأخرى الممسوخة خلال القرن الماضي عبر وأحكام، لكن لا يجب التذرع بتغير الظروف والبعد الزمني لاتخاذ سياسات انتهازية تفرش لفاشية قاتلة تستفيد من أخطاء الديكتاتوريات المخلوعة، وتنشأ ديكتاتورية أمتن وأبشع، فالويل للأحزاب والمنظمات الثورية إذا سمحت بأن تؤخذ مرة أخرى على حين غرة.
#محمد_مسافير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإعاقة الذهنية والجنس!
-
طنجة ليلة أمس... وحراك الريف!
-
سيرا على درب الريف... طنجة تستغيث!
-
إلا الإسلام... مش زيهم!
-
مستملحات رمضانية!
-
تنويعات في الجنس!
-
تنويعات في التنوير!
-
الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر!
-
دردشة رمضانية!
-
مكمن الخلل...
-
حوار مع صديقي الملحد
-
نزيف القبلات!
-
موعد مع الجن!
-
استراتيجية التغيير... الخيار الثالث!
-
سعودي ببني ملال..
-
مستشفيات تستنزف الجيوب وتزهق الأرواح!
-
واقع المال... دون جدال!
-
أدب الآخرة
-
حتى جيوب العاطلين تسيل لعابهم؟؟
-
أمعاء فارغة...تغرغر بحب الوطن!
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|