أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد مضيه - إسرائيل الدولة الوظيفية















المزيد.....


إسرائيل الدولة الوظيفية


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 5507 - 2017 / 4 / 30 - 10:26
المحور: القضية الفلسطينية
    


إسرائيل الدولة الوظيفية
بلفور والتجريف الهمجيعبر مائة عام

اختطت إسرائيل لنفسها منذ أيامها الأولى نهج الاغتراب عن المنطقة ، وان لا تكون دولة لمجموع شعبها. دأبت على تصديررالأزمات والفتن داخل مجتمعات المنطقة واشغالها بالحروب والاضطرابات المستدامةعن ولوج الحداثة والتنمية . لم تستهدف بالأذى الشعب الفلسطين وحده؛ إنما قاومت الحركات الوطنية العربية كافة ، وتصدت لكل نزعة ديمقراطية في العالم العربي.
اعترف موشيه دايان ان الجيش الإسرائيلي اعتاد التحرش بسوريا كلما جاء موسم نقاش الموازنة في الكنيست لحمل النواب على زيادة مخصصات الحرب. ينقل موشيه شاريت في مذكراته في يوم 11 تشرين أول 1953 أثار رئيس الدولة إسحق بن زفي سؤالاً معه: «كم هو مثير لو يشنّ المصريون هجوماً نستطيع أن نتبعه باحتلال سيناء!». كان وزير الدفاع بنحاس لافون سابقاً قرينا من حيث التفكير لرئيس الأركان دايان: «يجب تعليم قيادة الجيش الدرس الشيطاني المتعلق بكيفية وضع الشرق الأوسط على النار» (10-1 -1955).
نتلفت صوب شرتوك أو شاريت ، في نصوص «يوميات شاريت: رؤية إسرائيل لذاتها": في 26 أيار 1955. ينقل شاريت عن بن غوريون رؤيته في مشروع معاهدة وضمان أميركية لإسرائيل: "نحن لا نحتاج إلى معاهدة أمنية مع الولايات المتحدة، فمعاهدة كهذه ستمثل عقبة أمامنا. نحن لا نواجه خطراً على الاطلاق من العرب خلال 8 إلى 10 سنوات القادمة، حتى لو تلقوا مساعدات تسليحية كثيفة من الغرب. إن معاهدة كهذه ستكتف أيدينا وستمنعنا من حرية الحركة... الدولة يجب أن ترى السيف وسيلة أساسية إن لم تكن الوحيدة لتحفظ معنوياتها عالية، ولتستمر في الحفاظ على يقظتها. من أجل ذلك علينا خلق الأخطار، وللوصول لذلك يجب اتباع طريق الأعمال الاستفزازية ثم الانتقامية... من أجل ذلك دعونا نأمل حرباً جديدة مع العرب نتخلص عبرها من مشاكلنا ونكسب مجالاً جديداً من الأراضي (يعلق شاريت بأن ذلك ذكره بفلتة لسان من بن غوريون عندما قال مرة «إن الأمر يستحق أن يدفع مليون جنيه استرليني لعربي من أجل دفعه لبدء حرب».) مما لا شك فيه أن هذين التصريحين يلهمان وزير حرب إسرائيل الحالي ، ليبرمان، إذ أفصح عن خلق ظرف الحرب لاقتراف جريمة تطهير عرقي جديدة في فلسطين.
في 27 شباط 1954 بعث بن غوريون من معتزله في النقب برسالة إلى رئيس الوزراء شاريت يحدد فيها تصوراته عن لبنان: «لبنان هو الحلقة الأضعف في الجامعة العربية... المسيحيون في لبنان ليسوا مثل أقباط مصر. هم أغلبية في لبنان التاريخي. الخطأ الأسوأ الذي ارتكبته فرنسا هو عندما وسعت حدود لبنان. إنّ خلق دولة مسيحية هو بالنتيجة عمل طبيعي. في الظروف العادية سيبدو هذا مستحيلاً، لكن في ظروف الاضطراب، أو الثورة أو الحرب الأهلية، الأمور تأخذ منحىً آخراً. ربما الآن هو الوقت المناسب من أجل العمل على خلق دولة مسيحية بجوارنا. بدون مبادرتنا ومساعدتنا لن يحصل هذا. إن هذا يتراءى لي أنه هو الواجب المركزي لسياستنا الخارجية، إن لم يكن على الأقل واحداً منها».
طوّر دايان اقتراح أستاذه في اجتماع لكبار مسؤولي الوزارتين المختصتين، الخارجية والأمن (16 أيار 1954) عندما طرح «أن نجد ضابطاً لبنانياً، ولو كان مجرد رائد، نكسب قلبه أو نشتريه، يقبل أن يعلن نفسه مخلصاً للموارنة. عندها سيدخل الجيش إلى لبنان ويحتل الأراضي الضرورية، ويخلق نظاماً مسيحياً سوف يتحالف مع إسرائيل. الأراضي جنوب الليطاني سوف تضم إلى إسرائيل». هذا النمط من التفكير عند بن غوريون كان يرى في «استعمال القوة طريقاً وحيداً لكي تصبح إسرائيل القوة المهيمنة في المنطقة، مع امكانية ـــ أو بدونها ـــ تحقيق ذلك عبر تحالف إسرائيل مع الغرب» (30- 3- 1955).
عام 1956 استبق بن غوريون تدخل بريطانيا وفرنسا في السويس وحرك قواته لتحتل سيناء، ويعلن ضم سيناء لدولة إسرائيل. وفر بذلك فرصة للحليفتين كي توجها إنذارا بابتعاد قوات الطرفين –مصر وإسرائيل - مسافة متساوية عن قناة السويس!!
رفض عبد الناصر الإنذار وكان العدوان الثلاثي، قدمت مأثرة مقاومة بورسعيد الباسلة المثال على طاقات الشعوب الغلابة في دحر العدوان. تجلى لشعوب العالم أين تقف إسرائيل وما هي ارتباطاتها الدولية، وهل هس حقا دولة بزغت على انقاض نظام كولنيالي؟ كيف تنسجم السياسة البريطانية بالمنطقة مع اطماع إسرائيل التوسعية. نسقت اسرائيل سياساتها العدوانية مع الدول الطامعة فيثروات شعوب المنطقة وموقعها الاسترتيجي.
في عشرينات القرن الماضي روجت بريطانيا ثقافة معاداة السوفييت والشيوعية. أعلن لينين، قائد ثورة اكتوبر الاشتراكية تحالف ثورته مع حركات التحر ر الوطني للشعوب التي تستعبدها الامبريالية . ردت الدعاية البريطانية بحملة اكاذيب لشيطنة الدولة السوفييتية والفكر الاشتراكي. الصقت بالشيوعية والاشتراكية تهم تفكيك الأسرة والتنكر للتقاليد وإشاعة النساء ونشر الإلحاد . توجه مندوب صحيفة التايمز اللندنية إلى الخليفة العثماني القابع في الآستانة تحت حراب الإنجليز بسؤال حول الشيوعية والدين ؛ ثم توجه بالسؤال إلى شيخ الأزهر وروج أجوبتهما على نطاق واسع. ونشطت حملة ضارية ضدالشيوعية والسوفييت شملت العالم العربي ، وبرز في هذه المرحلة التي لم تنشأ فيها احزاب شيوعية عربية الشيخ التفتزاني يروج الدعاية ضد حركات التحرر الوطني لدعم السيطرة الكولنيالية للامبريالية.
مضت السياسات البريطانية على نهج التعاون مع إسرائيل في ضرب طموحات العربللتحرر والديمقراطية والتنمية. أورد الكاتب البريطاني كريستوفر دافيدسون, في كتابه الجديد، «حروب الظلال: الصراع السرّي من أجل الشرق الأوسط"، تدخّل بريطانيا المباشر سرا في حرب اليمن في عقد الستينيات. نفت الحكومة البريطانيّة تدخلها في اليمن رغم أن جنوداً فرنسيّين وبريطانيّين كانوا يعملون مع القبائل، بالإضافة إلى مرتزقة، في الحرب. وفي عام ١٩٦٤، كان رئيس الوزراء أليكس دوغلاس هيوم ينفي علناً أي دور بريطاني في الحرب اليمنيّة، فيما كان يأمر وزير خارجيّته سرّاً بأن «يجب أن نجعل الحياة لا تطاق لعبد الناصر عبر المال والسلاح» (ص. ٢٥). كان بريطانيّون يقودون الطائرات السعوديّة المشاركة في القتال. ويضيف دافيدسون : كتبتُ من قبل عن الدور الإسرائيلي في حرب اليمن في الستينيات. والوثائق البريطانيّة تقول إن الحكومة البريطانيّة طلبت من الـ«موساد» بأن تشرف على عمليّة تدريب القبائل الرجعيّة المتحالفة مع المملكة السعوديّة. وأمدّت حكومة اسرائيل الحكومة السعوديّة بأسلحة سوفيتية كانت قد غنمتها من معارك أخرى. ويضيف ديبلوماسي أميركي أن الطائرات الإسرائيليّة كانت تقوم بدوريّات فوق البحر الأحمر في إشارة إلى الحكومة المصريّة كي تبتعد عن الأراضي السعوديّة.

"وفي عُمان أثناء الثورة الشعبية كانت الحكومة البريطانيّة تترك ألغاماً بإشارات سوفيتية كي تحرّض القبائل ضد «الجبهة الشعبيّة». وفي كل تاريخ الاستعمار البريطاني والفرنسي والأميركي اللاحق، كانت القوى الغربيّة متحالفة مع عتاة القوى الرجعيّة في المجتمع العربي. وفي عُمان، كانت الحكومة البريطانيّة تستعين في دعايتها (المكتوبة بعربيّة رديئة) بالتذكير بالأفكار التقدميّة التحريّريّة للثوّار من أجل تقويض شعبيّتهم. وكانت المناشير البريطانيّة (مكتوبة بالعربيّة) تدين خطط «الجبهة» في تحرير المرأة وفي حظر تعدّد الزوجات. وكانت المناشير البريطانيّة تعد القبائل العمانيّة بأن الحكم الرجعي سيحافظ على حق تعدّد الزوجات، وتصوّر قضيّة الاستعمار بأنها «قضيّة السلطان والإسلام» (ص290)
أما الولايات المتحدة التي تكاد تطيح برئيسها المنتخب على إيقاع تهم التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة، فلم تعد تحصى عمليات تدخلها لتزوير الانتخابات او الإطاحة بالحكوملت المنتخبة مثل حكومة ىربيز في غواتيمالا وحكومة مصدق في إيران، ثم حكومة سليمان النابلسي في الأردن عام 1957.
كيف اطاحت خطة اجاكس بحكومة محمد مصدق في إيران؟ في البداية أثارت القلاقل: زعران استاجرتهم المخابرات الأميركيّة والبريطانيّة انطلقواً في الشوارع منتحلين صفة أعضاء في حزب «توده»، يهدّدون القيادات الدينيّة بالقتل في حال عدم دعم مصدّق. وكانت كل وسائل وأدوات وسيّارات وشاحنات الأوغاد هؤلاء من تمويل الحكومة الأميركيّة. تلقى الزعران الأوامر بقذف الجوامع ورجال الدين بالحجارة أمام المراسلين الأجانب، ولوم عناصر «توده» على ذلك. أبدى المسؤول الأميركي عن عمليّة «اجاكس»، كيرميت روزفلت، إعجابه بما حصل: يمكنكَ أن تبتاع "مظاهرة من الغوغاء". والطريف أن الذين انتحلوا صفة «توده» في الشوارع (بأمر من المخابرات الأميركيّة) هم أنفسهم الذين تظاهروا فيما بعد للمطالبة بعودة الشاه، أو للترحيب به.
شجع النجاح في عملية اجاكس الحكومتين البريطانية و الأميركيّة على نقل التجربة إلى سوريا . قدمت الأموال لحزب الشعب السوري لشراء ضباط من الجيش، وتم التفاهم مع الإخوا ن المسلمين على التظاهر في عدد من المدن. وخطة الفوضى هدفت إلى إعطاء ذريعة من أجل تدخّل القوّات العراقيّة (الموالية بالكامل لبريطانيا). لكن رسالة من وزير الخارجيّة البريطاني إلى أنتوني إيدن تفضح هدفاً أبعد للخطّة (اسمها كان "عمليّة ستراغل") وهو إلحاق الدولة السوريّة بالعراق الموالي للاستعمار البريطاني.تكشف الأرشيفات الوطنية للولايات المتحدة عن خطط وضعتها وكالة المخابرات المركزية الأميركية منذ عقود لتدمير حكومة سوريا. ومن هذه الخطط تدبير هجوم ضد الأراضي السورية من ثلاث دول معادية محيطة في آن واحد: العراق ، إسرائيل، تركيا. مهمة إسرائيل رفع درجة التوتر من الحدود اللبنانية دون الدخول مباشرة في حرب.
وكتب سين آدل طباطبائي في 5 آذار 2017 يقول: في وثائق مركز بروكينغز للدراسات " مذكرة الشرق الأوسط #21:إنقاذ سوريا: تقييم خيارات تغيير النظام" ، وفيها يقال: سيكون مساهمة تركيا أمرا محتما لضمان النجاح، وستشجع واشنطون الأتراك للعب دورا مساعدا اكثر من ذي قبل. ثم يمضي إلى القول، "ولدى المخابرات الإسرائيلية معلومات اكثر عن سوريا، علاوة على أرصدة قابعة داخل النظام يمكن تسخيرها لإَضعاف قاعدة قوة النظام والضغط من اجل إزاحة الأسد(الأب).
ثم وقع الاختيار على إسرائيل كي تدخل مباشرة في مؤامرة العدوان على مصر عام 1956. تلقى بن غوريون صفعة قاسية عام 1956 ، أجبرعلى الانسحاب ؛ لكنه ومريديه اتخذوا من الفشل درسا وحافظوا على نهج الكيد للجوار وطوروا الجاهزية الحربية، متهيئين لاستغلال أي سانحة لمعاودة العدوان. وتم لهم ذلك في حزيران 1967. فرضت قيادة اركان الجيش، وقد أعدت العدة، خيار الحرب على القيادة السياسية خلقوا وضعا مأزوما في المنطقة لم يخرج منه العرب طوال معاناة نصف قرن. جاءت حرب حزيران حلقة في سلسلة مؤامرات بادرت المخابرات المركزية الأميركية لتدبيرها وتنفيذها ضد دول التحرر الوطني. أسقطت بانقلاب عسكري عام 1964حكومة غواو غولارد في البرازيل وكانت مدعومة ببرلمان انتخب ديمقراطيا, ثم جرت مجازر أندونيسيا والإطاحة بحكم سوكارنو واستبداله بديكتاتورية سوهارتو الدموية والفاسدة. تم إسقاط نظام نيكروما في غانا في العام التالي، وجاء دور عبد الناصر عام 1967.
أقر بيغن أن تنظيم الجيش المصري في سيناء قبيل عدوان حزيران قام على أساس دفاعي، واقر رابين وقائد القوة الجوية بنفس التقدير. وفي مذكرات لم تنشر لبن غوريون ان رابين زاره في دارته بسديه بوكر بالنقب وطلب منه المصادقة على دخول حرب وقائية ضد ناصر . رد بن غوريون ان عبد الناصر لايريد الحرب وهو أثار مشكلة سياسية ونصح بالعدول عن خطر الحرب. غير أن قيادة أركان الجيش الإسرائيلي فرضت توجهها العسكري. ودخلت المنطقة في عصر جديد لم تجد منه فكاكا حتى اللحظة الراهنة.
كان الجنرال متيتياهو (ماتي) بيلد قد شارك في جميع حروب إسرائيل وفي حزيران 1967 كان عضوا بهيئة أركان الجيش، ظهر من الصقور الذين ضغطوا للدخول في الحرب وهدد بالاستقالة. اقترح على القيادة الإسرائيلية اغتنام مناسبة النصر العظيم وعرض تسوية سلمية على الفلسطينيين، تنسحب إسرائيل بموجبها عن الأراضي التي احتلتها في حرب حزيران من اجل التوصل إلى اتفاق ينهي الصراع. لم يخطر بباله ان الاحتلال سيستمر عقودا وان مستوطنات يهودية ستقام بالضفة . توصل إلى يقين ان القيادة الإسرائيلية تخاف من انفجار السلام. تقاعد عام 1969 ودخل الحياة البرلمانية مع أوري افنيري ضمن قائمة السلام. اتصل سرا بعصام السرطاوي وسعيد حمامي ونقل لرابين بعض ما دار في المباحثات. قدم أطروحة الدكتوراة في أدب نجيب محفوظ وشغل منصب رئيس قسم الأدب العربي بجامعة القدس . أيد اتفاق اوسلو ثم خاب امله بالاتفاق وتنبأ بانتفاضة ثانية. توفي في آذار 1995...
احتواء المقاومة الفلسطينية
إذا سعت إسرائيل للتحكم بمجريات الأمور في الأقطار العربية فإنها ركزت جهودها التخريبية على الأوضاع الفلسطينية. ومن خلال مكافحة المقاومة الفلسطينية راكمت إسرائيل خبرات واخترعت معدات امنية تتلهف الدول السلطوية على استيرادها . إسرائيل مصدر رئيس لخبرات الأمن ومكافحة التحركات الجماهيرية وتعقد سنويا مؤتمرات تستعرض الجديد من الخبرات العملية و معدات التجسس والمراقبة عن بعد ومكافحة التحركات الجماهيرية تشكل شطرا كبيرا من علاقاتها الاقتصادية والسياسية الدولية. تعاقبت العقود لتتعاظم كفاءة أجهزة الأمن الإسرائيلية ؛ بينما تتقهقر الكفاءة والقوة النسبيتين للمقاومة الفلسطينية، ولا تقوم بجردة حساب او مراجعة نقدية . وبالنتيجة فالمقاومة الفلسطينية بأساليبها ووسائلها تجربة فاشلة؛ لكن التصدي الشعبي وغريزة الحفاظ على البقاء غدت نمط حياة للشعبالفلسطيني على الأراضي المحتلة وفي مخيمات اللاجئين في الأقطار المجاورة. إن الإصرار على المقاومة متجذرة في الوجدان العام والإرادة الجمعية للفلسطينيين . المقاومة رد فعل طبيعي على الجور وسلب الحقوق والتهديد بالتهجير.
حيث أن لكل خطة استراتيجية خطة تنظيمية، فإن تنظيم الفصائل كافة لا يفصح عن خطة إلحاق هزيمة بالاحتلال الإسرائيلي تضطره للانسحاب من الأراضي المحتلة، ناهيك عن التنازل عن مكاسب حرب التطهير العرقي، كان يقبل إرجاع شطر من اللاجئين. راهنت جميع الفصائل على النضال الدبلوماسي، يسخر العمليات المسلحة للضغط على إسرائيل. واشترطت على العناصر الوطنية العربية ان تعمل تحت مظلتها وتترك لها دور راس حربة النضال العربي ضد الامبريالية؛ لكي تستفيق وقت العدوان على لبنان عام 1982 والحصار فلا تجد حركة تحرر تسندها.
الهبت النكبة الفلسطينية حركات التحرر الوطني في انصف الثاني من القرن الماضي. تصاعد المد الوطني ودخلت الجماهير في الحياة السياسية المناهضة للتبعية والاستبداد السياسي لنظم الحكم وضد الأحلاف العسكرية، واحتضنت كل حركة الموضوع الفلسطيني. بذلك اتخذت القضية الفلسطينية موقعها جزءا عضويا من حركة التحرر الوطني ضد النفوذ الامبريالي في المنطقة ، ومن اجل الديمقراطية والتحولات الاجتماعية الجذرية، وتوجب على الفلسطينيين في مواقع الشتات الانخراط في النضالات الوطنية – الديمقراطية حيث يقيمون. أما الجانب السلبي لهذا التوجه فالقضية لم تتبلور في موضوع تخاطب به حركات التحرر والتقدم في الخارج ، كما أن الانخداع كان طاغيا بالمشروع الصهيوني وبدولة إسرائيل ، نظرا لذاكرة الهولوكوست ولجهود حكومات حزب العمل لدى الاشتراكية الديمقراطية وبعض حركات التحرر بادعاء أن إسرائيل وجدت على انقاض السيطرة الكولنيالية البريطانية .

اعتداءات إسرائيل على الأقطار العربية المجاورة ، ثم تحويل المياه من نهر اليرموك وبحيرة طبرية إلى النقب اقتضى فرز الموضوع الفلسطيني قضية متميزة. كان لبروز منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها المسلحة دور في إبراز القضية الفلسطينية قضية تحرر وطني على المسرح الدولي. غير ان تواجد قواعد انطلاق الكفاح المسلح في أقطار المواجهة لإسرائيل وضع الفصائل تحت رحمة الأنظمة وعرضها لأدوات تصنت الامبريالية – الإسرائيلية. باسم استقلالية القرار الفلسطيني اختطت حركة فتح قائدة النضال نهج الانعزال عن حركات التحرر العربية، وقادها التفكير الملغم بعقد النقص وحرق المراحل لحت الكتف مع أكتاف الأنظمة. غياب الوعي كرس التخلخل في التنظيم والفلتان الذي اوهن اندفاعة المقاومة وحرفها إلى جداول متناثرة.
ورث النشاط السياسي الفلسطيني ، والعربي عموما، النظام الأبوي، يمنح السلطة المطلقة للرئيس ، أيا كان رئيس الدولة او المنظمة او الحزب، حيث يتشارك هؤلاء جميعا في استبعاد الكفاءات وتقريب المتزلفين والمتسلقين والجواسيس الماهرين في التزلف والمداهنة؛ حتى لقد باتت المجتمعات العربية طاردة للكفاءات وللغيرة الوطنية والاجتماعية. إدارة الرئيس أوامرية لا تقبل الحوار او المساءلة او النقد. كل نقد او تحذير شق عصا الطاعة وزندقة متواطئة مع المكائد الأجنبية. بالنتيجة تكررت الأخطاء رغم ما الحقته من هزائم ونكسات. المراجعة النقدية مغيبة عن النشاط السياسي الفلسطيني؛ شأن التفكير الاستراتيجي، إذ تتكرر العمليات المرتجلة والتصرفات الانفعالية.
واحتفظ النشاط السياسي بقيم المستبدين وأصحاب الشوكة: الحق للقوي والعاجز بجيب شهود؛ ورثت مجتمعاتنا ونشاطنا السياسي ثقافة الفرقة الناجية المتجسدة في شخص الرئيس" الملهم" وحاشيته . سيكولوجيا السلطة علّمت الحاكم ان يحيط نفسه بأشخاص يقولون له ما يحب ان يسمعه، ويعتمد السيف لحلّ الخلافات ؛ الحوار والتفاوض والتنازلات المتبادلة للتوصل إلى الحلول الوسط ثقافة مذمومة؛ أما إتقان التحاور بحيث يوصل إلى النتائج الإيجابية فيتطلب خبرة تستوفى بالممارسة والمران. بنبذ ثقافة الحوار يغدو الخروج على الحاكم زندقة وتهديما للمجتمع؛ وتمظهر ذلك كله في العصر الحديث بقوانين الطوارئ. عبر ألف وثلاثمائة عام او يزيد يستعاض عن التفاوض والحوار بالبتر وقطع الرؤوس، وفي العصر الحديث بالانشقاقات والإقصاء. ابتليت المجتمعات العربية بحركات ردة إلى الماضي السحيق بعقَدِه وإشكالياته المعيقة للتحديث الثقافي والاجتماعي: إشكالية الفقر وإشكالية الاستبداد وإشكالية الأمية الدينية وإشكالية التعليم المجافي للعقل.
على مشارف القرن الماضي غلب النزوع الى الابتعاد عن ثقافة العصر الوسيط واتباع الحداثة في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية ؛ وما إن أشرف القرن على نهايته حتى غلبت ردة شاملة احتضنت قيم الماضي ومعاييره واساليبه وعلاقاته الاجتماعية وإشكالباته. كان قرن هزائم وردة وإشكالات مستعصية .
اعتبرت الجامعة العربية وحكوماتها القضية الفلسطينية مركز اهتمامها ؛ لكن ذلك لم يتجاوز الاستهلاك المحلي، إذ قدمت الأنظمة مصالح الطبقات والشرائح الكمبرادورية على مصالح شعب فلسطين وقضيته. كان الموقف من إسرائيل محكوما بالتبعية للامبريالية ، سيد الطرفين. وحين يفتقد الوعي تنتصب الشعوذة السياسية والاقتصادية والثقافية منارة خلاص. انظمة من هذا القبيل أغرت بن غوريون للقول:"نحن لا نواجه خطراً على الاطلاق من العرب خلال 8 إلى 10 سنوات القادمة، حتى لو تلقوا مساعدات تسليحية كثيفة من الغرب". ويتواصل عجز الأنظمة. وانقضت عقود زمنية حتى انبرى ضابط مثل الجنرال مئير داغان مكث في قيادة الموساد الإسرائيلي لمدة تسعة أعوام، خطب في آذار 2015 أمام عدة آلاف من الجماهير التي احتشدت لسماعه في تل أبيب: «إسرائيل دولة محاطة بالأعداء. لا يخيفني هؤلاء الأعداء، فأنا أخاف من قياداتنا.. من عدم وجود رؤية، ومن ضياع الطريق، من التردد، ومن الجمود السياسي.. لا أريد دولة ثنائية القومية ولا أريد أن نتحول إلى دولة أبرتهايد».
و نتنياهو يستشرف دربا ثالثا هو الترانسفير ، وإن تم ذلك على مراحل. يجري حشر الجماهير الفلسطينية في معازل تمارس عليهم مختلف الضغوط المعاشية إلى أن تتهاوى طاقة الاحتمال ويتقرر النزوح الاختيار.هكذا يتوهم اليمين الإسرائيلي.



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحصين سياسات الاباتهايد
- نظام ابارتهايد - التطهير العرقي مستمر
- بمنأى عن القانون والمبادئ والأخلاق
- بن غوريون يتجاوز معارضيه
- بلفور تجريف همجي-4
- تحويل فلسطين إلى دولة لليهود - بلفور تجريف همجي عبر مائة عام ...
- بلفور تجريف همجي عبر مائة عام -2
- بلفور تجريف همجي عبر مائة عام
- دور وطني بارز للمرأة الفلسطينية
- خمسون عاما في جحيم الأحكام العسكرية
- بديل الدولتيبن نظام أبارتهايد يتأرجح بين وهم الدولة الواحدة ...
- ترومب متمرد على الليبرالية الجديدة ام مواصل لأسوأ تقاليدها؟
- معالم تاريخ فلسطين القديم-4
- معالم تاريخ فلسطين القديم-3
- معالم تاريخ فلسطين القديم-2
- معالم تاريخ فلسطين القديم
- التربية تتصدر التحدي لثقافة الليبرالية الجديدة دفاعا عن العق ...
- ثقافة الليبرالية الجديدة تلقي أعباءً جساما على الثقافة الوطن ...
- مؤتمر فتح السابع والفرصة المضيعة
- فوز ترومب وصمت الميديا الأميركية


المزيد.....




- من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا ...
- ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا ...
- قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم ...
- مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل ...
- وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب ...
- واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب ...
- مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال ...
- -استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله- ...
- -التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن ...
- مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد مضيه - إسرائيل الدولة الوظيفية