محمود الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 5546 - 2017 / 6 / 9 - 10:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عن قطر التي يعتبرها الكثيرين من المخالفين لها في التوجه والقصد , بأنها دولة ترعي الإرهاب وتموله , وكأنهم بهذا الأمر ينفوا الإتهامات عنهم بأنهم ليسوا ممن يمولوا الإرهاب ويرعوه رعاية كاملة حفاظاً علي طرائق الإستبداد في استعباد المواطنين " العباد " , أو هكذا يكون الأمر , فغالبية المواطنين في أوطان الإستبداد العربي لم يرتقوا بعد إلي درجة الرعايا , فجميع الأنظمة بلا إستثناء تريد للشعوب أن يكونوا عبيداً لهم عبر وساطة دينية ترعاها منظومات الحكم السياسية الإستبدادية وصولاً لتعبيد المواطنين لهم ورضوخهم لأمر الواقع وسياسة في الغالب الأعم من وراءها دافع الإستبداد الطغياني , فمع الإستبداد لايرتقي المواطنين إلي درجة رتبة المواطنة ودرجة المساواة في المواطنة وتكافوء الفرص في الوظائف السياسية والسيادية , وعدالة توزيع الثروات الريعية النفطية , ولكن علي الدوام يكون أهل الموالاة / العبودية المطلقة , مقدمون علي أهل الدراية والخبرة والمعرفة / أهل العبودية النسبية رغماً عنهم .
فمع أزمة الدوحة التي تمول الإرهاب الدولي وتمنحه فرص البقاء والإستمرار علي مسارح الأحداث وصناعة مراكز قوي خارجية تحافظ بها علي إستمرار منظومات الحكم الداخلية , كما هو وضع غالبية أوطان الإستبداد والطغيان العربي , فعلي سبيل المثال ظلت سوريا الدولة الضعيفة جسداً والقوية بأطرافها الخارجية عبر لبنان /حزب الله / إيران , وغزة / حماس / الإخوان المسلمين , عبر تنويعات إرهابية متساوقة في الأهداف , ومختلفة في الجذور العقيدية عبر مفاهيم جماعات أهل السنة والجماعة بإعتبارهم عصابات دينية , متخالفة ومتخاصمة مع مفاهيم جماعات الشيعة بإعتبارهم كذلك عصابات دينية , ولكن تجمعهم راية واحدة ظل العمل تحتها كثيراً بمزاعم واهية ضعيفة مؤداها النهائي ينبسط علي مسمي عريض تحرير المقدسات والمسجد الأقصي وتحرير كامل التراب الفلسطيني , وكان الأساس أو المسعي الأصلي ليس نبل القصد أو سمو الدافع ولكنه كان رابضاً تحت حجرات نوم ووسادات وثيرة راغدة هنية للقادة والزعماء الثوار , وكان كذلك رابضاً في حسابات البنوك والسفريات والظهور الإعلامي وصناعة زعامات زائفة تحت لافتات سامية مناضلة مسعاها علي خلاف مقصدها , وتم تكليل كل مساعي الثوار المزيفين بالفشل الزريع لتظل القضية الفلسطينة مثار نزاع قائم بين منظمة فتح أو منظمة حماس إلي أن يتفقا , وفي حالة الإتفاق الغير مأمول مرحلياً, ستكون القضية بمآلاتها قد صارت رهينة الإرادة العبرية بجدارة سفالات الأنظمة العربية وسفالات الثوار المصنوعون بأعينهم وأموالهم, لدرجة أنهم يتمنوا الجلوس علي موائد مستطيلة أمام قادة تل أبيب , إلا أنهم سيرفضوا ويمتنعوا بجدارة قوة تل أبيب العقلية والمعرفية والمعلوماتية بجانب قوتهم الأكاديمية العلمية والبحثية علي مستوي الكون , في حين أن العرب سيظلوا يبحثوا في أهمية حديث الذبابة والإيمان به علي أنه حديث آحاد , وان مراكز البحث الغربية أثبتت صحته معملياً فوجدوا بالفعل حسب مزاعمهم أن أحد الجناحين يحمل الداء والآخر يحمل الدواء .
غاية القصد أن قطر وحدها ليست الممول الرئيس للإرهاب , فقد سبقتها دول إن لم تكن ممول للإرهاب فإنها تصنعه وتتركه يرعي ويترعرع , ومثال الدول الداعمة والراعية , مملكة آل سعود , ودولة الإمارات , ومصر والعراق وسوريا واليمن وليبيا , ولكن الأزمات الداخلية لبعض الأوطان جعلت تمويلات الإرهاب مقصورة علي الحفاظ علي الجماعات والتنظيمات الإرهابية داخلياً إنتظاراً للقيام بأدوار إرهابية داخل الأوطان ضدالمعارضين والمناوئين لأنظمة الحكم الإستبدادية , ليقوم أمراد الجهاد بإستبدال أدوارهم مع أمراء الأمن برعاية أمنية داخل بعض الدول , لدرجة أن بعض الدول كمصر تسمح أنظمتها السياسية بالتواجد علي المسرح السياسي لأحزاب دينية سلفية جهادية بممارسة أدوارها داخل الدولة والمجتمع مثل السلفيين وتنظيم الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد , وذلك لإستخدامها لهم كمخدرات كلية أو موضعية حسب ظروف ومآلات الواقع المأزوم بالإستبداد , ليكونوا بمثابة مسكنات للمواطنين المهزومين نفسياً والمضغوطين عقلياً , والمشوهين إجتماعياً , أو للقيام بأدوار أخري متعلقة بفقه الدم !
ليس غريباً أن كافة أنظمة الحكم العربية إستبدادية واقعة تحت اسر عمدي للقوة العسكرية والقوة الدينية , فهذان الجناحان هما من تحكم وتتحكم بهما كافة الأنظمة العربية بهما في المواطنين إن جاز التعبير وإن صدق الوصف , فنظام الحكم إستبدادي عسكري طغياني أو ديني اكثر طغيانية وفساداً وإجراماً بمسميات الشيوخ والمشايخ سدنة الحكام وأسرهم ومواليهم في الحكم والقصور , ومن ثم كانت فكرة الإرهاب قائمة علي قدمين وساقين وجسم مترهل وعقل ضعيف للغاية الإرهابية الموكول إلي أصحابها القيام بالدور الإجرامي , فلاغرو أن يتم إتهام مملكة آل سعود بالإرهاب علي نفس النمط القطري خاصة , والعربي عامة , فليس بمستبعد أن تفتح الولايات المتحدة الأمريكية ملف قانون مكافحة الإرهاب السعودي بالرغم من المليارات الضخمة التي دفعتها مملكة آل سعود كــ جزية لأمريكا راعية السلام في الظاهر والشر في الباطن , مثلها مثل أتباعها في ذلك , وهذا القانون الواقع تحت مسمي " جاستا " , وهذا القانون يسمح لأهالي ضحايا 11/ سبتمبر , مقاضاة مملكة آل سعود , وغيرها من الدول , وهذا أمر بسيط لأمريكا حينما تبتغي مكافة دولة أو دول الشر الأخري , ولايمكن تناسي التدخل السعودي في الشأن السوري وإمداد الجماعات والعناصر الإرهابية في سوريا بالمال والعتاد والسلاح , وكذلك الشأن في اليمن , وبالطبع الدولة اللبنانية من تيار 14 مارس / آذار , ومدي الأموال الضخمة التي قدمتها المملكة تحت مسميات عديدة منها المبالغ الخاصة بترميم القصور الملكية , وهذا في مواجهة حزب الله الشيعي الواقع تحت التأثير الإيراني عبر الدولة السورية , إنتصاراً لأهداف المملكة السعودية لمسمي جماعات / عصابات أهل السنة والجماعة في مواجهة الجماعات / العصابات الشيعية التي تنتصر هي وأهل السنة والجماعة لمخططات مملكة آل سعود , والدولة الإيرانية , بما يسمي اللعب علي أرض الغير , ومنها تحقيق مصالح حمائية بإنشاء كيانات دينية إرهابية خارج إطار وحدود تلك الدول لتكون بمثابة أزرع خارجية قوية تدافع بهاعن مصالحها في مواجهة دول معادية أو لخلق حالات توازن قوي للتاثير علي كيانات خارجية لتأمن من خلالها كسب أوراق اللعبة في ألعاب القمار السياسي أو الديني علي حد سواء .
والخلاصة ببساطة أن الدول العربية ترعي الإرهاب وتموله للتستر علي كافة جرائمها الإستبدادية في الداخل , والتلويح للعالم الحر بخطورة الإرهاب الديني الذي ترعاه تلك الدول وتغذيه وتبث فيه الروح حال وصوله لمرحلة الموات التكتيكي أو الإستراتيجي .
فماذا عن قطر !؟:
هذه ستكون مرحلياً سواء علي المستوي التكتيكي أو بمآلات خيبات الواقع وانتكاساته , هي القشة الخطيرة التي ستقسم ظهر البعير العربي , وتقوض أركان خيمته الصحراوية البدوية , وتجعل منها إمتداداً لقسم كافة ظهور الإبل والنوق العرب , ممثلة في ممالكها وإماراتها وسلطانتها , ليتم إزاحة هذه الكيانات العربية من علي وجه جغرافية الخليج العربي بعد إدماجها في كيانات عربية أخري حتي يتم إعادة تشكيل الوجه الجغرافي عبر حدود ومساحات المصالح المتعلقة بالثروات الريعية الساكنة في باطن الأرض والإستفادة منها بشبه مجانية من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول المتحالفة معها , لإستغلال هذه الثروات الشبه مجانية , عبر أنظمة حكم جديدة تعلن الولاء لأمريكا وحلفائها وبالطبع تل أبيب , وتنتهي قصة الصراع المتوهم بالعربي / إسرائيلي , وتكون تل أبيب وأنقرة وطهران عواصم تمثل دول ذات صيت وسمعة وقوة وإرادة فاعلة في المنطقة التي سيتم تغيير مسماها من المنطقة العربية إلي المنطقة الشرق أوسطية بجدارة القوة والسلطة والثروة الخاضعة للدول العظمي الراعية لمملكة دواود في مواجهة مملكة آل سعود والممالك الأخري الضعيفة الواهية أو المتواهية عما قريب!
ومما يذكر وتأييداً لما تم الذهاب إليه من رؤي قد يراها البعض أنها خائرة واهية , أو من وحي الخيال المريض , إلا أن هناك مسودات وخطط تمت من فترات زمنية طويلة أصل لها برنارد لويس وأراد أو سعي إلي تفعيلها بريجنسكي وجيمي كارتر وبول بريمر وغيرهم ممن قرأو ودرسوا المنطقة بعقلية واعية مدركة عبر دراسات أكاديمية منهجية واقعية , وذكلك فقد تم تفعيلها والإشارة إليها في أعمال درامية عسكرية أو فنية أو كتابات سياسية أو حتي أفلام كرتونية , وهذا كله تعزيزاً لتلك المسودات والخطط الجيوسياسية والإستراتيجية التي تقف ورائها أنظمة إستخبارات وكيانات عسكرية كبري , وهذا ما ذهب إليه بعض المستشرقين ممن درسوا مناطق الشرق الأوسط بجدارة العقل المعرفي للبواطن العقيدية / الدينية , والعرقية واللغوية , ومدي الصراعات التي تقوم بينهم في تلك المناطق , والتي مؤداها النهائي الإنتصار للدين أو القومية وإبتغاء تسيد اللغة , وليس المقصود هنا الدين بمعناه العام , ولكن بالمعني المذهبي / الطائفي , فكانت كافة الصراعات القائمة بين المسلمين وبين غيرهما من اليهود والمسيحيين , وبين المسلمين وبعضهم , وبين العرب والكرد والتركمان وغيرهم كثير ممن يمكن من إذكاء نيران الصراعات بإستمرار !
ومجمل القول :
أن الدين والقومية كانا كفيلان بإستمرار الصراعات الدينية والقومية بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد بل والمذهب الواحد أو الطائفة الواحدة , وهذه الصراعات كانت كفيلة في مجملها إلي تنشيط عوامل التقسيم والتفتيت والتجزئة لجغرافية الوطن الواحد , وهذا مرجعه إلي عدم قبولية الحياة المتناغمة بين المواطنين , وكراهية الآخر لحد القتل والحرق , فصراعات السنة والشيعة مؤداها ذلك , وصراعات العرب والكرد والتركمان مؤداها ذلك , فما دامت تلك الكراهيات قائمة , ومادامت تلك العنصريات موجودة فإن صراع الدم قائم وفاعلية أدواره مستمرة , مما يسهل الأمر علي قادة التقسيم والتفتيت والتجزئة ..
وعلي سبيل المثال , فإن العراق قد تم تقسيمه لثلاث مناطق سنية وشيعية وكردية , وهذا مرجعه إلي أن الدولة العراقية تنطق بـ جمهورية عراقية عربية , مما حرم الأكراد والتركمان , وغيرهما من الإنتساب إلي الوطن العراقي الكبير الذي إختار ساسته العربية وفضلوا اللغة علي المواطنة , فكان هذا من ضمن السبل التي أدت إلي بواد التقسيم والتجزئة مبكراً , وكذلك الدين الذي انقسم المنتسبين إليه إلي سنة وشيعة , وصراعات مستمرة بينهما بخلفية سعودية إيرانية تسعيان إلي إذكاء نيران التعصب الطائفي / المذهبي في دولة كالعراق وسوريا ولبنان واليمن , بل وغيرهم من الدول المتناحرة لأسباب دينية طائفية مذهبية .
من الأهمية التنويه إلي أن الصراع القطري / الخليجي سيكون مؤداه النهائي إلي تقسيم منطقة الخليج لثلاث دول هي الأخري , إثناهما سنيتان والأخري شيعية , تحت مسميات جديدة وسيتم محو وإزالة حدود دولة الكويت والإمارات العربية والبحرين وقطر وسلطنة عمان واليمن من الخارطة ومحو وجودهما القانوني علي المستوي الدولي وبالتوازي علي المستوي الخليجي ليتم تشكيل جغرافية جديدة لشبه جزيرة العرب والخليج العربي , وتقسيمهم إلي ثلاث كيانات هزيلة , تحت مسمي دويلة "الإحساء" الشيعية التي ستضم الكويت والبحرين وقطر وسلطنة عمان وكيان آخر سيكون تحت مسمي دويلة "نجد" بمزاعم تنتمي إلي جماعة أهل السنة والجماعة بتياراتها السلفية الوهابية سواء الدعوية أو الجهادية المزعومة , والكيان الثالث سيكون قائم تحت مسمي دولة "الحجاز" , وهو كذلك سني تحت ذات المسمي السلفي الوهابي , ليكون إذكاء نيران الصراعات فيما بينهم مستقبلياً , وتقسيم ماتم تقسيمه من جديد بأسباب مرجعها الدين والإختلاف الحدي والجزري علي مسميات عقيدية خاصة بالتوحيد ومفهومه ومفهوم التقوي والجنة والنار والصراعات علي مفاهيم غيبية خاصة بالقضاء والقدر والمشيئة والقدرة الإلهية , كالصراعات القائمة الأن حول صحيح البخاري وتأويل القرآن , والمهدي المنتظر والجنة المؤجلة وترحيل قضايا الفقر والمرض والإستبداد والطغيان إلي حين الإنتهاء من هذه القضايا ليتم إنتاج مفاهيم جديدة للإستبداد والطغيان ودوائر الفساد , ولكن لن تكون في هذه الحالة قضية العرب المركزية هي القضية الفلسطينية لأن القدس ستكون عاصمة أبدية للدولة العبرية , في حين أن العرب مازالوا يواصلون البحث في قضايا القضاء والقدر والتأكيد علي صحة صحيح البخاري بما احتواه من أحاديث حتي وإن كانت متعلقة بالنخامة ورضاع الكبير .
ومن هنا سيكون الإستبداد بجناحيه الديني , والعسكري الأمني , هو الأداة العظمي للقبول بالتقسيم والتفتيت والتجزئة , لأن الإستبداد العربي / الإسلامي , عدو خطير لدولة القانون عدو مجرم للمواطنة والمساواة في المواطنة , ويكفر بتكافوء الفرص , ولايقبل بالآخر , ولايقر الإختلاف في السياسة ويكفر من يختلف في الدين , ويصنع أناس كارهي لأنفسهم وللعالم ولايؤمنوا إلا بالحياة وحدهم , ولذلك يصير العرب والمسلمين ضد أنفسهم وضد العالم , ويكون العالم في مجمله ضدهم !
#محمود_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟