|
الأوضاع الثقافية والفكرية في المهدية
تاج السر عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 5525 - 2017 / 5 / 19 - 20:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الأوضاع الثقافية والفكرية في المهدية بقلم : تاج السر عثمان تأثرت حالة الفكر والثقافة في المهدية بعوامل عدة منها : -1 الحروب الداخلية والخارجية التي عاشتها فترة المهدية ، وبالتالى كان الهم الأكبر هو حشد الطاقات وتركيز الجهود في هذا المجال. 2 - قامت ايديولوجية المهدية على فكرة المهدى المنتظر ، فالمهدى هو امام القرن وخليفة رسول الله ، ومن مهامه تجديد الاسلام ورفع المذاهب والرجوع الى الأصل ، اى الى الكتاب والسنة، ومن هذا المنطلق. اعلن المهدى الغاء المذاهب والطرق الصوفية والدينية ، وبالتالى اصبح المهدى هو الاطار المرجعي الوحيد للدين ، هذا اضافة الى أن المهدى رأى أن تعدد الكتب والمذاهب ادى الى اختلاط أمر الدين على الناس واحدث بلبله في عقولهم وأمر باحراق كل الكتب الا الكتاب ( القرآن الكريم ) والحديث الصحيح . كان الامر بحرق الكتب وبالا على حركة الثقافة والفكر في تلك الفترة ، تلك الكتب التى كانت نتاجا لتطور العقل البشري في مراحله المختلفة ، ولولا هذه الكتب والمؤلفات التى اطلع عليها الامام المهدى نفسه لما وصل الى فكرة (المهدى المنتظر) والتى كانت موحودة في مؤلفات (ابن عربي) وغيره ، ولما توصل للمعارف الصوفية والتاريخية التى ساعدته على قيادة الثورة بنجاح، هذا اضافة الى أنها كانت عملية غير مجدية لأن الناس كانوا يمارسون القراءة سرا ، ويذكر بابكر بدرى في كتابه (تاريخ حياتي) أنه كان يمارس القراءة سرا .. هذا اضافة الى أن قرار احراق الكتب ادى الى تعطيل وتجميد الحركة الفكرية والثقافية في المهدية ، وهذا نابع من ايديولوجية المهدية التى من أهم أركانها أن الايمان بالمهدية هى وحدها الاسلام الصحيح والوحيد ، وأن معارضتها كفر وخروج على الاسلام ، وهذا الأمر كان له نتائج سلبية على حركة الثقافة والفكر في المهدية ، وفي وضع كهذا تصبح كل الكتابات والمؤلفات هى تبرير السياسات القائمة، أو الكتابة عن سيرة المهدى أو الخليفة أو اعادة طبع منشورا ت المهدى أو اعادة طبع ما كتبه المهدى عن موقع الخليفة عبدالله بعد وفاة المهدى ، واختزال الحياة الدينية الخصبة في راتب المهدى . 3 - جاء الغاء التعليم المدني ليحرم دولة المهدية والمجتمع السوداني في تلك الفترة من مصادر جديدة للتعليم الحديث مثل علوم الرياضيات والهندسة والموسيقي واللغات الفرنسية والتركية والعلوم ( فيزياء وكيمياء ) التى كانت تدرس في المدارس الابتدائية وفي المدارس التبشيرية ، وكان من الممكن أن يستمر ضوء ذلك الشعاع مع ادخال التعديل المناسب الذي يتناسب مع ايديولوجية المهدية في نلك المدارس ، اضافة الى أن هذا النظام كان نتاجا للفكر الانساني الحديث الذي قامت على أساسه النهضة في اوربا في القرن الثامن والتاسع عشر ، وحتى نظام الخلاوى الذى رجعت اليه المهدية لم تحدث فيها تحولات في نظمها لتتناسب مع مستجدات العصر أو ربطها بمواد التعليم الحديث. 4 - من الناحية الاخرى نجد أن أغلب المؤلفات التى اصدرتها مطبعة "الحجر" كانت تدور حول المهدى والمهدية ، فتم طباعة رسالة الحسين ابراهيم زهرا والحسن العبادى عن المهدى والمهدية وكتاب (الرجبية) في المواريث. وفي امدرمان كتب اسماعيل عبدالقادر الكردفاني تاريخ المهدى والمهدية والذي سماه : ( سعادة المستهدى بسيرة الامام المهدى ) ثم كتابه الصغير ( الطراز المنقوش في قتل يوحنا ملك الحبوش .( وبتكليف من الخليفة عبدالله وضع الطاهر محمد التاتاى كتاب ( مجالس المهدى ) الذى دون فيه اقوال المهدى وحكمه الماثورة وما استشهد به وقد حذا حذوه آخرون من أمثال ابكر علون ووضعوا مصنفات في المجالس . وبتكليف من الخليفة ايضا بدا جمع محررات المهدى التى كانت بايدى الناس وتوجه محمد الامين – وهو من كتاب الديوان – الى اقليم كردفان لهذا الغرض ، وفي ام درمان وضعت مصنفات كثيرة اخذ مصنفوها مادتها من الأجزاء المطبوعة من المنشورات ومن المحررات الأصلية التى كانت تكتشف من وقت لآخر في بيوت الكتاب والأمراء ، وقد كتب عوض الكريم المسلمي مجموعة الفيوضات ، وهى أوفى مجموعة لرسائل المهدى في ام درمان، ( محمد ابراهيم ابوسليم : الحركة الفكرية في المهدية ، ص 54 .( ومن مراكز الثقافة المعروفة في المهدية كانت امدرمان ، وفي شرق السودان مركز ) قرية افافيت ) ومركز دنقلا . وفي هذه المراكز اضافة للمحررات التى تتعلق بثقافة النظام القائم . كانت هناك المؤلفات التى كان يصدرها كتاب المهدية واصحابهم في الاقاليم في الشعر الوجداني ، وكان ميدانهم المفضل هو موضوع الاخوانيات كالتهاني في المناسبات السعيدة وتقريظ المؤلفات والود الاخوى . هذا اضافة الى كثرة الشكوى من الغربة والشوق وعسر الحياة ، وهذا جانب له وزنه الخاص في المهدية ، اذ ترك معظم الناس أوطانهم ليستقروا في النقاط الحربية ويعيشوا حياة الجهاد القاسية بعيدا عن الاصدقاء والاحباب ، وهناك شعر المناسبات العامة وهو كثير ، وكان اغلبه في مدح المهدى وفي موضوع الحماس عامة ، ثم قيل شعر كثير في رثاء المهدى ومدح الخليفة ، الا أنه اغلبه شعر ركيك . ( نفسه : 54 .( ومن الجوانب الادبية التى كان يتبادلها الكتاب في الموضوعات الاخوانية أو فيما يتصل بأعمالهم الثقافية ومن قبيل ذلك محررات التهنئة أو الاعتذار التى كان يحررها الكتاب المتمكنين من أمثال محد مصطفى كاتب الأمير يونس الدكيم كانوا يجدون في هذا المقام المجال لابراز البراعة الادبية والحس الفني ( نفسه : 55 . ( ومن أهم كتاب ( مركز افافيت ) المجذوب يوسف الذي كان كاتبا للامير عثمان دقنه ومحمد المجذوب بن الشيخ الطاهر الذي اعد مخطوط وقائع الشرق الذي وصف وقائع المهدية في الشرق منذ أن حل به عثمان دقنه موفدا من المهدى .. كما صنف محمد المجذوب ايضا مجموعة ( الفيوضات الوهبية ) المحفوظة بمتحف باريس ( نفسه : 56 .( كما كان من أهم الكتاب بمركز دنقلا الشيخ محمد عبدالرحيم صاحب المؤلفات العديدة في تاريخ السودان والذي توفي في سنة 1966 م . هكذا نخلص الى أن نمط الثقافة والفكر والادب والشعر الذي كان سائدا في المهدية والذي كان يدور حول المهدى والمهدية والنتائج التى ترتبت على حروباتها مثل الحنين الى الوطن وغيره . وفي مضمار الثقافة والفكر في المهدية ايضا ترد كتابات المعارضين أو خصوم المهدية مثل: كتابات العلماء والفقهاء ورسالة الشيخ دوليب المعارضة للمهدية وفي الادب والشعر ( للمزيد من التفاصيل راجع : بشرى أمين : مع شعرائنا القوميين ، دار الارشاد 1971 م ، ص 9 ، وما بعدها حول الادب القومى في المهدية .( اى أن المهدية شهدت ثقافة منحازة لها وثقافة معارضة ، ولكن عموما وكتقويم عام ، يمكن القول أن المهدية شهدت قحطا ثقافيا وفكريا للاسباب التى أوردناها سابقا .. مراجع: 1-تاج السر عثمان: دراسات في التاريخ الاجتماعي للمهدية، مركز عبد الكريم ميرغني 2010م. 2-محمد ابراهيم ابوسليم:الحركة الفكرية في المهدية، دار جامعة الخرطوم 1970م. 3-الاثار الكاملة للامام المهدى ( 1 -5)، تحقيق د . محمد ابراهيم ابوسليم ، دار جامعة الخرطوم للنشر .
#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليقظة ضد إعادة إنتاج الاسلام السياسي
-
موقف الحزب الشيوعي من أحداث الجزيرة أبا
-
معاوية محمد نور (1909- 1941) : من كتاباته الفلسفية
-
الذكري 134 لرحيل كارل ماركس
-
المرأة في حضارة النوبة في السودان الوسيط
-
إسهام الطبقة العاملة السودانية في ثورة 1924م
-
الماركسية والمدارس النسوية
-
ما هو منهج ماركس في بناء نظريته عن المجتمع؟
-
الذكري 32 لاستشهاد الاستاذ محمود محمد طه
-
الذكري ال 61 لاستقلال السودان
-
أزمة النظام تتفاقم.. المزيد من التعبئة والتنظيم والوحدة
-
العصيان المدني سلاح مجرب لإسقاط النظم الديكتاتورية
-
الذكري الخامسة لرحيل المناضل التجاني الطيب
-
كيف تناول الحزب الشيوعي السوداني قضايا المناطق المهمشة؟
-
محطات في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني (2)
-
الذكري ال 150 لصدور مؤلف ماركس -رأس المال-
-
الذكري ال 52 لثورة 21 اكتوبر 1964م
-
الحوار وتراكم المقاومة الجماهيرية والبديل
-
تعقيب علي مقال عمرو محمد عباس
-
لاحوار بدون دفع النظام لإستحقاقاته
المزيد.....
-
عيد الفطر في مدن عربية وإسلامية
-
العاهل المغربي يصدر عفوا عن عبد القادر بلعيرج المدان بتهمة ق
...
-
المرصد السوري يطالب بفتوى شرعية عاجلة لوقف جرائم الإبادة
-
عبود حول تشكيلة الحكومة السورية الجديدة: غلبت التوقعات وكنت
...
-
بقائي: يوم الجمهورية الإسلامية رمز لإرادة الإيرانيين التاريخ
...
-
الخارجية الايرانية: يوم الجمهورية الإسلامية تجسيد لعزيمة الش
...
-
الملك المغربي يعفو عن عبد القادر بلعيرج المدان بتهمة قيادة ش
...
-
بكين: إعادة التوحيد مع تايوان أمر لا يمكن إيقافه
-
العالم الاسلامي.. تقاليد وعادات متوارثة في عيد الفطر المبارك
...
-
اتصالات هاتفية بين الرئيس الإيراني وقادة الدول الإسلامية
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|