مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 1446 - 2006 / 1 / 30 - 09:38
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
قبل الجواب على هذا السؤال القديم , الجديد , المطروح والمشروع الاّن أكثر من أيّ وقت مضى - لماذا تراجع اليسار والعلمانيّة .. وهيمن اليمين والظلاميّة الدينيّة .. ؟
لابدّ لنا من أن نهنّئ الشعب الفلسطيني البطل , في الإنتخابات التشريعية الأخيرة لإختياره سلطته الجديدة , بغضّ النظر عماّ فاز فيها - فهي تجربة عربيّة ديمقراطيّة رائدة ونموذجيّة في العالم العربي والمنطقة , بصدقها , وشفافيتّها , وحريّتها , نتمنّى أن تنتقل هذه التجربة ( بالعدوى ) إلى وطننا الحبيب سوريّة , لكي تنعم بعرس الإنتخاب الديمقراطي , كما نعمت به الكثير من شعوب البلدان المحيطة بنا , وشعوب العالم ,
كما نهنّئ منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة وقياداتها وكوادرها التي هيّأت وأنتجت هذه الإنتخابات .
طالما نحن نعيش في عصر السرعة , فأحداث العالم اليوم أصبحت متواترة , ومتسارعة بالمفاجاّت و ( الهزّات البشريّة ) والأرضية . فالمجتمع البشري مجتمع متحرّك بشكل دائم ومستمرّ على كل الأصعدة والمجالات , لا مكان للثبات والجمود فيه إلاّ في ( سورية الأسد ) .. ؟ !
لاشكّ أن العالم قاطبة ..عاش بالصوت والصورة أسبوع " العرس الفلسطيني " , وحقيقة قد كان درسا للعالم , قبل أن يكون درسا بليغا للديكتاتوريّات والأنظمة العربية الرجعيّة , وهنا .. واجب علينا أن نرفع التحيّة الكبيرة والتقدير للسلطة الفلسطينية وللرئيس محمود عبّاس ( أبو مازن ) والمسؤولين في كل المواقع لإدارتهم المعركة بكلّ مسؤوليّة وانضباط وديمقراطيّة . وقد أحدثت هذه التجربة تساؤلات كثيرة وكبيرة , واّراء متباينة , بعضها مؤيّد , وبعضها رافض , وبعضها محايد أو مترقّب , المهمّ أن هناك صورة , ووجه , وسلطة فلسطينية جديدة دخلت الساحة ..
فالعمليّة الإنتخابية الديمقراطية .. هي وحدها التي تقيّم , وتغربل , وتنشّط الحياة السياسية والشعبية , والثقافية .. والتربوية ..
إنها عمليّة التواصل والتفاعل بالجماهير بالاّراء المختلفة ومطالبها المشروعة , الإحتكاك بالناس عن قرب والنزول للشارع وملامسة اّلام ومعاناة الشعب .. وحدها لغّة تواصل القيادة مع الشعب ومساءلة الذات , وتفعيل النشاط والحماس .
إن وجود الأحزاب , والقوى اليساريّة , والقوميّة , في المنطقة , ذو تاريخ عريق وقديم , وهي أقدم التنظيمات السياسية في الساحة العربية والكردية .. وغيرها .
أكثر من سبعين عاما وهي تناضل , وتقدّم التضحيات تلو التضحيات , في ظروف علنيّة , وسريّة ( إضطهاد سجون منافي تشرّد أسرى إعدامات .. الخ .. ) - وحتى يومنا هذا لم تظهر ولم تنصر , أو تستلم السلطة في أي بقعة عربيّة عدا ( اليمن الجنوبي ) القصيرة ..والمأساة - ( .
هذا الواقع المرير واللوحة السياسية المظلمة التي نعيشها اليوم .. تدفعنا أن نتساءل , بل من واجبنا الوطني والمبدئي أن نتساءل بجرأة لماذا كلّ هذا حلّ باليسار العربي ومنظّماته عموما , كلّ هذه النكسات والماّسي والتهميش التي حلّت به ؟
هل نضع المسؤولية كالعادة على مشجب الإرهاب والقمع والإمبريالية .. الخ , أم أن هناك أسبابا موضوعيّة أساسيّة جوهرية لبلوغ هذه النتيجة المأسويّة ؟ وفي رأيي المتواضع أرى بأن أبرز هذه الأسباب والعوامل تعود للأمراض والأخطاء والإنحرافات التالية , وهي لاتحتاج إلى الكثير من العبقرية أو الإختلاف , ولمعرفة حقيقتها بعناوين كبيرة أوليّة :
أوّلا - العوامل الذاتية
ثانيا - العوامل المحليّة - والأقليمية
ثالثا - عوامل دوليّة .
العوامل الذاتية :
هناك الكثير من الأسباب والعوامل الذاتيّة , وأهمّها أولا :
هناك شبه إنفصام تام بين النظريّة والشعارات والبرامج التي طرحها اليسار العربي وتبنّاها , وبين التطبيق والممارسة العمليّة اليومية بين الجماهير صاحبة المصلحة الرئيسية في التحرّر من الإستغلال والعبوديّة , أو الإحتلال الأجنبي .
التكوين الطبقي للإحزاب والحركات اليساريّة التي رفعت راية تمثيلها للطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وبقية الشعب الكادح . ولم يكن في قيادتها عامل واحد أوفلاّح فقير واحد مع إستثناءات بسيطة , لا تبدّل شيئا من الواقع , وهذه القيادات من ( المثقفين ) البرجوازييّن الصغار هي التي حرفت هذه الأحزاب عن خطّها الثوري المفترض , وخانتها طبقيّا وحوّلتها إلى ذيل للبرجوازيّة الحاكمة - وهنا لا بد أن نستثني من هذا الواقع المرّ مرحلة تأسيس الحركة الشيوعيّة في مصر عام - 1920 - 1921 - بقيادة فرح أنظون , وعمّال مرفأ الإسكندريّة ) , وفي سوريّة ولبنان - 1924 - على يد الطبقة العاملة الناشئة في هذه البلدان بقيادة ( فؤاد الشمالي ورفاقه ) .
ثانيا : ظهور .. وسيطرة عبادة الفرد في المرحلة الستالينيّة من نضالها حتى يومنا هذا , نتيجة غياب الديمقراطيّة وقمع الرأي الاّخر . فالديمقراطيّة لا يبنيها إلاّ الديمقراطيّون , والإشتراكيّة لا يبنيها برجوازيّون وإنتهازيّون ..
ثالثا : التبعيّة العمياء للمحرّفين السوفييات , التي أفقدت هذه الأحزاب إستقلالها , وقراراتها النابعة من مصلحة شعوبها وأوطانها وواقعها بالدرجة الأولى , لأن التبعيّة نقيض الأمميّة , القائمة على الإحترام المتبادل وتبادل التجارب النضالية لا أكثر .
رابعا : غياب الديمقراطيّة .. وتربيتها وثقافتها وأخلاقها في بناء هذه الأحزاب التي قضى بعضها عقودا طويلة دون أن تعقد مؤتمرا , أو تنتخب قيادة بأسلوب ديمقراطيّ , حتى بلغ الإستهتار بالديمقراطيّة بتحويل بعض الأحزاب إلى مزرعة خاصّة تنتقل ملكيّتها بالوراثة كما حدث بالحزب الشيوعي السوري - ومنهم أخذ أحزاب البعث هذا التقليد .
خامسا : غياب الثقافة والإبداع , والغربة عن دراسة الواقع ومسح المجتمع .. طبقيا مهنيا اقتصاديّا ووو.... الى غير ذلك في كل الإختصاصات .
ضعف دور المرأة في هذه الأحزاب - باستثناءات صغيرة لبعض الأحزاب الجديدة -
سادسا : عدم طرح شعار العلمانيّة , وفصل الدين عن الدولة , أي عدم تسييس الدين وتحكّمه بالأحزاب والبرامج السياسية , - مع إحترامنا لكل الأديان - حتى لا تحكمنا العمائم والشيوخ بعد كل هذا النضال والوعي والتقدّم البشري - وعدم تطوير البرامج والشعارات تبعا للمتغيّرات , دون المساس بالثوابت الوطنية والطبقيّة .
أما الأحزاب القومية سواء التي اغتصبت السلطة في إنقلابات عسكرية , أوالتي بقيت خارجها , فمعظمها تبنّت ومارست الفكر الشوفيني _ وقمعت الفكر الاّخر - وبنت الأنظمة الشمولية وسلطة الحزب الواحد الذي تحوّل إلى طبقة مستغّلة فاسدة من القاعدة إلى القمّة , ودمّرت الإقتصاد الوطني والمجتمع المدني , وبنت السجون والمقابر الجماعيّة مكان المدارس والمستشفيات ومراكز الأبحاث ... الخ
وحملت الكوارث والهزائم لشعوبها , وفي نفس الوقت اضطهدت القوى اليساريّة والعلمانيّة والوطنية ومزّقتها , بينما أطلقت العنان لحريّة اليمين الديني وتنظيماته السريّة والعلنية المتستّرة بالإيمان والدين والمموّلة أكثرها من الخارج .. ؟ وذلك لضرب التيّار اليساري وإجهاضه لتتوائم وتلتقي مع استراتيجيّة أميركا , والتي خلقت الإمبريالية بدورها منظّمات متستّرة بالدين في العديد من بلدان العالم لمحاربة اليسار والشيوعيّة , وتفتيت هذه البلدان ومن ثم الهيمنة أو السيطرة عليها إقتصاديّا وسياسيا وبناء القواعد فيها وإلحاقها ضمن إمبراطوريّها العسكرية المعادية للشعوب -
من أندونيسيا إلى أفغانستان والشيشان ويوغسلافيا إلى الجزائر ومصر والمشرق العربي
ولم تكن منظّمة القاعدة وإبن لادن وزمرته , والخمينيّة وأتباعها , ودعمها ومساندتها للأنظمة الديكتاتوريّة سوى نتاج وحماقة الأمبريالية الأميركية وسياستها التوسّعية العدوانية .. في المنطقة والعالم .
هذه هي العوامل والأسباب الأساسية باعتقادي , التي ساعدت الأصوليّة الدينية في تحقيق انتصاراتها ( مصر - إيران - العراق - ) , وأخيرا في فلسطين ويضاف لها :
السياسة العنصريّة الصهيونية , المدعومة من دول الغرب والولايات المتّحدة الأميركية التي لم تقدّم أي تنازل للسلطة الفلسطينيّة , بل بالعكس اغتالت ( الرؤساء والزعماء : ياسر عرفات وأبو علي مصطفى , واّلاف الشهداء والكوادر الوطنيّة العسكرية والمدنية ) -
رغم تنازل منظّمة التحرير نحو الحلّ السلمي , واستمرّ الكيان الصهيوني في إلإضطهاد وبناء المستوطنات والجدار العنصري العازل , وقضم واغتصاب القدس - إلى جانب الصلف والحقد والغرور ولغّة القتل والتصفيات اليومية إلى اّخر القاموس اللاإنساني في الإبادة البشريّة ..
بالإضافة لتخلّي الأنظمة العربية كلّها عن الشعب الفلسطيني - لذلك لم يبق سوى التياّر الديني - دون أن نبرّئ السلطة , ومنظمة فتح بالأخطاء الكبيرة , والفساد المالي - فعندما تفرغ هذه المنظّمات الثورية والديمقراطيّة من كوادرها العسكرية والسياسيّة والتنظيميّة , فحتما سيأتي البديل الرجعي المتطرّف ليحلّ محلّها ويأخذ الساحة والفوز بالإنتخابات الديمقراطيّة . ..وعندما لا تقيّم المراحل النضالية والبرامج والعمل على إصلاح السلبيّات , وتطوير الإيجابيّات , عندها ستتراكم الأخطاء وتكبر حتى تصبح كرة ثلج ( تفركش ) الحركة وتضيّع عليها مسار الطريق الصحيح .
كلّ هذه العوامل مجتمعة .. أدّت إلى إنخفاض الخطّ البياني لقوى اليسار الفلسطيني والديمقراطي عامّة وأدّى إلى هذه النتيجة في الإنتخابات الفلسطينية التي أحدثت شرخا في المشهد الفلسطيني , ربما كان متوقّعا , وربّما لا .. !؟
اّملين أن يجتاز الشعب الفلسطيني هذه النكسة , أو هذا التراجع , أو المحطّة الجديدة , بوحدته الوطنية .. ووعيه بمزيد من التنظيم وإعادة النظر في كل شئ , من البناء التنظيمي إلى الإجتماعي والثقافي وغير ذلك ..
المجتمع الفلسطيني مجتمع تقدميّ .. وعلماني منفتح .. ومتحرّر وديمقراطي , ولم يكن يوما متخلّفا ومتعصّبا , بل كان دائما وأبدا منفتحا ..على كلّ القوميّات والأديان والثقافات والتيارات الفكريّة والإبداعية المختلفة , وفيه أكبر نسبة من المثقّفين التقدمييّن الأحرار والعلمانييّن - نتيجة مسيرة ثورتهم الوطنية التحرريّة وامتدادها واتسّاعها وانتشارها في كلّ أرجاء الكرة الأرضيّة , ودعم شعوب العالم لها وتعاطفهم معها , لأنها قضيّة عادلة بامتياز .
على منظّمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح .. التي قادت الشعب الفلسطيني أكثر من نصف قرن في مسيرة كفاحيّة طويلة بشتى الوسائل والطرق , وقدّمت التضحيات الجسام والشهداء والأسرى والمعتقلين , قدّمت الدرس الصعب وغير المستحيل لشعبها .. كانت رائدة بديمقراطيّتها رغم كل السلبياّت والأخطاء والإنحرافات والمساومة .. , تبقى طليعية في حركة التحرّر العالميّة ( إذا قسناها بالنسبة لظروفها وجغرافيّتها الغير طبيعيّة )
تهنئة أخيرة لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة وبوجه خاص لمنظّمة فتح .. التي أنجزت هذا الحدث التاريخي ( الإنتخابات الديمقراطيّة ) التي تفتقر لها معظم الأقطار العربية
تحيّة للشعب الفلسطيني الصابر والمناضل البطل .. والحريّة لجميع الأسرى والقادة .. المعتقلين في سجون العدو الصهيوني
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟