|
البضاعة المزجاة في متن صحيفة...معنى أن تعيش كتاباتك ساعتين
شكيب كاظم
الحوار المتمدن-العدد: 5540 - 2017 / 6 / 3 - 12:06
المحور:
الصحافة والاعلام
في مقالته الجميلة الموسومة بـ (سايكولوجية الكتابة لمطبوع يعيش ساعتين)(1) يطرح المنشئ الأنيق والمترجم الدقيق (نجيب المانع) (1926-1991) قضية جديدة بالمناقشة ، عن جدوى الكتابة التي لا تدوم أكثر من ساعتين، وتذهب إلى الظلام، والمقصود هنا الكتابة في الجريدة اليومية، التي تحيا ساعات الصباح فقط، فإذا انتصف النهار، وجدت عزوف القراء عنها، فلقد تخطاها الزمن وأصبحت عبئاً على ربة المنزل، التي تكره القراءة والمجلة كرهها لضرة، حتى ان تراكم الجرائد كما يقول الأستاذ نجيب المانع يفتح باباً لأكثر من نزاع عائلي، فالزوجة أو الأم تريد بيتاً محتمياً بنفسه عن خضم العالم الخارجي ، بينما يريد الزوج أو الابن بيتاً يتلاطم ويتلاحم مع العالم .
إذن، ما السبيل إلى الوصول للقارئ، الذي هو الهدف الأساس من الكتابة وما كل القراء تواقون لقراءة الكتاب؟ تأتي المجلة الأسبوعية نقطة وسطى بين الجريدة والكتاب الذي هو الأبقى والأدوم في الذاكرة، لابأس بالمجلة الشهرية،ولذلك يميل الكاتب في المجلة الشهرية – كما يقول المانع- إلى عبور الزمان الأوسع ظاناً أنه على مبعدة مأمونة من صندوق القمامة ، الذي هو المصير الحتمي للجريدة اليومية، وكان أكثر ما كان يؤلمني منظر الجرائد التي تصلنا يومياً، في المؤسسة الإعلامية التي عملت فيها، والتي كنت انا المتصفح الوحيد، أو القارئ لها، بعد ان غادرنا الدكتور حيدر جواد إلى مؤسسة إعلامية أخرى، يؤلمني منظرها وقد حملها المنظف نحو كيس القمامة، ولطالما حثثت زملائي على تصفحها بله قراءتها ، ولاسيما الشباب الذين لايقرأون أبداً ،وإذا قرأوا ، فأنهم يقرأون الأبراج والكلمات المتقاطعة!!
إذن ما السبيل للوصول إلى القارئ، سوى هذه الوسائل: الجريدة ، المجلة الأسبوعية، أو المجلة الشهرية، إنك راغب في الوصول اليومي للقارئ، تعرض بضاعتك عليه، لكن يقف هنا أمامك ذوق القارئ ، فما كل القراء براغبين في قراءة الأدب والشعر والثقافة، تعرض بضاعتك على قارعة الطريق، أو كشك لبيع الجرائد، بضاعتك المزجاة في بطن الصحيفة، ولكن كثيراً ما يعود الكاتب الذي يأخذ نفسه مأخذاً جدياً – كما يقول الأستاذ نجيب المانع- في الجريدة اليومية حاملاً طبق بضاعته دون ان يثلم أدنى ثلم، فالناس المسرعون لا يرون ما في الطبق من منمنات ، وهكذا يرجع الكاتب إلى نفسه أشد إفلاساً في العلاقات القرائية مما كان قبل ان يكتب، مثلما تعود العجوز من السوق حاملة طبق المعجنات التي صنعتها دون ان تمتد يد مشترية.
وإذا كنا نحن في العراق، نأخذ معنا الصحيفة اليومية التي قرأناها، نأخذها معنا لبيوتنا عسى ان ينظر فيها أحد، أو تستفيد منها ربة المنزل، فاني وجدت في سورية يوم انتقلت للعيش فيها، ظاهرة مؤسفة، تدل على استخفاف بالجريدة، فكنت تجدها على طاولة بمقهى ، أو حديقة عامة أو كرسي سيارة عامة، حتى إذا مررت بصاحب مكتبة في مدينة حمص ، لغرض عرض كتابي عنده، أفجعني قوله: مافي حيدا بيقرأ؟!
كنت ألاحظ من يأتي المقهى أو الحديقة العامة، حاملاً صحيفة، حتى إذا فرغ منها وغادر المقهى تركها ثاوية على الطاولة،وإذا كان العراقيون يعولون على المجلة الشهرية بوصفها الأبقى والأكثر ديمومة ، فان المصريين يرغبون في نشر كتاباتهم في الجريدة اليومية، واضعين في الحسبان ان خيرة كتاب مصر كانوا ينشرون في الجرائد ، ولا أدل على ذلك من ان طه حسين نشر فصول كتابه (حديث الأربعاء) في جريدتي (السياسة) و(الجهاد) اليوميتين، فكان قد خصص له يوم محدد، احتراماً له واحتراماً للقارئ، كي يستطيع متابعة كاتبه المفضل، فكان يوم الأربعاء، فضلاً عن مقالات عباس محمود العقاد وسلامة موسى ، ويجب ان لاننسى ان نجيب محفوظ، قد نشر روايته الإشكالية (أولاد حارتنا) نشرها بدءاً مسلسلة في جريدة ( الأهرام) اليومية ، قبل ان تثور ثائرة الأزهر عليها، يوم أراد نشرها بكتاب بعد سنوات من نشرها مُنَجّمَةً في الأهرام، فأضطر إلى التوجه إلى دار الآداب اللبنانية، فضلاً عن كتابات توفيق الحكيم ومحمود أمين العالم ورجاء النقاش وغيرهم، ولقد تأكدت من هذا التوجه والنزوع لدى قراءتي مقالة كتبها ابو بادية الشاعر حميد سعيد منذ سنوات، واصفاً زيارة له لمصر العربية في عقد السبعين من القرن العشرين، واحتفاء الأدباء والكتاب المصريين به، والطلب إليه ان يزودهم بإحدى قصائده واختيار المنبر الإعلامي الذي يرغب بنشر قصيدته فيه، وتواؤماً مع توجهات العراقيين في أهمية النشر بالمجلة الأسبوعية ، فانه رغب ان تنشر في إحدى المجلات، وأظنها المجلة التي كان يرأس تحريرها الكاتب أحمد عباس صالح (الطليعة) ، فكان رأيهم ان النشر في الجرائد، ولاسيما (الأهرام ) يحقق للشاعر حميد سعيد حضوراً أكثر، بسبب سعة انتشارها، وكثرة عدد المطبوع منها، فاستجاب لرغبة أصدقائه وزملائه من كتاب مصر المحتفين به، ولعل المنشئ الأنيق نجيب المانع، يتواءم – كذلك- مع آراء المصريين بضرورة النشر في الصحيفة اليومية، التي على الرغم من السويعات القليلة التي تمكث في باصرة القارئ، قبل ان تأخذ طريقها نحو العدم ، فأنه يرى ان كتاباً ومؤرخين وعلماء وجدوا في الجريدة اليومية معبراً إلى جمهرة من القراء، ما كانوا ليجدوهم إذا خاطبوهم بين طيات كتاب، فاسمهم الفخم على الصحيفة يوجد لهم مزيداً من القراء الذين يبحثون فيما بعد عن كتاب تصنعه مساهماتهم الصحفية، فالمقالة وعد بكتاب، والكتاب تنفيذ لهذا الوعد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
تراجع ص 136 من كتاب (جسارة التعبير) الصادر عن دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد في ضمن سلسلة (وفاء) بطبعته الأولى سنة2011، وأحتوى على مقالات كتبها نجيب المانع، وقدم لها وحررها الشاعر والمترجم العراقي المغترب في لندن الدكتور صلاح نيازي.
#شكيب_كاظم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اللغة بنت قومها... المستشرق الكبير بلاشيير لا يدرك بعض مجازا
...
-
من إستلهم الآخر إبن شُهَيد أم المعري؟.. نظرات جديدة في غفران
...
-
آخاب في رواية موبي ديك...حين يتحول طلب الثأر إلى عمى للبصر و
...
-
عزيز السيد جاسم عقل باهر وفكر زاخر.. جَوْسٌ خَلَلَ بواكير كت
...
-
حياة شرارة في روايتها (إذا الأيام أغسقت)...صور غدافية قاتمة
...
-
وديع فلسطين يرسم صور أعلام عصره...غوص في المتون واستظهار الم
...
-
أناييس نن في مختارات من يومياتها... حيث الحياة بإمتلاء وإيثا
...
-
البرتو مانغويل شغوف بالكتب..هل تعرضت مكتبة الإسكندرية لعملية
...
-
إدوارد سعيد..الكتابة لديمومة الذكرى ومواجهة الفناء...مفكر يح
...
-
هاني فحص نخلة عراقية سامقة.. رجل الوسطية والحوار وإطلاق الأس
...
-
الزانية .. رواية البرازيلي الصوفي باولو كويلو...تصوير رائع ل
...
-
العفيف الأخضر في هذيانه... حين تلوى النصوص وتُكسر أعناقُها
-
رسائل انسي الحاج الى غادة السمان ..ليس من حقنا أن نصادر رغبت
...
-
من حديث أبي الندى للفهامة إبراهيم السامرائي
...
-
سيرة ذاتية ولمحات حياتية.. عالم اللغة إبراهيم السامرائي في (
...
-
محسن حسين في أوراقه الصحفية .. سياحة استذكارية لعقود ستة من
...
-
انور عبد العزيز ذاكرة المدينة الصاحية ومبدعها الكبير
-
من أوزار الثقافة في العراق وأرزائها.. هل كان طه باقر مقتنعا
...
-
فدوى طوقان في رحلتها الجبلية الصعبة
-
قبس من سيرة صلاح نيازي الذاتية
المزيد.....
-
ماذا فعلت الصين لمعرفة ما إذا كانت أمريكا تراقب -تجسسها-؟ شا
...
-
السعودية.. الأمن العام يعلن القبض على مواطن ويمنيين في الريا
...
-
-صدمة عميقة-.. شاهد ما قاله نتنياهو بعد العثور على جثة الحاخ
...
-
بعد مقتل إسرائيلي بالدولة.. أنور قرقاش: الإمارات ستبقى دار ا
...
-
مصر.. تحرك رسمي ضد صفحات المسؤولين والمشاهير المزيفة بمواقع
...
-
إيران: سنجري محادثات نووية وإقليمية مع فرنسا وألمانيا وبريطا
...
-
مصر.. السيسي يؤكد فتح صفحة جديدة بعد شطب 716 شخصا من قوائم ا
...
-
من هم الغرباء في أعمال منال الضويان في بينالي فينيسيا ؟
-
غارة إسرائيلية على بلدة شمسطار تحصد أرواح 17 لبنانيا بينهم أ
...
-
طهران تعلن إجراء محادثات نووية مع فرنسا وألمانيا وبريطانيا
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|