|
فتح عينك، تاكل ملبن - أفكار ومقترحات لإصلاح المنظومة الضريبية فى مصر
محمد شيرين الهوارى
الحوار المتمدن-العدد: 5518 - 2017 / 5 / 12 - 00:04
المحور:
الادارة و الاقتصاد
مدخل: جميعنا يعرف هذا الموقف الغريب عندما نشترى سلعة ما أو ندفع قيمة خدمة من الخدمات وننظر إلى الفاتورة بتعجب شديد حيث تواجهنا مجموعة لا نهائية من الأرقام واللوغاريتمات التى لا نفهم منها إلا القليل أو ربما لا نفهم منها شيئاً على الإطلاق سوى أننا مطالبين بسداد ضرائب ورسوم على المُنتَج أو الخدمة تقارب سعره الأصلى أو ربما تزيد (كما هو الحال بالنسبة لتذاكر الطيران مثلاً) دون أن نجد لهذا أى سبب منطقى. ولا أعتقد بالتالى أن هناك فى مصر من يُنكر أن نظامها الضريبى ليس فقط يحتاج إلى الإصلاح ولكنه فى الواقع يتطلب قنبلة نووية شديدة الانفجار لتنسفه وتقضى عليه من بكرة أبيه حتى يتسنى لنا بناء نظام جديد تماماً يتسم ولو بالحد الأدنى من المنطق والعقل ونحافظ من خلاله على حق الدولة دون المساس المبالغ فيه بالمواطن وقوت يومه، أى عكس ما يحدث الآن وما كان يحدث فى الحقيقة منذ بداية تسعينيات القرن الماضى مع بلورة التيارات النيوليبرالية لتوجهاتها الحقيقية بوضوح وهى المجموعات التى سيحسب لها التاريخ ابتداعها لأساليب جديدة فى مص دماء الشعب وافقاره ووضعت الأسس لكافة ما نراه اليوم من عبث ضريبى، حتى لو لم نكن نشعر بذلك فى حينها حيث تطلب الأمر بعض الوقت حتى يختمر ويتبدى لنا بنظام "أظهر وبان وعليك الأمان". فمن منا لا يذكر العصر المباركى المرير الذى صدرت إبانه التشريعات الضريبية المحابية لكبار رجال الأعمال وللشركات العملاقة على حساب الطبقات الأقل حظاً من حيث المستوى الاقتصادى واستهدفت زيادة الثرى ثراءً وزيادة الفقير فقراً مثل ضريبة المبيعات التى طُبقت بموجب القانون 11 لسنة 1991 ومعها ضريبة المحليات فيما كان إحتذاءً بالنموذج المُطبق فى ولاية تكساس الأمريكية تحديداً دون أى مراعاة لاختلاف الإطار والظرف الاقتصادى العام. ومن هنا صار البحث عن العدالة الضريبية هو بمثابة مجهود من يريد أن يحصل على جائزة "اللى لقى التايهة" فى مواجهة الشاطر حسن المتمثل فى مجموعة رجال الأعمال "الناصحين" ممن يتصرفون وفقاً لنظام "فتح عينك، تاكل ملبن" بينما يضطر عامة الشعب البسطاء إلى "أكل الزلط وسف التراب". هذا لأن ضريبة كضريبة القيمة المُضافة مثلاً لا يوجد بها أى تدرج، بل تُفرض على الجميع بشكل متساوى ويدفعها فى حالة السلع الغذائية كالخضراوات واللحوم وغيرها الفقير بنفس قدر الغنى ولكن يتأثر الأول بها أكثر بشكل ملموس حتى لو كانت السلعة التى يشتريها أرخص نسبياً. فلنفترض مثلاً أن الأثرياء يدفعون جنيه واحد قيمة ضريبة قيمة مُضافة على كيلو من الخضراوات ثمنه عشرة جنيهات ويمثل هذا نسبة 0.004% من دخله الشهرى البالغ 25000 جنيه مثلاً (وهذا على أقل تقدير)، فسيدفع الفقير حال اشترى جودة أقل من نفس الخضار 0.70 جنيه لو كان سعر بيعه سبعة جنيهات وبما يمثل 0.028% من دخله الشهرى البالغ وفلنقل 2500 جنيه (وهذا مبلغ أعلى بكثير من واقع الطبقات الكادحة والمقهورة). باختصار: سيتأثر الفقير أكثر سبعة مرات من الغنى حتى بعد أن ناخذ فى الاعتبار أنه يشترى سلع ذات جودة متدنية بسعر أقل فى المطلق. بمعنى آخر: سيكون مظلوماً فى المطلق وفى النسبى إلا إذا اشترى كيلو الخضروات الذى يشتريه الغنى بعشرة جنيهات بما لا يزيد عن جنيه ونصف وهذا بالطبع تصور غير واقعى. وبالرغم من ذلك لا تزال الفرص مُتاحة – على الأقل نظرياً – لإجراء تغيير جذرى فى المنظومة الضريبية المصرية بما يتوافق أكثر مع معايير العدالة الاجتماعية إذا ما خلُصت النوايا وابتعد متخذى القرار عن التكرار الممل لنفس المقولات القديمة التى هى خاطئة بقدر ما هى مُستهلكة ومكشوفة مثل أن التشريعات الموجودة كافية ولكن العيب فى التطبيق أو الحجة الأدهى المعتادة والتى تؤدى إلى أن التهرب الضريبى، خاصة لصغار الممولين أو عدم إخضاع القطاع غير الرسمى للمنظومة الضريبية هما الأسباب الرئيسية للخلل الموجود فى الهيكل الضريبى. وهذه الحجج كافة ليست لها علاقة بالطبع بأصل المشكلة لكونها نتائج تولدت عن أخطاء مختلفة تماما لا يتسع المجال لذكرها هنا حيث نريد التركيز على الحلول بدلاً من مجرد الشكوى. والحلول ليست بالمستعصية فى الواقع ولا هى حتى صعبة ولكنها فقط تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية وجراءة فى التفيذ ويمكننا تلخيصها مبدئياً فى النقاط التالية.
أولاً:فرض الضرائب على الثروة الطريف فى الأمر أن الكثير من الطبقة العليا اقتصادياً، خاصة رجال الأعمال الأكثر ثقافة وعلماً، يطالبون منذ سنوات بفرض الضرائب على الثروة وهى الضرائب الإضافية على الدخول شديدة الارتفاع (ما يزيد عن 250 ألف جنيه شهرياً مثلاً) وعلى العقارات شديدة الرفاهية وعلى التركات الكبيرة وعلى أسعار السيارات الفارهة إلخ. ليس بالطبع لأنهم يمتلكون حس المسئولية المجتمعية ويريدون أن يساهموا فى البناء أو لكونهم راغبون فى زيادة الحصيلة الضريبية للدولة حتى يُمكنها من الصرف على البنية التحتية وبرامج الحماية الاجتماعية وخلافه ولكن ببساطة لأن الضرائب على الثروة تساعد بشكل كبير فى عملية امتصاص السيولة من السوق وتقلل بذلك من نسب التضخم. ونٌضيف إلى ذلك أنها يُمكن أن تكون إحدى الطريق الفعالة للغاية فى تمويل عجز الموازنة المُتفاقم والذى تتذرع به الحكومة يميناً ويساراً لتبرير فرضها أعباء إضافية على الطبقات الأقل حظاً على المستوى الاقتصادى وكأنه لا يوجد حل سوى ذلك بالرغم من أن مثل هذه الضرائب غالباً ما لا تنتقص فعلياً فى النهاية من الأصول الثابتة الموجودة لدى الأثرياء أو من نُطلق عليهم "علية القوم" ولكن تؤثر فقط على السيولة المتاحة لديهم والتى هم ليس فى حاجة ماسة إليها لتمويل أسلوب حياتهم المٌرفه. وكانت هناك بالفعل محاولات عديدة لاستحداث مثل هذه الضرائب إلا أنها فشلت جميعاً بسبب المقاومة شديدة الشراسة التى كانت تواجهها كل مرة من قِبل مجموعات المصالح المختلفة المنتمية إلى الرأسمالية المُستبدة مثل فرض ضريبة تصاعدية حقيقية بدلاً من وضع حدها الأقصى عند نسبة 22.5% المضحكة أو فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية للبورصة وهو النظام المعمول به فى معظم دول العالم بما فى ذلك عتاة البلدان الرأسمالية وهم أمرين سأتعرض لهما تفصيلاً فيما بعد.
ثانياً:دمج الاقتصاد غير الرسمى وهناك فارق كبير بين ما أقصده هنا بدمج الاقتصاد غير الرسمى من ناحية وبين فرض الضرائب عليه من ناحية أخرى وإن كانت هناك بالطبع العديد من النقاط المتقاطعة التى يجب وضعها فى الاعتبار. فقول فرض ضرائب على الاقتصاد غير الرسمى يعنى ببساطة تقنينه لتحديد أرباحه وزيادة الحصيلة الضريبية من خلال استقطاع جزء منه. وهذا الأمر عندما يصدر عن دولة، فهو شكل طفيلى أشبه بجباية "فتوة الحتة" ولا يمت بصلة لأى مجهودات تنموية مستدامة رغم ادعاء الحكومة المصرية أن هذا هو مستهدفها، أى أنه مستهدف على الورق فقط وغير موجود على أرض الواقع حتى لو كانت هناك تنمية فى منطق الرياضيات البحتة. أما عملية دمج الاقتصاد غير الرسمى ثم الاستفادة منه ضريبياً فهو أمر مختلف تماماً ويقوم على اتخاذ ما يلزم من التدابير والاجراءات التى تكفل زيادة ملموسة لدخول العاملين بالاقتصاد غير الرسمى تُمكنهم فيما بعد من الانضمام إلى المجتمع الضريبى. صحيح أن ضوابط الإقراض التى وضعها البنك المركزى المصرى فى يناير 2016 سهلت بدرجة ما حصول فئات اقتصادية مهمشة على قروض مصرفية، خاصة بعد تعديل التعريفات فى فبراير 2017، بما قد يُحسن أوضاعها نسبياً ويجعلها قادرة على سداد ضرائب ولكنها لن تغير شيئاً فى مآسى العمالة نفسها إلا لوتصورنا أن "تباع الميكروباص" سيكون له راتب رسمى يُحاسب عليه ضريبياً وافترضنا أننا سنطالب صاحب عربة البطاطا بدخول المنظومة الضريبية. نقول بالتالى أن إدخال الاقتصاد غير الرسمى بهدف فرض ضريبة عليه ومن ثم زيادة موارد الدولة لابد وأن يسبقه عملية تمكين وتطوير وتمويل لهذا القطاع الكبير الذى لا يقل بحال عن 40% من الحجم الكلى للاقتصاد المصرى مثل أن ينشأ مطعم شعبى بسيط من عجلة السندوتشات التى نراها فى شوارع الدقى والمهندسين أو أن نرى كشك صغير مكان ما أعتاد أحدهم فرش بضائعه على الرصيف. أما فيما عدا ذلك، فسنجد أنفسنا أمام جيش جديد من العاطلين يضاف إلى الطوابير الطويلة الموجودة بالفعل وأشك جدياً فى أن الاقتصاد المصرى قادر على استيعاب ذلك فى المرحلة الراهنة التى تتسم أساساً بعملية افقار واسعة النطاق للجماهير العريضة. وأريد فى هذا الخصوص التذكير بفشل عملية نقل الباعة الجائلين من وسط القاهرة فى أغسطس 2014 والذين لم يجدوا حتى يومنا هذا بديلاً لقوت يومهم الذى فقدوه وقتها.
ثالثاً:زيادة الشفافية فى القطاع الضريبى يعتبر غياب الشفافية فى القطاع الضريبى المصرى من أهم أسباب انخفاض حصيلته وهو ما يستلزم مبدئياً إصدار حزمة من التشريعات – بعيداً عن التأكيدات المستمرة للمسئولين أن القوانين الموجودة حالياً تفى بالغرض – تزيد من درجة الافصاح على مستويات متعددة مثل ما صدر مؤخراً عن الهيئة العامة للرقابة المالية من قواعد للتعرف على المستفيد النهائى من التعاملات بسوق الأوراق المالية وهى خطوة هامة للغاية يجب الثناء عليها لمكافحة التهرب الضريبى وغسيل الأموال إلا أنها غير كافية فى المُجمل لتحقيق العدالة الضريبية. فالموضوع أكبر بكثير من مجرد الحد من بعض الممارسات شبة القانونية أو غير القانونية أو غير المنضبطة بداخل المنظومة الضريبية ويمتد لإجراءات أكثر جذرية تتعلق بالتداخلات والتشابكات الموجودة بداخل "قبليات" شركات القطاع الخاص المصرى التى تتيح لكبار المُمولين (أو هكذا يُفترض أن يكونوا) التهرب من سداد الضرائب على نطاق واسع عبر تسجيل جزء كبير من أنشطتهم باسماء ما يُطلق عليهم "الشخصيات المرتبطة" والذين غالباً ما يكونون أقارب من الدرجة الأولى أو الثانية أو شخصيات لا علاقة لها بالأمر أساساً سوى أنهم يبيعون اسمائهم لغرض تسجيل شركات بعد التوقيع على بيع ما سُجل بها مُقدماً. كما يُمكن أبضاً أن تقلل زيادة الشفافية ودرجات الافصاح من نسبة التهرب عبر نقل الأنشطة القائمة من شركة لشركة أخرى واعتبارها مشروعاً جديداً للاستفادة من اعفاءات ضريبية مُخصصة فقط لمشروعات جديدة فعلياً وهى طريقة تستخدم بشكل متوسع فى مجال الفنادق السياحية حيث نرى شركات الإدارة العالمية التى تمتلك أكثر من اسم تجارى Brand Name تغير مجرد الاسم دون أى تغيير فعلى على المستوى التعاملات المالية ثم تقدم ذلك للسلطات الضريبية على أنه مشروع جديد تماماً. وبينما يتشدد المُشرع بشكل ملحوظ فى معاقبة التهرب الضريبى المباشر (مثل المُغالطات العمدية فى الاقرارات الضريبية) نجد أن معظم ما يتعلق بقواعد الافصاح والشفافية يتم التصدى له بموجب قرارات إدارية قد تؤخر إدراج شركة فى سوق الأوراق المالية أو تطالبها بتقديم مستندات إضافية دون أن تكون هناك عقوبات صارمة كالغرامات الكبيرة أو حتى إلغاء تسجيل الشركة. ويحدث هذا من باب محاباة كبار رجال الأعمال الذين يستفيدون يوماً تلو الآخر من ميوعة القرارات الإدارية وعدم تمكن الجهات الحكومية المعنية من تطبيقها بحزم لغياب النصوص العقابية الرادعة.
رابعاً:ضبط منظومة الفواتير وتعتبر منظومة الفواتير بالطبع من أهم أركان النظام الضريبى وهى فى الوقت نفسه تعتبر بالنسبة لمصر الأكثر انفلاتاً وعدم دقة وعدم تعبيراً عن الحجم الفعلى للمبيعات والخدمات المُقدمة. وربما تكون ضريبة القيمة المُضافة خطوة هامة فى اتجاه القضاء على هذا الانفلات أو على الأقل نموذج هام يُمكن أن يُحتذى به فيما بعد بالرغم من تحفظى – وأقول تحفظى وليس بالضرورة اعتراضى – على تلك الضريبة من الأساس التى لها ما لها وعليها ما عليها ولكن لا يتسع المجال لمناقشتها هنا ولكل مقام مقال. إلا أن الثابت هو أن قانون ضريبة القيمة المُضافة ولائحته التنفيذية رغم ما يُضيف بوضوح إلى ضبط منظومة الفواتير ليس كافى بحال. فنحن لا نزال بحاجة ملحة إلى رفع درجة "ثقافة الفواتير" – إن جاز التعبير - لدى المواطن المصرى وهذا لن يتأتى فى الواقع سوى بالتوجه نحو المزيد من العدالة الضريبية بتطبيق نظام فعال وسلس للتخصيم الضريبى، أى أن حصول المواطن على فاتورة يعود عليه بالنفع من حيث إمكانية خصم قيمة مشتروات أو خدمات مُعينة من الوعاء الخاضع للضريبة مثل مصروفات المدارس التى تقل على سبيل المثال عن 5000 جم سنوياً حيث يدل ذلك على محدودية دخل مؤدى الضريبة أو السلع الغذائية الأساسية (ويُمكن هنا أن تؤخذ السلع التموينية على سبيل الاسترشاد) لمن يعول ولا يزيد دخله السنوى عن 36000 جم مع وضع حد أقصى لقيمة كل سلعة حتى يتمتع المُشترى فى حدودها بالخصم من ضريبة الدخل أو رد ضريبة القيمة المُضافة أو جزء منها (وفليكن النصف) على أضعف الإيمان. وسيؤدى هذا فى الواقع إلى زيادة المتحصلات الضريبية للدولة لكونه سيُحد بشكل واضح من إمكانية التهرب الضريبى المُتاح الآن بسهولة للكثير من الفئات نظراً لعدم طلب فواتير منها وأيضاً مع الوضع فى الاعتبار أن الحل الآخر، ألا وهو التوسع فى المعاملات غير النقدية (بطاقات الائتمان وبطاقات الخصم المباشر والتحويلات البنكية) لا يزال يحتاج إلى سنوات عدة حتى يُمكن تطبيقه فى مصر لغياب هذه الثقافة أولاً ولضعف البنية التحتية ثانياً ولم نرى حتى الآن من ذلك سوى توجهات ميكنة رواتب موظفى القطاع العام وهو بالطبع أمر غير كافى بالمرة ولن تتحقق من خلاله الأهداف المنشودة بالنسبة لزيادة فاعلية النظام الضريبى مهما خلُصت النوايا.
خامساً:التطبيق الفعلى للضرائب التصاعدية مازالت الضرائب التصاعدية فى مصر عبارة عن مزاح سمج من ناحية وضرباً بعرض الحائط لأبسط أسس العدالة الضريبية والاجتماعية بشكل عام من ناحية أخرى. صحيح أن القانون المصرى بما حدده من نسبة قصوى تبلغ 22.5% يضع مصر فى منتصف الجدول العالمى تقريباً وهو يمتد من 59% فى بلجيكا وصولاً إلى 7% فى تشيلى وإن كانت معظم الدول تتحرك فى نطاق ما بين 20% و32%. ولكن يكمن الفارق الرئيسى بين مصر وبين معظم هذه الدول فى أمرين رئيسيين، أولهما الخلل الشديد فى توزيع الثروات بداخل المنظومة المصرية حيث تشير أرقام دراسة أجراها بنك "كريدى سويس" فى عام 2014 / 2015 إلى أن أغنى 10% من المصريين يستحوذون على 73.3% من إجمالى ثروة البلاد البالغة 379 مليار دولار وأغنى 1% يمتلكون منها 48.5% وهو ما كان يتطلب رفع النسبة القصوى إلى ما لا يقل عن 40 إلى 50% بعد تعديل تعريف الشرائح تعديلاً جذرياً وهو الأمر الثانى الذى تجب ملاحظته لما كانت الشريحة الأعلى هى لدخل 200 ألف جنيه سنوياً وما يزيد بينما تصل الشريحة الأولى الخاضعة للضريبة (10%) إلى 30 ألف جنيه سنوياً، أى أن من هو دخله 6 مليون جنيه سنوياً على سبيل المثال (وهى رواتب موجودة بالفعل فى مصر وليست بالقليلة، خاصة فى قطاع البنوك والاتصالات والبترول بخلاف مكاسب رجال الأعمال والمستثمرين بالبورصة إلخ) لن يدفع سوى 1.25 ضعف من هو دخله السنوى 30 ألف جنيه رغم أن راتبه يمثل 200 ضعف. ويخلص بنا ما سبق فى هذه النقطة إلى أن ما تصفه الحكومة بأنها ضرائب تصاعدية ليست كذلك سوى شكلياً وأن حجتها القائلة بأن رفع الضرائب على الشرائح العليا يمثل نوع من الظلم لها ويكون بذلك طارداً للاستثمار لا علاقة لها بالواقع. كما لا تمثل ضريبة الثروة البالغة 5% إضافية على دخول الأفراد وأرباح الشركات التى تزيد عن مليون جنيه سنوياً والتى فرضتها فى يوليو 2014 الحكومة المصرية مؤقتاً لمدة ثلاثة سنوات حلاً حقيقياً أيضاً، ليس فقط لأنها مؤقتة ولكن فى الأساس لأنها تعتبر أن المليون جنيه تعادل المليار جنيه أو أكثر ومن ثم تدفع الشركة التى تربح سنوياً 5 أو 6 مليار جنيه نفس نسبة الشركة التى يدر نشاطها عائد يبلغ مليون جنيه.
سادساً:الضرائب على الأرباح الرأسمالية كما حاولت الحكومة عام 2015 تحصيل ضريبة بنسبة 10% على الأرباح الرأسمالية ولكن اضطرت فى النهاية إلى الرضوخ لمطالبات وضغوط وتهديدات مجتمع رجال الأعمال والتراجع عن تطبيقها فعلياً بما وصل حتى الآن إلى خمسة سنوات (أى حتى سنة 2020). وساقت الحكومة وقتها مجدداً حجتها المعتادة بأن ذلك يأتى للحفاظ على معدلات الاستثمار وهى حجة تفتقد إلى الحد الأدنى من المنطق بالنظر إلى أن الكثير من دول عتاة الرأسمالية تطبق هذه الضريبة وبنسب أعلى بوضوح من تلك التى كانت مقررة فى مصر مثل الولايات المتحدة الأمريكية (19.1%) والمملكة المتحدة (28%) والمجر (16%) وشيلى (20%). وحتى الدول التى لا توجد بها ضرائب على الأرباح الرأسمالية، تكون الضريبة على الدخل فيها مرتفعة (أو على الأقل بما يزيد عن 22.5%) مثل المكسيك (30%) والبرتغال (26.5%) وهولندا (25%) وكوريا الجنوبية (24.2%). ولم نسمع فى هذا الحال أو ذاك أن هذه الضرائب كانت طاردة للاستثمار، بل أن دول مثل المجر والمكسيك وكوريا الجنوبية جذبت استثمارات ضخمة جداً فى السنوات الأخيرة لأنها اهتمت أكثر بتأهيل العمالة وتهيئة البنية التحتية بشكل واقعى وبأهداف قابلة للتحقق، لا بأن تخسف بحق الدولة فى إيراداتها السيادية الأرض أو تنغمس فى الإعلان عن مشاريع قومية كبرى، معظمها غير قابل للتطبيق أو لا يوجد لها تمويل من الأساس وتدخل بالتالى فى إطار الأحلام الجميلة المُستهلكة بشدة لموارد الدولة المحدودة بدلاً من تنميتها وهو ما انعكس سلباً على الموازنة العامة وأضعف قدرة الدولة فى خصوص السيطرة على عجز الموازنة المتفاقم الذى صار صداع مزمن فى رأس الحكومة المصرية. وبالتالى لا أرى أن هناك مفراً من تطبيق هذه الضريبة ولا عيب فيها على الإطلاق، خاصة بالنظر إلى أنها كانت من ضمن الاتفاقية التى عقدتها الحكومة مع صندوق النقد الدولى فى سبيل الحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار على مدار ثلاثة سنوات (وهو أيضاً يقولون عنه أنه عنصر جذب للاستثمارات الأجنبية) وهو ما يثبت أنها ضريبة تتفق تماماً حتى مع التوجهات شديدة النيوليبرالية وإن كنت أنا شخصياً معترض على هذه التوجهات بشدة ولا أدعمها، فقط يجب علينا ملاحظة أن الدولة المصرية تخطت بسياساتها الضريبية المُنحازة تماماً للأثرياء ولكبار رجال الأعمال كافة الحدود بما فى ذلك حدود من تريد ترضيتهم من الأساس.
سابعاً:مراجعة ضريبة القيمة المُضافة صدر قانون الضريبة على القيمة المُضافة – والذى كان بدوره جزء من الاتفاق مع صندوق النقد الدولى المُشار إليه سلفاً – بشكل أهوج ومُتسرع دون أن تسبقه دراسات وافية، خاصة فيما يتعلق بأثاره التضخمية، بل وربما قدمت الحكومة المصرية إلى الصندوق معلومات مغلوطة أو غير دقيقة عن حقيقة الوضع الاقتصادى فى مصر بدليل أن حتى كريس جارفيس، مبعوث صندوق النقد الدولى لمصر صرح بأنهم فوجئوا بزيادة الآثار التضخمية وإنفلات سعر الدولار عن توقعاتهم وهو ما يصعب تصديقه لو كانت البيانات التى أتيحت لهم وافية وصحيحة. وإحقاقاً للحق أقول أن ضريبة القيمة المُضافة التى أصبحت سائدة فى معظم دول العالم ليست بشر مطلق. فهى نظرياً الضريبة الأكثر عدالة من أنواع ضرائب أخرى تأتى على رأسها ضريبة المبيعات التى كانت مصر تطبقها فى الماضى وهى أيضاً الأكثر قدرة على الحد من التهرب الضريبى وبالتالى تعظيم موارد الدولة. كما يجب التنويه أيضاً إلى أن نسبة ضريبة القيمة المُضافة فى مصر والتى ستبلغ 14% مع حلول العام المالى 2017/2018 تعتبر نسبة منخفضة عالمياً حيث وصلت دول مثل السويد وكرواتيا إلى 25% أو فنلندا والهند إلى 24% أو البرتغال واليونان إلى 23% أو روسيا والمغرب إلى 20% ولا توجد فى الوقت نفسه سوى دول قليلة نسبياً تقل فيها اليوم عن 14%. إلا أن السواد الأعظم من هذه الدول صاحب إدخال أو رفع ضريبة القيمة المُضافة فيها أشكال من التيسييرات خففت من أثارها التضخمية بشكل كبير مثل كرواتيا التى عدلت نظامها الضريبى مع قبولها عضواً فى الاتحاد الأوروربى وما أرتبط بذلك من إعفاءات ضريبية على الصادرات والواردات إلى ومن دول الاتحاد الأخرى وكان له بالطبع انعكاس ايجابى على الحفاظ على توازن الأسعار عموماً. ونجد كذلك أن المغرب مثلاً نسبة البطالة بها لا تتعدى 9.2% (مقابل 12.4% فى مصر)، ما يعنى أن زيادة القوة الشرائية الموجودة فى السوق المغربية عن مثيلتها فى مصر قادرة على امتصاص الكثير من النتائج السلبية لفرض نسبة ضريبة قيمة مُضافة مرتفعة. أما مصر فلا يوجد بها هذا ولا ذاك. فنحن نعانى الأمرين من نسب فقر متفاقمة وانفلات فى الأسعار واستثمارات أجنبية مباشرة ضئيلة وتضخم مُرعب فى الدين العام إلخ، أى أن الأرضية غير مؤهلة بالمرة لأى شكل من أشكال زيادة الضرائب، القيمة المُضافة أو غيرها. وبالتالى أعتقد أن هناك إلزام أخلاقى وسياسى واجتماعى واقتصادى على الحكومة لمراجعة موقفها من ضريبة القيمة المُضافة على الأقل حتى يتهيأ بالبلاد مُناخ يسمح بتطبيقها دون أثار كارثية على مستوى معيشة الطبقات محدودة الدخل ودون خطر القضاء على الطبقة الوسطى نهائياً.
التوصيات توجد بالرغم من تأزم المنظومة الضريبية بمصر كما بينت بأعلى مجموعة من الحلول الممكنة التى ربما لن تكون قادرة على إصلاح المنظومة إصلاحاً حقيقياً أو جذرياً ولكنها ستضفى عليها على أضعف الإيمان المزيد من العدالة الاجتماعية التى تفتقدها الآن بشكل شبه كامل. ويمكننا هنا على عجالة استعراض هذه الحلول بالإضافة إلى ما سبق ذكره بمتن النص على النحو التالى: - رفع الحد الأدنى للدخل الخاضع للضريبة إلى ما يفوق 24000.00 جنيه سنوياً جنيه وهو ما طرحه البرلمان وبكل تأكيد ليس فقط 14200.00 جنيه كما تقترح وزارة المالية. هذا لأنه حتى فى حالة 24 ألف لن يوفر المُكلف بأداء الضريبة سوى 1050.00 جنيه سنوياً، أى حوالى 87.50 جنيه ونصف شهرياً. وتقديرى الشخصى هو أن أى رفع لهذا لحد الأدنى بما يقل عن 50000.00 حنيه سيكون عديم الفائدة لأن الموجة التضخمية الحالية التى تعدت 30% مؤخراً تجعل حتى مبلغ 4200.00 جنيه شهرياً يبدو قليلاً للغاية، خاصة لو كان المُكلف رب أسرة كما هو الحال فعلياً فى معظم الأحوال حتى لو لم يكن فى جميعها. - تحديد سعر أقصى لمجموعات من السلع الأساسية المختلفة لا تخضع لضريبة القيمة المُضافة سوى ما يتعداه أى أن تعفى السلعة أدنى هذا السعر من الضريبة كلياً أو على الأقل جزئياً بحيت لا تتعدى النسبة 5 أو6% وذلك بدلاً من الإكتفاء بنوعيات سلع معينة بصرف النظر عن أسعارها لما كان هذا لا يتفق وصحيح مفهوم العدالة الضريبية. ويُمكن تحديد هذه السلع مؤقتاً بنفس ما يعتبر اليوم سلع تموينية بالإضافة إلى بعض مصنعات اللحوم والأجبان وعلى أن تقوم بذلك لجنة متخصصة تضم ممثلين عن وزارتى التموين والتجارة الداخلية والتجارة والصناعة وجهاز حماية المستهلك بالإضافة إلى ممثلين عن المجتمع المدنى والشركات الصناعية الكبرى والنقابات المهنية وبما يراعى بالطبع نسب التضخم وغلاء المعيشة. - خفض الضرائب بأنواعها إلى ما لا يقل عن النصف على كافة المشروعات متناهية الصِغر، أى التى يقل رأسمالها عن 50 ألف جنيه (وفقاً لأخر تعريف صدر عن البنك المركزى) بهدف تحفيز دخولها إلى الاقتصاد الرسمى طواعية وهو الأمر الذى سيؤدى بلا شك إلى زيادة الحصيلة الضريبية على المدى المتوسط وليس تقليصها كما قد يتصور البعض. وسيأتى هذا أيضاً بالمزيد من الدعم للمشروعات متناهية الصِغر بشكل عام بدلاً من الاكتفاء بالقروض البنكية التى تثير ريبة وتخوفات معظم المتعاملين فى مثل تلك الأحجام حيث يخشى غالبيتهم الإفلاس ثم الحبس حال عدم قدرتهم على سداد مستحقات المصارف بالإضافة إلى تحفظهم على حجم الفوائد المطلوبة والتى كثيراً ما تتعدى – مهما انخفضت - نسب الأرباح المُتوقعة على المدى القريب. - القضاء على فساد منظومة مصلحة الضرائب المصرية بكافة أفرعها من خلال إجراء إعادة هيكلة شاملة والتوسع فى نظام المحاسبات والمدفوعات الالكترونية بما يقلل من إمكانيات طلب أو تلقى الرشاوى والتلاعب سواء كان بالسلب أو الإيجاب بالنسبة للمُكلف بأداء الضريبة وحتى لا يضطر إلى تقديم بيانات مغلوطة أو غير وافية خوفاً من تعسف الأشخاص فى مأموريات الضرائب. هذا خاصة بعدما أثبتت الخبرات السابقة بشكل كبير أن أشكال الفساد المختلفة لا تُخل فقط بعدالة توزيع الأعباء الضريبية حيث يتحمل صغار الموظفين والعمال الجزء الأكبر منها ولكنها فى واقع الأمر تؤدى أيضاً إلى تقليص المتحصلات الضريبية للدولة تقليصاً ملموساً للأسباب السابق الإشارة إليها والتى يجب بالتالى التخلص منها كلياً. - دعم المشاركة المجتمعية فى صياغة السياسات الضريبية بآليات واضحة ومُلزمة قانوناً يُراعى فيها النقاش الجاد مع كافة أصحاب المصلحة وعدم الاكتفاء بالحوارات الصورية والمؤتمرات المُعدة للاستهلاك الإعلامى دون أن تفرز نتائج حقيقية على الأرض بما يزيد من الهوة القائمة ما بين الحكومة والشعب وتجاهُل احتياجات الأخير العاجلة والآنية. أما ما يحدث حتى الآن هو فى الحقيقة حوار مجتمعى أجوف أو أحادى الجانب على أقل تقدير لكونه يُقصى العنصر الرئيسى، أى الشعب ويُقصر النقاش على أصحاب الشركات ورجال الأعمال من جانب والحكومة من جانب آخر والتى هى نفس الفئات التى تسيطر على مجلس النواب الذى يُقر القوانين فى نهاية الأمر، فتكون النتيجة الحتمية هى تهميش الفئات الأعرض من الشعب والخروج بشكل غير متوازن. - ولدعم نهوض الاقتصاد المصرى ككل، يجب ربط التسهيلات والاعفاءات الضريبية للمشروعات الخدمية والتجارية بمدى ما توفره من فرص عمل حقيقية ومستدامة تخفف من مشكلة البطالة الخانقة وهو شكل يرضى جميع الأطراف فى الحقيقة لأن صاحب المشروع سيستفيد من إنخفاض الضرائب المُستحقة عليه وزيادة قدرته الإنتاجية والعامل من باب الرزق الذى انفتح أمامه والدولة لأن متحصلاتها الضريبية ستزيد فى الواقع، أو على أسوأ تقدير ستظل كما هى لأن ما ستخسره من ضرائب على الأرباح ستكسبه مرة أخرى من زيادة الضرائب على الدخل التى يتحملها كل من صاحب العمل والعامل. أما المشروعات الصناعية والزراعية، فأعتقد أنه يكفيها كونها صناعية أو زراعية لتحصل على بعض المميزات الضريبية فى حدود المتاح بالنظر إلى أنها أصلاً ذات فائدة كبرى للاقتصاد القومى بشكل عام. - استحداث ضريبة تُفرض على العقارات والأراضى التى تظل غير مُستغلة لفترة معينة تتراوح فى تقديرى من ثلاثة إلى خمسة سنوات، على أن تُحدد قيمة هذه الضريبة بنسبة لا تقل عن 0.5% ولا تزيد عن 1.5% سنوياً من السعر السوقى العادل للعقار أو لقطعة الأرض. ويُعتبر العقار غير مُستغل فى حالة عدم استخدامه لأى من أغراض السكن أو النشاط التجارى وتعتبر الأرض غير مُستغلة لو لم يُشرع المالك فى البناء بموجب التراخيص أولاً ثم البدء الفعلى فى التنفيذ. ولا يأتى هذا فقط من منطلق زيادة الحصيلة الضريبية للدولة ولكن فى المقام الأول لمواجهة ظاهرة "التسقيع" الشائعة فى مصر ومنعاً لهدر الطاقات الإنتاجية الكامنة فى مثل تلك العقارات والأراضى والتى تظل هى والصحراء سواء لسنوات وعقود وتُزيد أيضاً من ارتفاع الأسعار بشكل عام لتأثيرها السلبى على المعروض، خاصة فى التجمعات السكنية الكبرى. - قصر الإعفاءات الضريبية لما يُسمى "المناطق الحرة" على تلك الموجودة فى المدن الساحلية (الأسكندرية، بورسعيد، الإسماعيلية، السويس) والتى تُسهم فعلياً فى زيادة الصادرات (بحد أدنى مُعين) وبالتالى دخل الدولة من العملة الصعبة والتى هى قادرة على جذب استثمارات أجنبية مباشرة حقيقية وليست وهمية كألتى تأتى عبر شركات الــ Off Shore (الملاذات الضريبية) وهى أصلاً مملوكة لرجال أعمال مصريين وشركات مصرية. أما الوضع العبثى الحالى بوجود مناطق حرة تتمتع بإعفاءات ضريبية فى مناطق مثل شبين الكوم/المنوفية وقفط/قنا ومدينة نصر/القاهرة وفى داخل مدينة الإنتاج الإعلامى بمدينة السادس من أكتوبر، فهو وضع لا يستقيم أبداً ويُعد انتهاكاً صارخاً لأبسط مبادئ العدالة الضريبية وتفضيل غير مُبرر للشركات الكبرى القادرة على دخول المناطق الحرة دون غيرها من الشركات الصغيرة والمتوسطة. - دمج كافة الشركات والهيئات الخاصة بالأجهزة السيادية للدولة فى المنظومة الضريبية بالكامل وليس فقط فى الضرائب على الأرباح التى يتم بالفعل دفعها بعكس الشائعات التى تتردد من حين لحين دون أن يكون لها أى أساس فى الواقع وأنا أتحدث هنا بالطبع تحديداً عن الشركات التجارية والصناعية التابعة للقوات المسلحة وإن كانت هناك بعض الشركات الأخرى التى ينطبق عليها نفس الشئ. ويجب أن تكون هذه الشركات خاصعة لكافة أنواع الضرائب بما فى ذلك ضريبة كسب العمل وفقاً لمتوسط الأجور الفعلى، سواء تم دفعها واقعياً أم لا لأن كثيراً ما يتم تشغيل الجنود دون أن يتقاضون عن ذلك أجراً. هذا بالإضافة إلى الضرائب مُستحقة الأداء على الأراضى المُقام عليها المشروعات المختلفة والتى غالباً ما يتم تخصيصها بالمجان وبالتالى لا تؤدى عنها ضرائب. - وأوصى أخيراً بإعادة صياغة السياسة الضريبية عموماً والاستفادة فى هذا الصدد من التجارب العالمية الأخرى، سواء بالسلب أو بالايجاب ولكن مع مراعاة الفوارق فى الأطر المحيطة بكل تجربة والتروى قبل اتخاذ قرار فى شأن مدى إمكانية تطبيقها فى مصر وهو الخطأ الذى حدث فى الماضى مراراً وتكراراً وكانت عواقبه كارثية فى الكثير من الأحيان. وأنا هنا أتحدث فى الحقيقة تحديداً عن عدم الانجراف وراء تجارب الضرائب الصفرية أو ما نطلق عليه الــ Zero Tax Policies حتى لو كانت ناجحة – وذلك فى إطار سعى الحكومة اليائس نحو جذب الاستثمارات –. هذا لأنها تتطلب مجموعة من المعطيات الأولية حتى تحقق مثل هذا النجاح وهى جميعها معطيات غير موجودة فى مصر حالياً وقد يُمكن الحديث عنها فى مرحلة لاحقة.
الخلاصة النظام الضريبى المصرى هو نظام عتيق، عاف عليه الزمن من كافة النواحى ولم يأتى "ترقيعه" المستمر بأى نتائج إيجابية وتتعامل معه الدولة منذ عقود على أنه فى شكله الحالى بمثابة البقرة المُقدسة التى لا يجب المساس بها بأى حال من الأحوال، حتى لو عنى ذلك المزيد من التخلف وضرب أى محاولات للحاق بركب الحداثة الضريبية فى مقتل وتقل بذلك أيضاً قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين فيما يتعلق بتوفير الخدمات الأساسية وإنشاء شبكات الحماية الاجتماعية وتطوير البنية الأساسية وما عداها من الواجبات التى لا غنى عنها تحت أى ظرف من الظروف. وبالتالى لم يعد منطقياً ولا مقبولاً أن نختصر فكرة تحديث النظام الضريبى فى تطبيق مجموعة من الوسائل التكنولوجية التى قد تيسر المعاملات ما بين الممول والمصلحة أو بداخل المصلحة نفسها ولكنها فى ذات الوقت لا تقدم جديداً فعلياً لكونها غير مصحوبة بتطوير النظام نفسه وتحويله من أداة لفرض الجباية إلى أداة تسهم فى النمو وتعرف نفسها بأنها شريكة للممول وليست رقيباً عليه. النظام الضريبى فى مصر يجب عليه ببساطة أن يكون أكثر ديمقراطية فى تعامله مع المجتمع ككل، ابتداءً من البائع الذى يفترش الأرصفة ببضائعه المتواضعة وصاحب الكشك، عبوراً بموظفى القطاع العام والخاص ووصولاً إلى رجال المال والأعمال، كبارهم وصغارهم لما كان هذا هو الطريق الوحيد المؤدى إلى شكل أكثر إنصافاً للجميع ويحفظ حق الدولة. أما الشكل الحالى فهو يشبه "البلطجة" ونظام الإتاوة ولا يترك مجالاً للحديث عن التنمية بأى منهج أو وفقاً لأى ايديولوجيا. اليسارى سيظل ينادى بالعدالة الاجتماعية من خلال توزيع الأعباء الضريبية بشكل أكثر توازناً بحيث يتحمل الأثرياء أكثر من البسطاء والفقراء، فى المطلق ونسبياً وسيظل الليبرالى يطالب بالتوسع فى المحفزات الضريبية لمجتمع الأعمال حتى يتمكن من النمو وبالتالى يعم الرخاء على الجميع وتتناقص البطالة وتزداد الأجور. أما النظام الضريبى المصرى فلا يفعل لا هذا ولا ذاك ويظن على ما يبدو أن وظيفته الرئيسية هى ملء خزانة الدولة بالأموال السائلة بصرف النظر عن الغرض من ذلك وبعيداً عن شكل الاقتصاد ككل. وهذا التفكير العقيم تحديداً هو الذى سيدفع بنا حتماً إلى الهاوية لأنه يتجاهل احتياجات التنمية المُستدامة التى تتطلب أشكال أكثر مرونة وقادرة على مراعاة ومواكبة تغييرات العصر وتأخذ فى حسبانها أن الفكرة الأساسية للضرائب هى أن تعطى المجتمع ولا تأخذ منه وأن حق الدولة الضريبى لدى المواطن مشروط بمدى ما تقدمه له من خدمات فى المقابل أو أن تُخفض تلك الضرائب كى يتمكن المواطن من الوفاء بهذه الاحتياجات بنفسه بشكل مباشر. هذا هو المأزق الذى نحن فيه الآن. دولة تسئ استخدام النظام الضريبى للمداراة على فشلها الذريع فى إدارته من كافة النواحى ووضعت نفسه بذلك فى المواجهة العدائية مع المواطن الذى لم يعد قادراً قادراً على الدفع وصار قاب قوسين أو أدنى من اللحاق بالأعداد المهولة الأخرى من أبناء بلده والوقوع فى براثن الفقر المدقع. دولة لا تدرك فيما يبدو أن الطريق إلى الإصلاح الاقتصادى الذى تزعم أنها تنشده يبدأ من الإصلاح الضريبى الحقيقى وليس زيادتها دون اعتبار لما قد يكون لذلك من تداعيات وأثار سلبية جانبية وهذا ما رأيناه واضحاً فى تطبيق ضريبة القيمة المُضافة مؤخراً كما سبق وأن أشرت. لم يفت الآوان بعد ولكن الوقت أصبح ضيقاً للغاية وإن كان هناك شيئاً ما سيحدث، فهو يجب أن يحدث الآن وإلا فالكارثة قادمة لا محالة.
#محمد_شيرين_الهوارى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كوكى كاك - صناعة الدواجن نموذجاً على إشكالية الصناعات الغذائ
...
-
استراتيجيات تقليص الدعم - قراءة فى التجربة المصرية من منظور
...
المزيد.....
-
-الكابينيت الإسرائيلي- يصادق على تمديد العمل مع البنوك الفلس
...
-
المغرب يستعد لإطلاق سوق ثانوية للقروض المتعثرة
-
بوتين: لا داعي للهلع بسبب تراجع الروبل
-
ملايين الدولارات المزيفة تربك سوق الصرف في تركيا
-
ماكرون يستقبل الرئيس النيجيري في باريس لتعزيز التعاون الاقتص
...
-
رئيسة المركزي الأوروبي تحذر من حرب تجارية عالمية عند تولي تر
...
-
الرئيس الروسي يتحدث عن أسباب تقلب سعر صرف الروبل
-
السيد الحوثي: الكيان يتحمل كلفة اقتصادية بسبب منع اليمن لملا
...
-
بوتين: إنتاجنا من الصواريخ يفوق إنتاج الناتو بـ10 مرات وسيزي
...
-
الخارجية الروسية: -بريكس- حققت خطوات مهمة في مجال إنشاء نظام
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|