حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 5514 - 2017 / 5 / 8 - 19:50
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
و ما دام الموضوع الذي يجري الكلام بصدده لصيق الصلة "بما يجب أن يقوم" إستناداً للماركسية ، فمن المناسب التطرق إلى المطلب الماركسي الثالث الوارد بالعدد (12) ضمن القائمة و الذي لم يتحقق (و لن يتحقق مطلقاً في ظل الرأسمالية) و نصه :
"12. يستلم كل موظفي الخدمة العامة في الدولة رواتب متساوية ، و الاستثناء الوحيد هو لموظفي الخدمة العامة المعيلين للعوائل ذات الاحتياجات الأكبر ، لذا ، يستلم هؤلاء رواتب أعلى ."
كما أجد من الضروري أيضاً إيراد المزيد من التفاصيل المقارنة بعدئذ حول مطلب الضرائب التصاعدية على المدخولات و تطبيقاته اللاحقة في غير ألمانيا .
المطلب الثاني عشر أعلاه ينطوي على مبدأين أساسيين اثنين : المساواة في الرواتب بين جميع موظفي الدولة ؛ و دفع رواتب أعلى للمستثنين من تلك المساواة للموظفين الحكوميين المعيلين لغيرهم . المبدأ الماركسي الأول ينشد العدالة الاجتماعية عبر إلغاء التفاوت الاجتماعي الحاصل بسبب التفاوت في رواتب الدولة ، و هو بالتالي يقطع الطريق أمام استغلال الوظيفة لغرض الاغتناء الشخصي . أما المبدأ الثاني ، فإنه يأخذ بعين الاعتبار الإيفاء باحتياجات المعيلين لغيرهم (من الأطفال و الزوجات ، إلخ) من موظفي الدولة حسب مقولة "و لكل حسب حاجته" . و من المهم جداً ملاحظة أن ماركس و انجلز يثبِّتان هنا مطالب شيوعية في ظل النظام الراسمالي ، و ليس الاشتراكي . و سأعود لهذا الموضوع عند التفصيل بصدد "نقد برنامج گوتا" لماركس .
السؤال المهم الآن هو : هل أن المطلب الماركسي التقدمي أعلاه ضروري "لما يجب أن يكون" في كل دولة قائمة ، و خصوصاً في العراق الآن ؟ الجواب هو : نعم ، بالتأكيد . فليس بوسع أي منصف مطلع نكران مدى استغلال كل الكتل السياسية الحاكمة في العراق منذ عام 2005 و لحد الآن للوظيفة عامة كذريعة مقنونة للإثراء الفاحش غير المسبوق في أي دولة أخرى في العالم عبر تكريسها بنص القانون للتفاوت الرهيب بين رواتب موظفي الدولة . القانون في عراق اليوم يقسم العاملين في الخدمة العامة إلى قسمين : الموظفين على الملاك الدائم ، و أصحاب الدرجات الخاصة و المستشارين . الفئة الاولى بمراحلها العشرة تتراوح فيها الرواتب الشهرية الإسمية بين ثلثمائة ألف دينار و مليون و مائة و ثمان و أربعين ألف دينار ، مما يعني أن التفاوت بين الرواتب الإسمية بين موظفي الدرجة العاشرة و الأولى هو أقل من أربعة أضعاف . و إزاء هؤلاء نواجه الأرقام الفلكية للرواتب الشهرية و المخصصات – باستثناء ما خفي منها – لأصحاب "الدرجات الخاصة" من أعضاء البرلمان (و عددهم 326 نائباً يستلم كل واحد منهم مع حماياته شهرياً ما مجموعه (33303000) مليون دينار ، أي ما يعادل 26265 دولار ؛ مقارنة بحوالي 6150 دولار شهرياً في الجزائر) و مجلس الوزراء (13 مليون دينار لرئيسه و 11 مليون لنوابه و 9 مليون لكل وزير و من هو بمنصبه) و رئأسة إقليم كردستان (23 مليون دينار و نصف المليون لرئيسه و 19 مليون و نصف المليون لنائبه) و ستة ملايين و نصف المليون دينار لكل وكيل وزير و مستشار ومن هم بدرجة وكيل وزير (لا يقل عددهم عن 720 وكيل وزارة) و المدراء العامين ( لا يقل عددهم 5000 مدير عام أو من هم بدرجته) . كل هذا دون التطرق إلى مخزأة "المنافع الإجتماعية" التي كانت تخصص سنوياً للرئاسات الثلاث و البالغة (110492500) (مائة وعشرة مليارات و أربعمائة و اثنين و تسعين مليوناً و خمسمائة ألف دينار عراقي) قبل إلغائها بتاريخ 24 - 2 – 2012 . هذه الأرقام توضح أن التفاوت في المدخولات الشهرية بين شاغلي أعلى و أدنى مراتب سلم الرواتب و المخصصات للعاملين في الخدمة العامة في العراق لا يقل عن( 80 ) ضعفاً . ويشكل أصحاب هذه الدرجات الخاصة في العراق – و سوادهم الأعظم أمّي مهنياً أو فاسد إدارياً و مالياً و سياسياً رفعته مياه الجاري الثقيلة للمحاصصة الطائفية للأحزاب الدينجية و القومجية إلى الكراسي – شريحة بيروقراطية طفيلية راسخة الجذور و التاثير ، و لها أوشج الإرتباطات بالكومبرادور و بمافيات نهب المال العام و الخاص و التي تحرص على إدامة تفاقم التخلف الإداري و الفساد المالي و السياسي و محاربة كل مطلب أو توجه تقدمي مستنير نافع للسواد الأعظم من الشعب . و لو كانت ثقافة المساواة في رواتب الموظفين قد سادت في العراق ، لما حصل كل هذا .
الآن ، أكرر السؤال للأستاذ عصام الخفاجي المحترم : هل أن المطلب الماركسي المثبت منذ عام 1848 بمساوات مرتبات العاملين في الخدمة العامة (عدا المعيلين منهم) ضروري "لما يجب أن يقوم" في العراق ( بل و في كل بلدان العالم) الآن ، أم لا ؟
أعود الآن إلى المطلب الماركسي بفرض الضرائب التصاعدية على الدخل في البلدان الرأسمالية . من المعلوم أن التطبيق العملي لهذا المطلب يقتضي فرض نسب متدرجة من الضرائب على المدخولات الصافية بحيث أن أصحاب نسب الدخل الاعلى يدفعون النسب القصوى من الضرائب . و لم تمض أكثر من أربع سنوات على تدبيج هذا المطلب الماركسي ، حتى فرضت حروب الهيمنة الرأسمالية تطبيقه لأول مرة في بريطانيا عام 1852 من طرف وزير خزانتها آنذاك "وليم گلادستون" (لتمويل حرب القرم) ، ثم حذت الولايات المتحدة الامريكية حذوها بعد عقد من الزمان في عهد الرئيس لنكلن عام 1862 (لتمويل الحرب الأهلية الأمريكية) . و اليوم ، فإن أغلب ألإنظمة الضريبية المطبقة في العالم تتضمن مبدأ التدرج المتصاعد على المدخولات بهذا الشكل أو ذاك و ذلك كإجراء للحد من التفاوت الاجتماعي و لتوفير الإيرادات للحكومات للصرف على التربية و الصحة و البحث العلمي ووو إلخ . و قد أثبتت البحوث الميدانية الحديثة أن تفاقم التفاوت في المدخولات يؤثر سلباً على المدى الطويل في النمو الإقتصادي و في التشغيل و في تفاقم الصراعات الطبقية . المصدر :
• Alesina, Alberto Dani Rodrick (May 1994) "Distributive Politics and Economic Growth". Quarterly Journal of Economics. 109 (2): 465–90.
• Castells-Quintana, David Vicente Royuela (2012) "Unemployment and long-run economic growth: The role of income inequality and urbanisation". Investigaciones Regionales. 12 (24): 153–173.
كما خلصت إحدى البحوث الميدانية التي أجريت عام (2011) في حقل علم النفس الإجتماعي – بالاستناد إلى قاعدة بيانات عريضة تم جمعها من (54) بلداً – إلى الاستناج بأن فرض الضرائب التصاعدية على الدخل "يتناسب طردياً مع شعور الفرد بالسعادة و الرفاه" . المصادر :
• Shigehiro Oishi, Ulrich Schimmack, and Ed Diener (2011) Progressive Taxation and the Subjective Well-Being of Nations. Psychological Science 23(1) 86–92.
و كذلك :
• Griffith, Thomas D. (2004) "Progressive Taxation And Happiness". Boston College Law Review.
من الواضح أن الهدف الذي رمى إليه ماركس و انجلز من مطلب فرض ضريبة الدخل التصاعدية كان النضال السياسي لتحقيق الحد الأدنى الممكن من العدالة الاجتماعية في ظل النظام الرأسمالي الذي يكرس التفاوت الإجتماعي في المدخولات - و هذا هو أحد القوانين الفاعلة المفعول في الرأسمالية سابقاً و لاحقاً و الذي يعود الفضل لماركس و انجلز في اكتشافه - عبر الحد من التفاوت في المداخيل و المقدرة على تركيز الاستغلال الرأسمالي . و سرعان ما تنبهت حكومات الدول الراسمالية لنجاعة هذا الإجراء في توفير الموارد المالية الضخمة لخزاناتها فاستغلته لمصلحتها في أوقات السلم و الحرب و الأزمات لتمويل البرامج السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و العسكرية الخاصة بها (مُكره أخاك ، لا بطل) .
يتبع ، لطفاً .
بغداد ، 8 أيار ، 2017
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟