أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - بشير النجاب - النظرية الواقعية















المزيد.....



النظرية الواقعية


بشير النجاب
الكاتب الدكتور بشير النجاب

(Dr. Basheer M Alnajab)


الحوار المتمدن-العدد: 5513 - 2017 / 5 / 7 - 09:12
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان :
النظرية الواقعية في العلاقات الدولية
المقدمه:
الواقعية هي المنظور المهيمن في حقل العلاقات الدولية خاصة بعد فشل نظام
الأمن القومي الذي تبنته عصبة الأمم و ظهور الأنظمة التسلطية في أوربا
مكان الفرضية الليبرالية المتعلقة بنشر الديمقراطيات .
كل هذا دفع بالباحثين إلى القول بفشل المقاربات المعيارية على رأسهم الأستاذ
freedriks schuman الذي قال يجب إستبدال المقاربة الكلاسيكية بالمقاربة
الجديدة (الواقعية) و يعنى هذا الكلام دعوة صريحة بضرورة نقل التركيز من
المجالات القانونية للعلاقات الدولية إلى المجالات النفعية .

لقد اظهر هوبز الوجه الفلسفي للواقعية السياسية حيث يرى بان الطبيعة جعلت الناس متساويين في قدراتهم من ما يجعلهم متساويين في الأمل و الطموح في تحقيق الأهداف ، وبهذا يصيران عدوين في سبيل تحقيق هدفيهما ، يحاول كل منهما أن يدمر الأخر ا وان يخضعه لسلطانه . وان ما يعود لكل إنسان هو فقط ما يستطيع امتلاكه و ما لديه القوة على الاحتفاظ به
من هنا يتضح أن المدرسة الواقعية تهدف لدراسة وفهم سلوكيات الدول و العوامل المؤثرة في علاقاتها بعضها مع بعض ، كما أنها لم تتوخى من صدامات العلاقات الدولية نتيجة معينة وإنما قامت بالتنظير للأمر الواقع.
تمثل المدرسة الواقعية السياسية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية ردة فعل على تيار المثالية ، وهدفت الواقعية إلى دراسة و فهم سلوكات الدول و العوامل المؤثرة في علاقات بعضها مع البعض ، فقد جاءت الواقعية لتدرس و تحلل ماهو قائم في العلاقات الدولية . وتحديد سياسة القوة و الحرب و النزاعات ، ولم تهدف كما فعلت المثالية إلى تقديم أفكار و نظريات حول ما يجب أن تكون عليه العلاقات الدولية ، ونصح ميكيافيلي " الأمير" في هذا الصدد للان من يهمل ماهو حاصل من أجل الاهتمام بما يجب أن يحصل ، لابد أن يؤدي بعمله هذا إلى تدمير ذاته بدل ان يحافظ عليها .
فرؤية الواقعيين للعلاقات الدولية حسب رأي "مارتن وايت" تتلخص في : كيف يسير العالم ؟ و ينطلق "مورجينتاو" من مبدأ أساسي يتمثل في ان هناك أشياء كثيرة في العالم لا نستطيع ان نغيرها ، ومن الواجب علينا محاولة فهمها كما هي ، أي يجب أن ينظر إلى العلاقات الدولية كما هي وليس ما يجب ان تكون .
لقد هدفت الواقعية إلى تقديم نظرية سياسية لتحليل وفهم و استيعاب الظواهر الدولية ، ويرى "مورغينتو" انه لهذه الأسباب تتميز السياسة الدولية كفرع أكاديمي عن دراسة التاريخ و القانون الدولي و الأحداث الجارية و الإصلاح السياسي ، ويمكن ان نجمل مسلمات الفكر الواقعي في النقاط التالية :
رفض المثالية الأخلاقية و القانونية ، فالسياسة لا يمكن ان تحددها الأخلاق، وبالتالي لا يمكن تطبيق المبادئ الأخلاقية على العمل السياسي . ويقول ميكيافيلي في هذا الصدد : الأخلاق نتاج للقوة، كما دعا كل من "جان دوان" و "توماس هوبز" للفصل بين الأخلاق و السياسة .
النظرية السياسية تنتج عن الممارسة السياسية و عن تحليل وفهم التجارب التاريخية ، و البحث عن الثوابت وجوهر الظواهر بدل السرد التاريخي للأحداثو الوقوف عند مظاهرها وهكذا يمكن تحديد المفاهيم و الكشف عن القوانين و الأنماط التعليمية




الاهمية العلمية :
عل الرغم من الاقكار الني قدمتها النظريات السابقة والامور الني لفتت نظر العلماء حديثا الئ ان اهمية النظرية الواقعية وارتباطها بالواقع تفرض الاشاره الى افضل الطرق الممكنة لاتخاذ القرارات في الظروف المعطاه , الا ان هذه النظريات المتعدده لا تقدم تفسير متكاملا لواقع العلاقات الدولية .


اهداف الدراسة :

يتبين اهداف الدراسة من خلال
1- توضيح مفهوم النظريه في العلاقات الدولية
2- توضيح مفهوم واهمية المدرسة الواقعية
3- تبيان العرض التحليلي والنظري لنظريه الواقعية
اشكالية الدراسة :
تنبثق اشكالية النظرية الواقعية من نظرية العلماء من خلال ارتباط هذه النظرية بالكثير من العلوم الاخرى
مع العلم بان ميكافيلي اول من اعترف بان بالمنهج الواقعي واعطاه قيمة علمية .
ومن هنا نطرح السوال المحوري لدراسه
ما دور النظرية الواقعية في العلاقات الدولية واتخاذ القرار السياسي؟

فرضية الدراسة
تجادل الدراسة ان النظرية الواقعية استطاعت ان تصمد امام سيل قوي من الانتقادات واعتبرت من اهم نظريات العلاقات الدوليه .
كما تجادل الدراسة ان الواقعية الجديدة استطاعت ان تتجاوب مع تجاوز التحديات التبي طرحتها الليبرالة الجديدة .
المنهجيه العلميه لدراسة :
تتبع هذه الدراسة المنهج الوصفي والمنهج العلمي التجريبي .
أولا: المنهج الوصفي
" المنهج الذى يعتمد على دراسة الظاهرة كما توجد في الواقع، يرى بعض الباحثين أن الدراسات الوصفية هي أعمال علمية وليست أبحاثا بمعنى الكلمة لأنها تقدم وصفا وتفسيرا لواقع ما معين ولكنها لا تتعمق للكشف عن الطريقة التي تؤثر بها العوامل المختلفة على ظاهرة ما أو الكشف عن مقدار تأثير كل عامل على هذه الظاهرة كما يحدث عادة في البحوث التجريبية.
ثانيا المنهج التجريبي العلمي:
يُعَدُّ التوصُّل إلى المنهج العلمي التجريبي الرصين في البحث، والقائم على القياس والاستقراء، والمستند إلى المشاهدة والتجربة - وهو منهج مخالف تمامًا لما كان عليه اليونانيون أو الهنود أو غيرهم؛ فهذه الحضارات كانت تكتفي في كثير من الأحيان بافتراض النظريات دون محاولة إثباتها عمليًّا، فكانت في أغلبها فلسفات نظريَّة، لا تطبيق لها في الكثير من الأحايين، حتى وإن كانت صحيحة، وكان يؤدِّي هذا إلى الخلط الشديد بين النظريات الصحيحة والباطلة، إلا أن جاء المسلمون فابتكروا الأسلوب التجريبي في تناولهم للمعطيات العلمية والكونية من حولهم، وهو ما أدَّى إلى تأسيس قواعد المنهج العلمي التجريبي، الذي ما زال العلم المعاصر يسير على ه
الفصل الاول :

المبحث الاول : النظرية في العلاقات الدولية :

. يعتبر علم العلاقات الدولية علما مستقلا يهتم بدراسة الظواهر المعاصرة التي ظهرت قبل الميلاد، وخصوصا خلال القرن 20 بالولايات المتحدة الأمريكية وبعد الحرب العالمية الثانية بأوروبا. كما تهتم العلاقات الدولية بما هو كائن وترتبط مع العلوم الاجتماعية وعلم السياسة في علاقة تأثر متبادل، كما تتأثر بإيديولوجية صاحبها-الماركسية/الليبرالية وتشرح بشكل العلاقات بين الدول بطرق عديدة وباختلاف نظرة المحللين السياسيين لظاهرة ما داخل المجتمع الدولي. ويتميز علم العلاقات الدولية بحداثة نشأته واتساع مجالات دراسته وبعلاقاته مع باقي العلوم كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وقد ساهم مجموعة من العلماء في تعميمه على مختلف التخصصات.
وتعرف النظرية بكونها مجموعة افتراضات حول ظاهرة معينة، وتهتم من داخل العلاقات الدولية بدراسة الظواهر السياسية الدولية كالحروب والأزمات مثلا(دافيد إدواردز). وتزودنا النظرية بطرق ووسائل مختلفة لترتيب الحقائق وتحويلها لمعلومات وبيانات، وتكون النظرية ناجعة في العلوم الطبيعية لأن الأخيرة استقرائية وموضوعها جزئي، كما تكشف الملاحظة فيها القوانين والعلاقات التي تعد مرتبطة فيما بينها،ويختلف هذا المفهوم في العلوم الاجتماعية التي تدرس الإنسان في علاقاته المتشابكة والمعقدة.وتعود عملية التنظير إلى عشرات القرون قبل الميلاد مع اليونان-أرسطو/أفلاطون- وصولا لإيطاليا مع ميكيافيلي وكتابات الفرنسي بيير ديبوي في القرنين 14-15، من خلال مجموعة أفكار من نشأة الدولة القومية 1648 وإلى الحرب العالمية الأولى 1914.
ويرى كينيت ولتز أن النظرية تختلف عن القوانين نفسها فهي تعتبر مفسرة لها، ويبني هذا المفهوم من خلال أربع طرق هي العزل والتجريد والتجميع والنمذجة والمثالية(التبسيط)، حيث نجد من خلال ما سبق ما هو نظامي ومختزل عن طريق الحديث عن الجانب التحليلي فيما يتعلق بالفرد والدولة-نظريات جزئية- ثم الدولة والمنظمات-نظريات هيكلية بنيوية-. من جانبه يرى جيمس دورتي وروبيرت بالستغراف أن النظرية اختيار ظواهر محددة وتفسيرها تفسيرا عاما، وذلك يتم من خلال أندرو فينسينت من خلال التعريفات والفرضيات ثم الوصف والتحليل في مرحلة لاحقة، كما ينحصر دورها في تنظيم الحقائق والبيانات داخل إطار منطقي حيث يمكن استخلاص مدلول هذه الحقائق والتنبؤ بمستقبلها. ويعرف دافيد إيدواردز النظرية بأنها افتراضات حول ظاهرة معينة، ويقصد بها في العلاقات الدولية وضع افتراضات حول ظواهر السياسة الدولية كالحروب والأزمات.
وقد جاء ظهور النظرية المثالية في ظروف ما بعد الحرب العالمية الأولى سنة 1914 ونهايتها سنة 1917 وما عرفه العالم من خراب ودمار بعدها، وعبرت هذه النظرية عن رؤية تفاؤلية وعن قدرتها على حل النزاعات السياسية بشكل سلمي، واعتبرت حلا بديلا ينتهجه صناع القرار وتجلت إنجازاتها في إنشاء عصبة الأمم.
انهارت آمال المثاليين بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية وظهرت مفاهيم جديدة على المستوى الدولي كالقوة والمصلحة وتغير معها اتجاه العلاقات الدولية، وتبلورت مع هذه التحولات النظرية الواقعية من خلال أفكار ريمون آرون وهانز مورغنتاو، وقد جاءت هذه النظرية لدراسة عامل القوة من خلال الحروب والنزاعات وإضفاء الشرعية على التدخلات الغير القانونية التي حصلت أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها ولم تستطع عصبة الأمم إيجاد حل لها.
وقد ظهرت المدرسة السلوكية خلال الخمسينيات من القرن 20 وهدفت كذلك لمعالجة الظواهر الدولية من خلال سلوك الأفراد والجماعات معنية بصناع القرار وقد تبلورت في الستينيات من القرن الماضي. و تمتد جذور هذه النظرية لفترات سابقة في سيادة المنهجية التقليدية التاريخية الفلسفية القانونية المؤسسية منذ أواخر القرن 19 و أوائل القرن 20. فهي تمثل النموذج التجريبي في مقابل النموذج الميتافيزيقي الذي تمثل البواكير الاولى للاهتمام بالسلوك و التفاعل السياسي بدلا من التركيز الشديد على الوثائق و الدساتير و النظم و المؤسسات، بل ان هناك من يرى أنه منذ الثورة الامريكية 1776 و الثورة الفرنسية 1789 هناك توجهان أساسيان في دراسة التحول الذي حدث في أوربا و الولايات المتحدة الامريكية و أثر الثورة الصناعية و ظهور الدولة القومية الحديثة، هذان التوجهان أفرزا مدرستين في حقل السياسة المقارنة أولاهما ركزت على مواجهة تحدي بناء الدولة و الثانية ركزت على الحراك الاجتماعي و ظهور النخب. . أهم الاسباب التي أدت لظهور المدرسة السلوكية:
1- منذ أوائل القرن 20 رغبة المدرسة الوضعية بالارتقاء بالعلوم الاجتماعية الى حال العلوم الطبيعية من حيث الدقة المنهجية و الحياد و مع ولادة علم النفس و علم الاجتماع في نهاية القرن 19 بدأت اولى مراحل المدرسة السلوكية التي بدأت في صورتها الدولية و الكلاسيكية مع نشر مقالة عالم النفس جون واتسون سنة 1913 و بدأت تحل النظرة السلوكية كنموذج معرفي في علم النفس محل النماذج السابقة و أصبحت مبادئ المنهج السلوكي مثل القانون المنهجي لكل العلوم الاجتماعية.
2- بانتهاء الحرب العالمية الاولى و الفشل الذي أصاب العديد من الدول الاوربية و انتشار النظم السياسية الفاشية و الدكتاتورية لعدم جدوى المقتربات التقليدية و عدم فاعليتها في فهم الواقع و تفسيره، فاتجه العديد من الباحثين الاوربيين الى التوجهات النفسية و في نفس الوقت كان هناك ادراك متزايد لدى الامريكيين بضرورة تبني الاقترابات السلوكية في تحليل الظواهر الاجتماعية و السياسية خصوصا من قبل الجمعية الامريكية للعلوم السياسية و كان يرأسها تشارلز مريام الذي دعا الى تأسيس مجلس أبحاث العلوم الاجتماعية SSRC
ونشأت في رحم هذه النظرية ما سمي بالمدرسة ما بعد السلوكية، والتي اعتبرت أداة نقد للسلوكيين محاولة كشف ثغراتها وتجاوز أفكار السلوكيين.
وقد ورد بعد ذلك مصطلح نهاية التاريخ بعد إصدار الكاتب والأستاذ الجامعي فرانسيس فوكوياما كتابة سنة 1989، وقد جاء هذا الكتاب وسط اضطرابات سياسية على مستوى النظام الدولي بعد انهيار النظام الاشتراكي، وفرض الولايات المتحدة الأمريكية زعامتها على العالم في إطار نظام اعتبره فوكوياما ليبراليا ديمقراطيا واندحار المعسكر الشرقي الاشتراكي، ويرى أن الإسلام إيديولوجية متجانسة منتظمة. وقد حظيت هذه النظرية باهتمام دولي كبير بفعل غياب مجموعة أسس تتحكم في تحليل الشأن الدولي وأصبح العالم بذلك يعيش في عصر الإنهاك الفعلي، جراء التشويش على الفكر الاستراتيجي والنقص على المستوى التنظيري،حيث عدم قدرة النظريات الكلاسيكية على مواكبة التحولات والتطورات السريعة التي يشهدها العالم ثم ميل التفكير الاستراتيجي الأمريكي إلى مرتكزات فلسفية تخرجه من البراغماتية والواقعية من خلال تقديم رؤية شاملة لأوضاع العالم الجديد في ظل هيمنة أمريكية على العالم، وكانت النظرية تبشر بالليبرالية ونهاية التطور التاريخي والصراع الإيديولوجي.
وجاءت بعدها فكرة صدام الحضارات التي كان لها صدى قوي حيث فتحت سجالات ونقاشات عديدة بعد نشرها صيف 1993 في أنحاء عديدة من العالم، واستقطبت هذه النظرية اهتماما متزايدا عند الباحثين من خلال مجموعة من الحوارات والندوات التي حاولت بناء نظرة تنبؤية للسياسات الدولية لما بعد الحرب الباردة. وعكس هذا الاتجاه بوضوح دوائر التفكير الأمريكي والغربي عامة، وتم تشبيهها بمقالة جورج كينان سنة 1949 حول "مصادر السلوك السوفييتي" وما سمي "سياسة الاحتواء".
ترتكز المدرسة المثالية على الأخلاق التي تميز الطبيعة الإنسانية وتميل إليها (الخير)، كما تبشر هذه النظرية بالسلام العالمي واحترام الرأي العالمي ودور القانون الدولي العام في ضبط العلاقات بين الدول.ويؤكد المثاليون على وجود مصالح مشتركة متبادلة بين الدول، في إطار علاقات اعتماد متبادل تجعل المجتمع وحدة اجتماعية. ويرى أنصار هذه النظرية أن المجتمع الدولي يفترض فيه أن يكون منظما بعد انتقال الإنسان إلى طور الاستقرار، وينطلق المثاليون من أولوية الأخلاق في علاقات الأفراد في المجتمع سواء داخليا أو دوليا حيث خضوع الفرد للقوانين التي تضعها الجماعة وفي الوقت ذاته يجب على الفرد العمل لصالح الجماعة كما يعمل لذاته. ويعتبر المثاليون أن الدول يجب عليها ان تكون منسجمة واعتبار غير ذلك غير أخلاقيا، وذلك لبناء عالم خال من النزاعات من خلال التفاؤل حول الطبيعة البشرية وانسجام المصالح بين الأفراد في علاقاتهم وبين الدول.
ونجد تيارين في المنهج المثالي يدافعان عن فكرة النظام حيث يدعو الأول إلى فكرة سيادة الدول من خلال مجتمع دول مستقلة ذات سيادة متطابقة تخضع للقانون الدولي، ويؤكد التيار الثاني ضرورة التوفر على مجتمع أمم على خلاف التيار الأول.
يؤكد توماس مور من خلال كتابه "اليوتوبيا" سنة 1516 الرغبة في التوصل إلى مجتمع مثالي. ودافع الفيلسوف البريطاني جيرمي بنتام على معطى الأخلاق، وتبعه جيمس ميل في فكرته حيث الحديث عن مصطلح الرأي العام العالمي، وطرح نظرية الحكومة العالمية بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، من خلال الانسجام بين المصالح الفردية والجماعية لكن ذلك اصطدم بصعوبات جمة تمثلت في مشكلة نزع السلاح وعدم قدرة الحكومات على اتخاذ القرارات الناجعة للإشراف على ذلك.كما دعى آدم سميت إلى إلغاء الحواجز الاقتصادية بين الدول، وعدم تدخلها في الشؤون الاقتصادية الداخلية من خلال مبدأ "دعه يعمل دعه يمر".
وقد تم تفعيل هذه الأفكار من خلال عصبة الأمم التي عملت على منع قيام الحرب بناء عالم خال من النزاعات والأزمات بهدف خدمة الإنسانية-مايجب أن يكون-، وازدياد الشعور الشعبي بما تخلفه الحرب من آثار سلبية وخسائر على مستوى الأرواح والأموال.وعملت العصبة كذلك على الحد من انتشار الأسلحة وتسوية النزاعات عبر إجراء المفاوضات، وتحسين أوضاع العمل ومعملة سكان المستعمرات بشكل مساو مع موظفي الدول الإمبريالية، والهناية بالصحة وبأسرى الحرب وحماية الأقليات العرقية بأوروبا كما نجد دعوة البابا بينديكت 15 في رسالة موجهة للمتحاربين في الحرب صيف 1917، ورسالة الرئيس الأمريكي ودرو ولسن لمجلس الشيوخ الأمريكي والتي تضمنت 14 نقطة أساسية.
وجاءت المدرسة الواقعية لتضحد أفكار المثاليين حيث نجد ميكيافيلي الذي اعتمد على أربع عوامل أثارت سخطه من انقسام لإيطاليا إلى إمارات واستغلال فرنسا وإسبانيا الفرصة لغزو إيطاليا ،ومعارضة الكنيسة لقيام الدولة القومية واكتشاف أهمية القوة. واعتبر هوبز أن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان وأن الجنس البشري تكون لديه الرغبة المستمرة لتحقيق القوة والتي لن تنتهي إلا بالموت، ويرى أن الطبيعة الإنسانية جعلت الناس متساوين في القدرات وهو ما يجعلهم متساوين في الأمل والطموح لتحقيق الأهداف، ويؤدي بهم إلى ارتكاب أعمال عدوانية في سبيل ذلك. كما دعا هوبز إلى الفصل بين الأخلاق والسياسة وهو ما يراه جون دوران. واعتبر ميكيافيلي أن الأخلاق نتاج للقوة. ويرى سبيكمان أن الدولة يجب عليها التركيز على سياستها الخارجية، والحفاظ ومحاولة زيادة قوتها، وبناء الدولة لمؤسسات عسكرية. وترتكز الواقعية على ثلاث مفاهيم أساسية وهي:
-القوة من خلال رأيين: يرى الأول أن الطبيعة البشرية تحكمها القوة وحب السيطرة والهيمنة، ويزداد ذلك عند الانتقال من مستوى الأفراد إلى مستوى الدولة. ويعتبر الرأي الثاني أن البحث عن القوة نتاج للشوق الشديد للأمن في النظام الدولي، بخلق ضغوط كبرى على الدول وبناء قوة عسكرية قادرة على إرجاع الهيبة وبالتالي تحقيق الأهداف المرجوة منها، لكن المشكل يكمن في ازدياد الصراع بين الدول نتيجة ذلك. ويؤكد هانز مورغنتاو على القوة وضرورة زيادتها وإظهارها، ويرى ريمون آرون في السياق ذاته أن القوة تلعب دورا محوريا لتحقيق أهداف الدولة ويرى بأن العلاقات الدولية يديرها شخصان هما الدبلوماسي والجندي.
-المصلحة القومية: استعمل هذا المفهوم ابتداء من سنة 1648 لشرح وتقويم سلوك الدول، وكوسيلة لتبرير أو رفض سياسة معينة. وعدد توماس روبنسون المصالح في عدة أوجه منها الشق المتغير والعام والأولي والثانوي...، وهو ما يحفظ الهوية السياسية والثقافية للدولة ضد الاعتداءات الخارجية.
-توازن القوى: تبذل الدول جهود مدروسة للحفاظ على التوازن بين الدول المتنافسة والكتل المتعارضة، ويعتبر ميزان القوى الوسيلة الناجعة لإقامة السلم والاستقرار مقارنة مع اعتماد المثاليين على القانون الدولي ونظرية الحكومة العالمية.
وهدفت النظرية السلوكية من جانب آخر إلى دراسة وفهم سلوكيات الأفراد ومعها الدول واستخدمت في ذلك المناهج العلمية الصارمة وخصوصا الكمية منها، ويقوم بناء النظرية حسب السلوكيين على القدرة على التعميم و اطلاق الاحكام العامة، من خلال الإنطلاق من التحليل العام وليس التفسير حسب دافيد إستون. و قد قامت هذه المدرسة على المناهج العلمية القائمة على الاحصائيات، حيث استفادت من الحاسب الالكتروني و الرياضيات. و اعتمدت المدرسة السلوكية في كثير من النتائج التي توصل اليها علماء الاجتماع و علماء النفس و علماء الانتروبولوجيا، على الافكار النظيمية و التطورية و المثالية و الاتجاه التوازني التكيفي، و هو يمثل نسخة مصغرة للنموذج العضوي الطبيعي ويعتبر رد فعل لمجموعة من المفكرين البروستانت اتجاه مشاكل التصنيع و التغير الاجتماعي.
ويعد جون واطسون الإطار الأكاديمي الحاصل على الدكتوراه في علم النفس من جامعة شيكاغو سنة 1903 مؤسس المذهب السلوكي حيث كان أول من أجرى التجارب على الجرذان والعصافير، وخلص من ذلك إن اعتبار السلوك البعد الوحيد من جانب الإنسان القابل للمراقبة الخارجية. من جهة أخرى لا ينبغي للعلم حسب واطسون أن يعترف بالعقل أصلا، وأن جسم الإنسان هو الحقيقة الإنسانية الوحيدة وبالتالي يجب إسقاط مفاهيم عديدة كالإدراك والإحساس والتفكير والعاطفة. ويقول : "اعطوني عشرة اطفال أصحاء أسوياء التكوين، فسأختار أحدهم جزافا ثم أدربه فأصنع منه ما أريد طبيبا أو فنانا أو عالما أو تاجرا أو لصا أو متسولا، وذلك بغض النظر عن ميوله و مواهبه و سلالة أسلافه".و قد حدد هدفين للسلوكية و هما: التنبؤ بالنشاط الانساني ثم صياغة قوانين و مبادئ يستطيع بواسطتها المجتمع المنظم ضبط تصرفات الانسان و وصف سلوكه بنفس الطريقة التي يتم بها وصف سلوك الحيوان اعتزل واطسون بعد ذلك المجتمع الاكاديمي سنة 1921 و اشتغل بالتجارة و الاعلان. وقد جاءت بعد ذلم محاولات هارولد لاسويل في بداية الثلاثينيات والتركيز من خلال كتابه حول علم الأمراض النفسية والسياسية 1930، على علم النفس الفردس وكيفية استخدامه في تحليل المشاكل السياسية. وقسم بعده سكنر السلوك الحيواني والإنساني إلى الاستجابة والسلوك الإجرائي، وقد قام بتجارب علمية ناجحة في هذا المجال. ونجد كذلك إدوارد ثورندايك الذي فسر التعليم على أساس حدوث ارتباطات بين المثيرات والاستجابات، يرى أن أكثر أشكاله تميزا عند الإنسان والحيوان هو التعلم عن طريق المحاولة والخطأ أو التعلم بالاختيار والربط. وتحدث ديفيد استون عن نظرية النسق السياسي وانقلب على بعض عناصر المدرسة السلوكية فيما بعد.
واستخدمت المدرسة السلوكية في مقاربتها للظواهر الدولية على الجانب الكمي من خلال المنهج الإحصائي والقياس الكمي الأخير الذي يعتبر وسيلة للحصول على نتائج علمية للبحث، ويتعين اللجوء إلى حساب التفاعلات لدراسة العلاقات بين ممثلين أو مجموعتين من الممثلين، وتمكن النتائج من إقامة علاقات بين الثوابت والمتغيرات وفرزها وتحديد علاقات السببسة. ونجد الجانب الكيفي للمعطيات وتفسير الظاهرة المدروسة عن طريق إعداد النماذج-الألعاب والاتصال-، كما يمكن بناء نماذج تفسيرية لمجموعة من الأوضاع المتقاربة وهو ما ينتج عنه إعداد نظرية عامة بكيفية فعالة ومضمونة على عكس الانطلاق من الكل لشرح الأجزاء.
ويعتمد السلوكيون على مستوى المقتربات النفسية على مفهوم النسق الذي يمكنهم من تحليل العلاقات القائمة بين أعضاء الجسم الاجتماعي(العلاقات بين مختلف الوظائف وأنواع السلوك التي تؤديها هذه الأعضاء).ورسم إيستون نموذجا خاصا بالنسق السياسي، ولاحظ باسكونز أن كل نسق يقوم بأربعة وظائف أساسية:
المحافظة على نموذجية الاصلي الذي به يتميز عن الانساق الاخرى، التكيف مع المحيط الطبيعي و البشري الذي يوجد فيه، تحقيق هدف أو أهداف أو السعي الى انجاز اهداف جديدة، الابقاء على الاندماج أو التكامل الاجتماعي و ذلك بجعل الانشطة المختلفة لاعضائه متناسقة و بالابقاء عبى تطلعات هؤلاء الاعضاء متناسبة مع الادوار التي يجب أن يقومو بها.
ويقتضي ما سبق التفرقة بين النسق ومحيطه والاتجاه إلى دراسة التفاعلات التي تحدث بينهما، لأن النسق مجموعة من العلاقات وهو في تواصل مع محيطه عن طريق مؤثرات داخلية وخارجية والنواتج والتي تعتبر مطالب أو حاجات تنبع من المحيط لتصب في النسق أو العكس. ويمكن تصور هذا النسق في قيام علاقات بين دول مرتبطة بالمحيط التي يتكون من فاعلين دوليين آخرين، وتطبيقه بالصرامة ذاتها على مجموع العلاقات الدولية إن أمكن. وتم مقاربة ذلك في أغلب الأحيان مقاربة جزئية تستهدف العلاقات الدولية الحكومية، وإقران النسق الدولي العام بالنسق الدولي الاستراتيجي الديبلوماسي مع تخليهم عن تمييزه بأي محيط أو تصوره موجودا داخل النسق نفسه. وقد تعرض مورتون كابلان في هذا السياق مباشرة للنسق الدولي في مقاربته للعلاقات الدولية على أساس تصوره لعدد من الأنساق، التي استنتجها من سلوك الممثلين الدوليين دولا وتجمعات بالإضافة إلى المعايير (مجموع القواعد القانونية متمثلة في قواعد السلوك الاجتماعي وهي 6:
نسق توازن القوى: ساد منذ القرن 18 حتى الحرب العالمية الثانية و الذي يتميز بوجود قوى كبرى أساسية تتحكم في الخريطة السياسية و تسعى للحفاظ على الوضع القائم نتيجة على الوضع القائم السلم نتيجة لتوازن القوى.
نسق القطبية الثنائية المرن: و هو الذي أفرزته ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث نتج عن وجود كتلتين متعارضتين من الدول تقود كل منها قوة كل قطب بما له من امكانات ضخمة و مرجع أحد اسباب مرونته وجود دول غير أطراف في احدى الكتلتين تقوم بأدوار تختلف عن أدوار الاطراف فيهما و منها التخفيف من شدة التعارض بإخضاع أهداف الدول داخل الكتل لاهداف المنظمة العالمية (الامم المتحدة).
نسق القطبية الثنائية الجامدة: و هو يتسم عادة بدرجة عالية بانعدام الاستقرار مرده الى اختفاء الاطراف غير المنحازة و غياب دورها التوسطي و الادماجي الذي هو دور ملطف الحاصل في النسق.
النسق الدولي العالمي: ينتج عن التزايد في أهمية و فعالية دور منظمة عالمية في نسق القطبية الثنائية المرن و سمته الاندماج و التماسك و أسبقية الولاء له على الولاءات القومية و الاقليمية من قبل نخب سياسية و ادارية.
النسق الدولي التراتبي: و هو ينتج اما عن مزيد من الخطوات الاندماجية في نسق عالمي و اما عن انتصار كتلة قوية على الاطراف الاخرى في النسق الدولي و خاصيته أنه مندمج و مستقر للغاية. ذ يتضمن شبكة من الانساق الزظيفية الفرعية المنفعية للدول.
نسق النقص الاحدي: و هو النسق الذي تكون أطرافه قادرة على التدمير المتبادل مما يجعل كل طرف يخشى الاطراف الاخرى فلا يقدم على تدمير أحدها و ان كان الصراع فيما بينها جميعا صراعا دائما.
و تميزت مرحلة ما بعد السلوكية بقيام تنظير في العلاقات الدولية يهتم ببناء النظريات وجعلها أكثر قدرة على التفسير والتنبؤ والتمييز بين الظواهر المحددة والربط بين مستويات التحليل الكلية والجزئية. وأعطت هذه النظرية أهمية قصوى للمتغيرات الاقتصادية وتأثيرها على العلاقات الدولية الاقتصادية من خلال موضوعات اقتصادية لم تكن من صميم الاهتمام التقليدي كما أعطي للبعد السياسي.
ان مدرسة ما بعد السلوكية تنتقد السلوكية الكلاسيكيةفي انها تهتم فقط بدراسة وفهم وصف الظاهرة السياسية دون تجاوزهده الحدود الى إيجاد الحلول للمشاكل التي تعاني منها الانسانية وازمات العلاقات الدولية.ويقول (ديفيد ايستون)في هدا الصدد:"ان مدرسة ما بعد السلوكية تكمن في محاولتها كسر حواجز الصمت التي اقامتها المدرسة السلوكية ودفع العلوم السياسية لمعالجة الحالات الحقيقيةللبشرية في فترات الأزمات". كما يرى أن البحث السياسي لايمكن إن يكون مجرد من القيم ويدعو إلى عكس دلك,اد يعتبر مثلا ان الباحثين والاكادميين عامة عليهم مسؤولية تاريخية خاصة لحماية قيم الحضارة الانسانيةوداك بوضع المعرفة في خلاصة هدا القيم,وبدلك تتقاطع النظرية ما بعد السلوكية مع الفكر التقليدي للنظرية السياسية الذي عبر عنها( ليوشتاوس) في أواخر الخمسينات عندما اعتبر إن الهدف الأساسي للبحث السياسي وهو الحصول على المعرفة الضرورية لبناء مجتمع العدل والحق.
وقد عدد( سيوم براون) و(ريتشارد )القيم والأهداف التي تهم الإنسانية والتي يفترض العمل على تحقيقها وهي التغلب على العنف للتوصل إلى إلغاء النزاعات والحروب وزيادة الازدهار الاقتصادي والاجتماعي.وبالنظر الى واقع العلاقات الدولية نجد ان هناك فواعل أخرى مؤثرة وموازية للدولة تؤدي أدوارا في بعض الاحيان اكثر تأثيرا من الدولة نفسه. ومن أبرز الكتاب في هذا المجال( روبرت كوهين وجوزيف كاي وسيوم براون)وقد اعتبر هؤلاء أنه مع تزايد الترابط الدولي والتداخل والاختراقات المتبادلة صار من الصعب إن لم يكن من شبه المستحيل اعتبار الدولة تعمل بوحي المصلحة القومية ,وبالتالي اعتبروا أن هذا المفهوم الأخير لم يعد صالحا لتفسير سلوكية الدولة نتيجة لازدياد المصالح "غير الدولية"وفوق الدولية"وتشعبها لأن مفهوم المصلحة القومية صار غامضا.
وجاءت النظرية مابعد السلوكية لتعيد التوازن في نظرية العلاقات الدولية وتلطف من تطرف كل من النظرية الواقعية والنظرية السلوكية في تجريدهما لنظرية العلاقات الدولية من الاعتبارات الإنسانية,فهي بدلك تلتقي مع النظرية المثالية في المسلمة الرئيسية التي تقول بأن هناك انسجام في المصالح بين الأفراد وبين المجتمع الكوني وأيضا بين المصلحة القومية والمصلحة العالمية في شؤون التنمية والأمن والحفاظ على المصادر"فوق قومية" لإداراة النزاعات التي تنشأ بين الدول والمساهمة في حلها وكذلك لإدارة واستغلال المصادر الطبيعية وتأمين توزيعها بشكل عادل بين مختلف الدول وإعطاء شرعية للحاجة القصوى لإقامة مثل هذه المؤسسات. فيما تشترك هذه المدرسة مع المثالية في تفاؤلهما من حيث الإيمان بإمكانية إقامة حكومة عالمية فهي تمثل نوعا من إعادة إحياء للمدرسة المثالية.
ويؤكد الواقيون الجدد على وجود العاطفة الشريرة والحضور الفاجع للشر من داخل الفعل السياسي، وبالتالي يصبح النواع أمرا محتوما بسبب تواجد هذه العواطف الغير القابلة للاستئصال. ويركز الواقعيون الجدد على الضرورات السياسية الناتجة عن الفوضى الدولية حيث في غياب حكومة دولية موحدة يبقى قانون الأدغال هو السائد.












الفصل الاول: مبحث الثاني
النظرية الواقعية في العلاقات الدولية: التوازن عن طريق القوه!
يفسر الواقعيون المجتمع الدولي في حدود علاقات القوة بين الدول.
الواقعيون هم المؤيدون للعقلية في السياسة، ويستوحى تحليلهم من فلسفة مكيافيلي، وخصوصاً من هوبس (Hobbes) في كتابه (Leviathan)- الدولة ذات النظام الدكتاتوري- الصادر بالانكليزية
عام (1651)- حيث وصف العالم في الوضع الطبيعي، أنه خلعة للغرائز النرجسية- المغرورة- للإنسان، وهنا، "حيث لا توجد قوة مشتركة، فلا وجود لقانون، وحيث لا وجود لقانون، فليس هنالك من ظلم".
فبالنسبة للواقعيين، فإن المجتمع الدولي مشكل من دول، دون "قوة مشتركة". فهو فوضوي من الطبيعي. والدولة تتابع مصلحتها الخاصة، من الدفاع عن مصالحها إلى التعدي على أولئك الآخرين،
وليس هنالك سوى خطوة لتجعل من الدولة قوة، ولقد وصف توسيديد (Thucidyde)، من قَبْلُ، عملية
التطور في العالم اليوناني: تبدأ المدينة بتسليح نفسها على أمل أن لا تقع تحت طغيان مدينة أخرى.
وما أن تصبح مجهزة بمعدات عسكرية قوية، فإنها تصل إلى الاستدلال بأن الهدف أن تكون محمية أكثر،
وما أن تقوم بذلك، حتى تنتقل لوضع الدول المجاورة لها تحت وصايتها، وتصبح بالتالي امبريالية، لأنها لم تبحث إلا عن الدفاع عن مصالحها. وإن الموازنة الوحيدة لوقف هيمنة قوة كبرى تكمن في نتيجة
تحالف الآخرين، ومن هنا البحث الدائم عن توازن القوى..تقود هذه الرؤيا التي تسمح باستخدام القوة
في العلاقات الدولية، إلى سياسة مجردة من القيم الأخلاقية، بسهولة، ولقد نظَّر كل من هيجل وهانس مرغانتو في كتابهما "السياسات بين الأمم" الصادر عام (1948) ورايمون آرون "سلام وحرب
بين الأمم، الصادر عام (1962)، للواقعية في السياسة الدولية. فبالنسبة لهؤلاء الكتاب، لا يلعب
القانون الدولي، سوى دوراً واحداً، رسوبياً. ويعتبر هيجل أن "حق الناس" يمكن أن يؤدي خدمة
للمحافظة على ما يمكن أن يكون من حريات الأشخاص الخاصين في حال الأزمات، لكن لا يستطيع
إلغاء النزاعات بين الدول، حيث فيها الحرب، هي الحل الطبيعي. ويتجنب رايمون آرون، الحديث عن دور القانون الدولي في العلاقات الدولية.
لقد سمح الواقعيون بممارسة الحرب في العلاقات بين الدول،ولزمن طويل:
تحافظ الدول على علاقات وصفها رايمون آرون بـ"الدبلوماسية الاستراتيجية"، والدبلوماسي والعسكري، هما الفاعلان في العلاقات الدولية، يأخذان الدور بالتناوب حسبما تكون عليه الدول في حالة حرب
أم حالة سلم "أيضاً يجب أن لا تكون الدبلوماسية غائبة مطلقاً تماماً عن الحرب، وبحيث يكون للجيش
دور الردع أو التهديد في زمن السلم".فالحرب هي إذن "استمرار للدبلوماسية بطرق أخرى" طبقاً للصيغة المشهورة لكلوزفيتس، فما أن تعجز الطرق الدبلوماسية في تحقيق ما تصبو إليه دولة ما،
عندئذ يجب أن تسمح الحرب بها.ولقد فتح القانون الدولي الطريق أمام الحرب، كعلامة لهذا التطور،
وعلى نحو متزايد، كما أن وضع الحياد الدائم، مُنظَّم أيضاً "سويسرا عام (1815)، بلجيكا عام (1831).
كما أن شروط الحرب البحرية محددة بمعاهدة باريس لعام (1856). وقد توصل المسعى لتأنيس "من
الإنسان Humanisation- قانون الحرب إلى العديد من الدلائل بعد حرب الكريمة. أولاً، إجراء التحكيم،
ثم الأصول المُثبَّتة باتفاق لاهاي".? يفكر الواقعيون في حدود النظام الدولي النظام هو مجمل
عناصر مترابطة. ويمكن أن يكون مستقراً ونشطاً. ويتحرك طبقاً لقوانين محددة، والسلطة المحددة
من قبل رايمون آرون، هي: "قدرة وحدة سياسية على فرض إرادتها على وحدات أخرى"، وهي
توزع بين الدول تبعاً لعوامل مادية، بصورة رئيسة "مناطق، ثروات، سكان، جيوش". ولا تعتبر المنظمات الدولية فاعلة حقيقية عن طريق النظام، بل كانعكاس لتقاسم السلطة بين الدول.كما أن الموضوع
الأساس للنظام بين الدول، هو معرفة قوانين النظام ومفاتيح استقراره: سواء عن طريق توازن القوى،
أم عن طريق هيمنة قوة ما.
فالواقعية الجديدة تفسر العلاقات الدولية من وجهة نظر بنيوية مناسبة للنظام الدولي خاصة توزيع القوى,فالواقعية الجديدة لها نظرة سوداوية للعلاقات الدولية انطلاقا من افتراض أن الحرب والنزاع ظاهرتان قابلتان للتجنب بسبب فوضوية النظام الدولي وعدم وجود سلطة دولية عليا فوق الدولة.
من ناحية أخرى افترض الواقعيون طبعا في إطار الواقعية الجديدة,أن الدول ليس لديها مصلحة حقيقية تذكر في الغزو العسكري,على خلاف الواقعيين الهجوميين الذين يركزون على تشجيع نماذج معينة من سلوك الدول في النظام الدولي.
من أبرز ممثلي الواقعية الجديدة,يمكن ذكر روبيرت جيلين وكينث والتز,ستيفن كريزيز وروبرت تاكر وجورج مودلسكي. ولقد كان هدف رواد هذه المدرسة هو محاولة إخراج الواقعية من المفهوم الكلاسيكي والتحليلي البديهي إلى مستوى من التحليل أكثر علمية للوصول بها إلى نظرية علمية. وتقوم الواقعية الجديدة على مجموعة من الافتراضات, حاول كل مفكر من رواد هذه المدرسة أن يختصرها في مجموعة من النقط.
-النظام الدولي والعالم هو فوضى.
-النظام الدولي هو المسؤول الأكبر عن سلوك الدولة على المسرح الدولي.
-الدول تبحث عن الحد الأقصى من القوة والأمن.
-الشكوكية نحو القوانين الدولية والمؤسسات والمثاليات.
-القوة هي السمة الأساسية في السياسات الدولية.
-النظرية لا تخلق التطبيق وإنما التطبيق هو الذي يخلق النظرية.
وعموما يقدم الواقعيون الجدد تأكيدا على نحو مميز يقضي بوجود العاطفة الشريرة والحضور الفاجع للشر في كل فعل سياسي وبسب هذه العواطف غير القابلة للاستئصال يصبح النزاع أمرا محتوما كما يركزون الواقعيون الجدد على الضرورات السياسية الناتجة عن الفوضى الدولية ففي غياب حكومة دولية يبقى قانون الأدغال هو السائد.
ومن ناحية مفهوم الصراع فان الواقعية الجديدة افترضت أن الدولة يجب أن تتعامل مع أسوأ الاحتمالات,وأن تبني قراراتها بناءا على تقييم الاحتمالات بالنظر إلى التهديدات الأمنية. وفي سبيل تفسيرها لمفهوم صناعة القرار تطرح الواقعية الجديدة فكرة نظرية التوقع فهي ترى أن الفاعلين يعطون وزنا معتبرا أكثر للخسارة أكثر منه للربح.
وبالتالي فان الواقعيون الجدد يركزون على إقامة التحالفات المتوازنة والقوة الدفاعية الرادعة التي تتحقق الأمن الدولي.
ويرى فوكوياما من خلال نظريته حول نهاية التاريخ انتصار الديمقراطية والليبرالية على النظام الاشتراكي، ولن يكون للولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ما ينتظرونه من جديد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي واعتماد الجمهوريات المستقلة ودول أوروبا الشرقية على النظام الحر. ويرى أن هناك توافق حيث يشكل النظام الديمقراطي منتهى التطور الإيديولوجي للإنسانية والشكل النهائي للحكم الإنساني. هذا النظام رغم ما قيل عنه يعرف مجموعة من المشاكل الخطيرة الناتجة عن قصور في تطبيق مبادئ الديمقراطية مثل مبدأ-الحرية والمساواة- ، ويؤكد فوكوياما أن الليبرالية الاقتصادية هي التي ستسود وهذا ما تأكد من خلال السوق الحرة باعتبارها إحدى نماذج هذا النظام. ويرى أن النظام الذي سيسود نظام ليبرالي و يتسم بالعقلانية والقدرة على تحقيق المطالب على أساس هوية الفرد باعتباره بشرا وليس عضوا في جماعة عرقية ما يؤدي لخلق مجتمع على أساس إلغاء الفوراق الاجتماعية بين السادة والعبيد















الفصل الثاني
المبحث الاول
النظرية الواقعية الكلاسيكية في تحليلها للنزاعات الدولية:
بداية يجب التنويه إلى الافتراضات الأساسية التي تقوم عليها النظرية الواقعية الكلاسيكية في التحليل و تمتثل فيما يلي:
الدولة هي الفاعل الوحيد و الأساسي في العلاقات الدولية.
عدم وجود سلطة عليا تفوق سلطة الدولة في النظام الدولي ، بمعنى أن النظام الدولي تحكمه الفوضى.
في ظل البيئة الفوضوية للنظام الدولي تزداد المخاطر التي تهدد الدول و يصبح أمنها معرض بشكل كبير للفقدان، و عليه تسعى الدول لاستخدام كل وسائلها المتاحة و على رأسها القوة العسكرية من أجل ضمان أمنها المتمثل في البقاء.
تختلف مصالح كل دولة عن دولة أخرى لكن المصلحة الأولى التي تشترك فيها جميع الدول هي مصلحة البقاء، حيث تسعى الدول لتحقيق مصلحتها الوطنية.
من أهم الأهداف التي تسعى إليها الدول هو زيادة قوتها العسكرية خاصة والاقتصادية عامة.
التحليل الواقعي الكلاسيكي للنزاعات الدولية:
ويرجع هانس مورغانتو Hans Morgenthau أسباب السلوك النزاعي لدى الدول إلى الطبيعة البشرية المظلمة التي تحكمها غريزة القوة وحب السيطرة والهيمنة، حيث تزداد هذه الطبيعة العدوانية عندما تنتقل من مستوى الفرد إلى مستوى الدولة، نتيجة لقدرة هذه الأخيرة على تعبئة واستعمال إمكانياتها المادية لإيذاء الدول الأخرى.
ويشير كريس براون Chris Brown أثناء تناوله للصور التي يمكن من خلالها تفسير أسباب الحرب إلى أن الطبيعة البشرية المظلمة كسبب للحروب عادة ما يتم وضعها في أُطُر دينية أو سيكولوجية. إذ يتم المحاججة بأن البشر مخلوقات خاطئة طُردت من “الجنة” وتميل بطبعها إلى العنف، وتسيطر عليها الرغبة في الموت، وبأن البشر هم المخلوقات الوحيدة التي تقتل أبناء جنسها ولا تمتلك رادعا يمنعها من إبادة بعضها البعض.
و يمكن القول أن هناك اتجاهين ضمن المدرسة الواقعية يخص أسباب سلوكيات الدول النزاعية، فالاتجاه الأول يعتبر أن الطبيعة تحكمها غريزة القوة، و هي غريزة حيوانية تتمثل في السيطرة و الهيمنة و هي تستمد نظرتها من المدرسة الهوبزية و هي نظرة تشاؤمية، و تزداد هذه العدوانية عندما تنتقل من مستوى الفرد إلى مستوى الدولة، نتيجة ازدياد الإمكانيات الموجودة، و تأخذ أبعاد أخرى تؤدي إلى صراعات عنيفة، أما الاتجاه الثاني فيقول أن البحث عن القوة و ليست كنتيجة غريزة حيوانية متأصلة في الطبيعة البشرية، و إنما تنتج عن انعدام الأمن في النظام الدولي الذي يتسم بالفوضى يخلق ضغوطاً على الدولة للحصول على أكبر قدر من القوة و المفارقة الكبرى هي أن اضطرار الدول إلى زيادة قوتها من أجل دعم أمنها يؤدي إلى حدة النزاعات.










المبحث الثاني:
النظرية الواقعية الجديدة في تحليلها للنزاعات الدولية:
لهذه النظرية منطلقات أساسية تعتمد عليها في التحليل تتمثل في ما يلي:
اعتبار الدولة الوحدة الأساسية للتحليل، رغم وجود عدة فواعل أخرى كالمنظمات الدولية و الشركات متعددة الجنسيات، لكنها تبقى ذات أهمية ضئيلة، و يعتبرون أن الدولة فاعل وحدوي و عقلاني، و ترى الواقعية الجديدة أن الأمن الوطني يكون دوما في أعلى سلم الأولويات، و يتمثل الأمن العسكري.
الواقعية الجديدة تنطلق من افتراض أن الحرب و النزاع ظاهرتان غير قابلتان للتجنب بسبب فوضوية النظام الدولي و عدم وجود سلطة عليا فوق الدول، ففي ظل هذه الفوضى تهتم الدول بالبحث عن الأمن اعتمادا على القدرة الذاتية و زيادة قدرتها العسكرية و الاقتصادية، من خلال التحالف مع الدول الأخرى.
التحليل الواقعي الجديد للنزاعات الدولية:
بخلاف الواقعية الكلاسيكية لهانس مورغانتو Hans Morgenthau الذي يعتمد على مقولة أن الدول مثلها مثل البشر تملك رغبة فطرية للسيطرة على الآخرين و هو ما يقودها نحو التصادم و الحروب فإن واقعية كنيث والتز kenneth waltz جاءت بضرورة دراسة المجتمع الدولي إضافةً إلى الفرد , ففي كتابه “الإنسان، الدولة والحرب” يطرح كنيث والتز kenneth waltz التساؤل التالي:
أيهما أفضل لفهم الإنسان في المجتمع : دراسة الإنسان أم دراسة المجتمع ؟ يبدو أن الرد المرضي يأتي من خلال السؤال بأداة (أم) والإجابة المرضية تأتي بأداة (كليهما), إلا أن الشروع بإحداهما قبل الآخر في تفسير الأحداث يمكن أن يحدث فارقاً.
وعليه كانت مستويات التحليل عند كينث والتز قائمة على الثلاثية التالية في فهم الظواهر السياسية ومنها النزاعات :
1- بنية النظام الدولي: من خلال (توزع القوى وتركيزها – عدد الوحدات الفاعلة – دور الفواعل غير الدولة ).
2- الدولة: من خلال (طبيعة النظام السياسي – الوضع الاقتصادي – دور المؤسسات والبيروقراطيات في صنع القرار – الرأي العام ).
3- الفرد: من خلال ( شخصية صانع القرار – إيديولوجية صانع القرار – تصور صانع القرار للقضايا الدولية ).
كما ت رى الواقعية الجديدة أنه بالتركيز على الأسباب الرئيسية للنزاع نجد أنها تكمن في الطبيعة البشرية وناتجة عن الأنانية في التعامل، و منه فتفادي النزاعات هو الاهتمام بالفرد و تحقيق وجوده الاجتماعي، و قد أوضح هذا برتراند راسل حيث يقول أنه حتى يتحقق السلام يجب على الفرد أن يقلل من غريزة حب التملك و السيطرة على الآخرين.
و في ربطهم بين النزاع و الفوضى الدولية فهي ناتجة عن غياب سلطة عليا فوق سلطة الدولة لأنها ذات سيادة، و لهذا فهي تفكر حسب مصلحتها، و هنا تحدث النزاعات و تصبح الحرب فيا بعد هي وسيلة لتحقيق العديد من النتائج المرجوة، و في ظل هذه الفوضى يجب التناسق و تضطر كل دولة إلى استخدام ما تملكه من القوة لتحصل على الأهداف التي رسمتها في البداية.
و يميز الواقعيون الجدد بين سببين للحرب، أحدهما هو الحرب كسبيل لحل النزاع المباشر حول المصالح بين دولتين، و السبب الثاني هو بحث دولتان أو أكثر عن أمنهما. أما بخصوص الواقعية الهجومية ترى أن النظام الدولي أكثر عدائية وغير متسامح، ويتسم بالغموض وهذا ما يؤدي بالدول إلى تبني استراتيجيات دفاعية غالبا ما تؤدي إلى حرب، والواقعية الدفاعية من ناحية أخرى أن الأمن ليس حالة نادرة كما ترى الواقعية الهجومية، ذلك أن الفوضى الدولية ليست في قوة الدول نفسها التي هي في نزاع أو في حرب و إنما هي استراتيجيات دفاع من أجل توفير الأمن.
مما سبق يكن أن نخلص إلى أن الواقعية الكلاسيكية انحصر اهتمامها في المستوى الأول بالتركيز على الطبيعة البشرية العدوانية، كعال محرك للصراعات الدولية، في الوقت الذي طرحت فيه الواقعية الجديدة وجوب دراسة النظام الدولي بالاضافة إلى الفرد “بعبارة أخرى الإنسان ومحيطه أو الدولة ومحيطها ” مع التأكيد على المستوى الثالث من خلال التركيز على البنية الفوضوية للنظام الدولي كمسبب رئيسي للصراعات.


الفصل الثالث :
النظرية الواقعية من منظور التحليلي

هذه النظرية تعتبر نفسها اكثر النظريات اتصالا بالواقع الدولي وتعبيرا عن أوضاعه ومندعاته البارزين هانس مورغنثاو أستاذ العلاقات الأشهر.
ويقول اسماعيل مقلد ان دعامتنا في النظرية الواقعية لمورغنثاو هما فكرة المصلحة وفكرة القوة والمصلحة في مفهوم هذه النظرية تتحدد في اطار القوة التي تتحدد بدورها في نطاق ما يسمى مورغنثاو بفكرة التأثير أو السيطرة.
وبتحديد اخر فان القوة السياسية التي تعنيها هذه النطظرية الواقعية هي مدى التأثير النسبي الذي تمارسه الدول في علاقاتها المتبادلة وهي بذلك لا يمكن أن تكون مرادفا للعنف بأشكاله المادية والعسكرية ،انما هي أوسع نطاقا من ذلك بكثير،فهي النتاج النهائي لعدد كبير من المتغيرات المادية وغير المادية والتفاعل الذي يتم بين هذه العناصر والمكونات هو الذي يحدد في النهاية حجم قوة الدولة وبحسب هذا الحجم تتحدد امكانياتها في التأثير السياسي في مواجهة غيرها من الدول.
ومن هنا تنظر النظرية الواقعية الى المجتمع الدولي والعلاقات الدولية على أنها صراع مستمر نحو زيادة قوة الدولة واستغلالها بالكيفية التي تمليها مصالحها أو استراتجيتها بغض النظر عن التأثيرات التي تتركها في مصالح الدول الأخرى.
- المنهاج الذي يركز على فكرة المصالح القومية:
هذا المنهاج يعتبر أن السعي نحو تحقيق المصلحة القومية للدولة هو الهدف النهائي والمستمر لسياستها الخارجية ،بمعنى أن المصلحة القومية هي محور الارتكاز أو القوة الرئيسية المحركة للسياسة الخارجية لأي دولة من الدول.
وينسب هذا المنهاج في التحليل عدة مزايا مثل:
أولا: انه يجرد أهداف السياسة الخارجية للدول من التبريرات المفتعلة أو غير الواقعية التي تحاول أن تنسبها الى هذه السياسات وذلك كوسيلة للتغرير أو التمويه، سواء تم هذا التغرير للرأي لعام في الخارج أو الداخل.
ثانيا: أن فكرة المصالح القومية توضح جانب الاستمرار في السياسات الخارجية للدول رغم التبدل الذي قد يصيب الزعامات السياسية ، أو التحول الذي قد يحدث في نمط الايديولوحية المسيطرة أو في نماذج القيم السياسية والاجتماعية السائدة ، بمعنى أنه أيا كانت طبيعة الاختلاف في العوامل السياسية والاستراتيجية والايديولوجية والطبيعية التي تؤثر في الأوضاع المتميزة لكل دولة ،وتدفعها الى الصراع أو التعاون مع غيرها من الدول ، فان المصلحة القومية تظل دائما وأبدا المقياس العام الذي يمكن بواسطته الاستدلال على العوامل التي تحدد السلوك الخارجي لأي دولة عضو في المجتمع الدولي.
ويتجة الخلط الكبير الذي يحصل بين المصطلحات اين يجعل البعض من المفكريين والمحللين أو حتى في اختلاف اللغات الى جعل بعض المصطلحات مرادفات اردنا توضيح الفروقات. وهذه المصطلحات تتمثل فيما يلي:
 المذهب:
منظومة فكرية كاملة ترتكز على مىحظة وتفسير للوقائع ذاتيا بقصد توجيه سلوك وعمل مجموعة انسانية.
 المنظور:
ان المنظور عند توماس كوهن يرمز الى الاراء ووجهات النظر عند جماعة علمية مجاله العلوم الطبيعية والعلوم الفيزيائية وهو تحول علمي بعيد عن أية خلفية نفعية أو ايديولوجية .
- أداة لفهم أولويات مجال البحث من خلال ترتيب وتنظيم المعلومات حول الظاهرة المدروسة كهدف عام للبحث على سبيل المثال وصنع سياسة عمومية داخل الدولة وصنع وتصور وفهم لواقع معين أو ظاهرة معينة

ثانيا :
النظرية الواقعية من منظور نظري
وعموما يقدم الواقعيون الجدد تأكيدا على نحو مميز يقضي بوجود العاطفة الشريرة والحضور الفاجع للشر في كل فعل سياسي وبسب هذه العواطف غير القابلة للاستئصال يصبح النزاع أمرا محتوما كما يركزون الواقعيون الجدد على الضرورات السياسية الناتجة عن الفوضى الدولية ففي غياب حكومة دولية يبقى قانون الأدغال هو السائد.
فالواقعية الجديدة تفسر العلاقات الدولية من وجهة نظر بنيوية مناسبة للنظام الدولي خاصة توزيع القوى,فالواقعية الجديدة لها نظرة سوداوية للعلاقات الدولية انطلاقا من افتراض أن الحرب والنزاع ظاهرتان قابلتان للتجنب بسبب فوضوية النظام الدولي وعدم وجود سلطة دولية عليا فوق الدولة.
من ناحية أخرى افترض الواقعيون الدفاعيين طبعا في إطار الواقعية الجديدة,أن الدول ليس لديها مصلحة حقيقية تذكر في الغزو العسكري,على خلاف الواقعيين الهجوميين الذين يركزون على تشجيع نماذج معينة من سلوك الدول في النظام الدولي.
ومن ناحية مفهوم الصراع فان الواقعية الجديدة افترضت أن الدولة يجب أن تتعامل مع أسوأ الاحتمالات,وأن تبني قراراتها بناءا على تقييم الاحتمالات بالنظر إلى التهديدات الأمنية. وفي سبيل تفسيرها لمفهوم صناعة القرار تطرح الواقعية الجديدة فكرة نظرية التوقع فهي ترى أن الفاعلين يعطون وزنا معتبرا أكثر للخسارة أكثر منه للربح.
وبالتالي فان الواقعيون الجدد يركزون على إقامة التحالفات المتوازنة والقوة الدفاعية الرادعة التي تتحقق الأمن الدولي.

يعد البناء النظري للواقعية التقليدية من حيث البناء النظري جاء كرد فعل على المثالية، إعتمدت في منهجها عدم البحث عن مايجب أن يكون، بل يجب تحليل بكل موضوعية ماهو كائن من دون تشويه الظواهر الاجتماعية، فهي تشبه الظواهر الطبيعية التي يحكمها قوانين ثابتة لايمكن لارادة البشر أن تغمرها، وهدف عالم السياسة هو الكشف عن هذه القوانين التي تمكنه من فهم الظاهرة وتحليل ليس فقط حاضرها، ولكن فهم ماضيها. أما من حيث التصورات فالواقعية الكلاسيكية بنت إفتراضات على مسلمات محددة، وفق جوانب ثلاث:
الجانب الانتولوجي: بحيث تعتبر أن الدولة هب الفاعل الوحيد والاوحد في الساحة الدولية والعنصر المهيمن عليها
الجانب الابستمولوجي: حيث كان هدف الواقعية تفسير الواقع، حيث إستندت على الفلسفة الوضعية كخلفية معرفية لها، وكانت قواعد القانون الطبيعي هي التي تحكم وتفسر سلوك الامم.
الجانب المنهجي: وذلك من خلال إعتمادها على المنهج التجريدي العقلاني كأساس لفهم الواقع كما هو عليه.
لكن من المعروف ان الواقعية التقليدية وجهت لها إنتقادات لاذعة خصوصا من التيار السلوكي لكونه، إعتبرها مجرد فلسفة تفتقد للمنهجية العلمية في تحليلها للسياسة الدولية، وتزامن ظهور الوقعية الجديدة مع بروز النزعة العلمية في شتى المجالات الاجتماعية، وكثر الحديث عن الارتقاء بالعلاقات الدولية إلى علم يشبه بقية العلوم. وأن صدق وخطأ النظرية بمدى إختبارها علميا. فالبناء النظري للواقعية الجديدة من ناحية التصورات ركز على ثلاث جوانب كذلك:
الجانب الانتولوجي: مع إزدياد الفاعلين في المجال الدولي من شركات متعددة الجنسيات وكذا المنظمات الحكومية وغير الحكومية، جعل رواد هذا الاتجاه الجديد في العلاقات الدولية في وضع يستحيل فيه هذا التواجد لهؤلاء الفاعلين الجدد، ويضيف والتز كذلك ان تفاعل هذه الفواعل من دول ومنظمات وشركات...إلخ، فيما بينها يشكل لنا فاعل جديد مستقل عن الاطراف المكونة له، وهو بنية النظام الدولي، وما يثبت هذا التواجد هو الاستدلال على طبيعة هذا النظام الفوضوية التي تؤثر في سلوكيات الدول. وبالتالي نتوصل إلى ان الواقعية الجديدة من الناحية الانتولوجية لم تقصي المسلمات المركزية حول الدولة كفاعل بل أضافت إليها فوال جدد رات فيهم ضرورة لايمكن إهمالها أو إقصاؤها من التحليل.
Ø الجانب الابستمولوجي: حاولت الواقعية الجديدة بزعامة كنيث والتز إستيعاب الانتقادات التي وجهت للواقعية التقليدية، وإنطلقت هي الاخرى في ان الاتجاه التقليدي بزعامة هانس مورغنثو قد أخفقت في فهم وإستيعاب الواقع الحقيقي وبالغ في تفسير المصلحة الوطنية والقوة، كذلك عدم أخذها بالنظريات والمعرفة من العلوم الاجتماعية الاخرى التي تساهم في إعطاء صورة شاملة لدراسة السياسة الدولية.
Ø الجانب المنهجي: فيقول والتز في هذا الصدد: ‘’ بعد دراستي لكل أدبيات الواقعية وصلت إلى ان الجميع أختلف في تحديد سبب النزاع وتحليل السلوك. لانهم اختلفو في مستويات التحليل، فهناك من ركز على الفرد وهناك من ركز على الدولة وهناك من ركز على النظام الدولي، وهكذا جاء كتابي ليعبر عن كل هذه التيارات تحت عنوان: ‘’man the state and war ’’ ويرى والت زان الطريقة الممكنة لتحليل السياسة الدولية هي المنهجية النظمية. لأن الاهتمام بمستوى الدولة لايكفي للتنبؤ بنتائج النظام الكلي. ويقول والتز ‘’ غير انني وصلت إلى سبب النزاع الحقيقي هو النظام الدولي وبنيته الفوضوية وان الانسان الفرد والدولة لايقدمان تحليل كافي للسلوك فيجب تجنب النقاشات الميتافيزيقية والبحث عن مصدر موضوعي لبناء النظرية ألا وهو الفوضى في النظام الدولي ‘’.
وبالتالي نستنتج أن الواقعية الجديدة، ماهي إلا إصلاح وتكييف نظري من الناحيتين الابستمولوجية والفكرية مع وجود بعض الفوارق البسيطة التي إستوجبتها تطورات الحياة الدولية، ووفقا لمصطلح المنظور الجديد نجد أن الواقعية التقليدية والجديدة يندرجان تحت نفس المنظور، ألا وهو المنظور الكلي و النظريات التفسيرية. ونخلص إلى الطرح التقليدي يقر بأن الدول تسعى لتحقيق أكبر قدر من القوة، ولكن مع تطور الحياة الدولية وكذا تطور الاسلحة النووية وإستحالت القضاء على العدو من الضربة الاولى وإمكانية الضربة الثانية، أصبح هدف الدولة الاساسي هو ‘’الحفاظ على البقاء ‘’.







الخاتمة

واخيرا وليس اخرا
فمن المعروف ان الواقعية الكلاسيكية ،بالغت في اعطاء صورة تشاؤمية جد قاتمة للمجتمع الدولي من خلال اهمال السلم والتعاون بين الدول، والتركيز على النزاعات والحروب ومما لاشك فيه ان ماقدمته المدرسة الواقعية اغنى البناء النظري للعلاقات الدولية على الرغم مما تعرضت له من انتقادات،وخصوصا ما اتت به الواقعية الجديدة في سبيل تجاوز غياب التحليل الدقيق لمفاهيم اساسية كالقوة والمصلحة وهو ما حاولت الواقعية الجديدة من خلال الوصول اليه عن طريق اخراج المفهوم الواقعي من المفهوم الكلاسيكي مع "هانس مورجتاو"و"رايمون ارون" الى مستوى من التحليل اكثر علمية.
ومن هنا يمكن القول ان التصادم بين التحليلات التقليدية والتحليلات الجديدة في المنظور الواقعي لا تمثل جدلا حقيقيا بقدر ما ان هناك اختلافات بينهما ليست عادية كما سبقت الاشارة، بحيث انها تنبع من افتراضات متصارعة حول هيكل النظم الدولية وطبيعة القواعد المنظمة لها وهوية الفاعلين الاساسيين ونختم بقولة لـــ"والتز" التي يقول فيها "كثرهم من يلعن الظلام وبدلا من ان يخلقوا بديلا للشمعة التي كانت تضيء،يتم اطفاؤها دون اتيان ببديل ليترك الباحثين في ظلام"



#بشير_النجاب (هاشتاغ)       Dr._Basheer_M_Alnajab#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حرية الرأي في التشريع الاردني
- اثر التنظيم الدولي على العلاقات الانسانية
- دور نظرية اللعبه في العلاقات الدولية
- مفهوم الاقليمية في التنظيم الدولي
- الإصلاح السياسي في الاردن
- القومية في العلاقات الدوليه
- النظام الاقتصادي الدولي الجديد.
- المنهج المقارن في النظم السياسية
- اللبرنة السياسية (البنى التسلطليه والديمقراطية)
- اقتصاديات الحرب والسلام بمنطقة الشرق الاوسط
- ادارة مجتمع الاقليات
- تنظيم الدولة الاسلامية داعش


المزيد.....




- الأردن.. ماذا نعلم عن مطلق النار في منطقة الرابية بعمّان؟
- من هو الإسرائيلي الذي عثر عليه ميتا بالإمارات بجريمة؟
- الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة ...
- إصابة إسرائيلي جراء سقوط صواريخ من جنوب لبنان باتجاه الجليل ...
- التغير المناخي.. اتفاق كوب 29 بين الإشادة وتحفظ الدول النامي ...
- هل تناول السمك يحد فعلاً من طنين الأذن؟
- مقتل مُسلح في إطلاق نار قرب سفارة إسرائيل في الأردن
- إسرائيل تحذر مواطنيها من السفر إلى الإمارات بعد مقتل الحاخام ...
- الأمن الأردني يكشف تفاصيل جديدة عن حادث إطلاق النار بالرابية ...
- الصفدي: حادث الاعتداء على رجال الأمن العام في الرابية عمل إر ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - بشير النجاب - النظرية الواقعية