احمد ثامر جهاد
الحوار المتمدن-العدد: 1443 - 2006 / 1 / 27 - 10:16
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
الحضور الكرام . . السلام عليكم
بعيدا عن مضارب الريح ، تخيل الشاعر في وحشة عزلته الباردة أن مدينته جسد كائن حي ، يستجيب لكل ما يحيي الجسد أو يميته ، فتارة يشع الجسد فتنة صادحة وصباحات وردية وأخرى يذبل عوده الرفيع كما تذبل الزهرة اليتيمة . هكذا بدت مدينة الحضارات القديمة ( الناصرية ) بعيون أبنائها على الدوام .
ذات يوم وفي زرقة سماء صافية تذكر الشاعر وروحه الأبدية لم تزل تطوف بيننا كأسرار رسائل الريح ، تذكر الشاعر كيف احب مدينته الغافية على سراجات ضفاف الفرات ، مذ كان طفلا ينام العالم على دفئ راحتيه ، فيرى ببهجة غامرة أشرعة سفن آتية وأخرى غاربة ، كيف كان يتشرب هواءها وماءها وينصت بخبرة العارف إلى همس أسلافها الأوائل وهو يوصون الأجيال تلو الأجيال بمغزى كلمة تردد :
عليكم أن تصونوا أرثكم وتتشربوا من كلمات آباء سومر وأكد ، وتخيطوا لأنفسكم ثيابا تمنح أمجاد الأولين لونا براقا يتخطى سقطات عصور توالت وكبوات ملوك وحكام .
تحدثني روح الشاعر عن حزنه الكامن في أعماق هذه المدينة وهو يرى كيف يسفح دمها كل يوم بأيدي الجهلة والطارئين ، فيما يمتص المتطفلون رحيق ورودها ، فتندلق ألوان لوحتها الأزلية سوادا مريرا يسيح بين الوديان والسهول ليستقر عصارة غريبة في قلب الشاعر ، شاعر المدينة الحزين .
تتمة الحكاية تقول ان المدينة رقصت يوما ما ، مرضت ، فشاخت ، توسلت ، فانتظرت وفي أقصى طرف عين الشاعر رجاء أخير يأمل بفسحة حياة .
واليوم وحيث يجتمع أبناء المدينة ذاتها ، محتفين بإعادة الحياة ثانية لمتحف تاريخاها الحضاري بعد أن لطخت أيادي العابثين بريق حروف الحضارة الأولى ، سيحتفل الشاعر معنا بزوال الغبار عن جسد المدينة ومحتف رموزها الأولين ، رسل الكلمة الخالدة والسلام البشري .
سيكون أملنا معقودا على إدامة فسحة الحياة هذه ، لتنعم مدينة الشاعر مجددا بثمرات الثقافة والفن والتاريخ ، ولن يكون ذلك ممكنا ما لم تقلب المعادلة المعوجة بين الإرث الكبير لبقعة الأرض هذه وبين بؤسها الراهن ، ذلك الذي يعمي الأبصار بفوضاه ولامبالاته .
تحية لكل من سعى جادا لإعادة فيوض الروح إلى قلب الشاعر الذي ما زال ينتظر على مصاطب الآلهة زرقة سماء فسيحة تداوي جراحه الغائرة .
#احمد_ثامر_جهاد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟