|
حرية التعبير في الدنمارك ... بين مطرقة الغضب الأسلامي ومصلحة الدوله
كاظم صالح
الحوار المتمدن-العدد: 1448 - 2006 / 2 / 1 - 11:32
المحور:
المجتمع المدني
ان اهم مايفتخر فيه المواطن الدنماركي هو حرية التعبير، التي اصبحت جزءاً اساسيا من تراثه الديمقراطي ويصعب على اللذين لا يمتلكون هذا الحق فهم مايجري في هذه البلاد . ومن خلال اقامتي الطويله في الدنمارك اكتشفت بعض اسرار هذا المصطلح المثير للجدل . أعتقد باني اعرف وافهم ما تعنيه حرية التعبير للمواطن وهي فقره اساسيه في الدستور الدنماركي تضمن للفرد الحريه الكامله في التعبير عن اراءه في كافة المجالات السياسيه والأجتماعيه والثقافيه والمعتقدات دون خوف . مع الأخذ بنظرالأعتبار اساءة استخدام حرية التعبيركوسيله للتحريض المقصود ضد فئه من المجتمع فيما يخص التمييز العنصري و التجديف بالله وتجاوز حرمة المقدسات وان التجاوزات في هذا المجال تعرض مرتكبيها للمحاسبه القانونيه اضافه لكونها مساله جدليه خاضعه للنقاش الفقهي والقانوني. وقد افلت الكثيرون من المتجاوزين دون عقاب من خلال بوابة حرية التعبير المقدسه . ان الفرد الدنماركي الذي يرتكب هذه المخالفات سواء عن قصد او بدو ن قصد هو الشخص المسؤول اخلاقيا وقانونيا وانه لا يعبر عن الرأي العام او عن رأي الدوله او عن الصحيفه التي نشر فيها او دار النشر التي اصدرت مطبوعه انها قضيه شخصيه تعبر عن رأي صاحبها وهو المسؤول وفق التطبيق العملي للقوانين الساريه. وبعد احدث الحادي عشر من سبتمبر شحذ الكتاب الغربيون أقلامهم تسندهم دور النشر ويحميهم قانون حرية التعبير الى الكتابه عن الأسلام مايشاؤون نظرا لرواج هذه البضاعه في السوق وفضول المواطن الغربي للتعرف على هذا الدين الذي صارخطرا يهدد حياته !! كما يصوره له الأعلام الغربي . صارت الفرصه سانحه امام كل كاتب مغمور او رسام فاشل يبحث عن الشهره وجد في الأسلام ضالته ليحقق مآربه. وعندما ينشر عملا يخالف المعتقدات الأسلاميه ويسئ اليها تلجأ الدول الأسلاميه الى مقاطعة ومعاقبة الدوله التي ينتمي اليها ذلك الكاتب او الرسام . وليس امام تلك الدوله اما تغيير دستورها لمعاقبة ذلك الشخص واما ان تحتفظ بتراثها الدستوري مُضحيه بمصالحها الأقتصاديه مع هذا البلد او ذاك . وغالبا ماتغض النظر لترى ردود الفعل قبل ان تتخذ قرارا بهذا الشأن .
ان الضجه التي اثارها رسام الكاريكتير الدنماركي عند نشره عدد من الصور الساخره عن النبي محمد (ص) في صحيفة يولاند بوست وهي احدى كبرى الصحف اليوميه في الدنمارك اعتبرها الكثير من الدنماركيين صور مهينه ومغرضه واستنكرها الكثير من السياسيين والمثقفين اليساريين وادانو نشر مثل هذه الصور التي اثارت غضب واستنكار الجاليه الأسلاميه وتأزم العلاقات الدبلوماسيه بينها وبعض الدول الأسلاميه ، مما اضطر السعوديه والسودان الى استدعاء سفيريهما للتشاور وقيام الدول الخليجيه بمقاطعة البضائع الدنماركيه .
ونلاحظ هنا ان بعض رجالات احزاب الوسط واليسارفي الدنمارك لم تحبذ كثيرا نشر مثل هذه الصور وفي هذا الوقت بالذات الذي يربط فيه الأعلام الغربي بين الأرهاب والأسلام مما يثير غضب الدنماركيين على المسلمين ويؤجج الضغينه عند المسلمين وهذا بدوره يهدد السلام الأجتماعي في البلاد. فيما دعمت الأحزاب اليمينيه وعلى رأسها حزب الشعب الدنماركي اليميني المتطرف نشر تلك الرسوم المشينه واعتبرتها ضمن اطار حرية التعبير وهو العنوان الرئيسي للتراث الديمقراطي الدنماركي . وطالب هذا الحزب اليميني المتطرف الحكومه بتسليم السفراء العرب المغادرين نسخا من قانون حرية التعبير لآطلاع حكوماتهم عليه والأستفاده منه .
وقد طلب عدد من السفراء العرب والدول الأسلاميه لقاء رئيس الوزراء الدنماركي أنس فو راسموسن لتوضيح وجهة نظرهم حول هذا الموضوع الا انه لم يلبي طلبهم معتبرا الموضوع شأنا داخليا يتعلق بحرية التعبير في البلاد ولا مجال لمناقشته ضمن شؤون العلاقات الخارجيه . وهنا يظهر بوضوح تشدد المواقف الراديكاليه عند كلا الجانبين رفض رئيس الوزراء الدانماركي اليميني لقاء السفراء العرب و المسلمين والتوصل الى حل للمشكله ، واجهه المسلمون بالمقاطعه والتهديد بتدهور العلاقات الدبلوماسيه التي تضر بمصالح الشعوب في كلا الطرفين .
اريد هنا ذكر حادثه هامه فيما يتعلق بحرية التعبير في الدنمارك في عام 1992 قام الفنان التشكيلي الدنماركي المعروف يورن تورسون بتصوير فيلم عن الحياة الجنسيه للسيد المسيح يُظهر فيه السيد المسيح بمشاهد جنسيه فاضحه مما اثار غضب واستنكار المسيحيين ليس فحسب في الدنمارك بل في ارجاء مختلفه من العالم امتدت من الفاتيكان وحتى امريكا ووجهت اليه حينها تهمة التجديف بالله والأساءه الى حرمة المقدسات الا انه نفذ من كل التهم الموجه اليه استنادا الى قانون حرية التعبير وأكمل فيلمه كما اراد وعرضه على الجماهير . الذي يعيش خارج هذه البلدان ولا يعرف قوانينها وثقافتها وفضاء الحريه الواسع الذي تتحرك فيه مجتمعاتها يصعب عليه فهم مايصدر عنها بل ويسئ فهمها إلا ان المصالح الأقتصاديه قد تظطرها احيانا الى اعادة النظر في مساحة حرية التعبير وهذا ماسيحدث في الدنمارك آجلا ام عاجلا .
#كاظم_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحظر الإسرائيلي على -الأونروا- يدخل حيز التنفيذ.. ماذا يعني
...
-
قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات في الضفة الغربية
-
دفعة ثالثة من صفقة التبادل تنفذ اليوم وسط عودة النازحين للشم
...
-
-هيومن رايتس ووتش- توجه رسالة لرئيس الحكومة اللبنانية المكلف
...
-
بحث عن التوازن بين المصالح التجارية واحترام حقوق الإنسان ...
...
-
قرار الاحتلال القاضي بحظر عمل الأونروا يدخل حيز التنفيذ + في
...
-
لليوم الرابع طولكرم في مرمى النار.. تدمير واعتقالات ونزوح لل
...
-
السعودية تنفذ -القصاص- وتعلن إعدام مواطن كاشفة كيف قتل مقيما
...
-
أسماء الأسرى المقرر تحريرهم ضمن الدفعة الثالثة بصفقة طوفان ا
...
-
ترامب ينشئ مركز احتجاز للمهاجرين في غوانتانامو.. وكوبا تندد
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|