أياد الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 5510 - 2017 / 5 / 3 - 00:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
التناشز السياسي في المجتمع العراقي
التناشز السياسي كما التناشز الأجتماعي لهما وقعآ مهمآ على الحياة العامه لكل مجتمع, ودرجة كل منهما يكشف عن درجة الوفاق الأجتماعي والسياسي لذلك المجتمع , لذى يكون هذين المفهومين محل مراقبة وأهتمام المعنيين بالشأن العام خاصه , حتى أن ضرورة هذين الأمرين جعل منهما عاملين حازمين في تفسير ما تمر به المنطقه العربيه عامه والعراقيه خاصه من حالة غليان وعدم أستقرار .
أن بروز هاتين الظاهرتين يعزى للقيم الأجتماعيه والثقافيه والسياسيه المتناقضه والمتضاربه مع بعضها ضمن المجتمع الواحد, وهي كثيره ولكني أوددت أشير الى أهم الأحداث التي ساهمت ببروز التناشز السياسي , الذي لعب دورآ كبيرآ وخطيرآ في كل الأحداث والتدافعات المجتمعيه في الوطن العربي عامه والعراقي خاصه . يمكنني القول أن اللبنه الأولى لهذا الظهور حين قرر الأمام علي (ع) أن تكون الكوفه عاصمه له , وهذا الأختيار له الكثير من الدلالات التي لا يسعنا ذكرها في هذا البحث, تمهيدآ وأستكمالآ لمشروع حضاري قائم على أسس محمديه بعدما لمس الأمام من حالة نكوص تعتري الحياة العامه التي أسس ووجه بوصلتها محمد (ص).
الأمام علي (ع) كان مثالآ للزهد والعدل والتقوى والشجاعه, وهي خصائص لم يجاريه فيها أحد الا معلمه الأول محمد (ص). أستشهد الأمام ولم يحقق هذا الحلم ببناء الدوله المنشوده, ولكن فقدانه أثار في نفوس العراقيين مواجع كثيره, مما سبب في نفوسهم ندمآ كاد يقتلهم, وما حركة التوابين الا مظهر صارخ لهذا الندم حسرتآ لما فرطوا فيه من عدم الطاعه , وفقدان الفرصه الذهبيه بوجوده بين ظهرانيهم والتي من المؤكد لو أستثمرت لأكلوا من فوق رؤسهم وتحت أقدامهم , ولغادروا كل الآهات التي حلت بهم من بعده على يد من حكموهم. هذا الندم والوعي المتأخر أصبحا حافزآ لتقديسه بل أصبح العقده التي تلاحقهم جيلآ بعد جيل لأنهم فرطوا برجل قلما يأتي الدهر بمثله , حتى أقتنعوا بقرارت نفوسهم لا شئ يشفي غليلهم ويكفر عن خطيئتهم الا تبني فكرة المثاليه العلويه أن صح لنا التعبير. هذه المثاليه هي الأساس الذي بنوا عليه رؤيتهم السياسيه والأجتماعيه لقادم أيامهم, وهو ما أدلجوا عليه أبناءهم وأتباعهم ,فتشرب بنفوس جماهيرهم عبر التاريخ مما جعلهم يصطدموا بصخور أستبداد من حكمهم , والذين كانوا بالضد من المشروع العلوي والذي أصبح مشروع الجماهيرالذي رسمه قول الأمام علي (ع) حيث قال (أأقنع من العيش أن يقال لي أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الحياة وأكون أسوه لهم في جشوبة العيش,,,).......)ومن رؤيه مفادها أن السلطه وسيله لا غايه كما قال لأبن عباس في قولته المشهوره (يا أبن عباس ماقيمة هذا النعل؟ فقلت لا قيمه لها فقال لي (ع) والله لهي أحب الي من أمرتكم الا أن أقيم حقآ أو أدفع باطلآ..).....) هذا الأدب السياسي الذي تركه الأمام , هو ما شكل الزاد الحقيقي لشيعته . هذه الرؤيه هي الأساس التي شكلت الثنائيه الثقافيه والقيميه في العراق كقطب ينزع ولو فكريآ نحو علي (ع) وبين قطب ينحو بأتجاه أموي عباسي , عثماني , سعودي والذي له وجود أيضآ على أرض العراق , هذه الثنائيه هي من جعلت العراق ساحه لهذه الثنائيه ذات التنافس التصارعي والذي نلمس الكثير من أثاره اليوم , وهو الأساس في أنقسام الوجدان العراقي, ومن سوء حظ العراق أن كل من جاء لحكمه يقف بالضد من تطلعات أهله العاشقه لمبادئ علي (ع) ومشاكس لهم , وشرس الى أقصى درجات الشراسه لمثاليتهم العلويه.
أن المثاليه العلويه تأصلت بعشاقه وتحولت الى ملاذ لكل ما مر بهم من معاناة وأضطهاد وسلب للحريات, حتى أن هذه المثاليه العلويه شكلت في وجدان البعض رابطآ يعتقد متبنيه أنه رابطآ عضويآ للأ يديولوجيه جديده في حينها الا وهي الماركسيه, وهي ظاهره فريده من نوعها بالعراق أنذاك , عبرت عن نفسها بتنظيم حزبي تحت عنوان الحزب الشيوعي العراقي في مدينة النجف الأشرف , وهي المدينه التي يكون فيها المرقد الشريف للأمام علي (ع) , حتى أن أكثر قادة هذا الحزب من أبناء رجال دين ومن مختلف درجاتهم الدينيه , هذه الظاهره حار في تفسيرها الكثير ولكن يمكن لهذه الحيره أن تتلاشى لو تمعنا الى عمق الظاهره الا وهو ما لاحظوه هؤلاء الشباب وما أعتقدوه بأن هؤلاء الأباء قد أبتعدوا بسلوكهم الشخصي عما تعلموه وسمعوه من هؤلاء الأباء عن هذا الأمام العظيم , وأعتبروهم جاحدين لتراث الأمام (ع) بما أحرزوه من مال وعقار يتنافى مع فلسفة الأمام التقشفيه والتي تحمل شعار العداله الأجتماعيه , فتبنى هؤلاء الشباب ومن باب ردة الفعل الفكر الماركسي وأعتبروه هو الأقرب لأفكار علي (ع) وهذا ما يفسر الرقم الكبير لأعضاء الحزب من الطائفه الشيعيه في أربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن الماضي , وهذا ما ساهم ببروز ظاهرة التناشز السياسي الحاد في العراق وخاصه في وسط وجنوب العراق وهذا العامل هو من أكثر العوامل التي عقدة المشهد السياسي بالبلد وأفرزت صراعآ سياسيآ محتدمآ تجلت بالكثير من مظاهر العنف سواء كان بين الجمهور نفسه وما بين هؤلاء والدوله .
أن التناقض الحاد والمزمن بين المغالين المثالين والمعادين الناصبيين ساهم بنشوء تيارآ ثالثآ أخذ أسماءآ مختلفه عبر الزمن , فمره يأخذ لون الفكر المعتزلي الذي يحاول أن ينأى بنفسه عن الغلو من جهه , ويبتعد عن الطرف المستبد من جهه ثانيه , وعلى هذا المنوال ظهرت الكثير من الحركات التي تدعوا الى الوسطيه والأعتدال وهي الأن في زماننا هذا تعلن عن نفسها تحت عناوين مختلفه .
أن بروز العثمانيه من جديد وبشخصية مثيره للجدل مثل أوردغان , وهو نظام طائفي أستبدادي تهب علينا رياحه من الحدود الشماليه , يقابله نظامآ بدويآ تسلطيآ يهب علينا غباره الخانق من الجنوب , والأخطر بالأمر أن لهم مريدين وأتباع في داخل البلد , ساعد كثيرآ بستعار نار الطائفيه الخطيره ووضعها البلد على كف عفريت. كما لا يمكننا أن نختم بحثنا بدون المرور على بروز ظاهرة البعث وما ساهم وبشكل حاد من أستعار نار التناشز السياسي والأجتماعي في الساحه العراقيه والتي عمقت التناشز السياسي في الشخصيه العراقيه الى مرحله خطيره , وهي كانت من أخطر الحلقات السيئه في تاريخه والتي قسمت فيه الشخصيه العراقيه الى أجزاء متناثره لا يجمعها جامع , حتى وصلت الشخصيه الى أحتقار نفسها من شدة التنافر بين ما تحب وبين ما تجبر عليه من متبنيات, حيث أنقسم فيه المجتمع بالولاء لنظام دفن الآلاف أحياء , وملئ السجون بالأبرياء , وشن الحروب على الجيران, وأنصاره يتغنون له ويترحمون عليه بعد سقوطه أمام أنظار ومسمع ضحاياه , وهذا هو ما زاد في طين التناشز السياسي والأجتماعي بله . أن ما يتعرض له البلد اليوم من حرب شبه أهليه هو نتيجه لهذا التناشز السياسي الحاد بين مكوناته وأفراده وهو سر التأزم السياسي في البلد وهو أس اللاأتفاق السياسي بين أحزابه الداخله في العمليه السياسيه , كما أن أخطر تجليات هذا التناشز هو ما دفع أطرافه الى تبني أجندات أقليميه تكون أمتداد لمتبنيات هذه الأطراف السياسيه في الداخل وهذا هو سر تسمية البعض بالأمويين الجدد بسبب أنتسابهم الى مشرب أموي واحد. كما أن هناك الكثير من المفردات في وسطنا الثقافي والأجتماعي والتي تسللت للفكر السياسي ,حيث البعض يجعل من القاتل رمزآ تاريخيآ وحضاريآ شامخآ كالرشيد والمنصور حتى تسمى بأسماءهم أجمل الساحات وأهم المؤسسات مقابل من يقدس ضحية هذه الرموز والتي يتبنونها رمزآ للشهاده والولاء كاالأمام الحسين والكاظم (ع), حتى لترى كلما زاد المنسوب التناشزي أرتفاعآ كلما برزة هذه الرموز في قائمة الشعارات السياسيه المناهضه لبعضها البعض وهذا ما يزيد من حدت التوتر الشعبي في البلد الواحد , مما يخلق جبهتيين متحاملتين على بعضها البعض مما يساعد في ظهور قيادات طائفيه تحسن أستخدامهم لمآربها الشخصيه وغالبآ ما يكون هؤلاء من صنف الفاشلين سياسيآ ولكن عمق التناشز السياسي والأجتماعي يجعل من هؤلاء السياسين الفاشلين أبطال.
عندما يكون الجو السياسي مفعم باالتناقضات , سيكون جوآ مثاليآ لتولد تناشزات جديده تربك الشارع العراقي و تجعله على حافة الهاويه , وهذا ما يجعل التفكير بتقليص حدة التناشز السياسي أمرآ حتميآ , يكون فيه للجمهور بالأنظمه الديمقراطيه الثقل الأكبر بنزع هذا الفتيل بأبعاد كل شخصيه يشم منها رائحة الطائفيه عبر صناديق الأقتراع . كما يجب تبني كل المشاريع التي توحد الروئ في كل ما يتعرض له البلد من أزمات وعلى سبيل المثال ظاهرة داعش , فمن الضروري أن تدان من الجميع لكي يطمئن الجميع الى بعضهم ويهدأ أقارب الضحيه أن ليس هناك ما يذكره بقاتله , كما يجب أبعاد كل الشعارات والأحزاب ذات المتبنيات الطائفيه والشعارات التي تصطدم مع قيم هذا المجتمع وتعزيز قيم العداله والحريه وكل ما يساهم بصناعة السلم المجتمعي .
أياد الزهيري
#أياد_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟