|
العلاقة بين الرأسمالية ومبادىء الاشتراكية
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 5520 - 2017 / 5 / 14 - 14:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
العلاقة بين الرأسمالية ومبادىء الاشتراكية طلعت رضوان لايستطيع المؤرخ المنصف إنكارفضل النظام الاقتصادى الرأسمالى فى تأسيس نظام الحكم الحديث، خاصة ترسيخ مبادىء الليبرالية، التى تنقسم إلى فرعيْن أساسييْن: فرع الليبرالية السياسية التى تعنى وضع إطارلمنظومة اجتماعية تُحدّد شكل الحكم. ونظام الحكم الليبرالى يعتمد بدوره على مجموعة من الآليات (= وسائل) منها مجلس نيابى مُنتخب انتخابًا حرًا مباشرًا، حكومة مسئولة أمام البرلمان، رقابة صارمة على المال العام، حق تكوين الأحزاب على أسس سياسية واقتصادية وثقافية وليست على أسس دينية، حق تأسيس منظمات المجتمع المدنى إلخ أما الفرع الثانى فهوالليبرالية الفكرية التى تعنى إطلاق حرية الفكروالتعبيرعنه دون أية معوّقات (مثل القول بأكذوبة ثوابت الأمة) وهذه الحرية تتطلب وجود إعلام حر له حق انتقاد مؤسسة الحكم وكشف كل صورالفساد، حرية البحث العلمى دون أى سقف ، مناخ ثقافى يسعى لترسيخ دعائم دولة (المواطنة) وفق التعريف العلمى الذى لايُفرّق بين المواطنين وقاعدته أنه : لافرق بين مواطن وآخرإلاّبعمله وليس بديانته أوموقعه الطبقى أومنصبه الوظيفى ، أى أنّ (العمل) هوالمعيارالوحيد لحق المساواة التامة بين أبناء الوطن الواحد بغض النظرعن انتماءاتهم الدينية، مع ترسيخ أهم حقين: حق الخطأ وحق الاختلاف وهما الحقان اللذان أزهرا حلم التحضرلدى بعض الشعوب، وبمراعاة أنّ هذيْن الحقين تأسسا على قانون النسبية، وهوالقانون الذى كشف خطورة الإيمان بالمطلق، لأنّ هذا الإيمان يعنى تخطئة كل من لايقف مع أصحاب المطلق حتى ولوكانوا ضد المصلحة الوطنية، اعتقادًا منهم أنهم (وحدهم) الذين يمتلكون الصواب وغيرهم على خطأ، كما أنّ وقائع التاريخ أكدتْ صدق قانون النسبية ، بمعنى أنّ صواب اليوم قد يكون هوخطأ الغد والعكس صحيح، اعترف الفاتيكان بنظرية جاليليو حول دوران الأرض، بعد أنْ أجبره شيوخ الكنيسة على التبرؤمن نظريته، هذا الاعتراف الذى تم بعد أكثرمن 300سنة (رغم أنه جاء على استحياء وبدون إدانة صريحة للتعصب الدينى) بصحة نظرية جاليليوأسطع دليل على صحة نظرية النسبية. وما حدث مع جاليليوحدث مع علماء كثيرين اضطهدتهم المشيخانات الكنسية ومنعتْ كتبهم ثم اعترفت بهم أوروبا بعد انتصارعصرالتنوير على عصورالظلمات مثلما حدث مع كوبرنيكوس وجوردانو برونو وغيرهما. والليبرالية لم تتحقق إلاّبعد أنْ مهّد العلماء والمفكرون لمعنى (العالمانية) التى تـُكتب بالألف فى أدق التعريفات العلمية، لأنها تعنى الاهتمام بشئون العالم الدنيوى الذى يضع البشرقوانينه. ويرى كثيرون إمكان نسبة العلمانية (بدون ألف) إلى العلم بمراعاة ((زاوية المضمون وليس من زاوية الالتباس اللغوى)) وتأكيدهم على أنّ الربط بين المصطلح ومعنى (العالم) أدق لأنّ الترجمة الصحيحة هى (الزمانية) لأنها ترتبط فى اللغات الأوروبية بالأمورالزمانية، أى بما يحدث فى هذا العالم وعلى هذه الأرض. وإذن فالليبرالية ابنة العالمانية، والديمقراطية هى الحفيدة . أما الاشتراكية (وبغض النظرعن مدارسها المختلفة) فإنها تعنى فى المفهوم المجرد العام التوق إلى عالم مثالى يختفى منه الظلم الاجتماعى (لا أقول تختفى منه الطبقات لصالح سيطرة طبقة واحدة وفق النظرية الماركسية، فهذه هى الطوباوية الغيرقابلة للتحقق) أما القابل للتحقق فهو مجتمع يُراعى قواعد العدالة الاجتماعية. بمعنى توزيع الدخل القومى على مواطنى الوطن الواحد بأسس عادلة، هذه الأسس تضع حدًا أدنى وحدًا أقصى لدخل المواطن، ويكون المعيارالكفاءة والتخصص وليس القرب من السلطة الحاكمة. ويلحق بهذا المعيارقانون الضرائب الذى يُفرّق بين المواطنين على أساس الفرق بين الدخل، فمن يكون دخله ألف جنيه تختلف نسبة ضريبته عن من يكون دخله مليون ، وهكذا كلما قل الدخل كلما قلتْ الضريبة المستحقة على المواطن والعكس صحيح مع ارتفاع الدخل، وهومايُطلق عليه الضريبة التصاعدية. وحكتْ الصديقة د. مرفت عبدالناصرأنه كان يتم خصم 65% من دخلها لصالح الضرائب أثناء عملها فى لندن ، مع ملاحظة أنها لاتعمل فى مجال التجارة وإنما كانت أستاذة فى إحدى جامعاتها، وتعترف بأنها لم تشعربالغبن لأنّ ما يُخصم من دخلها للضرائب تجده فى شكل الخدمات التى توفرها الدولة للمواطنين، سواء فى النظافة أوشبكة المواصلات أو التعليم أوالصحة إلخ أعتقد أنّ الرأسماليين فى أوروبا (خاصة بعد النصف الثانى من القرن العشرين) تعلموا من أخطاء آبائهم وجدودهم مع بداية السنوات الأولى للرأسمالية التى تلتْ انهيارالمجتمع الاقطاعى، تلك الأخطاء المُتمثلة فى الأجورالمُتدنية للعمال والفلاحين وصغارالموظفين، والعمل لمدة 12 ساعة (خاصة الطبقة العاملة) ، عمالة الأطفال، طرد العامل فى أى وقت يراه صاحب العمل، الغياب الكامل لأية ضمانات صحية أوتأمينية، فلا علاج ولامعاش إلخ. فى هذه السنوات كانت الرأسمالية الوليدة مُتلهفة على تحقيق أعلى ربح، وكانت وثيقة الصلة بالثورة الصناعية التى حدثت فى إنجلترا وبعض الدول الأوروبية منذ أواخرالقرن18وكان استغلال فائض القيمة (= جهد العامل مقابل القليل من الأجر) أحد أهم تحقيق هذا الربح بجانب احتكارالسوق. لم تستسلم الطبقة العاملة لهذا الاستغلال ، فشهدتْ أوروبا والولايات المتحدة الاعتصامات والاضراب عن العمل، الأمرالذى كان يُكبّد أصحاب الأعمال المزيد من الخسائر. ومع تزايد حالات الاضراب عن العمل وإصرارالطبقة العاملة على الصمود فى مواجهة قمع الشرطة المُساندة لأصحاب الأعمال، كل ذلك أدى لحدوث تطوردراماتيكى فى العلاقة بين العمال وأصحاب رؤوس الأموال. تصاعد هذا التطوربعد الثورة الروسية عام 1917وانتشارالأحزاب الماركسية الداعية إلى الاشتراكية فى أوروبا. وتمكنت هذه الأحزاب من الحصول على بعض حقوق العمال ، وبصفة خاصة حق تكوين النقابات العمالية المُدافعة عن حقوق العمال بل وتنظيم حق الاضراب والاعتصام . ومع ترسيخ قواعد (دولة القانون) فى أوروبا وصارالقضاء مستقلا تمامًا عن السلطة التنفيذية، صدرتْ العديد من الأحكام القضائية لصالح العمال. ومع بداية النصف الثانى من القرن العشرين بدأ ينموفى أحشاء المجتمعات الأوروبية جنين جديد لمنظومة اجتماعية تحقق درجة معقولة من العدالة الاجتماعية، التى استمرتْ فى التطورحتى لحظتنا الراهنة. يذهب ظنى أنّ العلاقة بين العمال والفلاحين وصغارالموظفين وبين أصحاب الأعمال وكذا العلاقة بين الحكومات والمواطنين فى أوروبا وأمريكا فى نهاية القرن العشرين غيرها فى القرن الثامن عشر. وأرى أنّ من بين أسباب تطورتلك العلاقة نحوالعدالة الاجتماعية، هوأنّ الرأسمالية المُعاصرة (طعّمتْ) نظامها ببعض الأفكارالاشتراكية دون المُجاهرة أوحتى مجرد الحديث عن الاشتراكية. فعلتْ ذلك بطريقة عملية تمثلتْ فى تقليل الفجوة بين دخول المواطنين من خلال التوزيع العادل للدخل القومى، التعليم المجانى، مظلة شاملة للتأمين الصحى (تختلف من دولة إلى دولة) إعانة بطالة، رعاية المسنين مع منحهم مزايا خاصة. وإذا كان الرأسماليون الذين بدأوا فى القرن 18 لاهمّ لهم إلاّتحقيق أعلى ربح مع أقصى استغلال ، فإنّ أحفادهم فى نهاية القرن 20 يتبرعون بثرواتهم (ببلايين الدولارات) لصالح الأعمال الخيرية والأبحاث العلمية. وحكى لى صديق مصرى يعيش فى الولايات المتحدة أنّ صديقه الأمريكى بلغتْ ثروته 160 مليون دولار. وعندما تقدّم به العمركتب لأولاده الثلاثة شيكات بمبلغ 3مليون لكل منهم وحجز لنفسه مثل هذا المبلغ. ووزع الباقى على المستشفيات والجمعيات الخيرية. وعندما سأله صديقى المصرى لماذا حرمتَ أولادك من الثروة؟ ردّ عليه: لقد فعلتُ ذلك وأنا غيرمرتاح إذْ كنت أتمنى أنْ يحصلوا على مبالغ أقل ، لأننى أخشى أنْ تفسدهم النقود التى لم يتعبوا فى جمعها وكنت أتمنى أيضًا أنْ يبدأوا من الصفركما بدأتُ أنا. إذن نحن أمام منظومة اجتماعية مختلفة عن منظومة القرن 18 وبشرغيربشرالقرن 18. بل إنّ تجربة المصريين الذين عملوا وعاشوا فى الشمال الأوروبى وكذا التحليلات الاقتصادية والاجتماعية التى تتناول هذه المجتمعات، تؤكد على ارتفاع المستوى المعيشى وتحقيق أقصى درجات العدالة الاجتماعية كلما ارتفع الناتج القومى. فهل تتعلم الأنظمة الاستبدادية التى تتاجربالدين ولاتهتم بتحقيق الحد الأدنى للعدالة الاجتماية من تجربة أوروبا التى جمعتْ بين آليات الليبرالية (ابنة العالمانية) ومبادىء الاشتراكية (دون الافصاح عن ذلك) والأكثرأهمية أنّ العدالة الاجتماعية توازى معها الاعتراف الكامل بحقوق المواطنة من حريات سياسية وفردية. وهل يأتى يوم على البشرية تكون فيه قد تخلصتْ من شرورالاستبداد ، سواء كان باسم الدين أوباسم أية أيديولوجيا سياسية أو منظومة اقتصادية؟ ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المواجهة بين الجامعة المصرية وفكرة (الجامعة الإسلامية)
-
الأحزاب السياسية وموقفها من العلمانية (قبل ثورة1919) 1- حزب
...
-
مقارنة بين التعليم (الحالى) وثقفافة الأميين
-
مصطفى درويش: إنسان نبيل ومثقف تنويرى نادر
-
التفاعل الثقافى بين نقد تاريخ الإسلام وتهمة التراجع
-
ثقافة الأميين المصريين (2)
-
ثقافة الأميين المصريين (1)
-
أليست الأمثال الشعبية من إبداع الشخصية القومية
-
العلاقة بين الإنسان والطبيعة وفكرة (خالق الكون)
-
كيف كان المثقفون فى العشرينيات يقاومون الغيبيات؟
-
هل كان للعرب دورحقيقى فى العلوم الطبيعية؟
-
هل إسرائيل دولة (مزعومة) كما قال تلاميذ عبدالناصر؟
-
عمر عنايت ونبوءاته التى تحقّقتْ
-
ما سرتناقض الإسلاميين بين سلوكهم وأفكارهم؟
-
الشطط فى كتب تفسير القرآن
-
وعى الليبراليين بأهمية التفاعل بين الشعوب
-
النظام المصرى والهوس الدينى عند المسئولين
-
الأصوليون الإسلاميون وازدواجية المعايير
-
أنظمة الاستبداد وظهيرها الدينى
-
هل كان العرب مثل الأطفال بدون خبرة ؟
المزيد.....
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|