|
كنيسةٌ سماوية لكل المصريين
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 5510 - 2017 / 5 / 3 - 11:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
===============
كيف ردّتِ الدولةُ المصرية على الإرهاب؟ الحقُّ أن الردَّ جاءَ حادًّا، حاسمًا، وموجعًا. سيذكرُ التاريخُ طويلا هذه الساعات الاستثنائية من صبيحة يوم السبت 29 أبريل، 2017. اليوم الذي كان بمثابة ردّ مصر الأبهر على كل مأفون تعس، فجّر كنيسةً على أرض مصر الطيبة، التي تجاورت على أرضها الكنائس والمساجد على مدى العصور، تصطفُّ حولها قلوبُ المصريين الذين لا تزيدهم الفتنُ والمحنُ إلا إيمانًا بأن نجاتنا، في وحدتنا. أكتبُ مسودةَ هذا المقال، على المساحة البيضاء من عَلم مصر الصغير الذي أهدته لنا بناتُ الكشافة المليحات لحظة دخولنا (ستاد 30 يونيو) بالتجمع الخامس. وحين يمتلئُ قلبُ مصرَ الأبيضُ بالكلام، سأقلبُ العَلم، وأكملُ الكتابة على المساحة الصفراء في علم دولة الفاتيكان. أجلسُ في مقصورة كبار الزوار تحت وهج شمس مصر الساطعة، أتأمل وجه هذا الراهب الطيب في دثاره البيض، وهيبته التي ازدادت سموًّا حين تواضع وانحنى، قبل شهر، ليغسل أقدام فقراء اللاجئين من العرب الذين طردتهم بلادهم، محاكيًا السيد المسيح الذي انحنى وغسل أقدام تلاميذه وهو يعلّمهم درس التواضع التاريخي الأشهر. أتأملُ ذلك الراهب، البابا فرنسيس، الذي تفصلني عنه عدة أمتار، وأحار في عينيه اللتين تُشرقان بالبِشر والحب لكل البشر دون تمييز في العقيدة ولا العرق ولا اللون ولا الظرف الاجتماعي أو السياسي. تُرى ما سرّ الفرح في عينيه، رغم أحزان العالم؟ تذكّرتُ عيني الأم تريزا اللتين كانتا تنثران الفرح من حولهما، حتى وهي تحتضن أطفالَ الجزام ويتامى الفقراء. ولما سُئلت عن سر ذلك الفرح، قالت: “لأنني أمسحُ دموعًا كثيرة.” صدقت القديسةُ الطيبة. إن أردتَ أن يسكن الفرحُ قلبَك، امسحْ أحزانَ الناس وانثر في قلوبهم الفرح والسلام. وهذا بالضبط ما جاء من أجله ذلك الراهب. البابا فرنسيس الأول، بابا الفاتيكان، في يومه الثاني بالقاهرة. جاء إلى هذه الأرض الشاسعة، ليرفع صلاته أمام 25 ألف مصريّ في مدرجات الاستاد ومئات الملايين أمام الشاشات في كل بقاع الأرض. صلاةٌ تاريخيةٌ على أرض مصر، من أجل شعب مصر، ومن أجل كل بقاع الأرض المأزومة بالإرهاب. جميعُنا، مسلمين ومسيحيين، مصريين وغير مصريين، ردّدنا خلفه آياتِ السلام ورفعنا لله نجوانا. جميعنا رفع يديه وقلبه للإله الواحد ربّ هذا الكون العظيم الذي كانت مشيئته أن نتنوّع حتى نتكامل، وأن نتباين حتى نتحابّ ونثرى ونسمو. خلال تلك الصلاة التاريخية التي أقامها البابا الكاثوليكي على أرض مصر، قدّم البابا للعالم، ولشعب مصر، رسائل عديدة. كأنما قال دون كلمات: يا شعب مصر العظيم، جئتُ إليكم حاملاً إيماني بكم كشعب عريق واعٍ، قرر أن يتمسك بوحدته، لافظًا سهامَ الفُرقة التي تضرب خاصرته كل يوم، من أقواس أعداء الحياة. جئتُ إليكم مراهنًا على تلك الأرض الطيبة التي صنعت السلام منذ فجر الضمير الإنساني، ثم قدّمته للعالم في صورة أولى حضارات الأرض. جئتُ إليكم غير هيّاب مما أسماه المحللون: "الإرهاب”. فمثلي لا يهاب إرهاب وحوش الإنس، بل أدعو لهم بالغفران والرحمة مشفقًا عليهم من ضلال سعيهم وخروجهم عن مظلة الإنسانية. فالإنسان وُجِد على هذه الأرض ليصنع السلام ويُشيعه. قصدتُ أرض مصر عارفًا ان السلامَ يسكنها، تمامًا كما قصدتْ مصرَكم قبل ألفي عام، أمي وأمُّكم وأمُّ السلام، البتول الطاهرة، مريم العذراء، حاملةً وليدها، السيد المسيح، طفلا طاهرًا، يرافقهما القديس يوسف. ولّت العائلةُ المقدسة ظهرها لأرض الخوف والإرهاب التي يحكمها هيرودس في فلسطين، وقطعت سيرًا ألف ميل صوب أرض الحضارة والسلام والبركة، مصر. فكانت زهور البيلسان تُشقشقُ تحت قدمي مريم، وتتفجّر ينابيع الخير أينما حلّت، وأينما ارتحلت من شمال شرق مصر عند رفح، حتى قلبها في أسيوط، ثم عادوا من حيث أتوا بعدما قضوا في مصر سنين عددًا، يظلّلهم أمانُ الله وحبُّ شعبكم الكريم. فكيف أخاف على نفسي وما خافت أمي على وليدها، عليهما السلام؟! جئتُ إليكم دون درع واق يزود عني رصاص الإرهاب الذي وصموا به أرضكم، لأنني لم أصدقهم. فشعبٌ مثل شعبكم بنى تلك الحضارة العظيمة منذ فجر التاريخ الأول، مستحيلٌ أن يسمح ليد الإرهاب السوداء أن تحصد ما زرع منذ آلاف السنين. معكم، والآن، سنطلق صيحة السلام لكل العالم من أرض السلام. لم يقل البابا فرنسيس ما سبق بالكلمات. تلك الكلمات هي الصورة القلمية التي رسمها قلمي لتلك الزيارة التاريخية التي قدّمها بابا الفاتيكان في لحظة صعبة من لحظات مصر، كأنما ليقول للعالم: لا تصدقوا الواشين، فلا إرهاب هنا في تلك الأرض المباركة، التي جئت إليها آمنًا، وخرجتُ منها بعدما أشاعت السلامَ في نفسي وقد جئتُ لأشيعَ السلام في ربوعها. أنظرُ حولي في ستاد 30 يونيو الشاسع، ثم أهتف لمن حولي: تدرون كيف ردّت مصرُ الجبارة على الإرهابيين؟ قالت: “أنا مصرُ العظيمةُ صاحبة العشرين ألف عام من السعي الحضاري، والسبعة آلاف عام من الحضارة المدونة، قررتُ أن أردَّ على مفجري الكنائس في أرضي، بتشييد أضخم كنيسة في التاريخ هنا على أرض هذا الاستاد. لكنها كنيسة من نوع فريد. كنيسة مفتوحة سقفُها هو السماء ومساحتها بطول حضارة مصر وعرضها. كنيسة سماوية للمصريين كافة، مسلمين ومسيحيين. خرجوا من دورهم مع خيوط الفجر الأولى متوجهين صوب ساحة السلام، رافعين أكفّهم لله ربّ السلام، مُبرئين ذمتَّهم من خصوم السلام. واسلمي يا مصرُ. -- فاطمة ناعوت #مصر #واجهوا_الخطر
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ألفُ خطيئة في حق العربية!
-
طوبَى لصُنّاع السلام
-
إبراءُ ذِمّة … وشهادة
-
أحلَّ سفكَ دمي في الأشهرِ الحُرمِ!
-
حوار مع كائن فضائي: صليبٌ وسيف
-
لماذا قبَّلَ البابا أقدامَ المسلمين؟
-
ماذا قالت مصرُ للمصريين أبناء الحياة؟
-
مّن فجّر الكنيسة قبل أن أجدل السعف؟
-
حاضر عن المتّهم
-
رسالة مسيحي …. إلى وكلاء السماء
-
مصر لم تجدل عيدان السعف!
-
دموعي في كف الأبنودي
-
سمير فريد … عصفور النقد النبيل
-
الطفل الأحمق والطفلة الغبية
-
محمد عناني … ذلك العظيم
-
حاكموا: فقر خيال نجيب محفوظ!
-
الأرنبُ الصغير … يا وزير التعليم!
-
أمهاتٌ على أوراق الأدباء
-
مَن يكره عيدَ الأم؟
-
مصحفٌ من يد دميانة
المزيد.....
-
بدء احتفالات الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية في ايران
...
-
40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
تفاصيل قانون تمليك اليهود في الضفة
-
حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق
...
-
أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة
...
-
لأول مرة خارج المسجد الحرام.. السعودية تعرض كسوة الكعبة في م
...
-
فرحي أطفالك.. أجدد تردد قناة طيور الجنة على القمر نايل سات ب
...
-
ليبيا.. وزارة الداخلية بحكومة حماد تشدد الرقابة على أغاني ال
...
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|