نحو اعادة صياغة البرنامج النضالي الكردي
... اليسار القومي أولاً ...
الكل يجمع على مظاهر الازمة العاصفه بالحركة القومية الكردية في سورية كجزء من الازمة العامة للحركة الوطنية الديموقراطية في البلاد ، والتي هي بدورها امتداد للتراجع الحاصل على المستوى الاقليمي ، ومن ابرز تجلياته عجز شعوب وحكومات الشرق الاوسط عن تقرير مصيرها السياسي والاقتصادي ، وانهيار القيم الوطنية والقومية لدى الانظمة الحاكمة في بلدان المنطقة وارتهانها حاضراً ومستقبلاً للعامل الخارجي ، هذه الانظمة اللاديموقراطية التي مضت بعيداً في قمع شعوبها وانتهاك حريتها وحقوقها ، والامعان في نهب الثروات واستغلال الطاقات لمصالح فئوية وفردية تحت شعارات براقه لاتخلو من الديماغوجية والمزايدات حتى وصلت بها الامور الى درجة قيام القوى الخارجية – الامبريالية – الى مطالبتها باجراء الاصلاحات الدستورية والسياسية والاقتصادية واحترام حقوق الانسان وحق الشعوب ودفعها لتنفيذ ذلك عبر الضغوط السياسية والعسكرية .
وبسبب العلاقة الجدلية بين الوضعين السياسيين الكردي " الخاص " والسوري " العام " فان مظاهر التفكك والتراجع والضياع التي تبدو بجلاء على واقع الحركة الوطنية والديموقراطية في سورية نتيجة ثلاثة عقود عجاف تميزت بالقهر والقمع والاحتواء الامني تنعكس بوضوح شديد على مكونات الحركة القومية الكردية في سورية التي اضيفت الى معاناتها على الصعيد السوري – العام – تفاعلات وضعها القومي – الخاص – جراء التعامل الاستثنائي الاشد قسوة وايذاء والنابع من النظرة العنصرية الاستعلائية بدواعي مزاعم – الامن القومي – من جانب بعض الاوساط الرسمية الحاكمة والنافذه .
وكمثال قريب لايحتاج الى عناء تفكير وتحليل ما قامت به اجهزة السلطةمنذ اواسط سبعينات القرن المنصرم وحتى اليوم وبكل قواها وامكاناتها في توجيه الضربة تلو الاخرى الى تنظيمات الجسم الاساسي الناشط والحامل للمشروع القومي – الوطني في الحركة الكردية لتحوله خلال ثلاثة عقود الى شراذم ومجموعات كادت ان تنسى قضيتها المركزية وتنشغل ببعضها عبر خطاب – تخويني – ارتدادي – خال من الجوهر الكفاحي والاخلاقي وبعيد كل البعد عن مشاعر الاحساس بالمسؤولية التاريخية القومية والموقف الشجاع النبيل الذي يفتقد اليه ويؤخذ به عادة في الاوقات الصعبة والظروف الاستثنائية .
لقد عبر ذلك الانحدار السياسي – القومي – الوطني والذي مازال مستمرا بوتيرة أقل عن تدني مرعب في الوعي السياسي والثقافة الوطنية والفهم النضالي . هذه حقيقة يجب الاخذ بوجودها والاعتراف بها واتخاذ العبرة والدرس منها من اجل الحاضر والمستقبل .
منذ ظهور الحركة القومية الكردية في سورية وبداياتها الاولى التي تجسدت في حركة – خويبون – والارهاصات البدائية التي تمثلت في نشوء جماعات ونوادي وهيئات ثقافية ومن ثم – الحزب الديموقراطي الكردستاني – كان الصراع قائماً في الخفاء أو في العلن بين مشروعين : واحد قومي ووطني وديموقراطي يحمل برنامجاً واضحاً ، وآخر متردد وعاجز غير مكتمل قومياً – وغامض وطنياً ينتظر لانتهاز الفرص ، حريص على مصالح فئويه ضيقه فوق الاعتبارات القومية المصيرية. استمر الجدل بين المفهومين بشتى السبل وكان الزمن كفيلاً بتعميق الخلاف بين المشروعين الى حد القطيعة التنظيمية والسياسية والثقافية ، وكان من شأن واقع تخلف الوعي السياسي في الساحة الكردية – المعقدة – أن يظهر الصراع بأشكال عديدة ومنها – الزعامة والخلاف الشخصي ، التناحر الطبقي – التبعية للمراجع القومية خارج سورية – مداخلات الاجهزة الامنية – الخلاف الفكري الى آخر ماهنالك من تسميات ومصطلحات في الاذهان .
ومن سوء الطالع الكردي فان الرعيل الاول من قيادات الحركة القومية والذي تصدر حمل المشروعين والتبشير بهما عجز عن تقديم تفسير مفهوم لاسباب ومكونات الصراع وقضايا الخلاف بين المشروعين بجوانبها المختلفة وكان ذلك احد اسباب تخلف الحركة الكردية عن الركب السياسي في البلاد وعزلتها وتقوقعها ردحاً من الزمن في زوايا النسيان وانعدام التاثير والفعل في الساحة الوطنية السورية ؛ وحتى اليوم نشهد الآثار السلبية لتلك المسيره العرجاء في حركتنا .
شكل كونفرانس الخامس من آب عام / 1965 – ورغم حدوثه المتأخر – منعطفاً استراتيجياً في اعادة تعريف الحركة الكردية – تنظيماً وفكراً ونهجاً وموقفاً – ومفتاحاً لحل اللغز الذي واكب مسيرة الحركة لاكثر من ثلاثة عقود وكان ايذانا بفتح الباب على مصراعية لانعاش الفكر السياسي الكردي والانطلاق من قمقمه . ونقل الحقيقة السياسية الكردية الى صفوف أوسع الجماهير الشعبية والاحتكام في قضايا الخلاف – قديمها وجديدها الى النخبتين السياسية والثقافية الكردية عبر النقاشات التي لم تخل احياناً من حرارة البحث المتواصل عن الحقائق ، وللمرة الاولى بعد الكونفرانس تشهد الساحة السياسية الكردية حواراً في العمق حول مقولات ومواضيع ومفردات جديدة تطرح بوضوح وشفافية منها ما تتعلق بمصير الكرد ضمن اطار الوطن السوري وطبيعة المرحلة التي تجتازها الحركة الكردية ومضمونها القومي والاجتماعي واهدافها القريبة والبعيدة ، وعلاقة النضال القومي الكردي – الخاص – بالنضال الوطني الديموقراطي – العام – في البلاد ، والمسافة بين الانتماءين – القومي – و الوطني – وقضية التوازن بينهما ، والقاعدة التاريخية للعلاقات الكردية – العربية ومبادئ التعايش والتمازج الحضاري في حياة الشعبين ومسالة الشراكة والمصير .
وفي مجال الحياة السياسية الداخلية للحركة القومية الكردية دشن كونفرانس الخامس من آب نهجاً جديداً في التصدي علانية لأسس الخلاف الفكري والسياسي والكشف عن ملابساتها وخصوصياتها بحيث جرى – طرحها وتقييمها من كافة جوانبها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وفي اطار التناول التاريخي الشامل والتأثير المتبا دل بين الخصوصية القومية والشموليه الوطنية في الظروف المحيطة والعوامل المؤثره في موازين القوى على مختلف الاصعده الداخلية والخارجية .
اذاً استخلص الكونفرانس بعد جهود فكرية – ثقافية غنية ومكثفة عدداً من المبادئ والمسلمات أهمها على الاطلاق :
1- اعادة تعريف الكرد في سورية كشعب يتمتع بعلائمه القومية المميزة ويقيم في موطنه التاريخي منذ الازل رغم تعاقب الموجات والقوى السائده والحكومات من مختلف الشعوب والقوميات .
2- تحديد حقوقه القوميه في اطار مبدأ حق تقرير المصير ضمن الدولة السورية الديموقراطية الموحده .
3- التوازن بين الانتماءين القومي والوطني بمرونة وحسب الظروف المحيطه ، وتثبيت العلاقة العضوية بين النضال القومي الكردي والنضال الوطني الديموقراطي العام في البلاد .
4- الالتزام بمصالح الاغلبية الساحقه من طبقات وفئات المجتمع الكردي التي تتوافق مع تحقيق العدالة ، والتقدم ، والمساواة والقوانين الاشتراكية الحقيقية والانجازات الاقتصادية لصالح الفقراء وتطابق ذلك مع مبدأ الاستجابة لحقوق الكرد القومية كشعب .
5- التوصل بعد الاطلاع والمتابعه الى الوقوف لجانب القيادة الشرعية التاريخية للثورة الكردية في كردستان العراق بقيادة الزعيم الخالد مصطفى البارزاني .
6- بذل كل الجهود لتعزيز العلاقات – التاريخية بين الشعبين الكردي والعربي والوقوف الى جانب القضايا العربية وخاصة القضية المركزية قضية فلسطين .
شكلت المبادئ الستة اعلاه خلاصة اجوبة اليسار القومي وقناعاته في مواجهة مشروع اليمين القومي بعد ص واذا اضفنا العقود الاربعة الاخيره ما بعد انعطافة آب الحاسمة – والجذرية – يكون قد مر على هذا الصراع التاريخي نحو سبعة عقود وبلادنا مازالت محرومة من الديموقراطية . ونظام الحزب الواحد الذي يحجب الحريه والمساواة وينتهك حقوق الانسان ولايعترف بالحق الكردي ويتظلل بالاحكام العرفيه وقوانين الطوارئ مازال جاثماً ، واليمين القومي الكردي مازال يجد له هامشاً من التواجد والمناوره كحصيله طبيعيه للمناخ اللاديموقراطي في البلاد .
وعلى صعيد المواجهه بين المشروعين فإن المبادئ المستخلصه منذ عام 1965 مازالت تشكل الاطار العام لقضايا الخلاف والاختلاف رغم كل المحاولات الجاريه من فكريه وثقافيه وسياسية لطمس جوهر هذه القضايا أو محاولة الالتفاف عليها ورغم التراجع اللفظي من جانب اليمين القومي حول مسألة – الشعب – والحقوق : السياسية والاجتماعية والثقافية ، والعلاقة بين الحق الكردي والقضية الديموقراطية لانه – اليمين القومي – ومنذ القدم وحتى الآن يجد نفسه اقرب الى اجهزة السلطه من المعارضه الوطنيه الديموقراطيه في سوريه . رغم محاولاته بالاستعاضه عن ذلك باعتبار امثال الضابط الامني السابق – منذر الموصلي – من المعارضه الديموقراطيه مثلاً الذي ينكر حتى الوجود الكردي في سورية كشعب وسكان اصلييين .
ان الخصوصية المميزة لنشأت وتطور اليسار القومي الكردي في سورية تفصح عن ذاتها من خلال قضايا الخلاف مع اليمين القومي والتي تعود باغلبيتها الى مسألة وجود وحقوق الشعب الكردي وبرنامج حركته القومية وبجانب منها حول الموقف من المسألتين الديموقراطية والاجتماعية في سورية ، اما بشأن التزام اليسار القومي بالمبادئ الماركسيه – اللينينية فذلك لايغير من الصورة شيئاً لان ذلك الالتزام حصل من منظور حركة تحرر وطني وليس حزب في السلطة او في مرحلة ما بعد انجاز التحرر الوطني يتصدى لمهام بناء النظام الاشتراكي ، بعبارة اوضح لم تكن قضية تحقيق الاشتراكية في يوم من الايام على رأس اولويات احزاب التحرر القومي أو الوطني بل كانت في درجات تاليه ومراحل لاحقه بعد تحقيق تقرير المصير خاصة في الحالة الكردية ، أما اعتبار تحقيق الاشتراكية حاضنة مبدأ حق تقرير المصير انتصار كبير ونهائي فكان في اجندتنا وفي برنامج يسارنا القومي وفي نضالنا المشترك مع اصدقائنا في الحركة الديموقراطية والثورية العربية رغم المعرفة الاكيدة ومنذ اليوم الاول صعوبة تحقيق ذلك في سورية ، وعلى ضوء ذلك لانجد بعد كل الذي حصل للدول الاشتراكية حاجة الى اعادة النظر في مسأله الالتزام لاننا مازلنا على مبادئنا السابقه .
من جهة اخرى فان التجربة الكردية اثبتت بجلاء ان اليسار القومي وخاصة الملتزم منه بالماركسيه – اللينينية كان وما زال اكثر معرفة بالمجتمع الكردي واعمق صلة بقضايا الجماهير الشعبيه الواسعة واكثر التزاماً بالقضية القومية وبمبدأ حق تقرير المصير ، واقرب صلة ونهجاً ومصيراً الى القوى الديموقراطيه لدى الشعوب العربية والتركية والايرانية ، واكثر حرصاً على التآخي القومي والنضال المشترك مع الشعوب الاخرى ومع وحدة وسيادة الاوطان . التي يعيش فيها . ومن المفيد هنا ان نعيد الى الاذهان الفرق الشاسع بين فهمنا كيسار قومي للماركسيه – اللينينية وبين فهم الآخرين لها خاصة من جانب الشيوعيين الاكراد – الكوسموبوليتيين – الذين انخرطوا في الاحزاب الشيوعيه الرسميه في البلدان المقسمة لكردستان بعد التخلي عن المبادئ القومية الكردية وحتى التشكيك فيها والمضي في تيار – التمثليه – القومية لصالح القوميه السائده . والذين كانوا خير سند لليمين القومي الكردي سياسياً وميدانياً . كما يجب وعلى صعيد الوضع الكردي ان نوضح هنا بانه ليس كل الذين – افرادو مجموعات ومنظمات – يحسبون على اليسار القومي ملتزمين بالماركسيه وهناك من يرفع شعار الماركسية ويجد نفسه اقرب الى اليمين القومي حول النظرة الى طبيعة الوجود الكردي وحقوقه ودوره وموقعه ، وكما ذكرنا سابقاً مثال – الشيوعيين الاكراد وغيرهم في هذا المجال .
هناك تشرذم وانقسام كما ذكرنا في بداية البحث ومن الناحيه التنظيمية في صفوف اليسار القومي ، وهناك تباعد مصطنع بين متزعمي مجموعاته واذا كان القسم الاكبر من هذه المجموعات يعود باصوله الفكرية والتنظيمية الى الحزب الام – " حزب كونفرانس الخامس من آب 1965 " – فهناك اعداد هائلة من الكوادر والمسؤولين السابقين اعفوا انفسهم أو تم اعفاءهم من الالتزام التنظيمي دون ان يتخلوا عن قناعاتهم الفكريه والسياسيه وهناك ايضاً راع متواصل دام اكثر من ثلاثة عقود ، والذي حسم كما ذكرنا عام / 1965 .
افراد ومجموعات اقرب الى اليسار القومي ممن لم يلتزموا بالماركسيه ومنهم من ينضوي في منظمات واحزاب اخرى وهناك ايضاً تلك الكتله البشرية الهائله من المثقفين اللامنتمين الى المنظمات والذين يشكلون عملياً جزء اساسياً ومبدعاً ومنتجا في الاطار العام الليسار القومي .
ان نظرة فاحصة الى اسباب تشرذم اليسار القومي وعوامل تشتته توصلنا الى حقيقة غياب اي خلاف فكري عميق . خاصة حول قضاياً ومبادى الخلاف التي ظهرت عام 1965 مع اليمين القومي والتي حددناها سابقاً . وهذا يعني ان التشتت لايستند الى مسوغ تاريخي أو مبرر نظري فكري وهو باطل ومصطنع ، كما لايستند الى اية شرعية تنظيميته . لقد حصل ذلك بسبب قصور الوعي العام لدى النخب القيادية والاوضاع الخاصه والصعبه والمعقده للحزب والحركة الكردية عموماً ، ويجب ان نواجه الحقائق بشجاعة ومنها الدور البارز لاجهزة السلطه عبر – الترغيب والترهيب – والخدمات التي قدمتها لها عناصر قيادية في – الاتحاد الوطني الكردستاني العراقي – كجزء من الصراع التاريخي المستمر في حركة – الكوردايةتي - .
ان ما نحن بصدده الآن ليس دعوة الآخرين الى العودة الى اصولهم وجذورهم رغم ما تتسم مثل هذه الدعوات من مثالية وطيبه وسعادة الضمير ، لسبب واحد وهو اننا قد تجاوزنا عهود الحزبية الضيقه وادعاء شرعيه الحزب الفلاني والقيادة الفلانيه الى عصر جديد لايتسع إلا للبرامج والاهداف والمواقف المعلنة والشفافه والممارسه العمليه ويبقى الاطار الذي ينظم العمل التنظيمي وطرق الالتزام ، وقواعد النضال في المرتبة الثانية بل الاخيره التي لن تشكل عائقاً أمام ارادة المصالحه والحوار وصياغة البرنامج النضالي المشترك . هناك فرصة لليسار القومي للملمة صفوفه واعادة تنظيمه من جديد عبر اعادة تعريف برنامجه النضالي اولاً ومن ثم الانتقال الى مرحلة لاحقة لاستكمال خطوات اخرى على صعيد الحركة القومية الكردية والحركة الوطنية السورية . والتطورات الحاصلة في ساحتنا تؤكد للجميع ان هناك حاجة موضوعيه ومصيرية للتحرك الايجابي ، وان هناك شروطاً لابد من انجازها حتى يحافظ اليسار القومي على تاريخه النضالي ودوره المطلوب والمرتقب في تحقيق اهداف الشعب الكردي أمام احتمالات اصطفافات جديده على الصعيدين السوري والكردي . ولا اشك لحظة بأن اضاعة الفرصة الراهنة ستؤدي الى اختلال موازين القوى في الحركه السياسيه الكرديه لصالح اليمين القومي والذي بدوره سيلحق الاذى بشعبنا وقضيتنا وحركتنا .
من هنا ادعو مخلصاً كل الاخوة والرفاق والمجموعات من مكونات اليسار القومي الى الحوار تحت شعار " اعادة صياغة برنامج اليسار القومي الكردي أولاً .. " وادعو الجميع وخاصةً حملة الفكر والثقافة ان يساهموا عبر مختلف المنابر الاعلامية في التصدي لمهام انجاز صياغة البرنامج النضالي المنشود