سلمان محمد شناوة
الحوار المتمدن-العدد: 5507 - 2017 / 4 / 30 - 10:27
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حين يصبح المسجد مشكلة ...وليس هو الحل
دائما في عرفنا و في ثقافتنا ان المسجد هو الحل لكثير من المشاكل الاجتماعية , هناك قلق حقيقي يرافق الاهل والاسرة ,على الابناء وخوفا عليهم دائما من السلبيات الكثيرة في المجتمع والشارع دائما يلجئون للمسجد حتى يخلق لهم حل جذري ومريح في تربية الابناء ...
كلما شب الابناء عن الطوق وكثر اصدقائهم يكثر الخوف من صديق السوء , ومن تأثير هؤلاء على اخلاق ابنائهم , ودائما كان المسجد حلا مثاليا , يقوم سلوك الابناء ويغذيهم بجرعات كبيرة من الاخلاق ( طاعة الاباء , والتأدب بالحديث , وخلق مساحات شاسعة في ارواحهم تكون ارض خصبة للمعرفة ) ودائما كان المسجد يشكل الزاوية الثالثة للمثلث الاخلاقي البيت والمدرسة وثالثهم واحة الايمان المسجد ...
لزمن طويل عبر التاريخ كان المسجد يشكل اللبنة الاولى للتعليم , حيث الكتاتيب والتعليم الاولى لحفظ القران , واستمر دور المسجد كذلك بعد ان تبنت الدولة اساليب التعليم الحديث والاكاديمي والذي اصبح الاساس لتطور المجتمع , وبقى هناك دور للمسجد في عقد حلقات حفظ القران والحديث الشريف ..
دائما كانت هناك هذه النظرة ,ان المسجد يحفظ الابناء من الزلل وسوء والاخلاق والابتعاد عن صديق السوء , والذي يعلم الابناء طريق الشر والاخلاق السيئة ...
والمسجد كان كذلك ولا يزال , ولكن اكتشفنا مع الزمن ان صديق السوء , ليس دائما من يعلم الابناء العادات السيئة , ولكنه ايضا من يعلم ويعود الابناء على عادات هو يراها انها الافضل للأبناء , وهي بعيدة كل البعد عن رغبة الاهل وحقيقة يقف الاهل مصدومين امامها ...
بعد زمن تكتشف ان ابنائك نحو منحى اخرى , في طريق غريب وعجيب , حقيقة لا تفهمه , ولا تريد في البداية ان تفهمه , لأنه مخيف مرعب حقا , مرعب ومخيف في سنيننا العجاف هذه , حين اصبحت المساجد الاداة لتشكيل عقلية الارهاب ...
شابان مسلمان من أصول سورية وحاصلان على الجنسية الكندية، مولودان في كندا وتربيا فيها ولم يعرفا وطنا لهما غيرها، رعتهما وعلمتهما وطببتهما وكفلت لهما ولأهلهما كامل الحقوق.
يختفيان من مدرستهما ليظهرا بعد فترة في شريط فيديو مصور، يعلنان فيه انضمامهما لجبهة النصرة الإرهابية من أجل «الجهاد» ويقومان بتمزيق جوازيهما الكنديين مع كيل السباب لكندا والغرب الكافر الذي توعدا بتمزيقه شر ممزق وضمه لدولة الخلافة تحت إمرة الخليفة «البغدادي»!
صورة مغرقة في السخرية أو الكوميديا السوداء والضياع والغياب العقلي تماما وإلغاء الذات أمام الوهم والخرافة ...
وليست هذه الحالة فردية بل نجدها في كثير من المجتمعات الاسلامية في اوربا والمنغلقة على نفسها , حيث نجد هذه المجتمعات في محاولة للحافظ على نفسها وهويتها الاسلامية تترفع عن الاندماج بالمجتمعات الاوربية , الاندماج دائما شر , والحل ان يتم حلق بيئة اسلامية صرفة داخل المجتمع الاوربي , ويحاول الاباء الحفاظ على العادات والتقاليد الاسلامية , ولا يكون لهم معين في ذلك سوى المسجد ...
ولكن ماذا عن القائمين على هذا المسجد , دائما هناك اعتقاد ان ائمة المساجد , انهم اكثر الناس اخلاقاً كونهم مرابطين في المسجد ليل نهار ..ولكننا لا نعي الحقيقية الا متأخرين , حين نكتشف ان هؤلاء الابناء اصبحوا قنبلة موقوته سرعان ما تنفجر ...
انها مشكلة ومشكلة كبيرة , حين يكتشف الاهل ان ابنائهم قد تسببوا بانفجار هنا وهناك , كثير من الاباء لا يصدقون , تأثير الصدمة عليهم كبيرا وهي كذلك , وتجدهم يصرخون ان هناك خلالا او ان هناك معلومات مغلوطة ..ولكن الحقيقة تكون مرعبة وقاتله ...
والحقيقة ان هذا الذي يحدث في اوربا ليس بعيدا عنه في وطننا العربي في العراق وسوريا وليبيا ومصر , دائما نجد ان المساجد اصبحت اداة كبيرة في تفريخ الارهاب , ونجد هؤلاء الابناء الصغار في السن القليلي التجربة , اداة طيعة وحاضر لعمل ارهابي هنا وهناك ...
لزمن طويل كانت المساجد خلال فترة العقود الاربع الاخيرة , خير معين للجماعات الارهابية في افغانستان في حربها من القوات الروسية , فمن خلال المسجد يتم تحضير هؤلاء الصغار تحضير نفسي وعقلي , حتى يصبحوا مقاتلين ومجاهدين جاهزين للموت , ويتم ارسالهم عبر دول عربية واسلامية كانت لهم مصلحة في حرب الافغان ضد القوات الروسية , بحجة حرب الاسلام , وكانت المساجد هي الممول الاكبر بجمع التبرعات للمقاتلين هناك ...
ولما انتهت حرب الافغان وبدأت صفحة طالبان تظهر , ساندتها المساجد في العالم العربي بحجة دولة الخلافة بمحيط كامل من الدول العلمانية والتي تحاول ان تقضي على الاسلام , ولم تم ضرب ابن لادن وطالبان ...انتقلت هذه الجماعات الى العراق وسوريا في محاولة جديدة لخلق دولة اسلامية في هذا المحيط ..فكان داعش وجبهة النصرة , وبقيت هذه المساجد بولائها لكل حركة ارهابية تحاول ان تشكل نواة لدولة اسلامية ...
لذلك ليس غريبا , ان نشاهد بين فترة واخرى , الخلايا النائمة تصحو وتقوم بعمليات ارهابية , لان هناك بنية تحتية حاضنة وجاهزة لتشكيل اعداد كبيرة من طالبي الموت , والحاضرين للموت في اي لحظة , وهو في الحقيقة ليست بحث عن حور عين لمن يريد ان يغلف بسذاجة مطالب هؤلاء ...
في الكتب الاسلامية والتي تدرس لهم , هناك مبدئين دائما كثير الكلام عنه ( اما الحياة تحت ظل دولة اسلامية , او نيل الشهادة ) وفي الاثنين عزا وفخرا لهم ...
وهناك مفاهيم لا يعرفونها ويعتبرونها من نتاج العلمانية , مثل المواطنة والحقوق المتساوية بين كافة افراد المجتمع , وهم كذلك لا يعترفون بالحدود الاقليمية , لان هذه الحدود برايهم من نتاج فترة الاستعمار الفرنسي الانجليزي , هم يحاربون كل ذلك .. لماذا ؟ لان ذلك ضد المفهوم الاسلامي للدولة ..
في المفهوم الاسلامي ان المواطنة فقط للمسلمين اما المسيحيين واليهود والصابئة فهؤلاء ذميين لهم حقوق ولكن حقوقهم ادنى درجة من المسلمين , في رايهم ان المسلم الافغاني افضل من المسيحي العربي ... لذلك نجد ان المواطنة شيء من الخيال يستهزئون به دائما ..
لا يوجد في فكرهم ديمقراطية , او دستور للدولة او قوانين تستطيع هيئة تشريعية بإقرارها , هناك فقط خليفة للمسلمين يحكم بما انزل الله ودستورهم هو القران فلا يوجد أي قانون يعلو عليه , من هنا نفهم ايضا , كيف يثور دائما بين الاسلاميين والعلمانيين حين يقول العلمانيون ان الدستور اعلى قانون في الدولة , فيصرخ في وجوههم هؤلاء ..لا يوجد شيء يعلو على القران , انهم لا يفهمون الديمقراطية ولا يفهمون التعددية ولا يفهمون حقوق الاقليات ولا يفهمون الراي الاخر ... في عرفهم كل ذلك سوف يرمى في سلة المهملات في لحظة قيام الدولة .
المسجد لم يعد مكان لتحفيظ القران للصغار , ولم يعد سوار لحماية المجتمع من هجوم الاخلاق الهابطة ..بل اصبح ينتج اخلاقه الخاصة , وتعليمه الخاص المبني على الاعداد النفسي للمجاهدين والقتال في سبيل الله ..كما يقولون .
واخيرا نقول ان المسجد كان حلا , ولكنه اليوم مشكلة حقيقية , فماذا نفعل ؟
المساجد لها دور كبير لا يمكن اغفاله ابدا ...
ولكن ايضا السؤال مطروح ..ماذا نفعل ان تجاوز عن دوره واصبح اداة للقتل والموت بدل ان يكون اداة للعلم والتربية ...
هل يتم مراقبة المساجد .. وهذا ليس بحل ...
هل يتم تعيين موجهين وائمة مساجد موجهين من الدولة وهذا ايضا ليس بحل ..
لأنه سوف يؤدي الى العزوف عن الدخول للمساجد ...
اعتقد ان مراجعة المناهج مهم , وخلق المعلم الديني صاحب الشخصية والذي يبني ثقافته الدينية على التطور الاجتماعي الملتزم بأساليب الديمقراطية والتعددية , هذا هو الحل ...
ولكن كيف تفعل ذلك وكل المناهج تم تشكيلها في ازمنه قديمة , ومعظم المجتمع الديني سوف يقف بوجهك ويقول انك تريد ان تشكل مناهجنا الدينية حسب اهواء دول غربية كافرة تريد الضرر بالإسلام , واول رغبة سوف تبتهج لها هذه الدول هو ان تغير مناهجك التعليمية , بحيث تلغي فريضة الجهاد من الثقافة الاسلامية , او مثل ما يحاول البعض حين يطالب الغاء الآيات القرآنية التي تحث على مقاتلة اسرائيل وجعلها دولة صديقة بعد ان كانت دولة عدوة ...
يقول صديقي المزعج دوما ...ان الاقتراب من المناهج والتعليم الديني خطر ...
وانا اقول ايضا ان البقاء على اساليب التعليم الديني , بوضعه الحالي ايضا خطر ..اذن ماذا نحن فاعلون ؟!!!
#سلمان_محمد_شناوة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟