|
عزيز بلال.. في ذكرى رحيل المثقف الذي لا يحمل فكره ربطة عنق
عمر زغاري
الحوار المتمدن-العدد: 5512 - 2017 / 5 / 5 - 20:58
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
في مثل هذه الأيام قبل 34 سنة خلت، فقدت الحركة الديمقراطية والتقدمية، مناضلا فذا ومثقفا ألمعيا وأستاذا جامعيا بارزا. فمن الولايات الأميركية المتحدة، معقل الامبريالية ورأس رمح النظام الرأسمالي، شاع النبأ/ الفاجعة عبر قصاصة أعلنت وفاة عزيز بلال في حريق شبّ بأحد فنادق شيكاغو، حيث كان يقيم ويقوم بواجبه كنائب لجماعة سيدي بليوط عين الذئاب، بمهمة إنجاز عملية توأمة الدار البيضاء وشيكاغو.
سنون مضت على هذا الحادث/ الفاجعة الملفوف بجملة من الملابسات والسيناريوهات المريبة، التي وإن كانت قد تكالبت في تغييبها القسري لمفكر اقتصادي عالم ثالثي في أوج عطاءاته وبحوثه العلمية، فإنها لم تتمكن من طمس معالم فكره الوقاد ومناهجه العلمية ومراجعه المعرفية في البحث والتحليل والدرس، حد أن صار الاقتصاد مع عزيز بلال حفريات في العوامل غير الاقتصادية في التنمية، وذلك على اعتبار أن البنيات الفوقية لاقتصاديات “العالم الثالث” تتخارج في صيرورتها، لا بفعل جدلية علائقها بالبنيات التحتية من اقتصاد واجتماع بل وبفعل العوامل الزمنية لكل بنية على حدة وتقاطب أنماطها بحيث يظل المستوى الإيديولوجي هو المهيمن في هذه المجتمعات واستخراج فائض القيمة خاضعا لسلطان البنية الفوقية. وهو الطرح الذي بلوره الدكتور سمير أمين في بحوثه حول أنماط الإنتاج وتراكم الرأسمال، والتقطه عالم الاقتصاد الهندي ميرنال الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد في تسعينيات القرن الماضي في دراسته حول نمط الإنتاج الأسيوي، وما خلصا إليه في بحوثهم ودراساتهم من كون السلطة هي التي تتحكم بالثروة على عكس المجتمعات الرأسمالية حيث الثروة هي التي تتحكم بالسلطة. ومعلوم أن طروحات العوامل غير الإقتصادية في التنمية قد تصدرت جملة من الدراسات والبحوث المشتركة بين الاقتصادي الروسي بوبوف والفقيد عزيز بلال، الذي حال موته المفاجئ دون استكمال هذه البحوث ومقاربة الجواب حول إشكالاتها المركبة ومسارات تشكلها المعقد، والتي صارت تعد، من قبل العديد من مدارس العلوم الاجتماعية والإنسانية المعاصرة، بعد تخصيص جائزة نوبل لها، إنجازا تاريخيا وحقلا معرفيا عصيا على الحفر دون دُربة وخبرة في البحث والتنقيب بل ودون تملك الموسوعية والتخصص في آن واحد. ونحن نستحضر ذكرى الفقيد عزيز بلال، لا يسعنا إلا أن نقر بعلو كعب هذا الرجل الذي لا تزال أجيال من المناضلين والمشتغلين بكافة حقول المعرفة المنشغلة بتحرر الإنسان من قهر الضرورات وبناء دولة الحريات والعدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان، تستنير بفكره الثاقب وتحليلاته العميقة في تطارح البدائل التنموية على الأرضية التاريخية للتشكيلة الاجتماعية للمجتمع والدولة وبنياتها الطبقية وفي الانتصار لأطروحة إن السياسة تظل التعبير المكثف عن الاقتصاد.
ففي استحضار درس عزيز بلال حول سؤال الاقتصاد كعلم والسياسة كفن والثقافة كهوية ونمط حياة، تثور راهنية فكره اليوم من زاوية مفتوحة على 180 درجة، حيث لا يمكن أن نتصور التنمية إلا إذا كان الناس معتزين بأنفسهم ككائنات بشرية تعيش بكرامة وليست اقل شأنا من أي كان، أو إلا إذا استرجع الناس اعتزازهم بأنفسهم وكرامتهم في حال فقدانها وتم الاعتراف لهم بحقهم غير القابل للتصرف في تقرير مصائرهم، وحيث نعاين اليوم، وفي مجرى الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية وإفلاس اقتصاديات العالم الثالث، السقوط المدوي للمنظومة المفاهيمية لفكرة التنمية التي تصدرت مخطط ترومان عام 1949، وتبخر ما تم التبشير به من إمكانية اللحاق بالركب الحضاري، عبر معونات غذائية ومساعدات مالية وضمانات قروض، وخارج كرامة الإنسان كشرط محوري لكل تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية.
فطوال حالات الاستثناء التي شهدها المغرب وتعطيل الحياة السياسية وعسكرة الجامعات، ظل درس عزيز بلال حول سؤال الاقتصاد كعلم والسياسة كفن والثقافة كهوية ونمط حياة، يستقطب الطلبة الجامعيين والباحثين من مختلف المشارب الفكرية و الإيديولوجية، وعدا عزيز بلال وأستاذ القانون الدستوري القدير المرحوم عبد الرحمن القادري، لم يكن ليجرؤ أحد من الأساتذة الجامعيين على الانتصاب في وجه كل تطاول على الحرم الجامعي بل وكل مس بالجامعة كحصن لحرية الفكر ولسلطان العقل.
فعديد من طلبة السبعينات يتذكرون ندوة كاتدرائية “القلب المقدس” بحديقة الجامعة العربية الملحقة يومها بكلية الحقوق بالدار البيضاء، والتي حاولت فيها بعض الأجهزة الأمنية استفزاز عزيز بلال حول دواعي وخلفيات مشاركته في نشاط منظم من قبل طلبة جبهويون، فكان جوابه: لا يهمني من يكون هؤلاء في تقاريركم، كل ما يهمني هو أنهم طلبتي ومن واجبي أن أكون هنا بينهم للتنادي وتطارح الأفكار على قاعدة الحق في الاختلاف، ووحدها شجرة الحياة خضراء أبدا.
وكان أن ارتفعت حناجر ما يزيد عن 400 طالب وطالبة من داخل القاعة وخارجها: عزيز بلالنا… كله أستاذنا…
لذا، فعيار الرجل وراهنية فكره اليوم، لن تفيه مناظرة حقه كمفكر متعدد الأبعاد، وكان من الأجدر بنا اليوم، ونحن في خضم تقييم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بإنجازاتها وإخفاقاتها، أن نستحضر تعاليم عزيز بلال- فكرا وممارسة- الداعية لكرامة الإنسان كشرط محوري لتفجير طاقات الإنسان الكامنة والمعلنة في الخلق والإبداع وقهر التحديات، وبالتالي ولوج التنمية المستدامة من بابها الواسع. ولعل هذا ما طبع حياة عزيز بلال أستاذ ومعلم جيل الأحلام الكبرى والمهام الجسام في بناء عزة الأوطان وكرامة الشعوب، حد أنه كان ينعت بالمثقف الذي لا تحمل ياقات قميصه ربطة عنق.
#عمر_زغاري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانتصار لمقاربة جديدة لتعاطي المخدرات مبنية على الصحة وحقوق
...
-
في ذكرى رحيل المثقف الذي لا يحمل فكره ربطة عنق
-
هدية للشغيلة المغربية في عيدها الأممي
-
أبراهام السرفاتي مسار مناضل على مدار نصف قرن
-
اليسار الإلكتروني
المزيد.....
-
الجيش اللبناني يعلن تسلمه 3 معسكرات تابعة لفصائل فلسطينية لب
...
-
منظر مذهل في تركيا.. تجمد جزئي لبحيرة في فان يخلق لوحة طبيعي
...
-
إندونيسيا تحيي الذكرى العشرين لكارثة تسونامي المأساوية التي
...
-
ألمانيا تكشف هوية منفذ هجوم سوق الميلاد في ماغديبورغ، وتتوعد
...
-
إصابات في إسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ حوثي
-
شولتس يتفقد مكان اعتداء الدهس في ماغديبورغ (فيديو+ صور)
-
السفارة السورية في الأردن تمنح السوريين تذكرة عودة مجانية إل
...
-
الدفاع المدني بغزة: القوات الإسرائيلية تعمد إلى قتل المدنيين
...
-
الجيش الروسي يدمر مدرعة عربية الصنع
-
-حماس- و-الجهاد- و-الشعبية- تبحث في القاهرة الحرب على غزة وت
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|