|
لا تنه عن خلق
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1447 - 2006 / 1 / 31 - 09:31
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بحكم العمل، في ذلك الماضي المؤلم الأسود السحيق، في إحدى الدول المحافظة التي ترتعد فرائضها، وتثور ثائرتها، الآن، ضد ما أقدم عليه أحد الفنانين الموتورين الدانمركيين من إساءة بالغة، ومدانة، للرسول الكريم محمد(ص)، فقد واظبت على الذهاب إلى أحد المساجد القريبة في الجوار، وخاصة لأداء فريضة صلاة الجمعة مع بقية الأخوة والزملاء. وفي كل مرة كنت ابلع ما لا يهضم، وأسمع مالا يسر أي شخص عاقل، ليس من الإساءة البالغة للناس، وللمختلف دينيا فقط، بل شمل ذلك مرارا أتباع الطوائف الإسلامية الأخرى من تكفير، وتأثيم وازدراء. وكان ذلك يحدث على مرأى، ومسمع من جموع المصلين، الذين كانوا يؤمّون المسجد للعبادة، والتنسك والصلاة، وتهذيب الروح والجسد، وتنقيتهما من الكراهية، والأدران، والأوساخ والحقد ضد بني الإنسان جميعا، فما بالك بإخوانهم وأبناء جلدتهم من المسلمين والأقرباء؟ وكان حرياً، بل مفروضا، أيضا، بالخطيب المفوه، أن يدعو الناس، في تلكم الأيام المقدسة والمباركة، إلى المحبة والتعايش والتسامح، التي تدعو إليها الأخلاق البشرية في كل مكان من العالم، وأتت بها، وتحاول أن تفرضها، جميع الديانات، وحملها جميع الرسل والأنبياء، والإسلام ليس منها استثناء بالطبع.
وقد استمعت، أكثر من مرة، لمواعظ كاملة، وخطب مطولة، ومعلقات ساخنة جدا من الإساءة، والتقريع، والتكفير، والتخوين، والتأثيم ضد طوائف، ومذاهب إسلامية، كان كثير من أبنائها من بين رواد المسجد المذكور، ناهيك عن العدائية الواضحة والدعوات الختامية، في كل معترك من هذه المعتركات الفاصلة، ضد أديان سماوية أخرى ورد ذكرها، وشرعيتها السماوية، في كتاب الله الكريم في آيات بينات ومحكمات. وقد كان يذهب معظم تفكيري، وأنا بين يدي الله الرحمن الرحيم، إلى التناقض الصارخ، بين ما عرفته من حب، وتسامح، ودعوات إنسانية، تأتي بها الأديان السماوية، وبين ما كان يقوله، ويأتي به بعض من هؤلاء. وقد أصبحت زياراتي لذاك المسجد إذ ذاك، متقطعة، وغير منتظمة إلى أن حلت القطيعة الكاملة، بعد جولات مماثلة من التهجم، والتطاول على عباد الله، وإرسالهم، فرادى، ومثنى، وجماعات، وبكيفية، ومزاجية عجيبة، للجنة والنار، وكأن مفاتيحهما في جيب ذلك الكائن البشري المتميز الهمام.
ولا بد هنا، من التذكير والتنويه، دائما، على الموقف المبدئي، والثابت من الإساءة للناس جميعا، وازدرائهم، وتسفيه آرائهم عموما، والقاضي بالإدانة، والاستهجان والاستنكار، فما بالك بالموقف الذي لا يقبل الجدال، من توجيه الإهانة، والإساءة إلى رسل، وأنبياء يحظون بكل تقدير، وقدسية لدى الملايين من الناس. وأي عاقل حكيم سيقف ضد هذه الهمجية الفكرية التكفيرية المنحطة، بقوة ويشجبها بكل تصميم وثبات، نظرا لقدسية المعتقدات، وأهميتها في حياة الناس.
وإذا نحيّنا الطقوس والعبادات جانبا، وتركنا الجانب الغيبي من الموضوع لننتقل إلى الجانب الدنيوي، والوجه المادي من الموضوع، لرأينا أن هذه الصورة تتوضح يوميا، في مختلف جوانب الحياة من استعلاء، واحتكار للإيمان، وازدراء للآخرين، ومعاملتهم بناء على العقيدة والدين، ونكران أبسط حقوقهم الدينية، والدنيوية وتحقيرهم، وازدرائهم، واعتبارهم في مرحلة إنسانية أدنى، ومنعهم من أداء شعائرهم وطقوسهم الدينية. وسنترك الحياة العادية واليومية لننتقل إلى أعلى، وإلى الهيئات العلمية والفكرية والأكاديمية، المفترض أن ترتقي عن تفكير العامة والدهماء، ونرى أن ذلك أصبح يشكل منهجا ثابت،ا وتيارا عاما، في السياسة اليومية لهذه المجتمعات. و لعل الدعوة الصادرة من أكاديمي بارز ونال عليها درجة الدكتوراه بشرف وامتياز، من معهد أكاديمي رسمي تموله الحكومة نفسها، لتكفير وتأثيم كوكبة لأكثر من مئتي مثقف عربي بارز، وما أسماه بالانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها في دراسة نقدية وشرعية، والدعوة ضمنا "للتخلص منهم" في تبين الجموح اللاعقلاني، والجنوح المنفلت، والتطرف السلبي في نفس هذه المجتمعات، التي ترغي وتزبد اليوم ضد الإساءة، المدانة حتما، لنبي الله، وجل هؤلاء المفكرين من العرب المسلمين، ولم يعلنوا كفرهم، أو خروجهم علنا عن دين الإسلام، فمن يحمي بعض المسلمين أيضا من هؤلاء المسلمين، ولماذا يحتج نفس هؤلاء الناس، ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها لمجرد قيام موتور بإساءة فردية، وعابرة لا تحظى برعاية رسمية وتم التبرؤ علنا منها من جهات رسمية عليا مسؤولة بالدانمارك، بينما يقومون هم برعاية سياسة رسمية عامة، ممنهجة، وواضحة، وتحظى بالدعم والتقدير والإعجاب، ويمنح بموجبها، أيضا، بعض الموتورين، درجات الدكتوراه في فقه التكفير والتخوين وازدراء أطياف، وجماعات من المسلمين أنفسهم والإساءة إليهم، قبل الإساءة للآخرين. وماذا أيضا، عن تلك الآلات الإعلامية العملاقة، التي تبث ليل نهار، وتحض على الكراهية، والعنصرية، والاستعداء؟
والسؤال الآن ماذا لو تعاملت بالمثل جميع الدول، والشعوب، والمنظمات والأفراد مع هؤلاء المنتفضين غيرة، فكم من سفير سيبقى لهم، وكم من مجموعات بشرية ستقاطعهم كليا، وستمتنع عن حتى مجرد الاعتراف بهم، بل هل سيتبقى لهم، بعد ذلك، أية مصداقية، أو تقدير، واعتبار؟
و....لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إن فعلت عظيم.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرد السوري على خدام
-
حماس: وداعاً للشعارات
-
حماس والاحتلال العقائدي
-
في تفسير أزعومة الثوابت
-
إعلان مناقصة لتوريد معارضين
-
لغز الدكتورعارف دليلة
-
حكم النسوان
-
نحو استراتيجية أمنية جديدة
-
سيمفونية في البرلمان
-
يوم المزبلة الوطني
-
خدام في المنطقة الحمراء
-
بأية فضيحة عدت يا عيد
-
سامحكم الله أيها الرفاق
-
مقالب خدّام
-
نكتة الموسم الشامية
-
حرب المزابل والنفايات السياسية
-
المنشق السوري الكبير
-
تعقيبا على تعقيب
-
مرايا السوريين
-
البرلمان العربي: سراب السراب
المزيد.....
-
الصليب الأحمر يتسلم المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وجادي
...
-
القناة 13 العبرية: وصول الاسيرين يهود وموسيس الى نقطة التسلي
...
-
الكنائس المصرية تصدر بيانا بعد حديث السيسي عن تهجير الفلسطين
...
-
وصول المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وغادي موزيس إلى خان ي
...
-
سرايا القدس تبث فيديو للأسيرة أربيل يهود قبيل إطلاق سراحها
-
سرايا القدس تنشر مشاهد للأسيرين -جادي موزيس- و-أربيل يهود- ق
...
-
قائد الثورة الاسلامية يزور مرقد الإمام الخميني (ره)
-
خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز
...
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|