|
الإعلام الألكتروني على ضوء الجهوية المتقدمة
عزيز باكوش
إعلامي من المغرب
(Bakouch Azziz)
الحوار المتمدن-العدد: 5536 - 2017 / 5 / 30 - 19:28
المحور:
الصحافة والاعلام
إن مقاربة سؤال ندوة الإعلام الجهوي التي نظمها المنتدى المغربي للشباب الإعلامي بفاس السبت 20 ماي الجاري والتي اختار لها شعار" إكراهات الممارسة وتطلعات المهنيين " يشجعنا على القول أن من بين التطورات التي شهدها ولا زال يشهدها الحقل الإعلامي بالمغرب خلال السنوات العشرالماضية إفلاس العديد من المنابر الإعلامية الجهوية الورقية ، بما يميزها من تنوع وسياقات وإكراهات وذلك بالنظر إلى تسارعات جنونية للمارد الإلكتروني من جهة ، وارتباطا بإكراهات مادية وتقنية شالة للحركة من جهة ثانية . ولكن حسبنا هنا أن نحصر مقاربتنا للإعلام الإلكتروني في تجلياته الوصفية بعيدا عن كل علمية في التحليل والمناولة . أن الاقتراب من مواطن الخلل في الإعلام الإلكتروني جهويا على الخصوص والإطلالة على الواقع الذي تعيش في كنفه التجارب الإعلامية الجهوية عموما يجعلنا نقف على كم هائل من الإكراهات والانزلاقات والتحديات . لأن ما نتوخاه دائما في تدويناتنا هو أن تعكس هذه المواقع الجهوية التقيد بضوابط محددة وخط تحريري واضح أثناء ممارسة حرية الصحافة والإعلام في ثوابتها وتشريعاتها ، والتي يمكن تحديدها أوليا في صناعة رأي عام والتعريف بالأوراش الكبرى والكشف عن التناقضات والاختلالات التي ترافق تدبيرها جهويا ، ليس اعتمادا على مؤشر واحد، بل على كل المؤشرات التي تؤثر في الممارسة الفعلية لهذا الحق، كما ينتظر من هذه المنابر الإعلامية الرقمية أن تؤدي أدوارها في الإخبار الصادق والتعليق الجيد والتربية والتثقيف والترفيه الراقي. وأن تنال كذلك حقها من الدعم الحكومي بما يضمن استمرارها . وأعتقد أن الحكومة وباقي المكونات المهتمة بالمجال قدموا رؤية استشرافية لمجموع الحلول التي من شأنها النهوض بهذا القطاع ودفعه للاضطلاع بالأدوار التي من المفترض أن يلعبها .لكن التراضي والتوافق في شان العديد من بنودها واقتراحاتها ظل مؤجلا وموضوع نقاش اليوم ، بالجهة هناك تدفق كبير في الأسماء والعناوين والنطاقات الإلكترونية بحيث أصبحت العديد من القرى النائية والهوامش والأحواز تحمل اسم موقع إلكتروني ينافس كبريات المواقع الإخبارية للمركز على الأرض وعلى الهواء كما أن هناك حركية ما غير معهودة على مستوى اقتناص وإنتاج المعلومة وتداولها وبثّها على نطاقات بلا أمداء في سماوات الله المفتوحة في اللحظة والحين لكن، يجدر التساؤل لحظة حول عنصر المصداقية والموضوعية والمهنية في هذا السباق المحموم كله، وعن درجة الجدِّية والتفاعلية الحقيقية في خدمة قضايا المجتمع وتنويره وعن الراي العام المراد تشكيله ، بدل استغلال هامش الحرية الممنوح عولميا لإنتاج وصناعة العبث، وأحيانا لبث التشكيك ونشر التضليل وخلق الفجوات المخدومة لأغراض وحسابات ضيقة وعلى نطاق واسع.
وفي هذا السياق ، ميدانيا يمكن للراصد المهتم ضبط أسماء لمواقع رقمية بتخصصات موضوعاتية وشاملة تظهر حينا وتختفي أحيانا أخرى دون تقديم مبررات لذلك . ألقاب أسماء وصفات تزعم الانتماء قسرا لصاحبة الجلالة دون مهنية ولا خط تحريري واضح دون ميثاق شرف وبلا هيئة تحرير . منابر يتم الإعلان عنها من قبل أطقم لا خبرة لها في الميدان ولا تربطها في الغالب قواسم مهنية ومواثيق أخلاقية متعارف عليها ، فقط تسكنها رغبة عارمة للانتماء قسرا لهذا الجيل الجديد من الثورة الإعلامية المتسارعة في جنونها . وفي هذا الصدد يمكن التأكيد أيضا أنه وفي ظل الفوضى والتسيب والانفلات عن النظام يستطيع أي شخص يتملك تقنية مداعبة أزرار الهواتف أوالحواسيب وله صفحة على موقع اجتماعي بسبب أو بدونه أن ينشئ موقعا أثيريا ليصبح في اللحظة والحين فاعلا ومتفاعلا إعلاميا سواء بالبناء الإعلامي أو لتصفية حساب مع هذا الشخص أو تلك الهيئة . هذا أمر سهل جدا ومألوف ولا يتطلب خبرة مهنية طويلة في مجال النشر والإعلام . لكن ، يجدر القول أن مثل هذه التقليعات على الأقل في بعض تجلياتها لا تحل إشكالا تنمويا محليا ، ولا تبني معرفة ولا تساعد على أي شكل من أشكال التنمية التي يسعى إلى تحقيقها دستور 2011 الذي نص على الجهوية المتقدمة، وإيلاء المزيد من الاهتمام للإعلام الجهوي. هي مجرد رغبات شخصية تفتح شهيتها نشوة البدايات .لتكتوي فيما بعد بنار التحديث والمواكبة و الاستمرارية والتواصل الحقيقي، فتصاب بالعجز عن المواكبة فتموت ببطء في الفضاء دونما شوشرة كما ولدت.ليتضح في النهاية أن تجليات الإعلام الرقمي الجهوي بهذا الشكل ، لا تشكل نقطة التقاء للإعلاميين الجهويين لتبادل المعلومات والآراء وتداول في الاقتراحات المقدمة ، ولعرض تجاربهم وخبراتهم. فحسب، بل تذهب بعيدا في تعطيل السير وعرقلة الخطوات وكبح إمكانية إقلاع تنموي حقيقي .
إن السؤال الذي يؤرق فعلا هو آلية تصنيف الإعلام الجهوي الإلكتروني من خلال مواقع أو جرائد افتراضية ليس إلا. هل نقصد بالجهوية المنشأ الذي ولدت فيه الجريدة وأخذت إسمه ؟ أم نقصد بالجهوية أن المادة الفنية والأدبية وتناقضات المجتمع بها تشكل غذاؤها الرئيسي ؟ الحقيقة أن لا هذا ولا ذلك فموقع بتاونات ينقل في باب الجهة ما يجري في الحسيمة والأقاليم الصحراوية وآخر في سجلماسة ضمن تبويبة جهوية يقتفي أخبار الجريمة بفاس . وجريدة الكترونية بالداخلة تتناول آثار الاحتجاج الجماعي لتجار تازة وتطورات الوضع في اليمن والعراق وسوريا وغير ذلك . من هنا يتضح أن هناك ارتباكا ملموسا في تحديد مفهوم الجهوية ، وبالتالي إعلان شبه رسمي بموت الجهوية بمعناها الجغرافي الذي يتبادر إلى الذهن أول مرة رقميا على الأقل. إذ أصبح غير مقنع بالمرة تصنيف منبر جهوي جغرافيا من خلال إسمه أو حتى من خلال تغذيته بأخبار تكتسي طابعا جهويا
ومع حرصنا الشديد على أن أمر تقييم تجربة النشر الإلكتروني ببلادنا يحتاج إلى منهجية علمية ومقاربة متخصصة لتعزيز هذا الطرح بهدف الوصول إلى استنتاجات حقيقية نابعة من مقاربة علمية متزنة للحقائق والأشياء. فإن ندرة بل غياب الدراسات الميدانية المعززة بالأرقام والمعطيات المبنية على الاستطلاعات واستمزاج الآراء حول جدية المنحى التحريري لكل منبر إعلامي إلكتروني هو ما يخلق هامشا من التردد والانتظارية، فالمعطيات الحقيقية تكاد تكون منعدمة باستثناء ما توفره لنا محركات البحث من كوكل وأليكسا وأمازون وغيرها من آليات إحصاء نسب التداول غير القارة والمتحركة باستمرار عبر محركات البحث العالمية ، وهو ما يطرح أمامنا أسئلة كبرى بخصوص الاستراتيجية الإعلامية المواكبة لاستشراف التحديات المطروحة عولميا بالنسبة للإعلام الوطني عموما والإلكتروني على نحو خاص
ولعل أبرز تحد يواجهنا بهذا الخصوص هو غياب خط تحريري منسجم مع توجهات هذا المنبر الإعلامي أو ذاك فقط اجتهاد محموم في تحقيق السبق الإعلامي الإلكتروني كميزة تسم هذا الصنف التواصلي بامتياز. خاصة الجانب المتعلق بنشر المادة الخبرية صوتا وصورة في وقت قياسي والتفاعل معها إيجابيا من طرف الرأي العام عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، وكذا تداعيات هذا التفاعل على الصحافة الورقية بعد 72 ساعة من تداوله رقميا ،
لذلك ، سواء تلك الأخبار المتعلقة بتململات المشهد السياسي الوطني وتناقضاته أو بما يتعلق بالنبش في الملفات المسكوت عنها والقضايا الساكنة خلف التجاويف المجتمعية والالتباسات الكبرى ذات الصلة بسوء تدبير آليات الاقتصاد الوطني والإفساد الاجتماعي في قنواته إلى غير ذلك. لابد من التأكيد في هذا الصدد ، أن نسبة كبيرة من الأخبار الصادمة التي تشكل انفرادا إلكترونيا سبقيا سرعان ما يتم تكذيبها عن طريق بيات توضيحية رسمية ، ما يفيد التجاوب المرغوب فيه من ناحية ، ويرسخ ثقافة تكريس منطق التحري الشخصي المشروع في نطاق البحث عن المعلومة كإشاعة على خلفية انعدام تسهيل معطياتها رسميا ، ما يحيل إلى السبق الرقمي في جوهره مجرد عملية دعائية مجانية لهذا المنبر أو ذاك من ناحية ثانية . ومع ذلك ، يمكن القول أنه من أصل 500 منبر الكتروني في سوق التداول الإلكتروني على المستوى الوطني بالنسبة لمحرك البحث العالمي أليكسا ، نجد منابر مغربية إلكترونية في الطليعة ليست قديمة المنشأ، وبلا رديف ورقي، إضافة إلى بضع منابر الكترونية وطنية المنشأ ذات سمعة تداولية لابأس بها. وهي مواقع كان يجدر بجرائد ورقية قديمة ولها رديف الكتروني أن تحتلها. والمحصلة، وبالنظر إلى حجم ما هو متداول من أسماء المنابر الإلكترونية المعروفة والمتناسلة يوما بعد يوم ، يمكن الجزم أن هناك تدفقا غير مسبوق على مستوى صناعة ونقل الخبر وتخمة فيما يتعلق بتعدد مصادر المعلومة وصناعتها، لكن تقييما حقيقيا لقياس مدى تفاعلها مع القراء والواقع المجتمعي يقتضي الدراسة والتحليل العلميين ، من هنا تحديدا تنبع الإشكالية التي تجعل من كل مقاربة للوضع الإعلامي الوطني في شقيه الورقي والرقمي يعرف ارتباكا إيجابيا على نحو ما . فعدد العناوين الصادرة بانتظام او بغيره في تنام ملحوظ ، لكنه في تقديرنا ، قد لا يعكس بالضرورة حركية معلوماتية جادة وموضوعاتية في ارتباط التحامي بقضايا الشعب وانتظاراته ما يكرس إبداء الرأي كانطباع ليس إلا .
هو أن القادم إلى الصحافة الرقمية في العالم الغربي ليس متطفلا كما يحدث عندنا في العالم العربي. فغالبا ما يكون الصحفي الغربي كائنا كفؤا مقتدرا يمتلك رصيدا حقيقيا من المعارف والخبرات ، كما يستند إلى تكوين حقيقي في مجال الصحافة والإعلام معززا بشواهد ودبلومات حقيقية وهو قطعا لا يكون جزارا تاجرا أوعاطلا أو سائق سيارة ضاقت به السبل ، مستثمرا فاشلا في قطاع البناء حتى يفد إلى مهنة الصحافة، كما هو الأمر عندنا اليوم ، حيث الحصول على رخصة بائع متجول أصعب من الحصول على بطاقة صحافي وإن حصل ذلك صدفة في الغرب من باب الديمقراطية في الولوج ، فسرعان ما يقذف به الرأي العام المتنور إلى مزبلة الصحافة ويندم على اليوم الذي اختار فيه أن ينتسب الى مهنة المتاعب بامتياز
ولكيلا نسقط في التعميم اللامنصف، نجزم أن الكتابة الصحفية الإلكترونية بخلفية مهنية حقيقية تقدم فائدة كبيرة لمن يقدم على إنشاء موقع الكتروني . فالمهم ليس هذا التصنيف القدحي صحفي إلكتروني وصحفي ورقي ، المهم الآن هو البحث عن الصحفي كمعدن خام أولا ، ثم بعد ذلك نتساءل هل نصب هذا الخام السائل في قالب الكتروني أم ورقي ، لأن امتلاك الأسس التقنية للكتابة الصحفية في تقديرنا لا تقتصر على أحد دون الآخر ، ولا يعقل أن يتقمص أحدهم هذه الصفة من غير أن يكون قد تصفح قانون الصحافة والنشر بالمغرب في أحدث تجلياته ، أو يكون له اطلاع على مجمل التقارير السنوية التي تنشرها النقابة الوطنية للصحافة المغربية مثلا ، أو غيرها من الهيئات الموضوعاتية . كما أنها من ناحية ثانية تمكن الصحفي عموما والإلكتروني على نحو خاص من أساليب التفاعل المهني على مستوى الكتابة واللعب بالكلمات وتوظيف التقنيات لخلق ملامح تحفيزية تخلق لدى القارئ البصري عوامل الإثارة والتشويق وإحداث مسارات خبرية متعددة داخل المادة الخبرية المقدمة التي تعمل على تجييش وجدان المتلقي وتجعله يراهن على تورطه في فعل التصديق للنص الخبري الكثيف والمركز .
#عزيز_باكوش (هاشتاغ)
Bakouch__Azziz#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدورة 16 للمهرجان الوطني للفيلم التربوي بفاس..لا لتكريس مظا
...
-
توصيات أشغال الملتقى الوطني الثامن للغة العربية تدعو إلى : ت
...
-
فاس والكل في فاس 328
-
الطلاق في المغرب خلال العشر سنوات الأخيرة
-
حول علاقة السياسي بالإعلامي
-
ساعتان وأربعة أفلام بالسجن المحلي بصفرو
-
فاس والكل في فاس 327
-
إعداد : عزيز باكوش تجارة الأعضاء بين الوازع الخلقي وجشع الما
...
-
إغلاق مغارة فريواطو بتازة إلى أجل غير مسمى ليس حكيما ..؟
-
قراءة في المنجز التربوي للأستاذ محمد صلاح اللملومي - -ثقافة
...
-
الوضع في السجون الكيبيكية أصبح لا يطاق
-
- بوكيمون غو - ملكة ألعاب النشاط الذهني الإلكتروني في العالم
-
رحلة البحث الثانية عن أنس بن
-
خيوط ماء
-
هنري بوراسا وعبد الغني بنكروم وحكاية الخط 269
-
تيسة - المغرب - منبع الشعراء الكبار - فقط للذين يكتبون الشعر
...
-
نصفي يغيب
-
كاديمية فاس مكناس تدعم تظاهرة بيئية عالمية بفاس للتعبئة للCO
...
-
فاس والكل في فاس 326
-
هجرة مواطني جنوب الصحراء نحو المغرب -الجيل الجديد- فاس نموذج
...
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|