|
الرياء والصفاء في الدين
يوسف جريس شحادة
الحوار المتمدن-العدد: 5515 - 2017 / 5 / 9 - 14:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الرياء والصفاء في الدين "فأجاب رئيسُ المَجمَع وهو مغتاظٌ من إبراءِ يسوع في السبت..." (لوقا 13:13)
الصورة التي تخرج إلينا من الحدث مدهشة! صورة تعكس اختلافاً عميقاً بين يسوع ورئيس المجمع، وذلك على أهمّ مواضيع الدين. خلاف إذن بين واضع الناموس وبين مفسّريه، وعلى معنى يوم السبت. وحفظ السبت هو أهمّ ما في الناموس.لم تكنْ هذه هي المرة الوحيدة التي وقع فيها خلاف كهذا. ولعلّ من أهم ما اتُّهِم به يسوع أنّه لا يحفظ "تقاليد الآباء"-السبت. يدخل يسوع المجمع يوم السبت ويبرئ امرأة منحنية! شكل الحدث لرئيس المجمع تعدّياً للناموس، بينما ليسوع كان الحدث كمالاً للناموس! صورةٌ مؤثّرة لخلاف قاسٍ بين الدين في صفائه والدين في ريائه، بين الناموس في هدفه والناموس في حدوده، بين الدين في أصله والدين في تفاسيره، بين التقليد كنقل للإيمان ذاته وكتسليم له من جيل إلى جيل وبين التقاليد التي تضاف على جوهر الدين جيلاً بعد جيل! بعض النظريات في علوم الأديان تعتبر الدين صافياً في زمن مؤسّسيه فقط، وبعدها تدخل عليه من التفاسير، في نظرهم، إضافاتٌ ليست منه وليست فيه.لقد أعطى الناموس أهمية كبيرة لليوم السابع. لأن الله، في كتاب التكوين بعد أن خلق في ستة أيّام وخلق الإنسان في اليوم السادس، ورأى كلّ شيء ليس حسناً فقط بل حسناً جداً، استراح في اليوم السابع. وقدّس الله اليوم السابع. وحفظ اليهود بدقة كبيرة عطلة يوم السبت. زرعوا الأرض ست سنوات وبالسنة السابعة أراحوها. والتشريعات عن السبت كثيرة وهامّة؛ لأن السبت للربّ. وكما قال رئيس المجمع: "لديكم ستة أيّام ينبغي العمل فيها. ففيها تأتون وتستشفون وليس يوم السبت"!الخلاف الذي حصل بين يسوع ورئيس المجمع كان حول تفسير معنى راحة الربّ في يوم السبتوفي حدث آخر قال لهم يسوع: "أبي يعمل وأنا أعمل حتّى الآن". وكأن الآب لا يتعطّل يوم السبت من العمل بل يعمل على الدوام. الخلاف إذن جوهري حول سبب تقديس يوم السبت وفهم راحة الله وعمله!لقد استراح الله في اليوم السابع، كما يروي سفر التكوين، وذلك لأنه بعد أن خلق الإنسان وأتمّ عمل الخلق ونظر ورأى كلّ شيء حسناً جداً استراح قلبه لو صحّ التعبير وسُرَّ. الربّ لا يستريح من الأعمال، لكنّه يستريح في حالة معينة للإنسان والعالم. لهذا قال لهم يسوع في موقع آخر "أَيحلّ عمل الخير في السبت أم لا"؟ هذه هي راحة الله، وهذا هو معنى السبت، أي العمل لما هو حصراً في خدمة العمل الإلهيّ، والاهتمام بما هو للإنسان بالجوهر، وليس بما للإنسان في المحيط. أيّام الأسبوع للعمل من أجل ما يحتاجه الإنسان، يوم السبت للعمل على ما لا يقوم دونه الإنسان، على علاقته مع الربّ.يوم السبت، أو الأحد، أو أي يوم نخصّصه للربّ بين أيّام الأسبوع كلها، هو يوم لنتفرّغ للعمل فيه "للواحد الذي إليه الحاجة". كلّ أيّام الأسبوع ضروريّة للإنسان ولكن يوم الربّ بينها يختصّ بأهمّ ما عند الإنسان، بحسب الكتاب، يختصّ بعمل الخير والاهتمام بما للربّ وليس بأمور الحياة اليوميّة.يوم الربّ إذن لنعمل به للإنسان، لنعمل الخير ولنمجّد الله. السبت يريح الله عندما يتفرّغ الإنسان لخدمة القريب وتسبحة الربّ. وفي هذا السبت يدخل يسوع المجمع ويشفي المنحنية، فيسبح الربّ ويخدم الإنسان، لكنّه يخرج من المجمع مداناً من رئيسه لأنه لم يحفظ شكلاً مزيّفاً فرضه رجال المجمع على السبت.هذا التردّي في تفسير الدين يعطي صورة واضحة عن خطر الشكليّات والتقاليد التي تصل بنا أحياناً لحدود إفساد الدين ذاته. وتلقي السؤال دائماً قوياً على مقدار توافق النواميس مع أديانها، ومقدار تعبير الشريعة عن إيمانها، وإن لم يكن بالعموم فبالخصوص، وإن لم يكن بالنظري فبالتطبيق! كلمات يسوع قوية ومدوية، قالها في حدث آخر، يومَ سبتٍ، عندما قطف من الزرع هو وتلاميذه وأكلوا: "السبت للإنسان وليس الإنسان للسبت".دائماً وفي كلّ المبادئ الدينيّة والاجتماعيّة، تواجدت تيارات "محافظة" حتّى على دقّة الحرف، وتيّارات "متحرّرة" حتّى حدود الإباحيّة في التصرّف. "الحرْف يقتل والروح يحيي"، هذا هو القانون الذهبيّ الذي أعلنه أكثر الناس قساوة على الناموس والأشدّ عداءً له، لكن أكثر مَن طبّقه والتزم به، إنّه بولس الرسول.الحدث الإنجيليّ هنا يوقظ فينا رهافة الحس بالمحاسبة الدائمة "لأعمالنا الدينيّة"، لكي تكون بحسب الإيمان وليس بحسب الشكليات. لتكون العبادة بالروح والحقّ، وليس على جبل هنا أو جبل هناك، كما شرح يسوع للسامرية.لذا قال يسوع اسهروا وصلّوا، لا تكفي لا الصلاة وحدها ولا الصوم وحده... كلّ عمل لا يصل إلى غايته يصير رياءً. صفاء الممارسة هو تحقيق غايتها وهذا ما يريح الله. "السبت" هو الحقّ في كلّ تحقيق، والغاية في كلّ محاولة. أي الإنسان من كلّ عبادة. غاية وقداسة السبت هي الإنسان في علاقته مع الله والقريب في إطار الحبّ والخدمة.غاية الصلاة هي الدموع والتوبة، أما الشعور فيها بالفخر أو التبرير أو القيام بالواجب فهذا رياء. رياء الصوم حفظ الأطعمة دون انكسار القلب، وصفاؤه الفقر بالروح. رياء الإحسان الادعاء وصفاؤه الإنكسار والمشاركة مع كلّ معتاز، فحاجته حاجتي وألمه ألمي. رياء العلم الانتفاخ، وصفاء العلم خدمته. لتخزين في الغنى رياء، والتبديد فيه صفاء... التضحية في الصداقة حب وصفاء، والاستغلال فيها كذب ورياء. مقياس كلّ عمل بين صفائه وريائه، هو تحقيق غايته التي وضع من أجلها. دليل تطبيقنا للناموس برياء أم بصفاء هو خلاصة الناموس، أي المحبّة. المحبّة غاية الناموس والأنبياء. تحتاج دائماً كلّ عبادة نقدمها وكلّ فضيلة مسيحيّة نمارسها لفحص، لكي لا نتعارض يوماً في ممارستها مع واضعها وغايتها، كما حدث مع رئيس المجمع تجاه يسوع! "الله روح، والساجدين له بالروح والحقّ يقبلهم".كلمة الكتاب هي النور الذي نسلّطه دائماً على أعمالنا لنقوم بها في حقّها وليس في شكلها.آميـن المطران بولس اليازجي متروبوليت حلب والاسكندرون وتوابعهما (أعاده الرب سالماً معافى)
#يوسف_جريس_شحادة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يانونكم بلباس الحملان
-
مريم المصرية
-
شفاء المصروع!
-
كلمة نافعة
-
كيف استعدّ للمناولة ؟!
-
كلمة مهمة
-
الشعانين؟
-
البركة الملعونة!
-
البشارة!
-
يوم الصور!
-
انحرافات في القداس الإلهي
-
كتاب درب الالام
-
الصوم الثالث!
-
الصوم الثاني
-
كتاب المديح!
-
كتاب النوم الكبرى!
-
تعاليم محرّفة
-
المغادرة بعد التناول
-
اياكم والبياض
-
الانسان وافتقاد الله
المزيد.....
-
شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه
...
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
-
مستعمرون يقطعون أشجار زيتون غرب سلفيت
-
تسليم رهينتين في خان يونس.. ونشر فيديو ليهود وموزيس
-
بالفيديو.. تسليم أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يونس
-
الصليب الأحمر يتسلم المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وجادي
...
-
القناة 13 العبرية: وصول الاسيرين يهود وموسيس الى نقطة التسلي
...
-
الكنائس المصرية تصدر بيانا بعد حديث السيسي عن تهجير الفلسطين
...
-
وصول المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وغادي موزيس إلى خان ي
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|