|
المسألة ليست مصير جمعية أهلية.. بل مصير وجه مصر الثقافى
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1444 - 2006 / 1 / 28 - 03:59
المحور:
المجتمع المدني
لدينا مفارقات تحرق الدم وترفع الضغط.. وأحد هذه المفارقات التى نسلط عليها الضوء اليوم تتعلق بـ "الأصالة"! فهل من المعقول أن يشمر الجميع سواعدهم دفاعا عن دور منظمات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية فى الوقت الذى يتواطأ فيه كثير من هؤلاء أنفسهم على خنق واحدة من أهم تلك الجمعيات؟ وهل من المعقول أن يتحدث الجميع عن دور التراث الثقافى فى حفز التنمية بينما يتواطأ كثير من نفس هؤلاء الذين لا يكفون عن الإدلاء بالتصريحات المعسولة على قتل الحرف اليدوية التى هى أحد أهم عناصر ومفردات التراث الثقافي؟! هذه المفارقة أحسست بوطأتها أثناء حضورى يوم الجمعة الماضى افتتاح مؤتمر "دولى" مهم نظمته مكتبة الاسكندرية تحت عنوان "التراث الثقافى والتنمية". وبينما كان الدكتور اسماعيل سراج الدين يصول ويجول متحدثا عن هذه القضية الخطيرة بصورة أخاذة وجذابة ومفعمة بالدلالات والدروس.. وبينما كان الدكتور محسن يوسف يدور كالنحلة من أجل ترتيب فعاليات هذا المؤتمر الدولى الكبير.. رأيت الفنان التشكيلى الكبير عز الدين نجيب، وقد علت وجهه حسرة لم يستطع إخفاءها، وهو يجلس فى الصفوف الخلفية مصغيا إلى الكلمات والأوراق التى طغت عليها شئون "الأثار" بصورة ملفتة للنظر. ولا نجادل فى أن "الاثار" هى أحد أهم مكونات التراث الثقافى. ولا نجادل كذلك فى أهمية الحفاظ عليها والترويج لها وبحث كيفية الاستفادة المثلى منها، فضلا عن الاحتفاء بها.. لكن ما نجادل فيه هو أن التراث الثقافى لا يقتصر على الأثار. فالأثار هى "التراث الميت" إذا جاز التعبير، بينما الحرف اليدوية هى "التراث الحى". ولم تعد الأمم المتحضرة تنظر إلى موروثها من الفنون اليدوية التقليدية نظرة أدنى من الفنون الجميلة، أو على أنها فنون العامة المتصلة بالاغراض النفعية التى لا ترقى الى القيم الجمالية المتحفية. فقد أدركت أن هذا الموروث يمثل الابداع الجمعى للشعوب ودالة هويتها الثقافية، بل هو وعاء رسالتها الحضارية فى عصور ازدهارها، بما تشمله من قيم المعتقدات والعادات والتقاليد والاخلاق والمعانى الانسانية. كما أن لها حضورها الواضح وتأثيرها القوى على الذوق العام أكثر من فنون النخب المثقفة. ومن ثم فإن الحفاظ عليها هو حفاظ على الهوية، خاصة وأن السنوات الأخيرة من القرن الماضى حملت مخاطر اجتياح العولمة الثقافية لهويات الشعوب، الأمر الذى استنفر حماة الفنون اليدوية التقليدية فى كل مكان أو موقع دولى لتنظيم المؤتمرات فى أماكن عدة بين الشرق والغرب لتفعيل الانشطة والبرامج الكفيلة بحماية هذا التراث واستمراره. غير ان الاستجابة المصرية فيما يتعلق بوضع هذه الدعوات موضع التنفيذ – كما ترى مقدمة موسوعة الحرف التقليدية بالقاهرة التاريخية – لا تكاد تذكر، بل على العكس تزايد معدل التدهور فى المشروعات الحكومية المعنية بالحفاظ على موروثات الحرف التقليدية خلال السنوات القليلة الماضية، وتُرك أمر هذه الحرف – كما تقول الموسوعة ذاتها – لاستغلال الوسطاء من التجار الذين لا يعنيهم غير الربح السريع حتى على حساب أصالة المنتج الفنى أو حق مبدعه، وترك أمر تدريب موجات جديدة من الحرفيين تواصل مسيرة الاجيال لبعض محترفى اقتناص المنح الاجنبية الخاصة بهذا الغرض، فبات الكثير منها برامج ورقية، دون عائد حقيقى من المتدربين المهرة، وأصبح كل من يغيب عن الساحة من كبار الحرفيين والمعلمين – بالوفاة أو العجز – يظل مكانه شاغرا بعد أن تذهب معه أسرار حرفته المتوارثة أبا عن جد. كل هذا فى ظل غياب توثيق أمين تقوم به أى جهة مسئولة لمسار الابداع الحرفى بمصر على مدار عهودها المختلفة، بتاريخه وأنماطه وتقنياته، وما وراء ذلك كله من معتقدات وتقاليد ومؤثرات ثقافية ونظم اجتماعية. هذه الصورة المروعة التى رصدتها مقدمة موسوعة الحرف التقليدية بالقاهرة التاريخية، كانت أحد الاسباب لتأسيس جمعية أهلية مهمومة بكل هذه القضايا، هى جمعية "أصالة"، التى أنشئت أواخر عام 1994، واستطاعت إنجاز العديد من المشروعات بالاشتراك مع وزارة الثقافة فى عام 2000 ثم استقلت بعد ذلك بمشروعاتها حسبما سمحت به إمكاناتها وبما دعمتها به الوزارة كمؤسسة أهلية تقوم بمهام مكملة لما تقوم به الدولة. ومنذ ذلك التاريخ، أى عبر ما يزيد عن أحد عشر عاما، ملأت جمعية "أصالة" فراغا كبيرا، وقامت بدور بالغ الأهمية فى حماية الحرف اليدوية التقليدية وتفريخ أجيال جديدة من الحرفيين المهددين بالانقراض. وبدلا من تشجيع "اصالة" ودعم دورها لإزاحة الإهمال والنسيان عن الحرف اليدوية والتراث الشعبى والفنون التشكيلية التى تستلهم قيم الأصالة، تجد جمعية أصالة لرعاية الفنون التراثية والمعاصرة نفسها على قارعة الطريق، بلا مفر، بلا تمويل.. وتضيع صرخات استغاثتها لإنقاذها من مصير التصفية والحل، بعد أن نفدت كل مواردها واضطرت لإخلاء الوحدات التى تؤجرها بمبالغ تفوق طاقة أى جمعية أهلية لا تتلقى إعانة من أى جهة حكومية منذ ست سنوات، بين مقر إدارى وقاعة للتدريب على الحرف ومرسم ومعرض للفنون التشكيلية ومنفذ لعرض الحرف التقليدية.. ذلك ان وزارة الثقافة – المفترض أن تكون الراعى الرسمى لكل الجمعيات الثقافية – قد نفضت يدها عن أى مساعدة لها، بعد أن أخلتها من مقرها الذى أشهرت عليه بمبنى وكالة الغورى بالازهر عام 2000 لإجراء الترميم به، وانتهى الترميم بعد خمس سنوات لكن أحدا لا يريد أن يعيد اليها المقر أو المرسم الحر الذى كان تشغله، وها هى نجد نفسها تتقاذفها الايدى بين مكاتب المسئولين وبين كبار وصغار الموظفين بغير جدوى. الفنان عز الدين نجيب رئيس الجمعية لم يترك بابا طوال العام الماضى إلا وطرقه، لكنه وجدها جميعا مغلقة أمامه: · الهيئات الدولية المانحة – التى سبق أن دعمت مشروعاتها – كفت يدها عن أى مساعدة فى المجال الثقافى، لأنها مشغولة بمهام أخرى غامضة، والبعض من هذه الجهات ما يزال يدرس ما تقدمت به الجمعية من مشروعات تدريبية وتنموية جديدة منذ حوالى العام بغير رد حتى الآن. · الصندوق الاجتماعى للتنمية الذى سبق ان تعاقد معها على تنفيذ مشروع تم خلال المرحلة الأولى منه تدريب 72 حرفيا بنجاح شهد به الخبراء – يرفض تنفيذ المرحلة الثانية من المشروع، مفضلا أن يمول قروضا وليس منحا. · محافظ القاهرة السابق يوافق – كتابة - على منح الجمعية قطعة ارض (5000 م.م.) لتقيم عليها مشروعاتها بعد أن شهد إنجازاتها مرارا، ثم تكتشف أنها لم تحصل الا على وهم! · وزير الثقافة – الذى ساهم من قبل فى تمويل جزء من موسوعة الحرف التقليدية- يتجاهل طلبات الجمعية المتكررة لدعمها من أجل استكمال إصدار الموسوعة، بالرغم من النجاح المشهود للجزءين اللذين صدرا منها وأصبحا يمثلان أول مرجع علمى من نوعه فى هذا الشأن، بل يتجاهل طلب مقابلة رئيس الجمعية مرارا بعد أن وعده بمقابلته. · قطاع الفنون التشكيلية يتخلى عن مسئولية فى استعادة الجمعية لمقرها بوكالة الفورى بالرغم من أنه الذى طلب منها رسميا إخلاءه بشكل مؤقت للترميم ثم يعرض عليها حلا بديلا وهو بدروم بمنى مهجور خرب بحى المطرية، يفتقر الى الحد الادنى من الضرورات التى تجعله صالحا للاستخدام، ولا يتخذ إجراء حاسما لترميمه، فتضطر الجمعية إلى استلامه واستخدامه كمخزن لتشوين أغراضها دون ممارسة أى نشاط فيه. · صندوق التنمية الثقافية بوزارة الثقافة: كل ما يهمه هو الحصول على نسبته المقررة من مبيعات المعارض التى يسمح باقامتها للجمعية أو المطبوعات التى يقوم بتسويقها لحسابها كأى وسيط، حتى ولو لم يتبق للجمعية ما تنفقه على إقامة هذه المعارض أو إصدار تلك المطبوعات. وللحديث بقية
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تشيني غادر حدود أمريكا.. إذن توقعوا مصيبة وشيكة!
-
أزمة بيت الحكم الكويتي.. جرس إنذار للجميع
-
النخب العربية في مواجهة تحديات تجديد الدماء!
-
ذمة الوزراء علي العين والرأس.. لكن المطلوب آلية قانونية لمنع
...
-
كليمنصو!
-
هل نكتفي بالتباهى ب -شعر- أختنا اللاتينية؟!
-
.. لكن هل يجوز أن تكون الرئيسة مطّلقة .. وعلمانية؟!
-
النخب العربية فى مواجهة تحديات تجديد الدماء
-
رئيس تحرير تحت الطلب
-
أربع ساعات مع رئيس الحكومة !
-
شجرة الأرز اللبنانية .. وغابة أشجار الصبار العربية
-
حتى لا نكون نحن والزمن وعنصرية الغرب ضد السودانيين
-
تعالوا نتفاءل.. علي سبيل التغيير
-
من يشعل فتيل القنبلة النوبية؟
-
لماذا خطاب »الوقاحة«؟
-
أشياء ترفع ضغط الدم!
-
كمال الابراشى .. والسادات .. والسفير الإسرائيلي!
-
برلمان الهراوات والعمائم!
-
أخيراً.. جامعة في أرض الفيروز
-
هل الأزهر فوق القانون ؟!
المزيد.....
-
اللجان الشعبية للاجئين في غزة تنظم وقفة رفضا لاستهداف الأونر
...
-
ليندسي غراهام يهدد حلفاء الولايات المتحدة في حال ساعدوا في ا
...
-
بوليفيا تعرب عن دعمها لمذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت
-
مراسلة العالم: بريطانيا تلمح الى التزامها بتطبيق مذكرة اعتقا
...
-
إصابة 16 شخصا جراء حريق في مأوى للاجئين في ألمانيا
-
مظاهرة حاشدة مناهضة للحكومة في تل أبيب تطالب بحل قضية الأسرى
...
-
آلاف الإسرائيليين يتظاهرون ضد نتنياهو
-
مسؤول أميركي يعلق لـ-الحرة- على وقف إسرائيل الاعتقال الإداري
...
-
لماذا تعجز الأمم المتحدة عن حماية نفسها من إسرائيل؟
-
مرشح ترامب لوزارة أمنية ينتمي للواء متورط بجرائم حرب في العر
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|