آلان وودز
(Alan Woods)
الحوار المتمدن-العدد: 5515 - 2017 / 5 / 9 - 09:51
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
البلشفية طريق الثورة
الفصل الثالث: مرحلة الردة الرجعية
البلشفية والمنشفية
ترجمة: هيئة تحرير موقع ماركسي
أدت المناقشات الأخرى إلى تأكيد الانحراف اليميني للمناشفة. فعلى سبيل المثال صاروا يعارضون شعار تسليح الجماهير، وتمكنوا من تمرير وجهة نظرهم في المؤتمر. بغض النظر عن مسألة مدى ملائمة الكفاح المسلح في اللحظة المعينة، فإن موقف المناشفة مثّل بوضوح تخليا عن النضال الثوري لصالح النزعة البرلمانية الإصلاحية وسياسة التعاون الطبقي، كما اتضح من خلال موقفهم من المسألة الزراعية والموقف من الكاديت. في وقت لاحق وصف تروتسكي التغيير الذي حدث في موقف المناشفة قائلا: «المناشفة، الذين كانوا قبل أسابيع قليلة فقط يتبنون موقف شبه مقاطعة مجلس الدوما، حولوا الآن آمالهم من النضال الثوري إلى الفتوحات الدستورية. خلال مؤتمر ستوكهولم كان يبدو لهم أن تقديم الدعم لليبراليين هي أهم مهمة للحركة الاشتراكية الديمقراطية».[1]
في تقريره عن مجلس الدوما، اعترف أكسلرود أن معظم المناشفة الناشطين في روسيا قد دعموا في البداية موقف المقاطعة، لكنه اشتكى من أن ذلك قد ترك المجال مفتوحا أمام الأحزاب الأخرى، وأنه قد حان الوقت لتغيير الموقف. لقد كان محقا بلا شك، لكن في السياسة من الممكن أن يكون حكم المرء صحيحا مع أن دوافعه خاطئة. كان موقف المناشفة في جوهره يقوم على السعي الدائم للتوصل إلى اتفاق مع الكاديت. وعلى النقيض من ذلك، اقترح البلاشفة الاستفادة من الصراع بين الدوما والنظام من أجل تعميق الأزمة الثورية، بينما سعوا في الوقت نفسه لفضح الكاديت بانتقادات حازمة وكسب ممثلي الفلاحين – الترودوفيك - "لتصليبهم" وتعميق القطيعة بينهم وبين الكاديت. وبينما شن لينين، في كل مقالاته وكل خطاباته في ذلك الوقت، حربا لا هوادة فيها ضد البلاهة البرلمانية، فقد وضع المناشفة كل آمالهم على مجلس الدوما. لكنه عندما تحدث ساخرا من توقعات أكسلرود المبالغ فيها من مجلس الدوما، فإنه لم يشر إلى تكتيك المقاطعة نفسه. وهذا أمر معبر. من الواضح أنه حافظ على تحفظاته السابقة، لكنه شعر بأنه مقيد بالاكراهات التكتلية التي منعته من التعبير عن آرائه علنا. تحمل كراسين مهمة طرح قضية المقاطعة أمام المندوبين، لكن المناشفة استخدموا أغلبيتهم. وأخيرا صوت المؤتمر بالموافقة على السماح للحزب بالمشاركة في انتخابات مجلس الدوما.
لكن البلاشفة كانت لديهم مشاكلهم الخاصة. فقد تبنوا موقفا غير صحيح بخصوص مجلس الدوما، وعارضوا إنشاء فريق برلماني اشتراكي ديمقراطي. يمكننا أن نرى في هذه الجزئية بوادر النزعة اليسراوية المتطرفة في البلشفية - البلاهة المعادية للبرلمانية - التي كانت الصورة المقابلة للأوهام البرلمانية والقانونية عند المناشفة. وخلافا للاتهامات التي توجه للينين عادة لنزعته "العصبوية" المزعومة وميله للتقسيم، فإنه قد دافع باستمرار عن وحدة الحزب. وعندما وجه له الاتهام خلال المؤتمر بكونه قال إنه من المستحيل بالنسبة للبلاشفة والمناشفة العمل معا في حزب واحد، رفض لينين الاتهام بسخط وقال: «ليس صحيحا القول بأنني"دعمت" بيان الرفيق فوروبيوف القائل بأن البلاشفة والمناشفة لا يمكنهم أن يعملوا معا داخل حزب واحد. لم يسبق لي بأي شكل من الأشكال "دعم" مثل هذا القول، ولا أشارك هذا الرأي على الإطلاق».[2]
لينين ومارتوف عندما كانا عضوين في رابطة سان بيترسبورغ للنضال من أجل تحرير العمل سنة 1897
بشكل عام، لا بد من القول إن البلاشفة تصرفوا وهم أقلية أفضل بكثير من الطريقة التي تصرف بها المارتوفيون عندما كانوا أقلية في المؤتمر الثاني. وعلى عكس المارتوفيين في عام 1903، قبل لينين بنزاهة بموقعه كأقلية داخل اللجنة المركزية، التي سيطر عليها المناشفة بشكل كامل. وكان المعطى الجديد بالنسبة لهذه اللجنة المركزية هو حضور ممثلين عن المنظمات الاشتراكية الديمقراطية القومية لأول مرة: البولنديون، الذين مثلهم كل من فارسكي ودزيرجينسكي؛ واللتوانيون ممثلين من طرف دانيشيفسكي؛ والبوند يمثلهم ابراموفيتش وكريمر. وهكذا فبالرغم من تمكن المناشفة، ولو مؤقتا، من تحقيق الانتصار في هذا المؤتمر، الذي عقد في ظل ظروف تجميع الردة الرجعية لقواها، فقد كانت هناك بعض الانتصارات الصغيرة. ففيما يتعلق بقوانين الحزب، تم قبول مشروع لينين للفقرة الأولى لتلك القوانين، وتم أساسا تبنى مبادئ المركزية الديمقراطية. في الحقيقة لم تكن تلك مسألة مثيرة للجدل، بل تم اعتبارها بديهية، ليس فقط من قبل البلاشفة، بل أيضا من جانب المناشفة (الذين كانوا يشكلون الأغلبية!). وكانت هناك بعض الخلافات حول القضايا التنظيمية، لكنها لم تؤد إلى أي مشاكل خطيرة. أصر البلاشفة على أن نظام المركزين (الوجود الموازي للجنة مركزية ولجهاز مركزي) قد تجاوز مدة صلاحيته. لكن المناشفة نجحوا في الحفاظ عليه، وحرصوا على ممارسة سيطرة كاملة على هيئة التحرير، والتي كانت تتألف حصرا من المناشفة (مارتوف ومارتينوف وماسلوف ودان وبوتريسوف)، بينما منحوا للأقلية البلشفية ثلاثة أماكن داخل اللجنة المركزية.
شكل المؤتمر الرابع، من بعض النواحي، خطوة إلى الأمام، لا سيما في تمكين الحزب من إدماج منظمات العمال من قوميات أخرى. في تقريره إلى المؤتمر، الذي سبقت الإشارة إليه أعلاه، قال لينين ما يلي: «عند تلخيص أعمال المؤتمر والأثر الذي كان له على حزبنا، علينا استخلاص الاستنتاجات الرئيسية التالية: كانت النتيجة العملية المهمة التي حققها المؤتمر هي مقترح (تحقق جزئيا بالفعل) الاندماج مع الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية القومية. هذا الاندماج سوف يقوي حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي، وسوف يساعد على طمس آخر بقايا عادات الحلقات الصغرى القديمة، وسوف يبث روحا جديدة في عمل الحزب، وسوف يقوي بشكل كبير موقف البروليتاريا بين جميع شعوب روسيا». وأضاف: «وكانت النتيجة العملية المهمة هي اندماج مجموعات الأقلية والأغلبية. لقد تم إنهاء الانقسام. يجب أن تكون البروليتاريا الاشتراكية الديمقراطية وحزبها موحدان. وقد تم القضاء كليا تقريبا على الخلافات حول التنظيم».[3]
انضم الاشتراكيون الديمقراطيون البولنديون والليتوانيون إلى حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي ووضعت الأسس من أجل الوحدة مع الاشتراكيين الديمقراطيين اللاتيفيين. كما وضعت الأسس لانضمام البوند أيضا للحزب، لكن المؤتمر رفض بشدة فكرة تنظيم الطبقة العاملة على أسس قومية. وفي وقت لاحق من العام (غشت) صوت البوند لصالح الانضمام إلى حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي. وقد علق لينين قائلا: «لقد أصبح حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي، أخيرا، حزبا لكل روسيا وموحدا حقا. صار عدد أعضاء حزبنا الآن أكثر من 100.000. كان 31.000 منهم ممثلون في مؤتمر الوحدة، إضافة إلى حوالي 26.000 اشتراكي ديمقراطي بولندي، وحوالي 14.000 اشتراكي ديمقراطي لاتيفي وحوالي 33.000 اشتراكي ديمقراطي يهودي». الأرقام التي ساقها لينين أكدتها صحيفة الكاديت Tovarishch التي قدرت العدد الإجمالي للأعضاء المسجلين في حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي بنحو 70.000 في أكتوبر 1906. يشمل هذا الرقم كلا من البلاشفة والمناشفة. ويجب أن يضاف إلى ذلك 33.000 آخرين من البوند، بالإضافة إلى 28.000 من الاشتراكيين الديمقراطيين البولنديين و 13.000 من الاشتراكيين الديمقراطيين الليتوانيين.[4]
ومع ذلك، فإن الأرقام المثيرة للإعجاب المذكورة أعلاه لا تكشف عن القصة كلها. تخبرنا أرقام النمو في عضوية عن الفئات المتقدمة من العمال والشباب، لكنها لا تخبرنا عن الوضع بين الجماهير. كانت هزيمة دجنبر نقطة تحول بالنسبة للطبقة العاملة. في الواقع، على الرغم من أن حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي استمر في النمو، فإن تأثيره في الجماهير كان قد بدأ في التراجع. خلق الإرهاق مزاجا من اللامبالاة والتشاؤم. وعلى الرغم من أن الحركة استمرت لفترة تسير بفعل قوة الدفع الخاصة بها، فإن آمال لينين بحدوث انتعاش قريب للحركة الثورية لم تكن تتوافق مع الوضع الحقيقي. قال تروتسكي: «إنه [أي حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي] استمر في النمو في العضوية. لكن تأثيره بين الجماهير تراجع. لم يعد في إمكان مائة مناضل اشتراكي ديمقراطي أن يقودوا من العمال في الشوارع ما كان في مقدور عشرة من الاشتراكيين الديمقراطيين قيادته في العام السابق».[5]
هوامش:
[1] Trotsky, Stalin, p. 72.
[2] LCW, Unity Congress of RSDLP, Written Statement at the Twenty-sixth Session of the Congress, vol. 10, p. 309.
[3] LCW, Report on the Unity Congress of the RSDLP, vol. 10, p. 376.
[4] L. Schapiro, History of the CPSU, p. 72.
[5] Trotsky, Stalin, p. 88.
#آلان_وودز (هاشتاغ)
Alan_Woods#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟