|
حديث حول المواطنة!
فهد المضحكي
الحوار المتمدن-العدد: 5513 - 2017 / 5 / 6 - 10:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هناك من يرى أن تجربة الدولة العربية الحديثة خلال العقود الماضية تشير إلى أنها لم تنجح في ترسيخ قيم الحداثة بشكل عام وقيم المواطنة بشكل خاص بوصفها مصدر السلطة وشرعيتها، في حين ترى إحدى الدراسات ان تقارير التنمية العربية أطلقت على الدولة العربية الحديثة اسم «دولة الثقب الأسود» في تعبير صريح منها على حالة الفشل في بناء الدولة بمفهومها ووظيفتها الحديثين، وقد عزت هذه التقارير ذلك إلى أسباب متنوعة، كان في مقدمتها طبيعة النشأة التاريخية الاستعمارية، واستمرار حالة التبعية الخارجية، وفقدان الاستقلال بمفهومه الشامل، بالاضافة إلى غياب العقد الاجتماعي وتهميش فكرة الإرادة العامة الحرة لأعضاء المجتمع، واستئثار القوى الحاكمة بالسلطة. ويرى د. خلف جراد يرتبط مفهوم المواطنة وممارستها ارتباطًا كبيرًا بالدولة، او بالأحرى درجة تطور الدولة وتطور مؤسساتها وآليات عملها، ودرجة انفتاحها على المجتمع وتواصلها الشامل معه، وبالتالي، فإن الحديث بشأن المواطنة لا يستقيم مع الدولة، التي تقوم على الأسس القبلية او الأسس الطائفية او الأسس العنصرية العرقية، واستنادًا إلى ذلك - نقلاً عن النور السورية - فإذا كانت - على حد رأيه - الإشكالية المجتمعية العربية الراهنة تمثل تاريخًا طويلاً من (الفتن) الاضطرابات و(المنازعات) الأهلية الداخلية قبل ان تتدخل القوى الاستعمارية لتؤجّجها او لتستغلها فإن هذه النزاعات والصراعات و(الفتن) مازالت (تعيد إنتاج) ذاتها بأشكال وتجليات مختلفة، واحيانًا بأشكال متماثلة متكررة، سواء في الصراع القومي او في الصراع ما دون القطري وما دون الوطني الذي أصبح اليوم سمة المرحلة الراهنة بين القبائل والطوائف والمذاهب، سواء عند انحسار السلطة المركزية او تحللها او ضعفها، او عندما تسنح لها الفرصة بالانبعاث والنهوض في إطار التجربة التعددية الديمقراطية الفتية في بعض الدول العربية، بحيث صار الخطر على التوجهات والتحولات الديمقراطية في تلك الدول منبثقًا من مثل هذه التنافرات الأهلية المنفلتة والمتنامية نحو التنازع والتصادم، إضافة إلى ما هو آتٍ من ممارسات الأنظمة والحكومات القائمة، بل ان تلك الجماعات والتجمعات والتكوينات (الاثنية والطائفية والمذهبية والعشائرية.. الخ) ذات التوجهات الرجعية والظلامية والطائفية والمذهبية، صارت تشكل المسوغ والحجة للسلطات الحكومية، لقطع الطريق على النمو الديمقراطي في البلدان العربية!. وبالتالي، فإن الانسداد الخطير، الذي وصل اليه النظام الاجتماعي - السياسي في المجتمع العربي المعاصر هو انسداد يعبر عن نفسه بأشكال وتجليات يومية واسعة ومتداخلة وخطيرة في بعض الأحيان (كالقتل على أساس الهوية الطائفية او المذهبية) والإعلان عن وجودها ونزعاتها الاستئصالية والإقصائية للأطراف الأخرى، فأصبح السكوت عن هذه النزعات الانتحارية التدميرية او التستر عليها - تحت أي شعار ولأي اعتبار - يشكل هربًا من مواجهة الواقع، وعجزًا فكريًا وعمليًا عن التعاطي مع معطياته، ان لم نقل تواطؤًا ضمنيًا مع هذه التكوينات والاتجاهات التفتيتية والتدميرية!. وفي هذا الصدد أشار جراد إلى غياب روح المواطنة وضعف وعي المجتمع بهذه المسألة الاساسية، يحوله إلى مجرد ساحة لمجموعات وتكوينات قبلية وعشائرية وطائفية ومذهبية واقوامية متنافرة، سرعان ما تتصادم مع بعضها في أول امتحان وطني، ما يهدد وجود الكيان السياسي - الاجتماعي القائم برمته، لم يعدْ ممكنًا الحديث عن المواطنة بمعزل عن المجتمع المدني والدولة المدنية الحديثة، دولة الحق القانون والمؤسسات. وإذا كانت المواطنة تعني المساواة القانونية بين جميع المواطنين، فإنه من الطبيعي - كما تقول الباحثة الشيماء عبدالسلام - يترتب على المواطنة عدد من الحقوق والواجبات يمكن رسمهم في أربع قيم أساسية، وهي الحرية والعدالة والمساواة، والتي تشكل الضمانة للجميع، وهي المسؤولية الاجتماعية من الفرد تجاه المجتمع. وفي ضوء ذلك كلما كانت قدرة النظام كبيرة على مواجهة مشكلات المواطنة وإيجاد الحلول لها، وكفالة تتمتع أكبر عدد ممكن من المواطنين به، زادت قدرته على الاستمرار، وتدعمت شرعيته السياسية، واتسع نطاق الرضا الاجتماعي عنه، والعكس صحيح. فالحديث عن المساواة هو أن يكون الأفراد المكونين لمجتمع ما متساوين في الحقوق والحريات والتكاليف والواجبات العامة، وألا يكون هناك تمييز في التمتع بها بينهم بسبب الجنس او الأصل أو اللغة أو العقيدة. وفي هذا الإطار فمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص الذي تتحدث عنه عبدالسلام وغيرها من المتخصصين في الشأن القانوني والحقوقي هو أحد المداخل التي تضمن حق جميع المواطنين في المشاركة في تدبير الشؤون العامة بمعناها الواسع، ويصبح «المواطنون» هم فقط أصحاب الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وهم يتحملون في الوقت ذاته المسؤولية عن القيام بواجباتهم وأداء ما عليهم على أفضل ما يكون، وتلك هي المواطنة الفعَّالة في المجتمع، وهي باعتبارها الرابط الاجتماعي والقانوني بين الأفراد والمجتمع السياسي الديمقراطي تستلزم إلى جانب الحقوق والحريات مسؤوليات والتزامات مهمة بدونها يفشل المشروع الديمقراطي.
#فهد_المضحكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نزيهة الدليمي.. حياة مليئة بالكفاح ونكران الذات!
-
الأزمات المالية وصندوق النقد الدولي!
-
الإسلام السياسي والديمقراطية
-
واقع المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الدول العربية!
-
«الطريق» رؤية تقدمية في الأوقات الصعبة
-
السيد ياسين
-
شمائل النور
-
السياسة الامريكية.. ونفط الشرق الأوسط!
-
الحروب والمجاعة والموت الجماعي!
-
عن حقوق المرأة!
-
لماذا التصعيد الأمريكي في بحر الصين الجنوبي؟
-
عن البيئة الملائمة للديمقراطية
-
الدول العربية وأزمة المديونية!
-
الإرهاب لا يبني وطنًا!
-
منتدى دافوس والثقة المعدومة!
-
التلاعب بالأسعار!
-
ماتيس وعودة الخطاب التصعيدي الأمريكي!
-
شيء من تمنيات العام الميلادي الجديد
-
صادق جلال العظم
-
دول الخليج بين الإصلاحات والمخاطر الإقليمية!
المزيد.....
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|