صباح راهي العبود
الحوار المتمدن-العدد: 5540 - 2017 / 6 / 3 - 17:49
المحور:
الطب , والعلوم
الشبح في قواميس اللغة هو من بدى شخصه غير جلي من بُعد (أي إنه وهم) . وشبح الشيء هو ظله وخياله . وقصص الأشباح تشتمل على عناصر خارقة للطبيعة أو مخيفة وبالأخص تلك التي تصور أشباح الموتى وأرواحهم.
ولقد شاع وبشكل واسع التحدث عن رؤية الأشباح خلال القرون الوسطى وإنتعش, وغدا حديث الناس خاصة في القرن التاسع عشر وإمتد حتى بداية القرن العشرين,وما زال كثير من سكان المعمورة يؤمنون بذلك .ويعد المهتمون بشأن تفسير رؤية البعض لهذه الأشباح على أنه نسيج خيال يصنعه هؤلاء أنفسهم إذ يتراءى لهم بهيئة شخص ميت أو حيوان يتجول بدون جسد يخترق الحواجز والجدران والزجاج وغيرها. وأدعى البعض تمكنهم من إلتقاط صور لأشباح مفترضة بعد إختراع الكاميرا , وفي الفترة الأخيرة إنتشرت على مواقع التواصل الإجتماعي صور لأشباح,ولم يكن الأمر سوى زيف وتحايل تم كشفه وفضح من سعى لنشره .ولعل فنون الفبركة والفوتوشوب التي إنتعشت في الآونة الأخيرة عملت هي الأخرى على تكريس هذه المفاهيم البالية ونشر ثقافة وجود الأشباح . ومما يزيد في نشر الرعب في النفوس هو قراءة الروايات التي تتحدث بهذا الخصوص ورؤية الأفلام المخيفة . كما أن إهتمام المجتمع بموضوع الأشباح يعمل على ترسيخ تلك المفاهيم ويعطيها فرص إضافية للإنتشار أكثر في زمن إنخفاض الثقافة وقلة الوعي مما حدا بالبعض من ترك منازلهم التي توهموا بأنها مسكونة .ولابد من الإشارة الى عمليات غسل الدماغ (تراكمات كمية تفضي الى تراكمات نوعية ) التي تتم بالتحدث عن قصص يرويها من يدعي رؤية هذه الأشباح ليلاً في مقبرة أومزرعة أو مكان معزول أو مهجور, لا سيما إذا إقترن الحدث بحصول بعض المصادفات التي تدعمه كهبوب ريح صرصرعاتية ووقع قطرات المطروغيرها, وما يرافقها من أصوات تزيد الرعب. وقد فشلت كل المحاولات للحصول على تسجيل لأصوات محتملة تدل على وجود أشباح. وحتى أن أجهزة قياس الموجات الكهرومغناطيسية التي أستعملت لم تسجل اً ي أثربهذا المعنى ,كما لم يصادف أن إتفق إثنان من البشر على رؤية شبح في المكان ذاته في اللحظة عينها . ولا أدري من أين تأتي هذه الأشباح بالملابس التي ترتديها ,فهل هناك ياترى خياط خاص أو معمل للخياطة يجهزالشبح بما يرتديه من ملابس بيضاء في الغالب ؟؟!! . ولقد سعيت يوماً للقاء أحد المعارف وهو يعمل حفار للقبور في مقبرة النجف الشهيرة والذي يستوجب عمله البقاء في تلك المقبرة بشكل متواصل حتى خلال الليل بإنتظار جنازة تحمل من مدن الجنوب البعيدة ليجهز القبرقبيل وصولها,وسألته فيما إذا صادف يوماً شبحاً أو تراءى له ذلك في أثناء عمله في المقبرة وعلى مدى سنوات طوال. فأجاب بالنفي وأكد لي بأنه:- (( لم يفكر في هذا الأمر لابل ولم يصادف أن إهتز للحظة حتى خوفاً أو وجلاً لرؤية شبح مفترض على الإطلاق لأنه مؤمن بأن روح الميت تصعد الى باريها في السماء تاركة الجسد ولا تعود الى الأرض , ثم أخبرني بأنه يضطر في كثير من الأيام لقضاء وقت الإنتظار داخل أحد سراديب دفن الموتى ليحتمي من البرد القارص أو الأمطارشتاءاً وعلى تماس مباشر مع اللحد)).وكلامه هذا يؤكد بأن الشبح ماهو إلا وسواس يراود المرء عندما يكون وحيداً فقط, لذا فهو صناعة بشرية ذاتية يتعايش معها الى أن يصاب بالوسواس والخوف في اليقظة وحتى في الأحلام.
وقد إتجه كثير من المهتمين بدراسة ظاهرة الأشباح وعملوا دراسات واسعة على البيوت والمنازل والقصور القديمة المهجورة والتي يشاع على أنها مسكونة فخرجوا بمشتركات لهذه الأماكن ساعدتهم في تفسير الظاهرة الموهومة تلك التي يؤمن بها حتى كثير من المثقفين في البلدان المتقدمة الأكثر رقياً ,ففي أمريكا مثلاً أظهرت الدرسات على أن 37% من الأمريكان يؤمنون بالأشباح, ترى كم تكون تلك النسبة لدى شعوب المناطق والدول التي تعيش التخلف والجهل والأمية بأبشع صورها بعيداً عن التحضر؟؟. ولعل من أهم تلكم المشتركات في المباني آنفة الذكر وجود مجاري مائية تمر على صخور من الكرافيت تنبعث عنها ترددات (نغمات) معينة نتيجة لإحتكاك الماء بتلك الصخور,وهذه الترددات تؤثر على عقول ساكنيها( دون أن يشعروا بها أو يعوها) وخاصة في حالة ضعف الإضاءة وزيادة الرطوبة وإنخفاض درجة الحرارة مع وجود مساحات فارغة خلف جدران البناية,أو حصول تيارات هوائية تطلق ترددات منخفضة (دون سمعية) في حدود معينة تنتج من حركة فروع الأشجار أو من إحتكاك تلك التيارات الهوائية بالجدران أو النوافذ .والمقصود بالترددات دون أو تحت السمعية للبشر هي التي تردداتها أقل من 20 هرتز وتختلف بالنسبة للأحياء الأخرى . وعلى الرغم من أن أذن الإنسان لا تدرك هذه الترددات لكنها ذات تأثير كبير عليه يتجلى بما تتركه هذه الترددات من آثار بعضها مدمر. وفي هذا الإتجاه أجريت بحوث علمية إتضح للباحثين من نتائجها بأن هناك مدى من الترددات هو احد الأسباب المحتملة في رؤية شبح ما . فالعالم ( فنك تاندي ) لاحظ أن التعرض لموجات ترددها (19) هرتز ولمدة من الزمن هو المسؤول عن مشاهدة شبح على هيئة بقعة رمادية تظهر أمام عيني الإنسان وبالأخص في وقت متأخر من الليل وتختفي لحظة إستدارة عينه لدى محاولته متابعة البقعة فيتراءى له وكأن شبحاً مر لحظياً من أمامه . ومثل هذه الترددات تصدر عن بعض الأجسام المهتزة في ذلك المكان( كريش المروحة مثلاً في أثناء الدوران) فيستجيب أحد الأجسام لهذا الإهتزاز بما يسميه الفيزيائيون بالرنين أو التناغم عندما يتفق ترددها الطبيعي مع تللك الإهتزازات فيوحى للشخص بأن شبحاً قام بهز ذلك الجسم مما يولد لديه شعوراً بأن شبحاً سبب ذلك الإهتزازفيصيبه الخوف والهلع.وهذه الإهتزازات ذاتها لها تأثير أيضاً في مقلة العين لتكون سبباً آخر لرؤية أشباح.كما أن الترددات تحت السمعية والتي توحي بوجود أشباح يمكن أن تُنتج من إصطدام الرياح القوية بالأبراج والمآذن والمداخن والممرات والأنفاق والمباني وهذه الترددات (الموجات) يمكنها أن تتسلل وتخترق الجدران السميكة. وللعلم فإن مديات محددة أخرى منها لها تأثيرات غير الإحساس بوجود شبح, مثل الشعور بالحزن والقلق ورعشة أسفل العمود الفقري وغيرها. ففي عام (2001) مثلاً تم تعريض مجموعة متطوعين لأمواج تردداتها ( من 5 هرتز الى 10 هرتز) وبمستويات شدة معينة لزمن قصير فكانت النتيجة شعورهؤلاء المتطوعين بإرهاق شديد وكآبة وضغط في الأذنين وعدم القدرة على التركيزالى جانب الميل للنعاس وحدوث إهتزازات في الأعضاء الداخلية . وقد ظهرت آثارها واضحة على الجهاز العصبي المركزي وإنخفاض في قوة عضلة القلب والأوعية الدموية ومعدل التنفس . وعلى العكس مما ذكرنا فإن التعرض لموجات ترددها ( 5) هرتز الصادرة أحياناً من حركة مياه المحيطات وهدهدات سرير النوم وحركة ريش المروحة وغيرها تكون مريحة لنوم الطفل وحتى الكبار الذين سيغطون بنوم عميق من تأثيرها. وهذا يوضح للقارئ الكريم ما للترددات تحت السمعية من تأثيرات غابت معرفتها عن الكثيرين.
في تجربة شارك فيها (20) شخصاً أخبروا جميعاً بأنهم سيخضعون لإختبار يهدف الى دراسة مايؤول اليه تركيزالنظر في حالة تأمل على نقطة في الجدار أمامهم .وقبيل البدء بالتجربة تم إخبار عشرة منهم بأن المكان مسكون بالأشباح . بعده تعرض الجميع الى موجات تحت سمعية بتردد (19) هرتز لمدة (45) دقيقة ,فكانت النتيجة أن (17) منهم تكلموا عن مشاهدة شيء أو ربما شبح في حين أن تعرض (13) منهم لترددات من ( 3 - 9 ) هرتز أظهروا شعوراً بالخوف والعصبية ومشاعر الحزن والإشمئزاز مع الإحساس بحضور شخص ما في القاعة. ويظهرهذا الإحساس واضحاً عندما يجري حديث وتحكى قصص حول الأشباح مع المجموعة قبيل إجراء التجربة بهدف ربط تأثير ما سيحصل لهم من إحساس بالظواهر الخارقة.
إضافة لما ذكر فقد أشار البروفسور (مايكل بير سنجر) الى أن للمجالات المغناطيسية والرياح الشمسية التي تصل الأرض تأثير يوحي برؤية الأشباح وتوليد هذا الشعور من خلال ما تؤثر به هذه الموجات على الدماغ البشري وخاصة في منطقة الفص الصدغي. و أن الضمور البقعي أو الشبكي الذي يصيب كبار السن من الناس (بعد عمر الخمسين) يمكن أن يتطور الى حالة مرضية على هيئة هلوسة بصرية تسمى (شارل يونيه) نسبة الى مكتشفها عام (1769) إذ تصاب القشرة الدماغية للبشر بالملل وغياب التحفيز البصري أمامها .أو قد تصاب العين بالإعتام. وقد لاحظ هذا العالم (الطبيب) بأن أحد مرضاه كان يتراءى له بشر وحيوانات وطيور وعربات لا وجود لها في الواقع. وفي الغالب يكون تخيل وجود أشباح هو أحد الدلالات على وجود ماء أزرق أو ماء أبيض في العين.
ولعل من المفيد الإشارة الى أن هذه الأوهام تزداد لدى الطفل عندما يعتاد على متابعة الأفلام المرعبة من شاشة التلفزيون قبل النوم مما يثير حالة القلق والإضطراب في شخصيته, لذا تراه يتسلل ليلاً الى فراش والديه ويدس جسده بينهما ليغادر حالة الخوف والرهبة وليشعر بالإطمئنان ,وعلى والديه عدم تشجيعه على تكرار ذلك ومنذ الوهلة الأولى وإنما معالجتها بإسلوب تربوي يحتاج الى الصبر والتضحية.
ثمة أمور أخرى تسبب التوهم برؤية الأشباح إضافة الى ما ذكرناه منها قلة الأوكسجين الواصلة الى الدماغ لأي سبب كان مما يضعف القدرة على تفسير الرسائل القادمة من الدماغ الى الحواس فيؤثرعلى كفاءتها وعملها مثل الذي يحصل عند الكثير من المصابين بالجلطات الدماغية أوبسبب قلة الدم الواصل الى الدماغ أو ربما ما تفرزه العقاقير التي تناولها في أثناء مرضه, فيرى (قبيل رحيله الأبدي) أشباحاً لأقارب وأصدقاء سبقوه الى العالم الآخر إذ تستيقظ الذكريات القديمة المخبوءة في عقله الباطن وتنمو تدريجياً حتى تشمل كل عقله وروحه وكيانه فيتراءى له أحد من هؤلاء المتوفين يزوره وهو راقد في سريره ,وربما يلمح أحد الرموز الدينية تمر من أمامه . من ناحية أخرى فإن لتغيرات فتحة بؤبؤ العين المفاجئة بسبب الإختلاف المفاجئ لمقدار الضوء الداخل إليها (كالذي يحدث لمن يستعمل الحاسبة ليلاً مثلاً) فإن رفع العين المفاجئ عن شاشة الحاسبة يوحي بحركة تفسر على أنها شبح. كما أن الكثير من الناس يشعر بالخوف مما يسمعه من أصوات طقطقة بعد أن يطفئ الضوء ويأوي الى فراشه توحي له بوجود ما يسبب هذه الحركة في حين أن هذه الأصوات هي نتاج التغيرات الفيزيائية في ذلك المكان ( الضغط,الكثافة,درجة الحرارة) تظهر جلية بعد إطفاء الأجهزة وحصول تمدد أوتقلص في أثاث الغرفة ومحتوياتها الأخرى.
#صباح_راهي_العبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟