|
أئمة مساجدنا من الشواذ
عيسى الصباغ
الحوار المتمدن-العدد: 5517 - 2017 / 5 / 11 - 00:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عندما كانت بريطانيا وفرنسا دولتين استعماريّتين ، تتنافسان على اقتسام العالم ، كانت هناك مقولة شائعة مفادها ، أن الاستعمار البريطاني اقتصادي ، في حين أن الاستعمار الفرنسي ثقافي ، والحقيقة أن كلا الاستعمارين اقتصادي ، غير أن الفرنسيين أجهدوا أنفسهم لمحو هوية الشعوب المستعمرة من قبلهم ، وقد نجحوا جزئيا في بعضها وأخفقوا تماما في بعضها الآخر . انحسرت الحضارة الاوربية ، وتراجعت قوتها العسكرية بعد الحرب العالمية الثانية ، وظهرت في الافق قوة عسكرية جبارة ومهيمنة ، وقد بلغت أعلى مراحل الاستعمار ، تلك هي الولايات الأمريكية المتحدّة ، وشاع اسمها في العالم باسم أمريكا ، عدّت أمريكا نفسها الوريث الشرعي للاستعمار الغربي ، وحاملة الإرث الثقافي الغربي وحاميته والمدافعة عنه ، ويبدو أن أوربا قد اعترفت لها بذلك وأسلمت لها القياد والقيادة . وبناء على ذلك يمكننا أن نصف الاستعمار الامريكي بأنه استعمار اقتصادي وثقافي في الوقت نفسه ، وهذا ما يمكن رصده من خلال مواجهته للعالم الشيوعي في القرن الماضي ، فقد حارب الشيوعية على جبهتين : اقتصادية وعقائدية ( أيديولوجية) ، بل أن معاركه العقائدية ضد المنظومة الاشتراكية كانت أشدّ ضراوة وأقوى فتكا . واستطاع أن يخلخل الأساسات الفكرية لهذه المنظومة بإعلامه المؤدلج ، وبنشاط منظماته المدنية الموجّهة ضد الشيوعية ، وقد استغل الأديان أسوأ استغلال في مواجهاته مع الماركسية ، حتى نجح أخيرا في تقويض الاتحاد السوفيتي ، وإنهاء منظومة دوله الاشتراكية ، لتصبح أمريكا القطب العسكري والاقتصادي الأوحد والأقوى في العالم . وبعد أن سيطرت أمريكا اقتصاديا وعسكريا على العالم جاء دور السيطرة الثقافية ، وهي مرحلة مهمة في صياغة النظام العالمي الجديد . كتب أحد الصحفيين العرب قائلا : " لم تعد الصراعات العالمية اقتصادية أو سياسية أو ايديولوجية بل ثقافية ، صدام هويات قاتلة كما سمّها ( الأديب) أمين معلوف متأثرا بنظرية هانتنغتون" . نعم الصراع اليوم صراع هويات أو صراع ثقافي من أجل ترسيخ أسس النظام العالمي الجديد الذي أشار اليه الرئيس السابق باراك أوباما في خطابه أمام مجموعة من السلاح الجوي الامريكي في تشرين عام 2010 ، إذ قال : " التعاون والشراكة بين الأمم والدول غير مقبول بعد اليوم، الطريقة الوحيدة التي تمكننا من البقاء على قيد الحياة هي إلغاء الحدود، الحدود بين الأمم و الشعوب والطوائف يجب أن تلغى، بين المواطنين الأمريكيين الأصليين والمهاجرين، بين المسيحيين والمسلمين واليهود، لن نتمكن من الصمود بدون إلغاء الحدود، وهذا هو شكل النظام العالمي الجديد، إنه ينتشر اليوم وأصبحنا قريبين منه جدا، حلمنا قريب من الحقيقة " وما يهمنا من هذه الفقرات هو إلغاء الهوية العربية الإسلامية ، وجعلنا شعوبا مندمجة في الثقافة الغربية . وبوادر هذا البرنامج الامريكي بدأت من المساجد ومن أئمتها ودعاتها ، ذلك أنه موئل الاستقرار الروحي ومنطلق رفض العبوديات التي تكرّسها الأنظمة الرأسمالية في مجتمعاتها كعبودية المال والجاه والسلطة والطبقية والجنس والمكانة الاجتماعية أو الاقتصادية وغيرها . فقد أوصى تقرير مؤسسة راند 2007( وهي مؤسسة بحثية تابعة للبنتاغون ومقرها في كاليفورنيا) بإنشاء شبكات مسلمة معتدلة – ومفهوم الاعتدال هنا يبدو منحازا وغير معتدل فهو يمثّل وجهة نظر أمريكا - للتعامل مع الإسلام ولاسيما في منطقة الشرق الاوسط أي البلدان العربية ، وبدأ العمل بتنفيذ هذا البرنامج من خلال خلق أو دعم شخصيات ( إسلامية ) متحرّرة يقومون بدور أئمة جوامع ودعاة إسلاميين ، فانصب الدعم المالي والإعلامي على شواذ ومثليين ينتمون الى الديانة الاسلامية ، مثل محمد لودفيك زاهد في باريس ، وهو من أصول جزائرية ، وداعية عبد الله في واشنطن وهو من أصول أفريقية ، حيث يقوم كلاهما بتزويج المثليين ، ولكل منهما مسجد تتم فيه مراسيم الزواج ، يقول أحد المسلمين ممن يعيشون في استوكهولم : " كثرت في ايامنا هذه أخبار افتتاح مساجد للشاذين جنسيا من المسلمين في هولندا وفرنسا و أمريكا وأخيرا السويد " وتساءل آخر من المتابعين للشأن الإسلامي : " لم لا نرى كنائس للمثليين ولا كنس يهودية لهم !؟ " ، وفي تركيا ، وضمن السياق نفسه ، دعمت الأيادي الخفية داعية إسلاميا اسمه عدنان أوكتار ، ويوقع كتبه باسم هارون يحيى ، وهذا الداعية يشنّ حملاته الشعواء على الإلحاد والدارونية بإقامة حفلات الرقص والخمر معتبرا نفسه مفكرا إسلاميا عصريا ، وطالما ظهر أمام راقصات وفنانات إغراء مرتديات ملابس مثيرة وأمامهن زجاجات الخمر . هذا في أوربا والمرحلة القادمة ستكون في العواصم والمدن العربية .
#عيسى_الصباغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل كان صدام حسين -شقاوة-
-
حدّثتني أشعارهم
-
خلف ابن أمين والربيع العربي
-
مباهج الذكورة وتكريس سلطة الرجل
-
هل للديمقراطية صكوك غفران
-
شكوى خروف في الهوى لخروف
-
بغداد صارت جنّة
-
تمرّد الروح على قفصها الطيني .. مواجهات كازانتزاكي
-
من أدبيات الفيسبوك .. خطاب الأسماء المستعارة
-
مسرح الملائكة..أقوى معلم للاخلاق وخير دافع للسلوك الطيب
المزيد.....
-
ثبت تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل سات وعرب سات
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 Toyor Aljanah نايل سات وعرب
...
-
اللواء باقري: القوة البحرية هي المحرك الأساس للوحدة بين ايرا
...
-
الإمارات تكشف هوية مرتكبي جريمة قتل الحاخام اليهودي
-
المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
-
أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال
...
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|