أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - بَصَائِرَ لِلنَاسِ - والحَقُّ أحَقًّ أنْ يُتَّبَعَ (1):















المزيد.....


بَصَائِرَ لِلنَاسِ - والحَقُّ أحَقًّ أنْ يُتَّبَعَ (1):


بشاراه أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5538 - 2017 / 6 / 1 - 01:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لقد كثرت الإدعاءات والمغالطات,, من جهة واحدة في بيئة عرفت "بالحوار المتمدن", وإدعى أصحابها إنهم في حضرة "حوار متمدن" حقيقي, ولكن, كيف يعقل أن تعتبر الإدعاءات والمعتقدات الخاصة - على علاتها حواراً حقيقياً؟ ..... أيوجد في الدنيا حوار من طرف واحد؟؟؟

نعم من حق كل شخص أن يقول ما يشاء ويدعي ما يريد, خاصة في عصر المعلوماتية الذي نعيش فيه الآن والذي سمح للكل أن يحرك أصابعه على لوحة المفاتيح ويرسل نتاجها مباشرة على الهواء أو عبر الأقمار الصناعية, ما غثَّ منها وثَمُن, دون وجود رقابة أو زجر أو عتاب ومحاسبة على السفه والخوض حتى في مقدسات الناس وخصوصياتهم, ما دام ذلك يرضي الأهواء حتى إن كانت مريضة متسلطة.

كثير من الناس من ظن أن في ذلك خير مطلق, ومنهم من أطلق على ذلك حرية رأي وتحضر وتمدن, رغم أن هذا بكل الأعراف همجية بشعة لا يمكن أن يوصف صاحبها بأي توجه حضاري إلَّا لدى أقرانه وأشباهه من المتسلطين المعتدين.

هناك كثير من الذين نصبوا أنفسهم كتاباً أو لعلهم كتاب بحق وحقيقة, وقد يكون دورهم مهم لإظهار الحق حتى إن كان عبر أقوال باطلة مدعاة, وقد لاحظنا بعضهم - ومن بينهم الكاتب الذي سنرد على ملاحظاته الخاصة عن القرآن في سلسلة ردود قصيرة نوعاً بمنهجية جديدة سنتفادى فيها ذكر شخصه أو تقييمه وتقييم فكره أو تتبع أخطائه المعرفية ما لم تقتض الضرورة ذلك وفي أضيق نطاق, لأن ذلك هو الطريق الوحيد الذي عبره سنظهر الحق والحقيقة الذين غابا عنه بغض النظر عن غايته ومراميه منها فهذا لا يعنينا بشئ, لأن الذي يعنينا حقيقة هو القراء الذين يلزمهم طرف مقابل في الحوار حتى تكتمل الصورة لديهم ويتاح لهم إحسان الإختيار الذي يرونه مناسباً لأنفسهم.

لاحظنا أن هناك إشكالات معرفية وقع فيها الكثيرون من أولئك الذين يظنون "توهماً" أن القرآن الكريم به تناقضات - على الأقل من وجهة نظرهم هم - وهذا أمر طبيعي يمكن أن يحدث لكل إنسان منا,, خاصة إذا كانت المعايير القياسية لديه غير مكتملة والأمانة العلمية لديه غير مفعلة أو معطلة قصداً.

سأبدأ بتفنيد ومناقشة الإشكالات الفكرية والمعرفية التي صاغ بها أحد الكتاب تساؤلاته وإتهاماته للقرآن الكريم بأن به تناقضات أسهب فيها وتبحر, فنحن بدورنا - لنكتفي فقط بوضع الأمور في نصابها الصحيح, ونضع مقاصد الآيات التي أشكلت عليه جنباً إلى جنب مع مفهومه عنها ونبين للناس بمعيار واحد فقط - "عبر معطيات لغة الضاد فقط - التي يعرفها الجميع, والتي لن يتغالط فيها إثنان يعرفان أحكامها. أرجوا أن يلتزم الجميع بآداب الحوار حتى يكون "متمدناً" بقدر المستطاع, وأتعشم أن تلتزم إدارة مؤسسة الحوار المتمدن بدورها كاملاً وإعمال معايير الرقابة وعدم السماح بأي مهاترات تصدر من أي طرف حتى يصل القارئ لغايته وليحتفظ بمشاعره العدائية لنفسه, ويترك الحكم للقراء أصحاب الحق.

أود هنا أن أذكر الجميع بأن الحوار (المسار) الذي بدأه الطرف الأول, يقول فيه بأن "الأديان بشرية الفكر والهوى والتهافت", وهذا لا يعنينا بشئ وقد نتفق معه في ذلك بإستثناء الأديان السماوية, لو لا أنه ضمن الإسلام تلك الأديان لما أعرنا ما كتبه ويكتبه إلتفاتاً, لذا كان لا بد لنا من أن نثبت له وللآخرين أن الحق والحقيقة هي عكس ما يقوله تماماً وهذا هو (المسار) الثاني الذي سنسير عليه بتفنيد ما جاء به الآخرون من ظنون وإفتراءات حول القرآن الكريم, وبهذا نكون قد وضعنا أمامهم فرصة كبيرة لإثبات ما قالوه إن إستطاعوا لذلك سبيلاً, فقط يجب على المسارين أن سيرا معاً جنباً إلى جنب بصورة يكون فيها إحترام للمراقبين والمتابعين وجعل الحقائق هي التي تسود وليس الأهواء التي توصل عادة إلى طريق مسدود, وتشهد بعجز صاحبها عن إثبات مصداقيته للناس.

سأبدأ من موضوع بعنوان "تناقضات قرآنية – جزء ثالث", حيث سأبدأ بأول إشكالية لدى كاتبه - متغاضياً بذلك عن ما جاء في مقدمة الموضوع لعدم أهميته في الموضوع - وسأنتقل إلى أصل الموضوع الذي ورد في المسار الاول فيما يلي:

أولاً: النص الأول يقول فيه كاتبه: ((... المنافقون فى النار ولهم عذاب أليم أما هؤلاء المنافقون لا خوف عليهم ولا يحزنون...)).

فنقول في تعليقنا على هذه العبارة الخاطئة انه لا يوجد في كتاب الله ولا سنة رسوله أي نص يقول بأن هناك "منافقين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" كما يقول هذا الكاتب, إذاً والحال كذلك, ألا ينبغي (بل يجب) عليه أن يأتي للقراء الكرام بما يصدق هذا الإدعاء الذي جاء به؟؟؟.

ثانياً: قال الكاتب أيضاً: ((... شن القرآن حملة شعواء ضد المنافقين ليلعنهم ويبشرهم بعذاب أليم ففى النساء4: 138 ( بَشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً الذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلهِ جَمِيعاً ) وفى سورة التوبة: 67 (المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ المُنَافِقِينَ هُمُ الفَاسِقُونَ وَعَدَ اللهُ المُنَافِقِينَ وَالمُنَافِقَاتِ وَالكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) ...)).

نقول له: نعم لقد شن القرآن الكريم حملة ضد المنافقين ولعنهم وبشرهم بعذاب أليم ليس فقط في سورة النساء كما قال الكاتب وإنما في عدد من السور وعشرات الآيات, بل أنزل سورة كاملة بإسمهم, ولم يذكرهم بخير قط في أي آية من القرآن أو حديث عن النبي الكريم.

(أ): ففي سورة النساء قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ « رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا » 61), وقال: (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ « وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا » « أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ » - وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا 88), وقال فيها: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ « بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا » 138), ثم قال: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ « إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا » 140), وقال: ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ « يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ » - وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى - « يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا » 142), وقال أيضاً: ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ « فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ » وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا 145).

(ب): وفي سورة التوبة قال: (وَعَدَ اللَّهُ « الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّار »َ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ « وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ » 68).

(ج): وفي سورة الفتح قال: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا 6).

(د): وفي سورة الأحزاب, قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ « وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ » إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا 1), ثم قال: (لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ « وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ » إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا 24), وقال: (« وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ » « وَدَعْ أَذَاهُمْ » وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا 48), وقال أيضاً: (لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ « الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ » « وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ » وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا 73).

(هـ): وفي سورة العنكبوت, قال: (وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ 11).

(و): وفي سورة المنافقون, قال لرسوله الكريم الخاتم: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ 1), وقال: (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ « الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ » 7), ثم قال: ( يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ « الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ » 8).

(ز): وفي سورة التحريم, قال لنبيه الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ « جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ » وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ 9).

(ح): وفي سورة التوبة, قال: («الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ » « يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ » - نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ - « إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ » 67), وقال أيضاً: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ 73).

ومن ثم, فهذا هو القرآن أمام الناس, لم ولن يتغير موقفه من المنافقين ولم يتغير توعده لهم إطلاقاً. وها هو ذا القرآن يؤكد ألَّا وجود أو أي معنى لقول أحد بأن في القرآن قول أو إشارة بأن هناك (منافقين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) كما يقول الكاتب,, بل ولا ينبغي له ذلك ولا ولن يكون. ..... ثم ماذا بعد؟؟؟

ثالثاً: يقول الكاتب أيضاً: ((... ويحذر القرآن من التفريط فى الايمان نتيجة أذى حاق به ( ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ). كما يحذر الله المؤمنين من الإنسياق لشرك الأباء ليأمر بعدم طاعتهما , وغيرها من الآيات التى تلعن المنافقين وتنبأ عن حالهم فى الجحيم الأبدى وتحث على عدم التفريط فى الإيمان والإنسياق للكفار.

ولكن الله حسب المزاج أو قل وفق متطلبات الحالة السياسية ليتنازل عن كلامه ففى النحل 16: 106 ( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من اكره وقلبه مطمئن بالإيمان لكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ) وفسر الجلالين هذا النص فقال أن المسلم الذى تلفظ بالكفر من مبتدأ أو شرطية والخبر أو الجواب , أى الذى ينكر الله وينافق الكافرين وهو تحت الإكراه – هذا الأمر محلل له وليس عليه أى ذنب أو عقوبة...)).

للأسف, نجد الكاتب قد إختلط عليه الأمر فخلط الأوراق وهو معذور في ذلك, بل وإن جاز لنا شكره لشكرناه على أن طرح لنا مثل هذه الوقفات التي أتاحت لنا الفرصة المؤاتية للإشارة إلى الإعجاز البياني في القرآن الكريم للناس في أكثر الأمور تعقيداً ومن التي تتطلب "تدبراً" وإعمالاً للعقل والفكر وصولاً إلى المقاصد التي تصور دقائق خلجات النفس المطمئنة فتعالج الإضطرار عند الثبات فتفسح له المخارج الآمنة, وتكشف النفاق عند الريبة والشك والمراوغة فتواجه به أصحابه الذين يخادعون الله ورسوله وما يخدعون إلَّا أنفسهم وما يشعرون, فيكشف الله المرض الذي في قلوبهم وقد زادهم عليه مرضاً وتوعدهم بما يستحقونه من العذاب الأليم.

خلط الكاتب بين ثلاث فئآت من الناس من منظور إيمانهم, فوضع كل البيض في سلة واحدة كما يلي:

1. الفئة الأولى من الناس هم أولئك الذين يدَّعون الإيمان بالله تعالى "قولاً بأفواههم" وتظاهراً ويمشون على ذلك بين الناس في الحياة العادية الهادئة, ما لم يتعرضوا لإبتلاء حقيقي يتطلب من المؤمنين الصادقين الصبر لإثبات صدق إيمانهم بالدليل العملي وهو تحملهم كل ما يتعرضون له من أذى حتى لو كانت الحصيلة المهج والأحبة والدنيا بأسرها,, ولكن في حقيقة واقعهم ليسوا كذلك, فما أن يتعرض أحدهم لشئ من أذى يسارع في إظهار واقعه الحقيقي وهو غياب الإيمان في صميم قلبه, فيسارع في قول كلمة الكفر قلباً وقالباً, والدليل على ذلك أنه قارن ما بين فتنة الناس التي مهما بلغت أوجها فإنها لن تزيد عن قتله, وقارن بين عذاب الله المقيم الذي لو كان حقاً يؤمن بالله تعالى لهانت عليه فتنة الناس كما قال يوسف عليه السلام (رب السجن أحب إليَّ مما يعدونني إليه), ولم يهتم بما يتبع السجن الذي توعد به من الصغار والعذاب. وهناك نماذج كثيرة منها "أصحاب الأخدود" و "إمرأة فرعون" و "آل ياسر" عليهم رضوان الله.

2. الفئة الثانية من الناس هم الذين يشركون بالله تعالى رغم قناعتهم بأن ذلك باطل وأن الشريك هذا لا ضررله عليهم ولا نفع لهم, ومع ذلك يبقون على الشرك وعبادة الأوثان والأصنام وغيرها, كل ذلك لإرضاء الآباء والأجداد والقوم, وأقرب مثلاً لهؤلاء هو عم النبي "أبو طالب", الذي ما منعه عن الإيمان - رغم قناعته بأنه الحق - إلَّا مخافة أن يقال عنه إنه ترك دين آبائه وتبع إبن أخيه, فكان من الخاسرين.

3. الفئة الثالثة من الناس هم أولئك الذين ضمنهم الله ذكرهم في آية محكمة سورة النحل تعرض فيها لكوامن النفس وخلجاتها مع الإيمان الحقيقي أو الزائف بالله تعالى فوضع له معايير غاية في الدقة المعجزة قال فيها: (مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ 106), فصنف الكفر إلى شريحتين تتضمن ثلاث فئات في آية واحدة محكمة.

o الشريحة الأولى,, فيها: شخص كفر بالله بنطقه كلمة الكفر أو إتيان شئ من مقتضياته, فهذا له أحد إحتمالين: إما أن يكون كفره هذا "إختياراً" بحرية كاملة دون أن يتعرض لضغوط أو إكراه, أو أن يكون "مكرهاً" عليه بالقوة فلم يكن له بد من أن يأتي بمقتضيات الكفر وإلَّا تعرض وأهله للأذى ولكن من وراء قلبه وأنه في حقيقته وعمق وجدانه مؤمن بالله موحد وقد رسخ الإيمان في قلبه, هذا قد إستثناه الله تعالى وقبل منه إيمانه الخفي وقال له "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة", وجاءت البشرى بالإستثناء في قوله تعالى: (... إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ...).

أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمار بن ياسر بالتقية: في قصة عمار وأصحابه الذين أظهروا كلمة الكفر بلسانهم وقلوبهم مطمئنة بالإيمان. فقد روى الطبري بسنده عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر إنه قال: ( أخذ المشركون عمار بن ياسر فعذبوه حتى باراهم في بعض ما أرادوا، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي: كيف تجد قلبك ؟ قال: مطمئنا بالإيمان ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : فإن عادوا فعد.

o الشريحة الثانية,, فيها شخص زين الكفر لغيره حتى غواه فكفر بربه فهذا توعده الله بغضبه عليه, وقد صور الله ذلك بقوله مستدركاً: (... وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا ...) فهذا كافر ضال ومضل في نفس الوقت.
بعد هذا التفصيل المعجز, لثلاث حالات أظهرت الكفر قولاً أو مقتضى من مقتضياته في شريحتين, الشريحة الأولى فيها إحتمالين: كفر "إختياري", وآخر "إكراهي", فإستثنى الأولى وأخذ بحقيقة إيمانها الراسخ وتجاوز عن ظاهر الكفر التي تم "بالإكراه" والمباراة أما صاحب الكفر الإختياري فقد ضمه مع الكافر في الشريحة الثانية وتوعدهما معاً فقال سبحانه في هذه الآية المحكمة المعجزة: (... فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).

الكاتب للأسف لم يتدبر الآية جيداً, وإلَّا لما جاء بها حيث النفاق, فهي واضحة لأهل البيان وفقه الله أنها تتحدث عن الكفر وليس النفاق وارد هنا إطلاقاً, فهناك كفر "إختياري", وآخر "بالغواية" وثالث "بالإكراه", فالمكره إستثناه الله تعالى من الوعيد الذي ختم الله به الآية وإختصه للكافر "بإختياره" وللذي شرح صدراً بالكفر فغوى غيره.

هناك خطأ منهجي يقع فيه كثير من الناس, وهو فهم معنى نفاق. إذ السلوك لا يقال عنه "نفاقاً" إلَّا إذا كان مخادعة المنافق لله والذين آمنوا "حصرياً" وليس العكس, يقول الله تعالى في المنافقين في سورة البقرة: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ 8), (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ 9). أما الذي يقوم به الشخص "المكره" ليتفادى الأذى ويبقى على ما في قلبه من يقين يسمى "مصانعة" و "مباراة", وهذه وتلك عكس النفاق تماماً لأن التحايل مطلوب لتفادي الأذى.

أما قول الكاتب: ((... الله يتنازل عن لعناته للمنافقين أى المتذبذبين الأفاقين المتلاعبين ويسمح للمؤمن لمن ينافق ويعلن الكفر وهو فى حالة إكراه وخوف أن يتخلى عن إيمانه ويَسُب الله ودينه ورسوله مظهراً الكفر طالما قلبه مفعم بالإيمان !! فأليس هذا قمة النفاق والإنتهازية وعدم ثبات المبدأ , فماذا بعد أن ينكر المؤمن إيمانه , فألم يُأمر بعدم الرضوخ لشرك الأباء , وما معنى الإيمان إذا كان يتم خلعه والإستهتار به , ولكن الأمور تتجلى عندما نضعها فى سياقها السياسى البرجماتى فلاعزاء لإيمان ولا يحزنون ...)).

هذه الفقرة لن أتعرض إليها بأي نقد أو تفنيد,, فهي تنبئ عن نفسها بنفسها, وسأتركها للقراء ليروا كيف يكون الضلال عن الحق المبين,, وكفى. فقط أرجوا من الكاتب أن يعرف للقراء ماهية النفاق في مفهومه - بطريقة صحيحة - إن وجد في هذه الفقرة تجاوزاً أو إنحرافاً عن ذلك المفهوم.

جدير بالذكر أن الكاتب لعله لا يعرف معنى ومقاصد عبارة "المؤلفة قلوبهم", ومن ثم,, فعليه أن يراجع ذلك مع "أهل الذكر" لأنه يتحدث عن شيء ليس له علاقة بالنفاق, الذي يكون عادة "بعد إيمان" فيه ضعف, أو التظاهر بالحق أمام أهل الحق, وبالباطل أمام أهله وأقرانه, أما المؤلفة قلوبهم فإنهم أناس لم يؤمنوا بعد وبالتالي نرى أن الحديث هنا مغلوط وغايته مبهمة ومرجحة في نفس الوقت,, بل وواضح فيها الشنآن والتشفي والبهتان, والله يعلم ما في الصدور.

تحية طيبة للقراء الكرام,

بشاراه أحمد عرمان



#بشاراه_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وقفة تأمل ناقدة وتقييم مسار: الحوار المتمدن
- مغالطات غاشمة ونقطة نظام حاسمة:
- الحَقُّ والإبْيَانُ في أنَّ إبْليْسَ هُوَ عَيْنُهُ الشَّيْطَ ...
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ (Q):
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ (N):
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ (M):
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ (L):
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ (J):
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ (I):
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ 1-H:
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ G:
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ F:
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ E:
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ D:
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ C:
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ B:
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ A:
- الإعجاز العلمي القرآني1 (تصحيح مفاهيم ج ):
- الإعجاز العلمي القرآني1 (تصحيح مفاهيم ب):
- الإعجاز العلمي القرآني1 (تصحيح مفاهيم أ ):


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - بَصَائِرَ لِلنَاسِ - والحَقُّ أحَقًّ أنْ يُتَّبَعَ (1):