|
الرقة بين التحرير والتفريغ
عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا
(Abdulrahman Matar)
الحوار المتمدن-العدد: 5543 - 2017 / 6 / 6 - 23:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم تثر مشاهد السوريين الذين شردتهم مقذوفات طائرات التحالف، و الهجمات المتبادلة بين داعش وقسد، في الرقة وأريافها ، اهتمام وسائل الإعلام في العالم، أو حتى نشطاء الثورة السورية، بالصورة التي انشغل فيها بصور مشردي عين العرب/ كوباني. بلا شك مسألة الأقليات تثير رغائب تضامن خبيئة، بغض النظر عن البعد الإنساني والقانوني لما يتعرض له هؤلاء السكان. لكن معايير المتابعة وتسليط الضوء تختلف جذرياُ، ما ينسف حضور الضمير الإنساني، حين يتعلق الأمر بهؤلاء المدنيين العزل أبناء الأرياف .. "الشوايا" الذين اضطهدهم النظام الأسدي طوال نصف قرن، وحرمهم من التنمية، ثم سيطرت على مقدراتهم داعش بالترهيب والنار، وألصق بهم "أقليون قوميون مغرضون" صفة الحاضنة الشعبية لداعش، ثم هاهم يُتركون في العراء، مشردين في البراري، وإما وقوداُ في معركة بين طرفين متطرفين محتلَيْن، وإن لم يتساويا في قوة القتل والتهجير واستعباد الناس والجغرافيا، لكن لكل منهما مآثره التي تجعله قريباً من الآخر الى درجة " وجهين لعملة صدئة ". الحقيقة ان معركة تحرير عين العرب/ كوباني، خضعت لتغطية إعلامية منظمة، جدية ومسؤولة من قبل فريق من النشطاء والإعلاميين الأكراد، نجحوا في عملهم، وتمكنوا من تسويق القضية بشكل ملائم، كما يريدون، وكانت وسائل إعلام الغرب والشرق تتلقف المواد التحريرية والبصرية التي كانت تبث بمهنية عالية. وقد شكلت صور نزوح السكان الكورد، عنواناً بارزاً لقضية انسانية. لكن ما يجري في الرقة ودير الزور، منذ عامين على الأقل، من استهداف للمدنيين، وتهجيرهم، لم يحظ حتى باهتمام السوريين انفسهم، بما فيها مؤسسات المعارضة ( الائتلاف والحكومة المؤقتة ) ثمة تجاهل مثير للقلق، يعكس اللامبالاة والإهمال، والعجز أيضاً. لقد شكلت عمليات القصف الجوية العشوائية لنظام الأسدية، منذ تحرير الرقة في مارس 2013، استهدافاً منظّماً للمدنيين، في أحيائهم السكنية، في مركز المدينة، كما في كبريات حواضرها وتجمعاتها الحضرية الأساسية. أدى ذلك الى بدء عملية تهجير واسعة لأهالي المدينة، وللمهجرين الى ريف الرقة الشمالي والشرقي منه بصورة خاصة. ثم لم تلبث أن انضمت التنظيمات المسلحة الى عوامل تهجير السكان بسبب السياسات القمعية التي أدارت بها المحافظة، عبر الإجراءات والسلوكيات التي فرضت شروطاً قاسية ومريرة على المجتمع بهدف إخضاعه لسيطرتها، وتمثلت على التوالي بأحرار الشام، وجبهة النصرة، ثم داعش التي ورثتهما ونشرت ظلاميتها على المحافظة ومارست إرهاباً منظماً بحق المدنيين ( القتل والخطف ) دون أي اسثناء، بما فيها انتهاك الحرمات المقدسة. أدى ذلك بدءاً الى خروج مكثف للنشطاء المدنيين، ومع تصاعد عمليات القصف الجوي للنظام الأسدي، ولقوات التحالف الدولي، وقوات قسد، بدأت مئات الأسر فيما يشبه نزوحاً جماعياً متواتراً مع تكرار استهداف الأحياء السكنية، دون أن يقود ذلك في حقيقة الأمر الى تضرر داعش، أو تفكيك بنيتها التي كانت قابضة على المدينة وأريافها كاملة، بقوة الترهيب والبشاعة الإجرامية طوال أربعة سنوات. تطورات معركة الرقة تبدو بصورتها الراهنة، في ظل اختلال الموازين بين الأطراف المتقاتلة على أرض السوريين، وكأنها تهدف لإحلال قوة احتلال جديدة، تطرد داعش، بحكم سياسة واشنطن بدعم ميليشيا صالح مسلم، ودون الأخذ بمحاذير ذلك على المنطقة. في جميع المناطق التي نجحت فيها قسد بطرد داعش ( او دفعها لانسحاب شامل وفق تفاوض معها ) من بلدان شرق الفرات: جرابلس ومنبج كمثال، احتاجت الى حملات الجيش الحر لطرد ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية منها. فيما تزال تجربة السيطرة على شمالي الرقة / تل أبيض وما جاورها، قائمة حتى الآن، ولاتزال بي دي، تمارس سياسات تعسفية كقوة امر واقع احتلالية، دون حرج منا في التسمية، قامت بتهجير الآلاف، وصادرت ممتلكات كثير من الأهالي بتهمة الدعشنة، فيما لاتزال تمنع عودة المهجرين الى بيوتهم في سلوك مثالاً. فيما تخضع مخيمات النازحين من الرقة الى اجراءت الاحتجاز الجماعي. فيما تبقي قيادات قسد على إضعاف استراتيجي للواء ثوار الرقة من حيث التسليح والدور. وعلى الرغم من انطلاقة معركة الرقة ، في ظل رفض أميركي لأي دور إقليمي، خاصة تركيا، يمنح ميليشيا صالح مسلم دوراً تابعاً متفرداً في التحكم في الأرض والبشر، دون إشراك حقيقي لسكان المنطقة، على الرغم من إحداث مجالس محلية صورية، لا أكثر. ومع اشتداد حدّة القصف الجوي، والقصف المدفعي من طرف قسد، الذي يدمر البنى التحتية بشكل منظم، و يطال المدنيين بشكل يومي، تزداد أعداد المهجرين و تتضاعف معاناتهم. هذه الإشكاليات تعقد من الموقف العسكري والسياسي معاً لوضع الرقة، فيما لم يقدم اي طرف ضمانات، او اهتماما ما، بحماية المدنيين من التهجير وارتكاب المجازر، بما يحقق غايتين أحلاهما مرّ: إما تسليم الرقة من قبل صالح مسلم للنظام كما حدث في مرات عديدة آخرها كلية المدفعية في حلب،( حتى الآن تمنع واشنطن النظام من الاقتراب)، او أن تبقيها تحت حكم البي دي لفترة وجيزة يتم خلالها انجاز تغيير ديمغرافي تعمل على تحقيقه أطراف كردية..لا تجد معارضة مباشرة من أطراف إقليمية ودولية مثل روسيا وإيران والولايات المتحدة، لأهداف ومصالح يستخدم فيها الكورد – كما غيرهم - لمرحلة مؤقتة. مسألة طرد داعش من الرقة، أضحت قاب قوسي او أدنى، ليس بفضل المعارك التي خاضتها قسد، وكما هو معروف أنها لم تتمكن من التقدم قيد أنملة دون دعم عسكري مباشر من قوات التحالف، وأن التفاوض والاتفاق مع داعش بالانسحاب وفتح ممرات إخلاء آمنة لها، وعمليات القصف الجهنمي خلال الأيام الأخيرة، هو ما قاد اليوم الى تفتت داعش في الرقة، وانهيار سلطتها، وبالتالي خروجها. ليست لدينا، أية مشكلة مع القوى التي تشارك في طرد داعش والقضاء عليها. ولكن مشكلتنا في أن قسد، بقيادةالارهابي صالح مسلم، قامت بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين السوريين، منذ بدء عملية غضب الفرات، وأضحى ذلك سلوكاً يخدم أهدافها في إفراغ المنطقة – ما أمكن من سكانها العرب، وإحلال أكراد قادمين من مناطق أخرى، والاستيلاء على املاك الغير بالقوة، ومنع عودة المهجرين، وفرض مجالس محلية جلّ أعضائها من خارج الرقة، ومن خارج صفوف الثورة. الأهمية اليوم لطرد داعش، وفي الغد أي قوة ستعمل على فرض إجراءات بقوة الأمر الواقع، لن يُقبل بها، وهي قوة احتلال.. لن تدوم طويلاً، والمصالح الإقليمية مع الولايات المتحدة سوف تاخذ سياقها الطبيعي / استراتيجياً، وسوف يجد صالح مسلم نفسه خارج الخدمة قريبا.
#عبدالرحمن_مطر (هاشتاغ)
Abdulrahman_Matar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خطوط متقاطعة في معركة الرقة
-
نظام المحرقة الأسدية المدلل
-
الرقة: سجال حول المجالس المحلية وحرية الصحافة
-
منطقة الفرات وتحولات السياسة التركية
-
فيتو مزدوج و رسائل قاتلة
-
مؤتمر جنيف والحرب على داعش
-
الترامبوية : عنصرية صادمة و سياسات مقلقة
-
مؤتمر أستانا و تعويم الأسدية
-
إشكالية التنظيم السياسي للمعارضة السورية
-
جرائم الحرب وحماية المدنيين
-
درع الفرات: من الموصل الى الرقة
-
المجتمع الدولي وشرعنة الاحتلال الروسي لسوريا
-
حلب: الاغتيال المُباح
-
أكثر من 300ألف معتقل و مختطف في سوريا
-
الدم السوري و التفاوض الدولي
-
تركيا: ليلة أميركية رعناء
-
استخدام الأسلحة المحرمة دولياً في سوريا
-
الفيدرالية ومآلات الصراع في شمال سورية
-
حربٌ على حلب !
-
الرقة : سباق محموم نحو القتل والتهجيروالتدمير
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|