محمد أحمد يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 5522 - 2017 / 5 / 16 - 10:51
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
[email protected]
العنوان: ردا على مقالة الماركسيون و عبد الناصر
محمد أحمد يوسف
أولاً أود أن أُبدى تحيّاتى و تقديري لـرفيقي راجي على المجهود الرائع فى مقاله "الماركسيّون و عبد الناصر", و لكن وللأسف لم يكتمل مجهوده هذا, فإرتداء قناع الحيادية الزائف (اياً ما كانت نواياه) فى مقال مهم كهذا هو بلا معنىً, بل و يطرح الكثير من التساؤلات, وكان لابد من تقديم بعض الإيضاحات و التعديلات على هذا المقال, و سأحاول هنا أن أحدد وأعالج بعضها.
يبدأ الرفيق راجي حديثه بـ: """وقع انقلاب يوليو في ظل تفتت تام للماركسيين المصريين.""" _ صحيح أنّه فى هذا الوقت كان هناك تشرذم للحركات الشيوعية المصرية, لكنّه لم يكن مقصوداً أو مفتعلاً بل كانت له أسبابه, منها الهجمة الشرسة فى الأربعينيات على الشيوعيين المصريين من قبل البوليس السياسي المصرى فى العهد الملكى؛ بسبب تواجدهم الواضح و الكبير فى المصانع والشركات وتنظيمهم المتكرر للإضرابات, ومشاركتهم فى المظاهرات المناهضة للإحتلال البريطانى للقناة, و قد كان للحركات الشيوعية المصرية وقتها نصيباً من النضال, فقد شارك فصيل مكوّن من الشيوعيين فى الهجمات على المعسكرات الإنجليزية فى مناطق القناة فى ذاك الوقت, و هو ما أدّى لاحقاً لنزوح تلك الحركات رغماً عنها للعمل السرّي, وهناك منظمات أخذت فكرة العمل السرّي إلى أقصى حدّ يمكن أن يتخيّله شخص.
إحدى أهم الأسباب أيضاً؛ هى التركيبة الداخليّة لكل حركة و ميراثها الذي أقيمت عليه, فمثلاً كانت (حدتو) عبارة عن حركة تضم الأجانب واليهود المصريين إلى جانب أولاد الطبقة العليا و المتوسطة العليا من ذوي الفكر والتعليم فى الخارج. على العكس من هذا كانت حركة (طليعة العمال) و التى كانت تتواجد أساساً فى وسط العمّال و تتميّز بحراكها الثوري على الأرض, لكنّها كانت بعيدة قليلاً عن التركيب النظرى السليم, وهو ما أوجد حالة تنافر بين تلك الحركات بسبب تناقضاتها تلك.
"""ووحدها حدتو اشتركت في انقلاب الضباط ودعمته بأفرادها وجهازها الفنّي. بينما وقفت بقيّة التنظيمات معادية على طول الخط لحركة الجيش بوصفها انقلابا أمريكيا""" _لم تكن تلك المنظمات معادية فى بادئ الأمر لكنها كانت تنظر للأمر بعين الريبة و تنتظر إلى أن تتضح الرؤية السياسية والتوجّه السياسي لأولئك الضباط أولاً, و لقد كانت حدتو وحدها مشاركة لأسباب هيكليه وهى أنّها كانت مكونّة بالأساس من أبناء الطبقة البرجوازية المصرية و الطبقة المتوسطة العليا, وهو ما سمح لها بأن تتغلغل في النسيج العلوي للمجتمع المصري أنذاك, وقد كان الجيش فى ذاك الوقت, أحد مكوّنات هذا النسيج. أمّا بخصوص موضوع "الإنقلاب الامريكي", فقد استندت تلك الرؤية على التقارب الذي حدث بين السلطة و بين الإدارة الأمريكية فى أول ايّام الانقلاب, وقد كان ذلك واضحاً للغاية, حيث كان وزيرالخارجية الامريكية فى ذلك الوقت هو أوّل الزائرين للضباط, وأوّل مُهنئيهم, كما كان اقحام السلطة فى ذاك الوقت للإخوان فى المشهد السياسي, أمراً يشير إلى شئ يحدث فى الخفاء, وهو دليل أيضاً على قرب السلطة من القوى الإمبريالية.
"""منذ أزمة مارس حتى صفقة السلاح التشيكي، سيتحد الماركسيون علي مستوى الخطاب المعادي للسلطة, وإن كانت حدّة هذا الخطاب مختلفة من مجموعة إلى اخرى. لكن الثابت تاريخياً أنّ الماركسيين فشلوا في تحديد موقف علمي صحيح من السلطة الجديدة. فشلوا في تحديد المضمون الوطني لسلطة الضباط.""" _ليس كل الماركسيين , فقبل "التحوّل" الظاهري المحدود في مؤتمر باندونج, كانت بعض الحركات الشيوعية قد كوّنت نظرة متوازنة عن مكوّنات السلطة الفاشية, وإحدى تلك الحركات كانت الراية على ما أتذكر, وقد كان لكورييل أيضاً مقال مثير عن الموضوع قبل طرده , لكن لم يدم الأمر.
"""ولم يكن اليسار الماركسي تحت قيادة عناصر يهودية""" _ما المقصود بـ"تحت قيادة عناصر يهودية" أهذا عيب ؟! , ماركس كان يهودياً, أيفترض بهذا أن يعني أي شئ؟ إنّ وضع مثل هذه العبارات والتعليقات على الأديان وأتباعها, يفتح باباً على أشياء معادية للمنطق, كنظريّات المؤامرة السخيفة, كما أنّها تُعبّر عن عداء لا داعي له فى التعامل مع البعض بناء على انتمائهم الديني فحسب, وهو ما يضعنا فى منطقة اللاعلم حيث أنّ التفضيلات الدينية للبشر ليست هى الدافع و المحرك, بل إنتماءاتهم الطبقية هي الأهم.
"""كان تكوين الضباط الأحرار نتيجة حتمية لفشل الماركسيين في القيام بدورهم، لفشلهم كطليعة في تنظيم الجماهير الشعبية لسحق النظام كله، القصر وملّاك الأراضي والرأسمالية الصناعية والمصرفية المبتسرة الخائنة بحكم النشأة. لذا فلا أرجح صحة الاعتقاد القائل بأن حركة الجيش كانت مؤامرة لإجهاض التحرك الشعبي المنتظر""" _هذا أيضاً غير صحيح , لقد كانت كل المؤشرات تظهر بوضوح قوة وعمق تأثير الحركة الماركسية فى نسيج المجتمع المصرى, ويرجّح البعض أنّه لو لم يحدث انقلاب يوليو لسيطر الماركسيون أصحاب التواجد السياسي الكبير فى الشارع وبين الفدائيين وفي الجيش على السلطة, وأتفق إلى حدّ ما, أنّ حركة الجيش ليست مؤامرة بالكامل وإنْ كانت مدفوعة من النظام الأمريكي الذى يرغب بالحصول على موطئ قدم له فى الشرق الوسط النفطى من بوابته الأكبر.
"""وكورييل الذي تمّ ترحيله مع بني جلدته من الأجانب المتمصرين كانت أصابعه لازالت تلعب""" _لقد كان كورييل بعد طرده فعلياً خارج الإطار بالنسبة لحركة حدتو, وأشكك في تواصله حتّى مع بعض الحركات الأخرى, وأعتقد أنّ هناك تعمداً لتعظيم دور كورييل, وهو ما أراه غير صحيح و يخدم هدفاً معروفاً ما يقصد به.
"""الزعيم""" _و هنا نرى تضارباً غريباً فى الكلمات, حيث يقول رفيقنا أحياناً """النظام الفاشى - السياسات الفاشية""" ثمّ نراه هنا ينعت ناصر "بالزعيم"! وهو ما أراه إصراراَ على اللهجة المُقَنّعَة بـ"الحياديّة", التى تحدد مسار و بنية المقال, ولا أدري ما إذا كان هذا مقصوداً أم لا, لكنّه بكل تأكيد لا يخدم ""علميّة النقد"" المراد تقديمه """.
لم يستطع الماركسيون تقديم نقد مبدئي للسلطة فيما يخص التحول الاجتماعي والديمقراطية. كان التصوّر أنّه مادام النظام وطنياً فكل شئ ثانوي.""" _لقد كانت هذه الفكرة إحدى أهم الأسباب التى أدّت لتهاوي الحركة الماركسية, ليس فى مصر فحسب بل وفي الشرق الأوسط كلّه, وهي ترجع للهبّة الإستعماريّة التي حدثت فى المنطقة, ولازلنا للآن في مصر, وفي أنحاء عدّة من المنطقة العربية نشهد حركات تتبنى ذاك التصوّر المتهاوي اللاعلمي, ومن أمثال تلك الحركات فى مصر, حركة الديموقراطية الشعبية, وهو إنْ دل على شيء, فلا يدل سوى على التهاوي النظري والفكري لمثل تلك المجموعات والحركات, وغيابها التام عن النشاط الثوري على الأرض, وهو ما أدّى لتبني ذلك التصوّر الخارج عن نطاق المكان و الزمان والمجتمع, كذلك كانت التنظيرة الجديدة للإتحاد السوفييتي, المسمّاة بالتطوّر اللارأسمالي, إحدى أسباب التهاوي, والذى فشل الماركسيون القدامى فى إدراكه, وإدراك طابعه الانتهازيّ, وهو ما فُرض عليهم قبوله لاحقاً, تحت تهديد النظام الفاشي فى مصر.
""""ستظل يحكم علاقتنا بعبدالناصر تحديداً جانبين، كونه صاحب فضل لا يجحد، دور لا ينازع، كونه أوّل مصري يحكم مصر بعد قرون من الإحتلال الأجنبي, ذاقت فيه بلادنا ويلات الضياع والاستعباد والذل، كونه خاض خلال 18 عاماً من حكمه معركة عظيمة، لكننا نرى أنّه خاضها بالطريقة الخاطئة، وأنّه أهدر علينا فرصة تاريخية لجعل انقلاب يوليو الثوري مرحلة فاصلة لا ارتداد على دلالاتها الوطنية والاجتماعية. كونه باختياراته قد سمح لتناقضات رئيسية أن تتطوّر في قلب التجربة, وكان انقلاب السادات تتويجاً طبيعياً لما شاب المرحلة من عيوب قاتلة. نحن لا يمكننا أن نكره عبدالناصر، الجدّ، مؤسس جمهوريتنا، لكننا في ميزان التقييم السياسي لنا كامل الحق في تعرية المرض العضال الذي فتّ في عضد آخر تجارب التحرر الوطني في مصر."""" _في الواقع إنّ حكم ناصر, وما أسسه لمصر الجمهورية يتساوى (إن لم يكن يزيد) مع ما فعله أولئك الغرباء و المحتلين , بل و ربما لا أبالغ إن قلت أنّ الضياع الذى تعانى منه مصر اليوم هو الأكثر على مُضيّ تاريخها الطويل, فهذه المرّة لم يكن التجريف فى النسيج العلوي من المجتمع المصرى ومكوناته, بل وتغلغل فى وجدانه و مكوّناته السفلى بالتساوي, فتم تجريف المجتمع المصرى تماماً من مكوّناته الثقافية, وقتل أي محاولة للتنوير, ولنشر الفكر والثقافة فى المجتمع المصرى بكل مكوّناته, ولقد كان السادات تتويجاً للمسيرة الناصريّة, اختار السادات الجانب الذي أسس ناصر لوجوده, النكبة التى جلبها ناصر على مصر لا مثيل لها, وإنْ كان السادات والنكسة تتويجاً لها فهذا ليس جُلّها, بل ذاك الخلل الاقتصادى والسياسي والاجتماعى الذي تأسس فى العهد الناصرى, هى أشد تلك النكبات بكل تأكيد يمكننا كره ناصر , بل وعلينا هذا, ولكن ليس كشخص فناصر ليس سوى فكرة موبوءة حلّت على المجتمع المصرى بالتساوي مع ما تبعه, فالكره هنا هو كره الفكرة و ليس الشخص كما يفعل البعض, علينا ألّا نقع فى الفخ "الشعورى", والذى يقع فيه دائماً بعض الاشتراكيين فى مصر فى تلك المسأله تحديداً, إنّ الإنصاف فى النقد السياسي يقودنا بمالاشك فيه, ليس غلى كره ناصر وما جلبه وأسس له فى المجتمع المصري, بل وإلى كره كل من دافع ويدافع عنه ومن ضمنهم شيوعيوا الماضي, فهذه في النهاية كانت خطيئتهم الأكبر.
مقال غنيّ ومجهود محمود, لكنّه للأسف يعاني من انعدام للتوازن بعض الشئ, وأهم نقاط اختلاله قليلاً, هى التعامل مع ناصر الشخص ومحاولة تجميل وجهه كشخص ووجه نظامه ووتصويره كضرورة أو كضرر لابد منه, ولعلّ هذا هو ما أخرج المقال الممتع عن دقته وحوّله إلى ما يشبه المحاولة للتوفيق بين الجانب الفاشي المصرى و بين الجانب التقدمى, وهو ما أربأ به عن الرفيق راجي.
#محمد_أحمد_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟