|
لماذا أكتسحت حركة -حماس - الساحة - الفلسطينية؟
علي الدميني
الحوار المتمدن-العدد: 1446 - 2006 / 1 / 30 - 09:35
المحور:
القضية الفلسطينية
فاجأت نتائج انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني جميع اللاعبين بما فيهم "حماس " نفسها ، ولعل أبرز المؤشرات دلالة هو مؤشر القطبية الحاد، الذي بلغت نسبته حوالي 70 في المئة لصالح تيار واحد، في ساحة تعج بالتاريخ النضالي وبالسجل الحافل بالاستشهاد وتقديم التضحيات من قبل كل الفصائل الفلسطينية، التي مضى على ممارستها للعمل النضالي والكفاح المسلح أكثر من أربعين عاما، في حين أن حركة "حماس " لم يتجاوز عمر تكوينها سبعة عشر عاماً. وبغض النظر عن هذا المؤشر المغاير للتوقعات المنطقية المبنية على التجربة البشرية، فإن ما حدث يؤكد على تصاعد حضور تيار الإسلام السياسي، سواء في فلسطين أو غيرها، ولعل ذلك يعود إلى عوامل عديدة، تتمحور في قوة الذاكرة الدينية، وفشل مشروع النهضة والدولة العربية الحديثة، وفي انسداد الأفق أمام التيارات اليسارية بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، مثلما يكمن أيضاً في غياب التيار الثالث وهو "الليبرالي الوطني". ويمكننا في الحالة الفلسطينية الإشارة إلى تعقيدات القضية نفسها وتجاذباتها الدولية ، وفي فشل السلطة الفلسطينية في تحقيق الحد الأدنى من المكتسبات للشعب الفلسطيني اقتصاديا او سياسيا. و لسخونة الحدث فإنني سأكتفي هنا بالإشارة إلى بعض المرتكزات الأساسية التي تقبع خلف ذلك السيناريو المفاجئ، آملاً أن تتاح لي الفرصة في إعادة النظر إليها وتطويرها في مقالة لاحقة:
1- منذ القدم عاش سكان منطقة الشرق العربي في ظروف اقتصادية قاسية ، تمثلت في شح المياه والإمطار ، حيث كان الإنسان مهموما بتأمين لقمة يومه ، والعيش على الكفاف، والبحث عن أمنه الاجتماعي، مما أعاق نشؤ التجمعات المدينية الكبيرة القادرة على خلق فرص عمل مختلفة، وعلاقات اجتماعية وثقافية مغايرة- لقيم التجمعات الصغيرة- تدعم بناء استقلالية الذات عن العائلة والعشيرة والقبيلة. وفي هذه الظروف نشأت قيم ثقافة جماعية، أعاقت بسطوتها إمكانية تشكّل أية نزعة "فردانية" ، مما أدى إلى تهميش حرية الفرد في التعبير والتفكير، إلا من خلال التماهي التام مع مواضعات أعراف الجماعة وحاجاتها المعيشية. وقد تم تكريس تلك الثقافة بعد قيام الدولة الإسلامية ليصبح الحاكم رجل الدين والدولة معا، وليستخدم الدين غطاء لاستبداده السياسي، فتمت محاربة حرية الفرد في التعبير عن الرأي، وتمت مصادرة استقلالية الذات عن القطيع، بتهمة الخروج عن الجماعة أو بالزندقة، أو بفتنة خلق القرآن، وسواها.
2- لا بد من التوقف أمام القوة المادية للذاكرة الدينية في منطقتنا الإسلامية، حيث تم تكريس تلك الذاكرة من خلال قراءات لا تخلو بعضها من الأهداف السياسية، لصياغة ثقافة الإنسان في بعديها الديني والدنيوي عبر ألف وأربعمائة عام، مستندة إلى الإيمان المطلق بصوابها، و اعتبار تلك القراءات والاجتهادات خطابا مكملاً لجوهر الحقيقة الدينية ومتماهيا معه،و لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وهنا نشير إلى حقيقتين أولاهما حقيقة الإيمان الديني الذي بقى راسخاً طيلة الزمن الإسلامي، رغم ما تعرض له العالم الإسلامي من غزوات وحروب داخلية ، ومراحل استعمارية من دول الغرب غير الإسلامي. أما الثانية فهي استنزاف العقول والأزمنة في صراعات جانبية بين الفرق الإسلامية، أو داخل كل فرقة ، مما أدى إلى استفراد العلم والجدل الديني بمساحة هائلة من اهتمامات المثقفين، كما أصبح مجالا وحيدا للتميز، والصدارة ، واحتكار معنى مثقف او ثقافة. كما أن فائض هذا التكريس للثقافة الدينية الفقهية ، قد أثر على ذهنية بسطاء الناس ، فلا يجرؤ احدهم على التفكير في أي أمر ،مهما صغر شأنه، إلا وهو يشعر بالحاجة إلى فتوى دينية. وكل هذه التركيبة الذهنية والتراكمات الثقافية الفقهية، قد أسهمت في الحد من حرية التفكير والتأمل أو الانصراف إلى البحث العلمي لدى شعوبنا ،فيما اشتغلت به شعوب العالم من حولنا وبنت حضارة علمية وصناعية وتقنية، تقدمت بها علينا وبقينا في قاع السلم الحضاري . 3- عندما ظهرت أفكار عصر التنوير العربي، كانت مرتكزة على إحياء علوم الدين، ولم تستطع أن تبحث عن أفق جديد للعمل على إقامة الدولة المدنية ذات المرجعية الدينية، أي لم تستطع التفكير في فصل الدين عن الدولة، ولم تناد بالحرية الفكرية، أو بحرية العقيدة والضمير، وذلك يعود في رأيي إلى ضعف القاعدة المادية للإنتاج الكفيلة بتحرير الإنسان من قهر الحاجة اليومية في البحث عن اللقمة، إلى فضاء واقع الكفاية القمين بتمكين الذات من تحقيق ومعايشة استقلاليتها، و إطلاق العنان لقدراتها الخلاقة للتفكير الحر والبحث والتأمل والإبداع في شتى المجالات. 4- قامت النخب العربية القومية واليسارية منذ الخمسينات بتدشين مشروعها النهضوي ، الذي رفع شعار الحرية ( من ربقة الاستعمار) والوحدة والاشتراكية ، وقد وصلت بعض تلك النخب إلى السلطة باسم "شرعية الثورة" ، بيد أنها لم تستمد تلك الشرعية من الجماهير وحركتها للوصول إلى السلطة، وإنما قامت بعمليات عسكرية انقلابية. وقد فشل مشروع الدولة العربية الحديثة في تحرير فلسطين، وفي إقامة العدالة الاجتماعية، والوحدة العربية، وتحولت تلك الحكومات إلى قوى بوليسية قمعية، ضد كافة القوى والتيارات السياسية والاجتماعية الأخرى، سواء كانت دينية أم ليبرالية، أم يسارية. وقد دفعت تلك الممارسات، إضافة إلى انتشار التعليم في كافة الأوساط الاجتماعية الفقيرة، إلى بداية تشكيل تنظيمات دينية ذات أهداف سياسية، مستفيدة من الخبرة التنظيمية والسرية التي تراكمت لدى القوى اليسارية والقومية في هذا المجال. 5- استطاعت القوى الإسلامية استنهاض "مخزون الشهادة" بمعناه المقدس بعد ما استنهضته القوى القومية واليسارية بمعناه "الوطني" ، ولذا كان فعل ذلك الاستنهاض الديني المرتبط بالمقدس والثواب الأخروي والشهادة، هائلاً في أوساط الشباب المعبأين بقوة هذا المعنى. وهذا ينطبق على حركة الإخوان أو بن لادن أو حزب الله أو حماس والجهاد في فلسطين. 6- وحين نأتي إلى الوضع في فلسطين ، فإنه يمكن القول إجمالا، بأن أهم أسباب اكتساح حماس للانتخابات يعود إلى : أ- انحسار دور اليسار والقوى القومية في العالم العربي، جراء انهيار المعسكر الاشتراكي، وفشل مشروع الدولة العربية الحديثة. و يمكننا التدليل على ذلك بما نقرأه في الواقع الفلسطيني اليوم، إذ أنه بالرغم من التاريخ النضالي الطويل لكافة فصائل العمل الفلسطيني المسلح في تقديم التضحيات الجسيمة من أجل إقامة الدولة الفلسطينية، وبالرغم من الموقف المعروف للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في المناداة بالتحرير من النهر إلى البحر ، وبالرغم من وجود قيادتها في السجون ، ومن مشاركتها الفاعلة في العمليات الاستشهادية التي تخوضها باسم "كتائب أبو علي مصطفى"، إلا أن تلك المواقف والتضحيات لم تشفع لها لدى الشارع الفلسطيني، حيث لم تفز بأكثر من ثلاثة مقاعد في الانتخابات الأخيرة، وهذا دليل على انحسار تأثير تيار اليسار في الشارع الفلسطيني، والعربي عامة. ب- غياب دور التيار الليبراليين ، بالرغم من "حضور " النخب الثقافية المشبعة بالتفكير الليبرالي في بعدي "الحرية و التعددية "، نتيجة لعجز البنى الاقتصادية والاجتماعية عن تشكيل الحاضنة الضرورية لتطور ذلك الفكر من جهة ، ومن جهة أخرى فإن تكوين الطبقة البرجوازية العربية غير الإنتاجي، والمستند في نشاطه إلى القيام بدور الوساطة "الكمبرادور"،قد حد من إمكانية لعب دورها كتيار ليبرالي في المجالين الاجتماعي والاقتصادي، و أبقاها كشرائح اقتصادية هامشية لا تملك مشروعا أو حسا وطنيا يدفعها للتبلور. وفوق ذلك ، فإن ( النخب الليبرالية الثقافية) قد تعرضت إلى الإقصاء والقمع شأنها في ذلك شأن اليسار في العالم العربي وما تعرض له من عنف من قبل المجتمعات المحافظة أو الحكومات المحافظة أو حكومات مشروع الدولة العربية الحديثة. ت- عدم جدية إسرائيل في قبول قيام دولة فلسطينية إلى جوارها، و مراهنتها على الاحتراب الداخلي بين الفلسطينيين، حيث أسفر ذلك الرهان عن وجهه، من خلال أساليب المماطلة و إجادة عمليات الالتفاف على برنامج المفاوضات ، واللعب على عامل الوقت لإنهاك الفلسطينيين من جهة، و حمل الولايات المتحدة للضغط على العرب للتقاعس عن مؤازرة الشعب الفلسطيني معنويا أو مادياً. ث- عدم التزام "اسرائيل "بالاتفاقيات ،واستمرارها في استخدام العنف المسلح ضد الشعب الفلسطيني، فلم يتمتع المواطن بأية مكتسبات في ظل وجود السلطة الفلسطينية. ج- إنحياز الولايات المتحدة الأمريكية " راعية السلام إلى إسرائيل ، أفسح المجال أمامها لتنفيذ مخططاتها والعمل على ابتزاز السلطة الفلسطينية باستمرار. ح- هناك مخطط واضح من القوى الإسلامية لتخريب أية اتفاقية بين السلطة وإسرائيل ، لأن القوى الاسلاموية تؤمن بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، ولذا تعمد إلى تنفيذ عمليات انتحارية في قلب إسرائيل بعد كل عملية تهدئة أو اتفاقية بين السلطة والإسرائيليين ، مما وفر لإسرائيل الذريعة الدائمة بالانتقام، وبالتنصل من أي اتفاق مع السلطة، بل وحتى بضرب السلطة باعتبارها عاجزة عن منع تلك العمليات. خ- في سياق التسابق على كسب مشاعر الشعب الغاضب، قامت "فتح " بإنشاء جناح فدائي لها باسم سرايا القدس، وهذا ما برر لإسرائيل ضرب السلطة الفلسطينية نفسها باعتبارها غير جادة في الالتزام بالعملية السلمية. د- تفسخ السلطة الفلسطينية المكونة من "فتح " بشكل رئيسي ، واستشراء ظواهر الصراع الشخصي، و الفساد واستغلال النفوذ، إضافة إلى ما اتسمت به القيادة من عجز عن استيعاب الأجيال الجديدة. ذ- في ضؤ تشابك كل تلك العوامل، وفي ظل تزايد العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين الذي ازدادت وتيرته على يدي الليكود، واستمرار عمليات المطاردة والاغتيال، وعدم إطلاق سراح الأسرى، وبناء الجدار العازل الذي يراد له أن يقتطع المزيد من الأراضي الفلسطينية، فإن مرجل الغضب في قلوب الشعب ورغبته في الانتقام، تدفعه لتأييد من يرفع الشعارات الجذرية، أو البراقة، أو التي تدغدغ العواطف، ومن يقدم الضحايا رغم الضربات الإسرائيلية، فالشعب لم يكسب شيئا ولن يخسر سوى أغلاله. ر- نجحت "حماس " في صنع تلك الصورة المقاومة التي تعبر عن حالة عنف" ردة الفعل"، والقدرة على الاستمرارية، فما كان من الشعب إلا أن صوت لها نكاية بإسرائيل وبالسلطة على السواء.
إن عالمنا العربي على أبواب مرحلة جديدة ستأخذ القوى الاسلاموية فيها زمام المبادرة ، ولن يوقفها شئ إلا إذا وصلت إلى السلطة، وحينها ستتعرى كما تعرى غيرها، إلا أنها قد تكون أكثر انضباطاً ونزاهة في البدء حتى تجرب المغانم، أو تصطدم بمواجهة استحقاقات الواقع والتحديات الكبيرة كما واجهها غيرها. ويقينا فمهما فعلت فلن تحصد تلك الأغلبية المطلقة وهي في السلطة مرة أخرى ، وستعود الأمور إلى طبيعتها حيث لا يمكن أن يستقطب أي تيار 70في المئة من الشارع مهما كانت قدرته ، وإن أقصى ما يمكن أن يصل إليه هو 30-40 في المئة شريطة أن تتوفر الحرية الكاملة لكل التيارات السياسية الأخرى بالعمل بكل حرية في الفضاء الاجتماعي والثقافي والفكري والسياسي. أما إذا أقامت السلطة الجديدة "مجلس تشخيص مصلحة النظام" ، وسيرت دوريات هيئات الأمر بالمعروف، لاقتياد الناس إلى المخافر ، أو سعت لتقليد "طالبان" أو السودان في جل ممارساته، فإن ذلك سيؤدي إلى كارثة على السلطة الجديدة وعلى الفضاء الثقافي والسياسي العربي، في فلسطين أو غيرها.
#علي_الدميني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أصدقاء الحرف والحرية والفضاء الديمقراطي
-
ملخص ما جاء في استئناف الثلاثة د. عبد الله الحامد د. متروك ا
...
-
علي الدميني يطالب الحكومة السعودية بتطبيق الميثاق العربي لحق
...
-
ملحق الدفوع المقدمة من / علي الدميني إلي هيئة المحاكم الموقر
...
-
مرافعة
-
بعد منع الحكومة له من رؤية والده قبل وبعد وفاته الدميني يوضح
-
مــــرافعــــة أولــــى -المجتمع المدني ودوره في الحد من الع
...
-
كلمات للقيد .. وأغنية للحرية
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|