أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سهر العامري - في مثل هذا اليوم















المزيد.....

في مثل هذا اليوم


سهر العامري

الحوار المتمدن-العدد: 5542 - 2017 / 6 / 5 - 18:43
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


في مثل هذا اليوم ! سهر العامري
في صبيحة مثل هذا اليوم وهو الخامس من حزيران سنة 1967م تحركت القوات المصرية ، وأعلن جمال عبد الناصرية ساعتها الاستيلاء على مضايق تيران في البحر الأحمر ، وعلى إثر ذلك تعطلت الدراسة في جامعة بغداد حيث كنا طلابا فيها ، وعدنا الى بيوتنا ، وصرنا نتحرق لسماع أخبار الحرب ، خاصة وأن الجيش العراقي قد تقدمت قطعات منه باتجاه سوريا ، وانتشرت وحداته في البساتين المحيطة بمقام السيدة زينب في الضاحية المعروفة بهذا الاسم من دمشق العاصمة ، وقد أخبرني بعض سكانها من السوريين انهم شعروا بالأمان لوجد الجيش العراقي قريبا من بيوتهم ، ولهذا صاروا هم يقدمون وجبات غذائية للجنود العراقيين الذين تعرضت طلائهم لقصف الطيران الاسرائيلي وهي ماتزال في الأراضي العراقية بعد أن كان الرئيس العراقي عبد الرحمن عارف قد ودعهم بخطبة لا تمت الى روح العصر ، وإنما هي خطبة عمر بن الخطاب التي كان يودع فيها الجيوش العربية الاسلامية المتجهة الى إيران وما وراءها ، فقد أوصى عمر جنوده بعدم قتل شيخ أو امرأة ، وبعدم قطع شجرة ، وإذا كانت وصايا عمر مقبولة في ذلك الزمان فكيف سيتجنب الجندي العراقي المسلح بالمدفع والدبابة قتل امرأة ، أو قطع شجرة :
(ـ يا أبا عمار ـ ! سل سالماً عن أخبار الحرب . 

:ـ لم أحصل على جديد ، الحقيقة مغيبة ، والمدينة لاهية ، والصحف لا وجود لها ، قالوا إنها لم تصل بسبب اندلاع الحرب ! والمذياع لا أحد يستطيع سماعه . إنكم هنا تسمعون الأخبار بشكل أفضل ، هدوء المدن الصغرى وهدوء القرى يوفر فرصة سماعها بصورة حسنة ، فالمقاهي في المدن ضاجة ، لاهية، والشوارع مزدحمة بالمارة والسيارات، كلّ شيء 
في المدن يقف ضدّ سماع المذياع !
 لكنّ سالماً كان يتبسم خلال حديثه كلما خطر بباله وجه ذلك الرجل الرزين صاحب الخبر الذي سيفاجئهم به ، وهذا ما لاحظه بعض من الجالسين ، مما حدا بأحدهم أن يسأل سالماً سؤالاً عن سرّ هذا التبسم الطافح على وجهه
:- سمعت خبراً عن الحرب سيسركم جميعاً !
 قال سالم ذلك ، وراح يضحك بصوت مسموع ، بينما استولت الهفة على الحاضرين الذين أخذ بعضهم يرمي سالماً بأسئلة لم يمعن النظر فيها كثيراً
:ـ هل سقطت ستون طائرة كما تقول إذاعة صوت العرب ؟
:- لا .

: - هل وصل الجيش العراقي الى الجبهة ؟ سمعنا أن الطائرات الإسرائيلية ضربت قطعات منه ، وهي في الطريق إليها .

: - لا . لا .
: - هل هناك إنذار من السوفيت ،
:
 لا . كذلك .

: - إذاً ماذا ؟

:- حملت حقيبتي، أريد الخروج من الفندق، وحين وصلت بابه سمعت
 رجلاً يقول : إن بعض الدول العربية تستعد لمهاجمة إسرائيل بخطة جديدة . تلهفت لسماع الخبر ، عدت الى باحة الفندق ، وفي الحال تجمع نفر من نزلائه ، أحاطوا بذلك الرجل البدوي ، مصدقين مكذبين
:ـ من أين جئت بهذا الخبر ؟ سأل أحدهم .

:- سمعته أنا .

:ـ من أين سمعته ؟ قل ما هي الخطة ؟
خيم على المقهى صمت رهيب ، وحبس انتظار الخبر أنفاس الجميع، وعادت نفوسهم رهائن عند سالم ، بينما راح هو يثير فيهم الحماسة والجدّ لما يرويه ، ويضعهم في جوّ مفاجأة كانت حصاداً لرحلة خائبة .
: 
 قل ، أحرقت قلوبنا ، قل ما هي خطة العرب الجديدة ؟

:ـ إنهم سيهاجمون إسرائيل ليلاً بالجنود السودانيين وهم عراة !

ضجت المقهى بضحك متواصل، رفس بعضهم الأرض بأرجله، وضرب الأخر جبهته بيده ، وعلا لغط الجالسين ، وكثرت الأحاديث الجانبية
:ـ هذا ليس بدوياً عادياً !

:ـ هذا بدوي يفهم .

ـ: أين وجدته ـ يا سالم ـ !

:ـ ماذا ترى ـ يا أبا عمار ـ !؟

: ـ أنا أرى أنه حكم على نتيجة الحرب سلفاً . العرب خاسرون ! البدوي هذا يصدر حكم الشارع العربي الذي غيبه الحكام العرب .
إنه يقول : الحكام العرب لم ولن يفعلوا شيئاً . إنهم يحاربون بأداة وعقلية متخلفتين .
ـ: أنت محق ـ يا أبا عمار ـ! كأنك سمعت خطاب رئيسنا، وهو يودع قطعات الجيش المتحركة من معسكر الرشيد الى الجبهة . 

أصاب الفزع قلوب البعض، وحدقت الأبصار في وجه سالم، إنه سيقول شيئاً خطيراً، لذا طاف بوجه كاظم القهوجي ، والذي كان يراقبه بحذر، لون من ألوان الخوف، فتمنى على سالم ألا يقوله، وألا يتعرض لسيرة الرئيس ،أهو خوف على سالم ؟ أهو خوف على نفسه حيث الجدل يدور في مقهاه ؟ ربما تراءت له صورة المفوض حياوي ، والتي مازالت معلقة
في مركز شرطة المدينة الصغيرة منذ عهد الزعيم الراحل ، فحياوي لا يريد مغادرة المدينة التي أشادت له بيتاً سامقاً ، هناك حيث يسمو تمثال الحبوبي في السماء أبداً. هذا السبب أو ذاك كان وراء خوف كاظم الذي 
خاب تمنيه حين سأل أحدهم سالماً : ماذا قال الرئيس ؟ 

ـ: ألم تسمعوه ؟
:ـ بلى . سمعناه ، لكن ماذا ترى فيه أنت ؟
:ـ كان يوصي الجنود والضباط بـ” ألا تقطعوا شجرة ، وألا تقتلوا شيخاً “ .

:ـ وما عيب ذلك ؟
:
 أأنت غير مدرك لما يعيب الرئيس بعد ؟ ألم يكن هذا بعضاً من التخلف الذي تحدث عنه أبو عمار ؟ هذه قولة عمر بن الخطاب ، ألقاها على جند المسلمين المتجهين صوب بلاد فارس حينها ، وهذا بعض من أخلاق الحرب وقتهم ، وعمر يدرك أنه ليس مستحيلاً ألا يقطع المحارب شجرة ، وألا يقتل شيخاً ، ما دام سلاحه السيف والرمح، لكن أسألكم باللّه ، قال سالم ذلك ، بعد أن رفع قدميه على التخت، وجلس منتصباً، وقد سرى فيض من دم في وجهه ، وازدادت نبرات صوته حدة ، ويبدو أن الجدل بدأ يسير نحو الجد ، كيف يجانب جندي هذا الزمان قطع شجرة ، أو قتل شيخ ؟ وأنتم تعرفون أنّ سلاحه المدفعية والدبابات والطائرات ، هذه الحمم التي تحيل البيوت والأشجار الى أكوام من رماد . قولوا لي ، واصل سالم حديثه ، هل فيكم من يرى رأياً غير رأي هذا ؟

تململ أستاذ خلف في جلسته ، حرك يديه ، رمى عينيه في وجه سالم ،لكنّ الصمت المخيم ، والخوف من المجهول كانا يلحان عليه بالسكوت، ومن أجل ذلك غير مجرى الحديث .

:-هل نسيت ـ يا سالم ـ الدور الأمريكي في هذه الحرب ؟
:ـ أنا لم أنسه قطّ ، والحكام العرب يعرفون هذه الحقيقة ، أولم يكن العدوان الثلاثي ماثلاً في أذهانهم ؟ من يدخل الحرب لا بدّ أن يحسب كلّ حساب لها .

:- إنّ الدعم الأمريكي لإسرائيل هو الذي غير مجرى الحرب .

:ـ لا . لا . أنت واهم ، كرر أبو عمار ذلك أكثر من مرة ، وكان واقفاً غاضباً ، لا ـ يا استاذ خلف ـ إنّ سالم على حق . لقد أعدت إسرائيل جيشاً متطوراً حديثاً، فهي تلاحق التطور المستمر في الجيوش الحديثة، وتستفيد من الدعم الأمريكي والغربي، ومن عمالة الأنظمة العربية التي تخشى من حرب ثورية ، ربما تكون نتائجها وخيمة عليها . إن الحكام العرب لا يريدون حرباً حقيقية ، يريدون أنصاف حلول ، يريدون حفظ ماء الوجه . أنت تنسى العامل الذاتي الإسرائيلي حين تقول إنّ أمريكا هي التي أتت بالنصر لإسرائيل . إنّ إسرائيل أعدت نفسها ليوم كهذا اليوم طوال عشرين سنة ، ثمّ وجهت ضربتها الآن ، بعد أن قدم لها الرئيس مبرراً مقبولاً ، ذلك حين قام بإغلاق مضايق تيران دون أن 
يوفر الوسيلة الكفيلة بتأمين هذا الإغلاق . إنّ الذي قاتل في هذه الحرب ضدنا هم الجنود الإسرائيليون وليس الأمريكان .
:
 إسكت ـ يا أبا عمار ـ إسكت !
نزل صوت قوي غير متوقع على مسامع أبي عمار، توقع أنه سيأتي من
استاذ خلف الذي أعاد الى الجدل جديته ، أو من الاستاذ أبي إسحاق الملتاذ بسجف صمت كثيف ، وهو الذي اعتاد أن يمدّ لساناً طويلاً أحياناً في نقاش تافه، توقع أن يأتيه الصوت من هؤلاء أو من عداهما وما كان يتوقع أن الردّ الحاد سيأتي من عليوي الفلاح الذي ما شارك على وجه الإطلاق في أيّ جدل شهدته مقهى البوهة ، لكن يبدو أن حديث الحرب وتحمسه لها هما اللذان دفعاه هذه المرة الى أن يلقي بنفسه في خضم هائج من معمعة قد لا يخرج سالماً منها .
:
 الكلام ليس لكم وحدكم ـ يا أبا عمار ـ! دعونا نشارككم الحديث.
:
 تفضل ـ يا عم ـ تفضل . قال ذلك ، وقد انبسطت أسارير وجهه، وعلاها شيء من الحفر ، ثم أضاف : نحن لم نمنع أحداً من المشاركة .

:ـ أتريد الصدق ـ يا أبا عمار ـ ! ؟
:
 نعم . ومن منا لا يريده ؟
:
 الصدق كلّ الصدق هو أنّ أمريكا كلها بعثية ، ولهذا السبب هاجمتنا !
غاص الكلّ في ضحك عميق ، تمدد البعض على ظهورهم ، وراح الآخر يمسح دموعه بأطراف ثوبه ، بينما فرش أبو عمار منديله على وجهه ، غارقاً في بحر من ضحك مكبوت .

:ـ بروح أبيك ـ يا عم عليوي ـ من أين جاءتك هذه الفكرة ؟
:- أنتم أردتم الصدق ـ يا حسين ـ وهذا هو الصدق !

عاد عليوي الى صمته المعتاد ، متشبثاً برأيه الذي أثار ضحك الآخرين، دون أن يدري هو ما المضحك في كلامه ؟ فكلمة بعثي هي مرادف لكلمة أمريكي عند الفلاح الجنوبي ، ولهذا ظلّ عليوي رابط الجأش ، محتفظاً باعتدال جلسته ، وملامح وجهه الصارمة .
لم يسأل عليوي أحد من الجالسين سؤالاً آخر، واكتفوا بالسؤال الذي وجهه حسين له، مداراة منهم لشعور أبي إسحاق وسليم المعلم فكلاهما كان بعثياً.)*
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* هذا المقطع من روايتي المقهى والجدل .





#سهر_العامري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- امرأة لم تولد بعد
- مع الفنان وليم موريس
- ابن زيدون
- المالكي والتهديد بصولة خرفان جديدة !
- كاسترو !
- ملك الحمام
- ترامب ابن أمين للبراغماتية !
- رحلة في السياسية والأدب ( 11 )
- رحلة في السياسية والأدب ( 10 )
- رحلة في السياسة والأدب (9)
- رحلة في السياسة والأدب ( 8 )
- رسالة الرئيس
- العبور الى أيثاكا
- الهجرة الى دول الكفر !
- مرضان مستبدان في العراق : أمريكا وإيران
- الدين والحكم (2)
- الدين والحكم (1)
- لا وجود لدولة اسلامية أبدا !
- الحل في الثورة الشعبية !
- رحلة في السياسة والأدب ( 7 )


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سهر العامري - في مثل هذا اليوم